المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٤

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاق]

- ‌(بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ)

- ‌[بَابُ الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ]

- ‌[بَابُ الْإِيلَاءِ]

- ‌[وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاء]

- ‌[وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ]

- ‌[الْإِيلَاء مِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

- ‌ الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌[شَرَائِطُ وُجُوبِ اللِّعَانِ]

- ‌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْهُ

- ‌[اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ]

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ

- ‌[قَذْفِ الْأَخْرَسِ]

- ‌ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌[عِدَّةُ الْحُرَّةِ]

- ‌ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌ عِدَّةِ الْأَمَةِ

- ‌عِدَّةُ الْحَامِلِ

- ‌عِدَّةُ مَنْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا ثُمَّ رَأَتْ دَمًا

- ‌[عدة الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ]

- ‌[عدة زَوْجَةِ الصَّغِيرِ الْحَامِلِ]

- ‌مَبْدَأُ الْعِدَّةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ]

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌الزَّوْجِيَّةِ

- ‌[أَسْبَابٍ وُجُوب النَّفَقَة]

- ‌ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ

- ‌ النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ

- ‌[النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ]

- ‌[نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ]

- ‌[النَّفَقَة مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ]

- ‌ النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ

- ‌(كِتَابُ الْعِتْقِ)

- ‌[امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ]

- ‌(بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ]

- ‌(بَابُ التَّدْبِيرِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِيلَادِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[ثَلَاثِ مَسَائِلَ فِي الْحُلْف]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ)

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]

- ‌ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَكَانَ قَدْ قَالَ آخَرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ

- ‌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَهُ

- ‌(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ

- ‌[قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ]

- ‌[قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[قَالَ لَأَقْضِيَنَّ دَيْنَيْ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقَّةً]

- ‌[حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ]

- ‌[حَلَفَ لَيَهَبَنَّ فُلَانًا فَوَهَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ]

الفصل: ‌(باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة

مَعْطُوفًا عَلَى مَنْ وَجَبَ لَهُ الْحُكْمُ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ.

وَقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ خَبَرًا فَإِنْ ذَكَرَ لَهُ خَبَرًا بِأَنْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ، وَهَذِهِ طَالِقَانِ أَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا، وَهَذَا حُرَّانِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ وَلَا تَطْلُقُ بَلْ يُخَيَّرُ إنْ اخْتَارَ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ عَتَقَ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَطَلُقَتْ الْأُولَى وَحْدَهَا، وَإِنْ اخْتَارَ الْإِيجَابَ الثَّانِي عَتَقَ الْأَخِيرَانِ وَطَلُقَتْ الْأَخِيرَتَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ

وَغَيْرِهَا) .

لَمَّا كَانَتْ الْأَيْمَانُ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ أَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَمَا بَعْدَهَا قَدَّمَهَا عَلَيْهَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ بَابٍ فَوُقُوعُهُ أَقَلُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَأَكْثَرُ مِمَّا بَعْدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُقُودَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِمَنْ، وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ لَا بِالْعَاقِدِ كَالنِّكَاحِ وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْعَاقِدِ إذَا كَانَ الْعَاقِدُ أَهْلًا لِتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَمِنْ الْعُقُودِ مَا لَا حُقُوقَ لَهُ أَصْلًا كَالْإِعَارَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي التَّبْيِينِ، وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ تَقْسِيمِهَا إلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْعَاقِدِ وَنَوْعٌ لَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْآمِرِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهَا مَا لَيْسَ لَهُ حُقُوقٌ أَصْلًا فَمَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْعَاقِدِ فَإِنَّ الْحَالِفَ لَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَةِ وَكِيلِهِ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْ الْوَكِيلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَمَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْآمِرِ، وَمَا لَا حُقُوقَ لَهُ أَصْلًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ الْحَالِفُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ كَمَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، وَقَدْ جَعَلَ فِي الْمُحِيطِ الْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهَا بِالْآمِرِ.

قَوْلُهُ (مَا يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالْآمِرِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَالْقِسْمَةُ وَالْخُصُومَةُ وَضَرْبُ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وُجِدَ مِنْ الْعَاقِدِ حَتَّى كَانَتْ الْحُقُوقُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْحَالِفَ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ الشَّرْطُ، وَهُوَ الْعَقْدُ مِنْ الْآمِرِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ يَتَوَلَّى الْعُقُودَ بِنَفْسِهِ أَمَّا إذَا كَانَ الْحَالِفُ ذَا سُلْطَانٍ كَالْأَمِيرِ وَالْقَاضِي وَنَحْوِهِمَا لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يَعْتَادُهُ فَإِنْ كَانَ الْآمِرُ يُبَاشِرُهُ مَرَّةً وَيُفَوِّضُ أُخْرَى يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَطْلَقَ فِي الصُّلْحِ عَنْ مَالٍ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ عَنْ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بَيْعٌ أَمَّا الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ فَهُوَ فِدَاءٌ لِلْيَمِينِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِهِ سَفِيرًا مَحْضًا فَكَانَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنْ لَا يُصَالِحَ فُلَانًا عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ عَنْ هَذَا الْمَالِ فَوَكَّلَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا، وَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ وَكَّلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ) حَيْثُ قَالَ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ طَالِقٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلْمُثَنَّى، وَفِي ضَمِّ الثَّالِثِ إلَى الثَّانِي جَعْلُهُ لِلْمَثْنَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ طَالِقٍ أَوْ هَاتَانِ طَالِقٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قَالَ طَالِقَانِ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلْمَثْنَى بِخِلَافِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُكَلِّمُ يَصْلُحُ لِلْمَثْنَى، وَلِأَقَلَّ وَلِأَكْثَرَ. اهـ.

وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِهَذَا عَمَّا أَوْرَدَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ يُقَالُ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ كَمَا يَصِحُّ عَلَى الْأَحَدِ الْمَفْهُومِ مِنْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ يَصِحُّ عَلَى هَذِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ فِي الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ التَّرْدِيدَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْأُولَى فَقَطْ وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مَعًا فَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ لِذَلِكَ. اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ إنَّهُ لَا يَعْتِقُ أَحَدُهُمْ فِي الْحَالِ وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَالْجَمْعُ بِالْوَاوِ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ بِأَلْفٍ التَّثْنِيَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَانِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا أَوْ هَذَا، وَهَذَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالْأَخِيرَيْنِ جَمِيعًا لَا بِالثَّانِي وَحْدَهُ وَالثَّالِثِ وَحْدَهُ. اهـ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْجَوَابَ الْمَارَّ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُقَدَّرَ قَدْ يُغَايِرُ الْمَذْكُورَ لَفْظًا كَمَا فِي قَوْلِك هِنْدُ جَالِسَةٌ وَزَيْدٌ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا

عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ

قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي مِثْلِ أَعْتَقْت هَذَا أَوْ هَذَا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّقْدِيرَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَانِ حُرَّانِ بَلْ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا حُرٌّ، وَهَذَا حُرٌّ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُقَدَّرُ مِثْلَ الْمَلْفُوظِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ لَوْ كَانَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ حَوَاشِيهِ لِحَسَنٍ جَبَلِيٍّ.

[بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) .

(قَوْلُهُ:، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي التَّبْيِينِ) قَرَّرَ فِي النَّهْرِ الضَّابِطَ عَلَى وَجْهٍ دَفَعَ بِهِ الْأَوْلَوِيَّةَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَنَوْعٌ لَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْآمِرِ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ مَا فِي بَعْضِهَا تَتَعَلَّقُ بِدُونِ لَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لَا يَحْنَثُ) كَذَا فِي عِدَّةٍ مِنْ النُّسَخِ الَّتِي

ص: 375

إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لَا يَحْنَثُ، وَقَيَّدَ بِالصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ احْتِرَازًا عَمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَالِحُ رَجُلًا فِي حَقٍّ يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ فَوَكَّلَ رَجُلًا فَصَالَحَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُصَالِحُ فُلَانًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَصَالَحَهُ حَنِثَ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا عُهْدَةَ فِيهِ. اهـ.

وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْعِ الثَّانِي الصُّلْحُ اللُّغَوِيُّ بِمَعْنَى عَدَمِ الْعَدَاوَةِ وَالْغَيْظِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ عَقْدٌ بِرَفْعِ النِّزَاعِ الَّذِي هُوَ الصُّلْحُ الْفِقْهِيُّ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مِنْ فُلَانٍ فَأَسْلَمَ إلَيْهِ فِي ثَوْبٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مُؤَجَّلًا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي عَبْدَ فُلَانٍ فَآجَرَ بِهِ دَارِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا مَعَ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ فِي الشِّرَاءِ حَلَّفَهُ السُّلْطَانُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ طَعَامًا لِلْبَيْعِ ثُمَّ اشْتَرَى طَعَامًا لِبَيْتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَبَاعَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَا اشْتَرَى لِلْبَيْعِ، وَهَذَا كَمَنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَى بَيْتِ وَالِدَتِهَا فَخَرَجَتْ لِلْمَسْجِدِ ثُمَّ زَارَتْ وَالِدَتَهَا لَا يَحْنَثُ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ثَوْبًا جَدِيدًا فَتَفْسِيرُ الْجَدِيدِ مَا لَا يَنْكَسِرُ حَتَّى يَصِيرَ شَبَهَ الْخَلِقِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَدِيدًا قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ لَا لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقْلًا فَاشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا مَبْقَلَةٌ قَدْ نَبَتَتْ وَشَرَطَ ذَلِكَ مَعَهَا حَنِثَ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا وَاشْتَرَى نَخْلًا بِهَا رُطَبٌ وَشَرَطَ ذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَإِذَا شَرَطَهُ حَتَّى دَخَلَ يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَصَارَ مُشْتَرِيًا لَهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ دَارِهِ فَأَعْطَاهَا امْرَأَتَهُ فِي صَدَاقِهَا حَنِثَ كَذَا ذَكَرَ هُنَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الدَّارِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِبَيْعٍ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الدَّرَاهِمِ ثُمَّ أَعْطَاهَا عِوَضًا عَنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ. اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ذَهَبًا، وَلَا فِضَّةً فَاشْتَرَى مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةٍ أَوْ تِبْرٍ أَوْ مَصُوغٍ حِلْيَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِلْعُرْفِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حَدِيدًا فَهُوَ عَلَى مَضْرُوبِهِ، وَإِبَرِهِ سِلَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سِلَاحٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْحَدِيدِ يُسَمَّى بَائِعُهُ حَدَّادًا يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا وَبَائِعُ الْإِبَرِ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُفْرًا فَاشْتَرَى طَسْتَ صُفْرٍ أَوْ كُوزًا أَوْ تَوْرًا حَنِثَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ اشْتَرَى فُلُوسًا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى شَاةً حَيَّةً لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي دُهْنًا فَهُوَ عَلَى دُهْنٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِادِّهَانِ بِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ لَا يَشُمُّهُ فَهُوَ عَلَى الدُّهْنِ وَالْوَرِقِ، وَأَمَّا الْحِنَّاءُ وَالْوَرْدُ فَهُوَ عَلَى الْوَرِقِ دُونَ الدُّهْنِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَذْرًا فَاشْتَرَى دُهْنَ بَذْرٍ حَنِثَ، وَإِنْ اشْتَرَى حَبًّا لَمْ يَحْنَثْ. اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ اشْتَرَيْت شَيْئًا فَأَنْت طَالِقٌ فَاشْتَرَتْ الْمَاءَ قَالُوا إنْ اشْتَرَتْهُ فِي قِرْبَةٍ أَوْ جَرَّةٍ طَلُقَتْ، وَإِنْ دَفَعَتْ الْجَرَّةَ إلَى السَّقَّاءِ وَخُبْزًا حَتَّى يَحْمِلَ لَهَا الْمَاءَ لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ حَلَفَ الْبَائِعُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَالَ الْبَيْعَ، وَقَبِلَ الْبَائِعُ الْإِقَالَةَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَوَقَعَتْ الْإِقَالَةُ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ حَنِثَ قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ لِكَوْنِهِ إقَالَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى مَا عُرِفَ. وَلَوْ حَلَفَ وَقَالَ وَاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت الْيَوْمَ شَيْئًا، وَقَدْ كَانَ اشْتَرَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَشْيَاءَ لَكِنْ بِالتَّعَاطِي فَقَدْ قِيلَ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي طَرَفِ الْمَبِيعِ فَقَالَ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ الْخُبْزَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَ لِأَجْلِ الْخُبْزِ وَدَفَعَ هُوَ إلَيْهِ الْخُبْزَ لَا يَحْنَثُ وَذَكَرَ فِي شَهَادَاتِ الْقُدُورِيِّ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ فَقَالَ لَا يَسَعُ لِمَنْ عَايَنَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ يَشْهَدُ عَلَى التَّعَاطِي وَإِلَى هَذَا مَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي قَمِيصًا فَاشْتَرَى قَمِيصًا مُقَطَّعًا غَيْرَ مِخْيَطٍ

ــ

[منحة الخالق]

رَأَيْنَاهَا وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ لَا يَحْنَثُ، وَفِي الثَّانِي حَنِثَ، وَقَدْ وُجِدَ كَذَلِكَ مُصَلَّحًا فِي نُسْخَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُصَالِحُ فُلَانًا مِنْ غَيْرِهِ) هَكَذَا فِي عِدَّةِ نُسَخٍ، وَفِي بَعْضِهَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ، وَهِيَ الصَّوَابُ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا عُهْدَةَ فِيهِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا حُقُوقَ لَهُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ كَاَلَّذِي لَهُ حُقُوقٌ تَتَعَلَّقُ بِالْآمِرِ (قَوْلُهُ: حَنِثَ فِي الْقَضَاءِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقْيِيدُهُ بِالْقَضَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الدِّيَانَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْعِ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَحَمَلَ الثَّانِي فِي الْبَحْرِ عَلَى الصُّلْحِ اللُّغَوِيِّ أَيْ الدَّافِعِ لِلْعَدَاوَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ الْأَوَّلُ عَنْ إقْرَارٍ وَالثَّانِي عَنْ إنْكَارٍ. اهـ.

وَأَقُولُ: كَيْفَ هَذَا مَعَ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ الصُّلْحَ لَا عُهْدَةَ فِيهِ وَالصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَقٍّ يَدَّعِيهِ أَنَّ الثَّانِيَ لَا فِي حَقٍّ يَدَّعِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ بَعْدَ تَأَمُّلٌ. اهـ.

قُلْتُ: قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَكَذَا فِي الْخُصُومَةِ حَلَفَ لَا أُصَالِحُ فُلَانًا فَأَمَرَ الْغَيْرَ بِصُلْحِهِ

ص: 376

لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ إنْ بَعَثَ غُلَامِي هَذَا أَحَدًا مِنْ النَّاسِ فَامْرَأَتُهُ كَذَا فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ حَنِثَ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ أَكَلَ هَذَا الرَّغِيفَ أَحَدٌ فَأَكَلَهُ اثْنَانِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَوَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بَاعَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ قَالَ إنْ دَخَلَتْ هِيَ فِي بَيْعِي فَهِيَ حُرَّةٌ فَإِنْ رَدَّتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ تُعْتِقُ، وَإِلَّا فَلَا حَلَفَ إنْ اشْتَرَاهَا يَحْنَثُ بِالْإِقَالَةِ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِبَيْعِ التَّلْجِئَةِ. اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ يَمِينٍ لَا يَهَبُ نَظَرَ إلَى أَنَّهَا هِبَةٌ ابْتِدَاءً فَيَحْنَثُ وَدَاخِلَةٌ تَحْتَ يَمِينٍ لَا يَبِيعُ نَظَرَ إلَى أَنَّهَا بَيْعٌ انْتِهَاءً فَيَحْنَثُ بِهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ آجَرْت دَارِيَ هَذِهِ فَهِيَ صَدَقَةٌ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى إجَارَتِهَا فَالْمُخْرِجُ لَهُ عَنْ الْيَمِينِ أَنْ يَبِيعَهَا الْحَالِفُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يُوَكِّلُ الْمُشْتَرِي الْحَالِفَ بِالْإِجَارَةِ فَيُؤَاجِرُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا فَتَخْرُجُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْإِجَارَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي. اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ فِي إجَارَتِهَا لَا يَحْنَثُ فَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ ضَرْبِ الْوَلَدِ وَضَرْبِ الْغُلَامِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ حَلَفَ لَا يُؤَجِّرُ، وَلَهُ مُسْتَغَلَّاتٌ آجَرَتْهَا امْرَأَتُهُ، وَقَبَضَتْ الْأُجْرَةَ فَأَنْفَقَتْ أَوْ أَعْطَتْهَا زَوْجَهَا لَا يَحْنَثُ وَتَرَكَهَا فِي أَيْدِي السَّاكِنِينَ لَا يَكُونُ إجَارَةً فَلَوْ قَالَ لِلسَّاكِنِينَ اُقْعُدُوا فِي هَذِهِ الْمَنَازِلِ فَهُوَ إجَارَةٌ وَيَحْنَثُ، وَكَذَا إذَا تَقَاضَى مِنْهُمْ أُجْرَةَ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنُوا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْقَدُوهُ أُجْرَةَ شَهْرٍ قَدْ سَكَنُوا فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ اهـ.

قَوْلُهُ (وَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ، وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ، وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالْقَرْضُ وَالِاسْتِقْرَاضُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ، وَالذَّبْحُ وَالْبِنَاءُ وَالْخِيَاطَةُ وَالْإِيدَاعُ وَالِاسْتِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ وَالْكِسْوَةُ وَالْحَمْلُ) بَيَانٌ لِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ مَا تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْآمِرِ. الثَّانِي مَا لَا حُقُوقَ لَهُ أَصْلًا. الثَّالِثُ مَا كَانَ مِنْ الْأَفْعَال الْحِسِّيَّةِ. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِهِمَا عَائِدٌ إلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالْأَمْرِ وَفِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَوَكَّلَ بِهِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُزَوِّجَهُ الْوَكِيلُ فَلَوْ قَالَ وَمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ، وَفِعْلِ مَأْمُورِهِ لَكَانَ أَوْلَى، وَفَسَّرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ الْأَمْرَ بِالتَّوْكِيلِ، وَلَيْسَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّوْكِيلِ وَالرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِالرِّسَالَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اقْتِصَارِهِ عَلَى التَّوْكِيلِ أَنَّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ الِاسْتِعْوَاضَ وَالتَّوْكِيلُ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا حَنِثَ فِي هَذَا النَّوْعِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ لِمَا أَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ التَّوَقِّي عَنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ، وَهَذِهِ الْعُقُودُ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِحُقُوقِهَا فَصَارَ كَمُبَاشَرَتِهِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَصَارَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا، وَمُعَبِّرًا، وَلِهَذَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهَا إلَى الْآمِرِ، وَمَا كَانَ مِنْ الْأَفْعَالِ حِسِّيًّا كَضَرْبِ الْغُلَامِ وَالذَّبْحِ وَنَحْوِهِمَا مَنْقُولٌ أَيْضًا إلَى الْآمِرِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الْفَاعِلِ فَكَانَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَيَحْنَثُ، وَقَدْ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ ضَرْبِ الْوَلَدِ وَضَرْبِ الْعَبْدِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ فَضَرَبَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَضَرَبَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ حَنِثَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْفَعَةَ ضَرْبِ الْوَلَدِ عَائِدَةٌ إلَى الْوَلَدِ الْمَضْرُوبِ، وَهِيَ التَّأَدُّبُ وَالتَّثْقِيفُ أَيْ التَّقْوِيمُ وَتَرْكُ الِاعْوِجَاجِ فِي الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ وَالْأَخْلَاقِ فَلَمْ يُنْسَبْ فِعْلُ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى الْأَبِ أَيْضًا لَكِنَّ أَصْلَ الْمَنَافِعِ وَحَقِيقَتَهَا إنَّمَا تَرْجِعُ إلَى الْمُتَّصِفِ بِهَا فَلَا مُوجِبَ لِلنَّقْلِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْعَبْدِ فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُ رَاجِعَةٌ إلَى الْآمِرِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَهُوَ مَا يَحْصُلُ مِنْ أَدَبِهِ وَانْزِجَارِهِ، وَإِنْ كَانَ نَفْعُهُ يَرْجِعُ إلَى الْعَبْدِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ضَرْبِ الْوَلَدِ حَاصِلٌ لَهُ، وَإِنْ حَصَلَ لِلْأَبِ ضِمْنًا وَالْمَقْصُودُ مِنْ ضَرْبِ الْعَبْدِ حَاصِلٌ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ حَصَلَ لِلْعَبْدِ ضِمْنًا فَافْتَرَقَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَا فِي عُرْفِنَا، وَعُرْفِ عَامَّتِنَا فَإِنَّهُ يُقَالُ ضَرَبَ فُلَانٌ الْيَوْمَ، وَلَدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَيَقُولُ الْعَامِّيُّ لِوَلَدِهِ غَدًا أَسْقِيك عَلْقَةً ثُمَّ يَذْكُرُ لِمُؤَدِّبِ الْوِلْدَانِ يَضْرِبُهُ فَيَعُدُّ الْأَبُ نَفْسَهُ أَنَّهُ قَدْ حَقَّقَ إيعَادَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكْذِبْ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَى مَعْنَى

ــ

[منحة الخالق]

حَنِثَ فِي الْقَضَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: حَلَفَ إنْ اشْتَرَاهَا يَحْنَثُ بِالْإِقَالَةِ) عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى عَقْدِ الْفَوَائِدِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا تَقَاضَى مِنْهُمْ أُجْرَةَ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنُوا فِيهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَقَاضِيَ أُجْرَةِ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنُوا فِيهِ لَيْسَ إلَّا الْإِجَارَةَ بِالتَّعَاطِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَك أَنْ تَقُولَ إنَّمَا خَصَّهُ لِتُعْلَمَ الرِّسَالَةُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى

ص: 377

لَا يَقَعُ بِهِ ضَرْبٌ مِنْ جِهَتِي وَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ. اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِالْوَلَدِ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ضَرْبَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ حُرًّا أَجْنَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ ضَرْبَ الْأَحْرَارِ حَدًّا وَتَعْزِيرًا فَمَلَكَا الْأَمْرَ بِهِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَكَالْعَبْدِ لِمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ الْحَالِفُ لِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ ضَرْبَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَيَمْلِكُ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ. اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِهِ فِي الْفَتَاوَى؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَعَمُّ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَلَمْ يُخَصَّصْ بِالْكَبِيرِ فِي الرِّوَايَاتِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا يَضْرِبُهَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ حَتَّى ضَرَبَهَا فَقَدْ قِيلَ إنَّهَا نَظِيرُ الْعَبْدِ فَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَقِيلَ إنَّهَا نَظِيرُ الْوَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ. اهـ.

وَلَمْ يُرَجِّحْ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَنْفَعَةِ تَعُودُ لَهَا، وَإِنْ حَصَلَتْ لِلزَّوْجِ ضِمْنًا، وَلَوْ نَوَى الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ فِي هَذَا النَّوْعِ قَالُوا فَمَا كَانَ مِنْ الْحُكْمِيَّاتِ كَالتَّزَوُّجِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَمَا كَانَ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ كَالضَّرْبِ وَالذَّبْحِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً، وَقَضَاءً، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَّا تَكَلُّمًا بِكَلَامٍ يُفْضِي إلَى الْوُقُوعِ، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يَلِيَهُ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فِي الْعَامِّ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَمَا كَانَ حِسِّيًّا فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ الْمَحْسُوسِ فِي الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فَكَانَ فِيهِ حَقِيقَةً، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْآمِرِ بِالسَّبَبِ مَجَازٌ فَإِذَا نَوَى الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُزَوِّجُ فُلَانَةَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ التَّزَوُّجِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ سَأَلْت نَجْمَ الدِّينِ عَنْ الْفَرْقِ فَقَالَ التَّزْوِيجُ بِأَمْرِهِ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُهُ وَالتَّزَوُّجُ بِأَمْرِهِ يَثْبُتُ حُكْمُهُ لَهُ وَهُوَ الْحِلُّ كَذَا فِي الْفَيْضِ مَعْزِيًّا إلَى مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ بِنْتِهٍ الصَّغِيرَةَ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُجِيزِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ ابْنًا لَهُ كَبِيرًا فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ ثُمَّ بَلَغَ الِابْنُ فَأَجَازَ أَوْ زَوَّجَهُ رَجُلٌ، وَأَجَازَ الْأَبُ وَرَضِيَ الِابْنُ لَمْ يَحْنَثْ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي قَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ وَبِالْفِعْلِ لَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْصَرِفُ إلَى مَا يُتَصَوَّرُ عَبْدٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ فَزَوَّجَهُ مَوْلَاهُ، وَهُوَ كَارِهٌ لِذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى، وَلَوْ حَلَفَ رَجُلٌ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأُكْرِهَ عَلَى النِّكَاحِ فَتَزَوَّجَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ لَفْظُ النِّكَاحِ مِنْهُ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ، وَلَيْسَ لِلدَّارِ أَهْلٌ ثُمَّ سَكَنَهَا قَوْمٌ فَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أَوْ قَالَ لَا أَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ بِنْتٌ ثُمَّ وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ فَتَزَوَّجَهَا الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَمْ تَكُنْ وُلِدَتْ قَبْلَ الْيَمِينِ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَالْمَخْرَجُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ ثُمَّ يَخْرُجُ الْوَكِيلَانِ وَيَعْقِدَانِ عَقْدَ النِّكَاحِ خَارِجَ الْكُوفَةِ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْعَقْدِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً إلَّا عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَكَمَّلَ الْقَاضِي عَشَرَةً أَوْ زَادَ الزَّوْجُ بَعْدَ الْعَقْدِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي مَهْرِهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً كَانَتْ وُلِدَتْ بِالْبَصْرَةِ وَنَشَأَتْ بِالْكُوفَةِ يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمَوْلِدُ دُونَ الْمَنْشَأِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهَا، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بِاسْمِك فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بِهَذَا الِاسْمِ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَرَجَّحَ ابْنُ وَهْبَانَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ النَّفْعَ عَائِدٌ إلَيْهِ بِطَاعَتِهَا لَهُ، وَقِيلَ إنْ حِنْث فَنَظِيرُ الْعَبْدِ وَإِلَّا فَنَظِيرُ الْوَلَدِ قَالَ بَدِيعُ الدِّينِ، وَلَوْ فَصَّلَ هَذَا فِي الْوَلَدِ لَكَانَ حَسَنًا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ: رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ إلَى قَوْلِهِ لَا يَحْنَثُ) هَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ مَا ذُكِرَ هُنَا مُوَافِقٌ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَمَّا مَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَةَ فُلَانٍ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ امْرَأَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ فُلَانٌ امْرَأَةً، وَكَلَّمَهَا الْحَالِفُ حَنِثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي الْحُجَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ.

ص: 378

وَالْفَرْقُ أَنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ صَارَتْ مُعَرَّفَةً بِكَافِ الْخِطَابِ فَلَا تَدْخُلُ النَّكِرَةُ، وَفِيمَا تَأَخَّرَ لَمْ تَصِرْ مُعَرَّفَةً فَتَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَنَوَى امْرَأَةً بِعَيْنِهَا دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ نَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصَرِيَّةً لَا يَدِينُ أَصْلًا، وَكَذَا لَوْ نَوَى امْرَأَةً عَوْرَاءَ أَوْ عَمْيَاءَ، وَلَوْ نَوَى عَرَبِيَّةً أَوْ حَبَشِيَّةً دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْجِنْسَ. اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ أَمَّا إذَا وَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فَدَخَلَتْ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِكَلَامٍ كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ.

وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ ثُمَّ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ حَنِثَ، وَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالْعُنَّةِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ زُفَرَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُعْتِقَ يُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ وُقُوعُ الْعِتْقِ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ فَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ يَحْنَثُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَيُطَلِّقَنَّ فُلَانَةَ الْيَوْمَ، وَفُلَانَةُ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا أَوْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا أَبَدًا تَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَى صُورَةِ الطَّلَاقِ. اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ إذَا حَلَفَ لَا يُكَاتِبُهُ فَفَعَلَهُ إنْسَانٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَهُ حَنِثَ. اهـ.

وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ هِبَةً غَيْرَ مَقْسُومَةٍ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ الْإِعْمَارُ وَالنَّحْلُ وَالْإِرْسَالُ إلَيْهِ مَعَ رَسُولِهِ وَصُورَةُ الْإِعْمَارِ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الدَّارِ لِغَيْرِهِ هِيَ لَك مَا دُمْت حَيًّا فَإِذَا مِتَّ رُدَّتْ إلَيَّ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ حَتَّى وَهَبَ حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ أَجَازَ هِبَةَ الْفُضُولِيِّ عَبْدَهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ عَلَى عِوَضٍ حَنِثَ، وَلَا يَحْنَثُ بِالصَّدَقَةِ فِي غَيْرِ الْهِبَةِ. اهـ.

وَأَمَّا الْقَرْضُ وَالِاسْتِقْرَاضُ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يَسْتَقْرِضُ فَاسْتَقْرَضَ، وَلَمْ يُقْرِضْهُ حَنِثَ، وَأَمَّا الْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يُعِيرُ ثَوْبَهُ فُلَانًا فَبَعَثَ فُلَانٌ، وَكِيلًا إلَى الْحَالِفِ وَاسْتَعَارَهُ فَأَعَارَهُ الْحَالِفُ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَعِيرُ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا فَأَرْدَفَهُ فُلَانٌ عَلَى دَابَّتِهِ فَرَدَفَهُ لَا يَحْنَثُ. اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ حَلَفَ لَا يَسْتَعِيرُ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا يَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَوْجُودٍ تَصِحُّ إعَارَتُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ عَيْنًا يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِيَسْتَقِيَ مِنْ بِئْرِهِ فَاسْتَعَارَ مِنْهُ الرَّشَا وَالدَّلْوَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يَحْنَثُ، وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي يَدِ صَاحِبِ الدَّارِ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعِيرًا، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ فِيمَا إذَا أَرْدَفَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذَا التَّعْلِيلِ إذَا اسْتَعَارَ مِنْهُ الرَّشَا وَالدَّلْوَ مِنْ بِئْرٍ لَيْسَ فِي مِلْكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَحْنَثُ. اهـ.

وَقَدْ زَادَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ مِنْ هَذَا الْقَسَمِ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ وَالْإِذْنَ فَيَحْنَثُ فِيهِمَا بِالْأَمْرِ أَيْضًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ الشُّفْعَةَ فَسَكَتَ، وَلَمْ يُخَاصِمْ حَتَّى بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالتَّسْلِيمِ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَرَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ يَصِيرُ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ إذَا حَلَفَتْ أَنْ لَا تَأْذَنَ فِي تَزْوِيجِهَا فَسَكَتَتْ عِنْدَ الِاسْتِئْمَارِ لَا تَحْنَثُ. اهـ.

وَزَادَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ النَّفَقَةَ فَإِذَا حَلَفَ لَا يُنْفِقُ فَوَكَّلَ حَنِثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الشَّرِكَةَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَعْمَلُ مَعَ فُلَانٍ فِي قِصَارَةٍ فَفَعَلَ مَعَ شَرِيكِ فُلَانٍ حَنِثَ، وَلَوْ عَمِلَ مَعَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَصِيرُ الْحَالِفُ عَامِلًا مَعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَقْدُ الشَّرِكَةِ نَفْسُهُ لَا يُوجِبُ الْحُقُوقَ أَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَلَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَصِيرُ الْحَالِفُ شَرِيكًا لِمَوْلَاهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ ثُمَّ خَرَجَا عَنْهَا، وَعَقَدَا عَقْدَ الشَّرِكَةِ ثُمَّ دَخَلَاهَا، وَعَمِلَا فِيهَا إنْ كَانَ الْحَالِفُ نَوَى فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَعْقِدَ عَقْدَ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 379

الشَّرِكَةِ فِي الْبَلْدَةِ لَا يَحْنَثُ.

وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَعْمَلَ بِشَرِكَةِ فُلَانٍ حَنِثَ، وَإِنْ دَفَعَ أَحَدَهُمَا إلَى صَاحِبِهِ مَالًا مُضَارَبَةً فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ شَرِكَةٌ فِي عُرْفِنَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا فَأَخْرَجَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَرَاهِمَهُ وَاشْتَرَكَا حَنِثَ الْحَالِفُ خَلَطَا أَوْ لَمْ يَخْلِطَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا فَشَارَكَهُ بِمَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا بِضَاعَةً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْلُ فِيهِ بِرَأْيِهِ فَشَارَكَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ الْمَالُ الرَّجُلَ الَّذِي حَلَفَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَبْضِعَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرِّبْحِ فَكَانَ الْعَامِلُ شَرِيكًا لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْمُسْتَبْضِعِ مُضَارِبٌ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَهُ حَقٌّ فِي الرِّبْحِ فَكَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ شَرِيكًا لِلْمُضَارِبِ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَبْضِعُ حَلَفَ أَنْ لَا يُشَارِكَ أَحَدًا فَدَفَعَ الْمَالَ شَرِيكُهُ بِإِذْنِ الْمُسْتَبْضِعِ لَا يَحْنَثُ رَجُلٌ قَالَ لِأَخِيهِ إنْ شَارَكْتُك فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ بَدَا لَهُمَا أَنْ يَشْتَرِكَا قَالُوا إنْ كَانَ لِلْحَالِفِ ابْنٌ كَبِيرٌ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ الْحَالِفُ مَالَهُ إلَى ابْنِهِ مُضَارَبَةً وَيَجْعَلُ لِابْنِهِ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ الرِّبْحِ وَيَأْذَنُ لِابْنِهِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ ثُمَّ أَنَّ لِلِابْنِ أَنْ يُشَارِكَ عَمَّهُ فَإِذَا فَعَلَ الِابْنُ ذَلِكَ كَانَ لِلِابْنِ مَا شَرَطَ لَهُ الْأَبُ مِنْ الرِّبْحِ وَالْفَاضِلُ عَلَى ذَلِكَ إلَى النِّصْفِ يَكُونُ لِلْأَبِ، وَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ أَجْنَبِيٌّ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ. اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى أَنَّ الدَّفْعَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَدْفَعُ إلَى فُلَانٍ مَالَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَمِنَهُ وَنَقَدَهُ بِضَمَانِهِ فَهُوَ حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَنْقَدَهُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحَالَهُ عَلَيْهِ فَأَعْطَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ بِأَدَائِهِ، وَكَذَا إذَا تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِالْأَدَاءِ. اهـ.

ثُمَّ قَالَ: وَفِي النَّوَازِلِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَكُونِي غَسَلْت هَذِهِ الْقَصْعَةَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَمَرَتْ الْمَرْأَةُ خَادِمَهَا بِغَسْلِ الْقَصْعَةِ فَغَسَلَتْهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَةِ الْمَرْأَةِ أَنَّهَا تَغْسِلُ بِنَفْسِهَا لَا غَيْرُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا لَا تَغْسِلُ إلَّا بِخَادِمِهَا، وَعَرَفَ الزَّوْجُ ذَلِكَ لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا تَغْسِلُ بِنَفْسِهَا وَبِخَادِمِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ إلَّا إذَا عَنَى الزَّوْجُ الْآمِرَ بِالْغَسْلِ فَلَا يَقَعُ. اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى أَنَّ الْإِعْطَاءَ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ أَوْ أَحَالَهُ فَقَبَضَ بَرَّ، وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَنِثَ اهـ.

وَإِذَا حَنِثَ بِالْأَمْرِ فِي حَلِفِهِ لَا يَقْضِي دَيْنَهُ بَرَّ بِالتَّوْكِيلِ فِي حَلِفِهِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ، وَكَذَا فِي قَبْضِهِ نَفْيًا، وَإِثْبَاتًا فَإِذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ مِنْ فُلَانٍ حَقَّهُ فَأَخَذَ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ كَفِيلِهِ أَوْ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ بَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَطْلُوبِ لَمْ يَبَرَّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحَوَالَةَ وَالْكَفَالَةَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَكْفُلُ عَنْهُ شَيْئًا فَكَفَلَ نَفْسَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِهِ لَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَنْهُ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لَا فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ يُقَالُ كَفَلَ عَنْهُ أَيْ بِمَالِهِ، وَكَفَلَ بِهِ أَيْ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَفَلَ عَنْ كَفِيلِهِ بِأَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مَا كَفَلَ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَكْفُلُ فُلَانًا أَوْ لِفُلَانٍ فَكَفَلَ بِنَفْسِهِ حَنِثَ، وَلَوْ كَفَلَ عَنْهُ بِالْمَالِ لَا يَحْنَثُ حَلَفَ لَا يَكْفُلُ عَنْ فُلَانٍ فَأَحَالَهُ فُلَانٌ عَلَى الْحَالِفِ لِغَرِيمِهِ إنْ كَانَ لِلْمُحْتَالِ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمُحِيلِ يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ فِي الْحَوَالَةِ مَا فِي الْكَفَالَةِ وَزِيَادَةً؛ لِأَنَّ فِيهَا الْتِزَامًا وَضَمَانًا. اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ حَلَفَ لَا يُوصِي بِوَصِيَّةٍ فَوَهَبَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شَيْئًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ لَكِنْ أَعْطَى الشَّرْعُ لَهَا حُكْمَ الْوَصِيَّةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمِ الْحِنْثِ. اهـ.

وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَأْتَمِنُ فُلَانًا عَلَى شَيْءٍ فَأَرَاهُ دِرْهَمًا، وَقَالَ اُنْظُرْ إلَى هَذَا، وَلَمْ يُفَارِقْهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَابَّتَهُ، وَقَالَ أَمْسِكْهَا حَتَّى أُصَلِّيَ فَهُوَ حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّوْلِيَةَ، وَقَدْ صَارَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى فَسُئِلَتْ عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ لَوْ حَلَفَ لَا يُوَلِّي فُلَانًا الْقَضَاءَ فَوَكَّلَ مِنْ وَلَّاهُ فَأَجَبْت يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِسْمِ مَا لَا حُقُوقَ لَهُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ.

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 380

(قَوْلُهُ (وَدُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالصِّيَاغَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ كَإِنْ بِعْت لَك ثَوْبًا لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ بِأَمْرِهِ كَانَ مِلْكُهُ أَوْ لَا وَعَلَى الدُّخُولِ وَالضَّرْبِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْعَيْنِ كَإِنْ بِعْت ثَوْبًا لَك لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ بِأَنْ كَانَ مِلْكَهُ أَمْرَهُ أَوْ لَا) يَعْنِي أَنَّ اللَّامَ إذَا تَعَلَّقَتْ بِفِعْلٍ قَبْلهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفِعْلُ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَلِي اللَّامُ الْفِعْلَ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَفْعُولِ أَوْ تَلِي الْمَفْعُولَ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا إنْ اشْتَرَيْت لَك ثَوْبًا إنْ آجَرْت لَك بَيْتًا إنْ صَنَعْت لَك خَاتَمًا إنْ خِطْت لَك ثَوْبًا إنْ بَنَيْت لَك بَيْتًا فَإِنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ فِيهَا التَّعْلِيلُ، وَوَجْهُ إفَادَتِهَا الِاخْتِصَاصَ أَنَّهَا تُضِيفُ مُتَعَلِّقَهَا، وَهُوَ الْفِعْلُ لِمَدْخُولِهَا، وَهُوَ كَافُ الْخِطَابِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ مُخْتَصٌّ بِالْفِعْلِ، وَكَوْنُهُ مُخْتَصًّا بِهِ يُفِيدُ أَنْ لَا يُسْتَفَادَ إطْلَاقُ فِعْلِهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِأَمْرِهِ، وَإِذَا بَاعَ بِأَمْرِهِ كَأَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ مِنْ أَجْلِهِ، وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ فَصَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ أَجْلِهِ فَإِذَا دَسَّ الْمُخَاطَبُ ثَوْبَهُ بِلَا عِلْمِهِ فَبَاعَهُ لَمْ يَكُنْ بَاعَهُ مِنْ أَجْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَمْرِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا كَوْنُ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَعْنِي مَا إذَا وَقَعَتْ عَقِبَ الْمَفْعُولِ كَإِنْ بِعْت ثَوْبًا لَك فَهِيَ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْضًا، وَهُوَ اخْتِصَاصُ الْعَيْنِ بِالْمُخَاطَبِ، وَهُوَ كَوْنُ الْعَيْنِ مَمْلُوكَةً لِلْمُخَاطَبِ فَيَحْنَثُ إذَا بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لِلْمُخَاطَبِ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ يُوجَدُ مَعَ أَمْرِهِ، وَعَدَمِ أَمْرِهِ، وَهُوَ بَيْعُ ثَوْبٍ مُخْتَصٍّ بِالْمُخَاطَبِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ هُنَا أَقْرَبُ إلَى الِاسْمِ الَّذِي هُوَ الثَّوْبُ مِنْهُ لِلْفِعْلِ وَالْقُرْبُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ.

وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي مَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ لَا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ مِثْلُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَضَرْبِ الْغُلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ عَقِبَ الْفِعْلِ أَوْ عَقِبَ الْعَيْنِ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِاخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِالْمُخَاطَبِ نَحْوُ إنْ أَكَلْت لَك طَعَامًا أَوْ طَعَامًا لَك أَوْ شَرِبْت لَك شَرَابًا أَوْ شَرَابًا لَك أَوْ ضَرَبْت لَك غُلَامًا أَوْ غُلَامًا لَك أَوْ دَخَلَتْ لَك دَارًا لَك فَيَحْنَثُ بِدُخُولِ دَارٍ تُنْسَبُ إلَى الْمُخَاطَبِ وَبِأَكْلِ طَعَامٍ يَمْلِكُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِعِلْمِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ أَوْ دُونَهُمَا.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ الْأَكْلِ رَجُلٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُ لِفُلَانٍ ثَوْبًا فَبَاعَ الْحَالِفُ ثَوْبًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِيُجِيزَ صَاحِبُ الثَّوْبِ حَنِثَ الْحَالِفُ أَجَازَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ بَاعَهُ الْحَالِفُ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بَيْعُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ حَانِثًا. اهـ.

فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ لِأَجْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأَمْرِ بِأَنْ يَقْصِدَ الْحَالِفُ بَيْعَهُ لِأَجْلِ فُلَانٍ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ هُنَا يُخَالِفُهُ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْحُكْمُ فَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ بِأَنْ كَانَ بِأَمْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَصَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ أَجْلِهِ) زَادَ فِي النَّهْرِ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا. اهـ.

وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ لِأَجْلِهِ إلَخْ) أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَشَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ رَجُلٌ قَالَ لِزَيْدٍ إنْ بِعْتُ لَك ثَوْبًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَدَفَعَ زَيْدٌ ثَوْبًا إلَى رَجُلٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْحَالِفِ لِيَبِيعَهُ فَدَفَعَهُ الْمَأْمُورُ إلَى الْحَالِفِ، وَقَالَ لَهُ بِعْهُ لِي أَوْ قَالَ بِعْهُ، وَلَمْ يَقُلْ لِزَيْدٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ أَنَّهُ ثَوْبُ زَيْدٍ فَبَاعَهُ جَاهِلًا بِكَوْنِهِ ثَوْبَ زَيْدٍ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ اللَّامَ فِي بِعْت لَك دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ قَابِلٍ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ زَيْدٌ وَوُجُودُ الِاخْتِصَاصِ بِزَيْدٍ إنَّمَا يَكُونُ بِأَمْرِ الْحَالِفِ أَوْ بِعِلْمِ الْحَالِفِ أَنَّهُ بَاعَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ لِزَيْدِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَإِذَا بَاعَ لِغَيْرِ زَيْدٍ لَا يَكُونُ قَاصِدًا تَمْلِيكَ فِعْلِ الْبَيْعِ مِنْ زَيْدٍ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ مَمْلُوكًا لِزَيْدٍ أَمْ لِغَيْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَبِيعَ مَالَ رَجُلٍ آخَرَ تَكُونُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَالِفَ مَنَعَ نَفْسَهُ بِالْيَمِينِ عَنْ الْتِزَامِ الْحُقُوقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْدٍ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ حَيْثُ بَاعَ بِأَمْرِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِالْحُقُوقِ عَلَى الرَّسُولِ دُونَ الْمُرْسِلِ. اهـ.

فَقَوْلُهُ وَوُجُودُ الِاخْتِصَاصِ يَزِيدُ إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بَيْعُهُ لِأَجَلِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَمْ لَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي التَّعْلِيلِ مِنْ أَنَّهُ صَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ أَجْلِهِ وَحِينَئِذٍ فَتَصْرِيحُهُمْ هُنَا بِاشْتِرَاطِ الْأَمْرِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ دَسَّ الْمُخَاطَبُ ثَوْبَهُ بِلَا عِلْمِ الْحَالِفِ فَبَاعَهُ كَمَا مَرَّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِلَا أَمْرٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْبَيْعِ لِأَجْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ وَبِهَذَا تَتَّفِقُ عِبَارَاتُهُمْ وَيَنْدَفِعُ عَنْهَا التَّنَافِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرَادَ إلَخْ) يُنَافِي هَذِهِ الْإِرَادَةَ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ شَرْحِ التَّلْخِيصِ بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ شَرْطٍ

ص: 381

وَالطَّلَاقِ، وَكَلَامُ قَاضِي خَانْ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْفَتَاوَى أَيْضًا رَجُلٌ قَالَ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَهَذَا عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا بِأَمْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَانَ الثَّوْبُ مِلْكًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ قَالَ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك فَهُوَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا مِلْكًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. اهـ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ غَيْرِهَا بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ الْجَامِعِ وَذَكَرَ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْأَكْلِ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَفِي الْمُحِيطِ أَيْضًا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لِفُلَانٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالشِّرَاءِ، وَالْآمِرُ يَنْوِي الشِّرَاءَ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ لَهُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. اهـ.

وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الْمَفْعُولَ بِهِ أَوْ لَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لِفُلَانٍ ثَوْبًا فَأَمَرَهُ فُلَانٌ أَنْ يَشْتَرِيَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ثَوْبًا فَاشْتَرَاهُ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِعَبْدِهِ ثَوْبًا فَاشْتَرَاهُ لَا يَحْنَثُ. اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَمَرَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَفْعَلَهُ لِنَفْسِهِ لَا مُطْلَقَ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الضَّرْبَ فَشَمِلَ ضَرْبَ الْغُلَامِ وَضَرْبَ الْوَلَدِ وَوَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ التَّعْبِيرُ بِضَرْبِ الْغُلَامِ فَاخْتَلَفُوا فِي الْغُلَامِ فَذَكَرَ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغُلَامِ الْوَلَدُ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْعَبْدِ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَالْوَكَالَةَ فَصَارَ نَظِيرَ الْإِجَارَةِ لَا نَظِيرَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْغُلَامُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَبْدُ لِلْعُرْفِ؛ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَلْزَمُ بِهِ فَانْصَرَفَ إلَى الْمَحَلِّ الْمَمْلُوكِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَوْلُهُ (فَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ صُدِّقَ فِيمَا عَلَيْهِ) أَيْ فَإِنْ نَوَى غَيْرَ مَا هُوَ ظَاهِرٌ كَلَامُهُ صُدِّقَ فِيمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ دِيَانَةً، وَقَضَاءً بِأَنْ بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لِلْمُخَاطَبِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَنَوَى بِالِاخْتِصَاصِ الْمِلْكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَوْلَا نِيَّتَهُ لَمَا حَنِثَ أَوْ بَاعَ ثَوْبًا لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ بِأَمْرِ الْمُخَاطَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَنَوَى الِاخْتِصَاصَ بِالْأَمْرِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَوْلَا نِيَّتُهُ لَمَا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَخْفِيفٌ فَيُصَدِّقُهُ الْقَاضِي أَيْضًا قُيِّدَ بِمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى مَا فِيهِ تَخْفِيفٌ كَعَكْسِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ، وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ لَا يَتَأَتَّى فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا مُطَالِبَ لَهَا (قَوْلُهُ: إنْ بِعْته أَوْ ابْتَعْته فَهُوَ حُرٌّ فَعَقَدَ بِالْخِيَارِ) (حَنِثَ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْمِلْكُ فِيهِ قَائِمٌ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ، وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ قَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ، وَهُوَ الشِّرَاءُ وَالْمِلْكُ قَائِمٌ فِيهِ، وَقَوْلُهُ عَقَدَ بِالْخِيَارِ أَيْ بَاعَ فِي الْأُولَى وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَاشْتَرَى فِي الثَّانِيَةِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، وَكَوْنُ الْمِلْكِ مَوْجُودًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ الْبَائِعَ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ لَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَمْلُوكٌ

ــ

[منحة الخالق]

كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ فِي الْخَانِيَّةِ) الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَذْكُورِ، وَفَاعِلُ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ خِلَافُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ لَوْ بَاعَ الْحَالِفُ ثَوْبًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَكِنَّهُ أَجَازَ الْبَيْعَ فَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ جَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا نَوَى بِالِاخْتِصَاصِ الْمِلْكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي. اهـ.

قَدْ عَلِمْت مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ التَّصْرِيحَ بِمَا يُؤَيِّدُ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ فِي الْخَانِيَّةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَى نِيَّةِ الِاخْتِصَاصِ بِالْمِلْكِ.

(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الْمَفْعُولَ بِهِ أَوْ لَا) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَمَايُزَ الْأَقْسَامِ أَعْنِي تَارَةً تَدْخُلُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ عَلَى الْعَيْنِ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالتَّصْرِيحِ بِالْمَفْعُولِ فَلَا جَرَمَ صَرَّحَ بِهِ. اهـ.

أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَدَمُ اشْتِرَاطٍ بِالتَّصْرِيحِ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ لَا مُطْلَقًا، وَادِّعَاءُ أَنَّ تَمَايُزَ الْأَقْسَامِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ إنْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ فِيمَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْعَيْنِ فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَمَرَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَفْعَلَهُ لِنَفْسِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى التَّوْجِيهِ السَّابِقِ يَعْنِي تَوْجِيهَ كَوْنِهَا لِلتَّعْلِيلِ حِنْثُهُ حَيْثُ كَانَ الشِّرَاءُ لِأَجْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْرَهُ بِبَيْعِ مَالِ غَيْرِهِ مُوجِبٌ لِحِنْثِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ لَهُ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغُلَامِ الْوَلَدُ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَغَيُّرِ الْغُلَامِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَالْكَلَامُ فِيمَا لَا يَحْمِلُهَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَنَوَى بِالِاخْتِصَاصِ الْمِلْكَ) ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ

ص: 382

لِلْمُشْتَرِي عِنْدَهُمَا.

وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ بِتَعْلِيقِهِ وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُنَجَّزِ، وَلَوْ نَجَّزَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ الْعِتْقَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ سَابِقًا عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، قَيَّدَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ بِأَنْ قَالَ إنْ بِعْته فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا بِلَا خِيَارٍ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَاتَ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ بِالْخِيَارِ لِلْبَائِعٍ لَا يَعْتِقُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ بَائِعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَسَوَاءٌ أَجَازَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُجِزْ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ ابْتَعْته؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ، وَهُوَ الْمِلْكُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا عُرِفَ فِي بَابِهِ، وَقَيَّدَ بِالتَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لَوْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَكَلُّمُهُ بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَتَّى سَقَطَ خِيَارُهُ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ عَلَى الْقَرِيبِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَلَا مِلْكَ لِلْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، وَالشَّارِعُ إنَّمَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالشِّرَاءِ أَمَّا هُنَا فَالْإِيجَابُ الْمُعَلَّقُ صَارَ مُنَجَّزًا عِنْدَ الشَّرْطِ وَصَارَ قَائِلًا أَنْتَ حُرٌّ فَيَنْفَسِخُ الْخِيَارُ ضَرُورَةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ هَلْ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ قَالَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا تَنْحَلُّ وَهُوَ الْأَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْيَمِينِ عُرْفًا الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ لَا الشِّرَاءُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ جِهَةِ الْحَالِفِ لَا يَقَعُ إلَّا بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ وَصَارَ تَقْدِيرُ الْمَسْأَلَةِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك لِنَفْسِي فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَاشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ لَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ فَكَذَا هَذَا وَبِهَذَا الْحَرْفِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ اشْتَرَيْت غُلَامًا فَأَنْت طَالِقٌ فَاشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْحَلُّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ مِنْ قِبَلِهِ يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَمَّا هُنَا بِخِلَافِهِ. اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ بِعْت مِنْك شَيْئًا فَأَنْت حُرَّةٌ ثُمَّ بَاعَهَا نِصْفَهَا مِنْ الزَّوْجِ الَّذِي وُلِدَتْ مِنْهُ أَوْ بَاعَ نِصْفَهَا مِنْ أَبِيهَا لَا يَقَعُ عِتْقُ الْمَوْلَى عَلَيْهَا بِالْيَمِينِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَقَعَ عِتْقُ الْمَوْلَى عَلَيْهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوِلَادَةَ مِنْ الزَّوْجِ وَالنَّسَبِ مِنْ الْأُمِّ مُقَدَّمٌ فَيَقَعُ مَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ أَوَّلًا، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت مِنْ هَذِهِ الْجَارِيَةِ شَيْئًا فَهِيَ مُدَبَّرَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَزَوْجُهَا الَّذِي وُلِدَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِزَوْجِهَا، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا تَدْبِيرُ الْمُشْتَرِي لِلْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ. اهـ.

وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ حَلَفَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَ بَيْعًا فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعٍ أَوْ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَحَنِثَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعَتْ أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِيمَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَضَتْ مُدَّةُ الثَّلَاثِ وَوَجَبَ الْبَيْعُ يَعْتِقُ، وَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ صَحِيحٌ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ عِنْدَهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْبَيْعَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْخِيَارُ فَلَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا بِنَفْسِ الْقَبُولِ بَلْ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَالْعَبْدِ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَعْتِقُ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَحْنَثُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَأَصْلٌ فِيهِ أَصْلًا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ أَوْ تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ يَحْنَثُ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

قَوْلُهُ (وَكَذَا بِالْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ لَا بِالْبَاطِلِ) أَيْ يَحْنَثُ إذَا عُقِدَ فَاسِدًا أَوْ مَوْقُوفًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ مُجْمَلٌ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ بِعْتُك فَأَنْت حُرٌّ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 383

فَبَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي غَائِبًا عَنْهُ بِأَمَانَةٍ أَوْ رَهْنٍ يَعْتِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَكَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ، وَقْتَ الْعَقْدِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ عَقِبَ الْعَقْدِ فَمَلَكَهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فِي بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ كَالْمَغْصُوبِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَمَانَةً أَوْ كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالرَّهْنِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا عَقِبَ الْعِتْقِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ تَتَارَكَا الْبَيْعَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ شِرَاءً صَحِيحًا قَالَ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ حَنِثَ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ حَقِيقَةً فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَارْتَفَعَتْ بِخِلَافِ النِّكَاحِ.

لَوْ حَلَفَ، وَقَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَاسِدًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحِيحًا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَنْحَلَّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ مُطْلَقٍ. اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ تَامٌّ لَيْسَ فِي الْمَحَلِّ مَا يُنَافِي انْعِقَادَهُ إلَّا أَنَّهُ تَرَاخَى حُكْمُهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ، وَأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانٍ فِيهِ، وَكَذَا إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ إنْ كُنْت اشْتَرَيْت الْيَوْمَ أَوْ قَالَ إنْ كُنْت بِعْت الْيَوْمَ. اهـ.

وَأَمَّا فِي الْمَوْقُوفِ فَصُورَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ الْبَائِعَ أَنْ يَبِيعَهُ لِشَخْصٍ غَائِبٍ قَبِلَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِذَا كَانَ الْحَالِفُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَ إجَازَةِ الْبَائِعِ فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ، وَفِي التَّبْيِينِ مَا يُخَالِفُهُ، وَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَبِيعُ فَاشْتَرَى أَوْ بَاعَ مَوْقُوفًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَأَمَّا بِالْعَقْدِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لِانْعِدَامِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ مَا ذُكِرَ، وَلِانْعِدَامِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ. وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْيَوْمَ شَيْئًا فَاشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ أَوْ اشْتَرَى عَيْنًا لَمْ يَأْمُرْهُ صَاحِبُهُ بِالْبَيْعِ حَنِثَ قَبْلَ إجَازَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ بَيْعٌ حَقِيقَةً لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ مَالٌ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِدَمٍ أَوْ مَيْتَةٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لِعَدَمِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا مَالٌ، وَلَوْ اشْتَرَى مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ فِي الْمَحَلِّ مَا يُنَافِي التَّمْلِيكَ وَالتَّمَلُّكَ، وَهُوَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِيهِ تَمْلِيكًا فَلَا يَتَحَقَّقُ بَيْعًا إلَّا أَنَّ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ يَحْنَثُ إنْ أَجَازَ الْقَاضِي أَوْ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِيَ زَالَ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَبِإِجَازَةِ الْمُكَاتَبِ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَارْتَفَعَ الْمُنَافِي فَتَمَّ الْعَقْدُ. اهـ.

وَهَذَا إذَا اشْتَرَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَوْ اشْتَرَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذَا الْفَصْلَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا حَلَفَ لَيَبِيعَنِّ هَذِهِ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ أَوْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ أَوْ هَذَا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ فَبَاعَهُمْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفِي التَّبْيِينِ مَا يُخَالِفُهُ) الْمُخَالَفَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ قَالَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَالنِّكَاحِ وَنَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْمَوْقُوفُ لِإِفَادَتِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمِلْكُ دُونَ الْحِلِّ، وَلِهَذَا تُجَامِعُهُ الْحُرْمَةُ فَيَحْنَثُ فِيهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَفِي النِّكَاحِ مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ جَعَلَ مُقَابِلَهُ رِوَايَةً عَنْ الثَّانِي قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَحْنَثُ بِالشِّرَاءِ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ صَاحِبُ الْعَبْدِ الْبَيْعَ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ. اهـ.

قُلْتُ: الظَّاهِرُ خِلَافُهُ بَلْ الظَّاهِرُ حِنْثُهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَيَحْنَثُ بِالشِّرَاءِ مِنْ فُضُولِيٍّ أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذْ الذَّاتُ لَا تَخْتَلُّ لِخَلَلٍ فِي الصِّفَةِ قَالَ شَارِحُهُ الْفَارِسِيُّ حَنِثَ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ، وَهُوَ ذَاتُ الْبَيْعِ بِوُجُودِ رُكْنِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِدْ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ لِمَانِعٍ، وَهُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ فِي الْأَوَّلِ وَاتِّصَالُ الْمُفْسِدِ بِهِ فِي الثَّانِي وَالْخِيَارُ فِي الثَّالِثِ وَإِفَادَةُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ صِفَةُ الْبَيْعِ لَا ذَاتِهِ فَإِنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ لَفْظَ الْبَيْعِ لِمُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْأَحْكَامَ، وَلَا الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ، وَمَتَى وُجِدْت الذَّاتُ لَا تَخْتَلُّ لِخَلَلٍ وُجِدَ فِي الصِّفَاتِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَبِيعُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ بِأَنَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُ أَوْ لَا أَشْتَرِي أَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ بِعْت أَوْ اشْتَرَيْت فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ. اهـ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَا فِي قَوْلِهِ وَفِي التَّبْيِينِ مَا يُخَالِفُهُ فَهُوَ نَقْلٌ لِمَا فِي التَّبْيِينِ بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ) كَذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِالدَّمِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَاهُ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ.

ص: 384