الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْبَيْتُوتَةِ أَمَّا إذَا كَانَ الدِّهْلِيزُ كَبِيرًا بِحَيْثُ يُبَاتُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَتُهُ لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى، وَفِي الْمُدُنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْنَثُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ صَارَ دَاخِلًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ، وَلَهُ سِعَةٌ تَصْلُحُ لِلْمَبِيتِ مِنْ سَقْفٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ، وَعَلَى هَذَا يَحْنَثُ بِالصُّفَّةِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَرْبَعُ حَوَائِطَ كَمَا هِيَ صِفَافُ الْكُوفَةِ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُسْقَفًا كَمَا هِيَ صِفَافُ دِيَارِنَا؛ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مِفْتَحَهُ وَاسِعٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ السَّقْفَ لَيْسَ شَرْطًا فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدِّهْلِيزُ مُسْقَفًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي دَارٍ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً، وَفِي هَذِهِ الدَّارِ يَحْنَثُ، وَإِنْ بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى بَعْدَ الِانْهِدَامِ) أَيْ فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً، وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً، وَإِنْ بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى بَعْدَ الِانْهِدَامِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ يُقَال دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَامِرَةٌ أَيْ خَرَابٌ، وَقَدْ شَهِدَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِذَلِكَ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَالِاسْمُ بَاقٍ بَعْدَ الِانْهِدَامِ، وَفِي الْغَائِبِ تُعْتَبَرُ، وَأَرَادَ بِالْخَرِبَةِ الدَّارَ الَّتِي لَمْ يَبْقَ فِيهَا بِنَاءٌ أَصْلًا فَأَمَّا إذَا زَالَ بَعْضُ حِيطَانِهَا وَبَقِيَ الْبَعْضُ فَهَذِهِ دَارٌ خَرِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي الْمُنَكَّرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ إنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ وَحَامِلًا عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ حَامِلًا عَلَيْهَا تَقَيَّدَتْ بِهِ كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الْبُسْرَ فَأَكَلَهُ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا فَحِينَئِذٍ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ لَا يَتَقَيَّدُ بِصِبَاهُ كَمَا سَيَأْتِي قَيَّدَ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَارٍ مُنَكَّرَةٍ فَاشْتَرَى دَارًا خَرِبَةً نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِتَعَرُّفِهَا مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ بَيَانِ الثَّمَنِ وَالْمَحَلَّةِ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ لِلْجَهَالَةِ الْمُتَفَاحِشَةِ، وَهِيَ فِي الْيَمِينِ مُنَكَّرَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَافْتَرَقَا.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَهُدِمَ فَصَارَ صَحْرَاءَ ثُمَّ دَخَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ هُوَ مَسْجِدٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ عِبَارَةٌ عَنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْخَرِبِ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّ الْمَسْجِدَ إذَا خَرِبَ وَاسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْقَى مَسْجِدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ يَبْقَى الْمَسْجِدُ بَعْدَ خَرَابِهِ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ جُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بَيْتًا لَا كَهَذَا الْبَيْتُ فَهُدِمَ أَوْ بُنِيَ آخَرُ) بَيَانٌ لِثَلَاثِ مَسَائِلَ: الْأُولَى لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرِبَتْ فَجُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بَيْتًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ دَارًا لِاعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ أَوْ جُعِلَتْ نَهْرًا فَدَخَلَهُ قَيْدٌ بِالْإِشَارَةِ مَعَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَشَارَ، وَلَمْ يُسَمِّ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ دَارًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ الِاسْمِ بَاقِيَةٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ الْمَبْنَى ثَانِيًا مِنْ الْحَمَّامِ، وَمَا مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى اسْمِ الدَّارِيَّةِ بِالتَّشْدِيدِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ بُنِيَ دَارًا بَعْدَمَا انْهَدَمَ مَا بُنِيَ ثَانِيًا مِنْ الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ تِلْكَ الدَّارِ الَّتِي مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَ مَا انْهَدَمَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِزَوَالِ اسْمِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهِ حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ الْحِيطَانُ وَسَقَطَ السَّقْفُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ وَالسَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ الصَّيْفِيَّ لَيْسَ لَهُ سَقْفٌ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَيْتُ مُنَكَّرًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْأَوْلَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَيْتَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنَكَّرًا أَوْ مُعَرَّفًا فَإِذَا دَخَلَهُ، وَهُوَ صَحْرَاءُ لَا يَحْنَثُ لِزَوَالِ الِاسْمِ بِزَوَالِ الْبِنَاءِ، وَأَمَّا الدَّارُ فَفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُنَكَّرَةِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ حَامِلًا عَلَيْهَا تَقَيَّدَتْ) كَذَا تَتَقَيَّدُ إذَا ذُكِرَتْ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ كَمَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ.
[ثَلَاثِ مَسَائِلَ فِي الْحُلْف]
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ جُعِلَتْ بُسْتَانًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ سُئِلْت عَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَقُسِّمَتْ وَوَقَعَ فِي قِسْمَةِ الْحَالِفِ مِنْهَا بَيْتٌ فَجُعِلَ لَهُ اسْتِطْرَاقٌ مِنْ غَيْرِهَا هَلْ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ؟ . فَأَجَبْت لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ دُخُولِهِ الدَّارَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
قُلْت: لِيُنْظَرْ هَذَا مَعَ مَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ لَا يَخْرُجُ فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فِي دَارٍ وَسَمَّى دَارًا بِعَيْنِهَا فَتَقَاسَمَاهَا وَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَفَتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ بَابًا ثُمَّ سَكَنَ الْحَالِفُ فِي طَائِفَةٍ
وَالْمُعَيَّنَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ وَحِيطَانُهُ قَائِمَةٌ فَدَخَلَهُ يَحْنَثُ فِي الْمُعَيَّنِ، وَلَا يَحْنَثُ فِي الْمُنَكَّرِ؛ لِأَنَّ السَّقْفَ بِمَنْزِلَةِ الصُّفَّةِ فِيهِ، وَهِيَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ، وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرَةٌ. اهـ. الثَّالِثَةُ: لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَهُدِمَ وَبُنِيَ آخَرُ فَدَخَلَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ، وَهَذَا الْمَبْنَى غَيْرُ الْبَيْتِ الَّذِي مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ دُخُولِهِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى جِنْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ إلَى هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ أَوْ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَهُدِمَا ثُمَّ بُنِيَا بِنَقْضِهِمَا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ إذَا هُدِمَ زَالَ الِاسْمُ عَنْهُ، وَكَذَا الْأُسْطُوَانَةُ فَبَطَلَتْ الْيَمِينُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ بَرَاهُ فَكَتَبَ بِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَبْرِيِّ لَا يُسَمَّى قَلَمًا، وَإِنَّمَا يُسَمَّى أُنْبُوبًا فَإِذَا كَسَرَهُ فَقَدْ زَالَ الِاسْمُ عَنْهُ فَبَطَلَتْ الْيَمِينُ، وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ عَلَى مِقَصٍّ فَكَسَرَهُ ثُمَّ جَعَلَهُ مِقَصًّا آخَرَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ قَدْ زَالَ بِالْكَسْرِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ سِكِّينٍ وَسَيْفٍ، وَقِدْرٍ كُسِرَ ثُمَّ صُنِعَ مِثْلُهُ، وَلَوْ نُزِعَ مِسْمَارٌ لِنَقْصٍ، وَلَمْ يَكْسِرْهُ ثُمَّ أَعَادَ فِيهِ مِسْمَارًا آخَرَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَزُلْ بِزَوَالِ الْمِسْمَارِ، وَكَذَلِكَ إنْ نَزَعَ نِصَابَ السِّكِّينِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ نِصَابًا آخَرَ؛ لِأَنَّ السِّكِّينَ اسْمٌ لِلْحَدِيدِ.
وَلَوْ حَلَفَ عَلَى قَمِيصٍ لَا يَلْبَسُهُ أَوْ قَبَاءٍ مَحْشُوًّا أَوْ مُبَطَّنًا أَوْ جُبَّةٍ مُبَطَّنَةً أَوْ مَحْشُوَّةً أَوْ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ خُفَّيْنِ فَنَقَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ ثُمَّ أَعَادَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ بَقِيَ بَعْدَ النَّقْضِ يُقَالُ قَمِيصٌ مَفْتُوقٌ وَجُبَّةٌ مَفْتُوقَةٌ وَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ عَلَى الْعَيْنِ لَا تَبْطُلُ بِتَغَيُّرِ الصِّفَةِ مَعَ بَقَاءِ اسْمِ الْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ بِهَذَا السَّرْجِ فَنَقَضَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ السَّفِينَةَ فَنَقَضَهَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا بِذَلِكَ الْخَشَبِ فَرَكَّبَهَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى سَفِينَةً بَعْدَ النَّقْضِ وَزَوَالُ الِاسْمِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَفَتَقَهُ وَغَسَلَهُ ثُمَّ حَشَاهُ بِحَشْوٍ وَخَلَطَهُ وَنَامَ عَلَيْهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ فَتْقَ الْفِرَاشِ لَا يُزِيلُ الِاسْمَ عَنْهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَقَّةَ غَزْلٍ بِعَيْنِهَا فَنَقَضَهَا وَغُزِلَتْ وَجُعِلَتْ شَقَّةً أُخْرَى لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا إذَا نُقِضَتْ صَارَتْ خُيُوطًا وَزَالَ الِاسْمُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى قَمِيصٍ لَا يَلْبَسُهُ فَقَطَعَهُ جُبَّةً مَحْشُوَّةً فَلَبِسَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ قَدْ زَالَ فَزَالَتْ الْيَمِينُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ فِي هَذَا الْمُصْحَفِ فَخَلَعَهُ ثُمَّ أَلَّفَ وَرَقَهُ وَخَرَزَ دَفَّتَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ فِيهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُصْحَفِ بَاقٍ، وَإِنْ فَرَّقَهُ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى نَعْلٍ لَا يَلْبَسُهَا فَقَطَعَ شِرَاكَهَا وَشَرَكَهَا بِغَيْرِهِ ثُمَّ لَبِسَهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ اسْمَ النَّعْلِ يَتَنَاوَلُهَا بَعْدَ قَطْعِ الشِّرَاكِ.
، وَلَوْ حَلَفَتْ امْرَأَةٌ لَا تَلْبَسُ هَذِهِ الْمِلْحَفَةَ فَخِيطَ جَانِبُهَا فَجُعِلَتْ دِرْعًا وَجَعَلَتْ لَهَا جَيْبًا ثُمَّ لَبِسَتْهَا لَمْ تَحْنَثْ؛ لِأَنَّهَا دِرْعٌ، وَلَيْسَتْ بِمِلْحَفَةٍ فَإِنْ أُعِيدَتْ مِلْحَفَةً فَلَبِسَتْهَا حَنِثَتْ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ مِلْحَفَةً بِغَيْرِ تَأْلِيفٍ، وَلَا زِيَادَةٍ، وَلَا نُقْصَانٍ فَهِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَزِيدَ فِيهِ طَائِفَةٌ فَدَخَلَهَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ، وَقَعَتْ عَلَى بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهَا، وَلَوْ قَالَ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ ثُمَّ زِيدَ فِيهِ فَدَخَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي زِيدَ فِيهِ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ الدَّارُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ يَمِينَهُ عَلَى الْإِضَافَةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الزِّيَادَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْفُسْطَاطِ، وَهُوَ مَضْرُوبٌ فِي مَوْضِعٍ فَقُلِعَ وَضُرِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَخَلَ فِيهِ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ الْقُبَّةُ مِنْ الْعِيدَانِ، وَكَذَلِكَ دُرْجٌ مِنْ عِيدَانٍ أَوْ مِنْبَرٍ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَزُولُ بِنَقْلِهَا مِنْ مَكَان إلَى مَكَان كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ دَاخِلٌ، وَفِي طَاقِ الْبَابِ لَا) أَيْ لَيْسَ بِدَاخِلٍ؛ لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ مِنْ الْبَابِ بِأَنْ تَوَصَّلَ إلَيْهِ مِنْ سَطْحٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ، وَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِحَمْلِ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِلسَّطْحِ حَضِيرٌ وَحُمِلَ مُقَابِلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَضِيرٌ أَيْ سَاتِرٌ.
وَأَشَارَ
ــ
[منحة الخالق]
وَالْآخَرُ فِي طَائِفَةٍ حَنِثَ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الدَّارَ فِي يَمِينِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ دَارًا عَلَى التَّنْكِيرِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ حَيْثُ صَلَحَ؛ لَأَنْ يُبَاتَ فِيهِ فَتَدَبَّرْهُ.
الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ صَعِدَ عَلَى شَجَرَةٍ دَاخِلَهَا أَوْ قَامَ عَلَى حَائِطٍ فِيهَا فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فَيَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا وَالظَّاهِرُ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلَ الدَّارِ عُرْفًا مَا لَمْ يَدْخُلْ جَوْفَهَا حَتَّى صَحَّ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ، وَلَكِنْ صَعِدَ سَطْحَهَا وَنَحْوَهُ، وَفِي التَّبْيِينِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْعَجَمِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى السَّطْحِ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا عِنْدَهُمْ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ صَحْنَهَا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لَكِنْ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَذْكُرُونَ الدَّارَ وَيُرِيدُونَ صَحْنَهَا فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ دَارًا أَوْ بَيْتًا أَوْ مَسْجِدًا فَإِنْ كَانَ فَوْقَ الْمَسْجِدِ مَسْكَنٌ فَدَخَلَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ دَاخِلَ إلَى أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ دُخُولُ الدَّارِ فَقَطْ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الدُّخُولُ مِنْ الْبَابِ فَإِنْ نَقَبَ لِلدَّارِ بَابًا آخَرَ فَدَخَلَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الدُّخُولِ مِنْ بَابٍ مَنْسُوبَةٍ إلَى الدَّارِ، وَقَدْ وُجِدَ وَالْبَابُ الْحَادِثُ كَذَلِكَ فَيَحْنَثُ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الْبَابَ الْأَوَّلَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ حَيْثُ أَرَادَ بِالْمُطْلَقِ الْمُقَيَّدَ، وَإِنْ عَيَّنَ الْبَابَ فَقَالَ لَا أَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَدَخَلَ مِنْ بَابٍ آخَرَ لَا يَحْنَثُ، وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَقَيَّدَ بِالسَّطْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَحَفَرَ سِرْدَابًا تَحْتَ دَارِ فُلَانٍ أَوْ قَنَاةً فَدَخَلَ ذَلِكَ السِّرْدَابَ أَوْ الْقَنَاةَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ، وَلَوْ كَانَ لِلْقَنَاةِ مَوْضِعٌ مَكْشُوفٌ فِي الدَّارِ فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يَسْتَقِي مِنْهُ أَهْلُ الدَّارِ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّارِ فَإِنَّ أَهْلَ الدَّارِ يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ الدَّارِ فَيَكُونُ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ بِئْرِ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ بِئْرًا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الدَّارِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلضَّوْءِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ، وَلَا يُعَدُّ دَاخِلُهُ دَاخِلَ الدَّارِ، وَلَوْ اتَّخَذَ فُلَانٌ سِرْدَابًا تَحْتَ دَارِهِ وَجَعَلَ بُيُوتًا وَجَعَلَ لَهَا أَبْوَابًا إلَى الطَّرِيقِ فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ السِّرْدَابَ تَحْتَ الدَّارِ مِنْ بُيُوتِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَصَعِدَ سَطْحَهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ، وَلَيْسَ بِخَارِجٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَفِي الدَّارِ شَجَرَةٌ أَغْصَانُهَا خَارِجُ الدَّارِ فَارْتَقَى تِلْكَ الشَّجَرَةَ حَتَّى صَارَ بِحَالٍ لَوْ سَقَطَ سَقَطَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ بِمَنْزِلَةِ بِنَاءِ الدَّارِ. اهـ.
وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ دَاخِلًا إذَا وَقَفَ فِي طَاقِ الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لِإِحْرَازِ الدَّارِ، وَمَا فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ الْخَارِجُ مِنْ الدَّارِ وَالْمُرَادُ بِطَاقِ الْبَابِ عَتَبَتُهُ الَّتِي إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهُ، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِأُسْكُفَّةِ الْبَابِ، وَأَمَّا الْعَتَبَةُ الَّتِي لَوْ أُغْلِقَ الْبَابُ تَكُونُ دَاخِلَةَ فَهِيَ مِنْ الدَّارِ فَيَحْنَثُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْخُرُوجَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ وَاقِفًا فِي طَاقِ الْبَابِ أَيْ بِقَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْعَتَبَةِ، وَأَدْخَلَ الْأُخْرَى فَإِنْ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ أَوْ كَانَ الْجَانِبُ الْخَارِجُ أَسْفَلَ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ أَسْفَلَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ اعْتِمَادَ جَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى رِجْلِهِ الَّتِي هِيَ فِي الْجَانِبِ الْأَسْفَلِ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا. اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الِانْفِصَالَ التَّامَّ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَدَمَيْنِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَهُ، وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ، وَإِحْدَى قَدَمَيْهِ حَنِثَ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله دَلَالَةَ أَنَّ حَقِيقَةَ الدُّخُولِ الِانْفِصَالُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ فَلِهَذَا لَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُدْخِلْ قَدَمَيْهِ أَوْ تَنَاوَلَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ دَخَلَ الدِّهْلِيزَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَى دُخُولِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ فَفِي الْأَوَّلِ يَحْنَثُ بِدُخُولِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ لِلضَّوْءِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِتَقْدِيمِ الضَّادِ عَلَى الْوَاوِ، وَفِي بَعْضِهَا لِلْوُضُوءِ وَيُؤَيِّدُ الْأُولَى قَوْلُ الْخَانِيَّةِ لِضَوْءِ الْقَنَاةِ
دِهْلِيزِهِ، وَفِي الثَّانِي لَا، وَأَمَّا صَحْنُ الدَّارِ أَوْ الْبَيْتِ فَفِي الْكَافِي لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَدَخَلَ فِي صَحْنِ دَارِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَ الْبَيْتَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ الدُّخُولُ فِي الْبَيْتِ، وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالدَّارُ وَالْبَيْتُ وَاحِدٌ فَيَحْنَثُ إنْ دَخَلَ صَحْنَ الدَّارِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَامَ عَلَى كَنِيفِ شَارِعٍ أَوْ ظُلَّةٍ شَارِعَةٍ إنْ كَانَ مَفْتَحُ الْكَنِيفِ وَالظُّلَّةِ فِي الدَّارِ كَانَ حَانِثًا.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ دَخَلَ حَانُوتًا مُشْرَعًا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَى الطَّرِيقِ، وَلَيْسَ لَهُ بَابٌ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الدَّارِ مَا أَحَاطَتْ بِهِ الدُّورُ، وَإِنْ دَخَلَ بُسْتَانًا فِي تِلْكَ الدَّارِ فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهَا حَنِثَ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ فَدَخَلَ إصْطَبْلَه لَا يَحْنَثُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ فَجَلَسَ عَلَى دُكَّانٍ عَلَى بَابِهِ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَبَعٌ لِبَيْتِهِ يَحْنَثُ قَالَ رحمه الله، وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ دَخَلَ حَوْشًا بِجَنْبِ الْبَيْتِ يَحْنَثُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَارَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْوُقُوفِ عَلَى سَطْحِهَا أَوْ حَائِطِهَا أَوْ شَجَرَةٍ فِيهَا أَوْ عَتَبَةٍ دَاخِلِ الْبَابِ وَدِهْلِيزِهَا أَوْ صَحْنِهَا أَوْ كَنِيفِهَا أَوْ ظُلَّتِهَا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَوْ بُسْتَانِهَا الَّذِي فِي وَسَطِهَا وَيَحْنَثُ بِدُخُولِهَا عَلَى أَيٍّ صِفَةٍ كَانَ الْحَالِفُ رَاكِبًا كَانَ أَوْ مَاشِيًا أَوْ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ حَافِيًا أَوْ مُنْتَعِلًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ جَاءَ إلَى بَابِهَا، وَهُوَ يَشْتَدُّ فِي الْمَشْيِ أَيْ يَعْدُو فَانْعَثَرَ أَوْ انْزَلَقَ فَوَقَعَ فِي الدَّارِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ الرِّيحُ، وَأَوْقَعَتْهُ فِي الدَّارِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ فَجَمَحَتْ وَانْفَلَتَتْ، وَأَدْخَلَتْهُ فِي الدَّارِ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ إمْسَاكَهَا لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ أَدْخَلَهُ إنْسَانٌ مُكْرَهًا فَخَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُخْتَارًا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ. اهـ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ بِالدُّخُولِ مُكْرَهًا بِدَلِيلِ عَدَمِ الْحِنْثِ، وَقَدْ وُجِدَ بِالدُّخُولِ ثَانِيًا مُخْتَارًا فَحَنِثَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ إيضَاحُهُ وَوَضْعُ الْقَدَمِ كَالدُّخُولِ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنْ الدُّخُولِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْأُصُولِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ صِفَتِهَا بِالْإِضَافَةِ إلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَ دَارًا مُضَافَةً إلَى فُلَانٍ سَوَاءٌ كَانَ يَسْكُنُهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْإِجَارَةِ أَوْ بِالْعَارِيَّةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُ دَارَ زَيْدٍ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِنْ دَخَلْتُ دَارَ عَمْرٍو فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَدَخَلَ دَارَ زَيْدٍ، وَهِيَ فِي يَدِ عَمْرٍو بِإِجَارَةِ يُعْتَقُ وَتَطْلُقُ إذَا لَمْ يَنْوِ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا صُدِّقَ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، وَلَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا وَدَارُ غَلَّةٍ فَدَخَلَ دَارَ الْغَلَّةِ لَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى دَارِ الْغَلَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ دَارِهِ مُطْلَقًا دَارٌ يَسْكُنُهَا. اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ ابْنَتِهِ وَابْنَتُهُ تَسْكُنُ فِي دَارِ زَوْجِهَا أَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ أُمِّهِ وَأُمُّهُ تَسْكُنُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا فَدَخَلَ الْحَالِفُ حَنِثَ. اهـ.
وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ هِيَ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّ أَوْلَادَ زَوْجَتِهِ لَا يَطْلُعُونَ إلَى بَيْتِهِ فَطَلَعَ وَاحِدٌ هَلْ يَحْنَثُ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ لَيْسَ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ أَوْ الرِّجَالَ فَكَلَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً. اهـ.
فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كَالْمُفْرَدِ وَغَيْرِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِضَافَةِ، وَعَدَمِهَا بِدَلِيلِ مَا فِي الْوَاقِعَاتِ أَيْضًا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ وَالْأَخُ وَاحِدٌ فَإِنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: يُعْتَقُ وَتَطْلُقُ) هَكَذَا رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى فَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ لَمْ يُعْتَقْ بِزِيَادَةِ لَمْ سَبْقُ قَلَمٍ (قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ ابْنَتِهِ إلَخْ) سَيَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: لَا أُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ إلَخْ) لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُ بَنِي آدَمَ أَوْ الرِّجَالَ أَوْ النِّسَاءَ حَنِثَ بِالْفَرْدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْكُلَّ إلْحَاقًا لِلْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِالْجِنْسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجَمِيعِ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ حَنِثَ بِالْفَرْدِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ بِالْيَمِينِ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إثْبَاتُ كُلِّ الْجِنْسِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا دُونَهُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَصَرَفْنَاهُ إلَى الْأَدْنَى، وَهُوَ الْوَاحِدُ لِتَيَقُّنِهِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْبَحْرِ يَنْصَرِفُ إلَى قَطْرَةٍ مِنْهُ، وَفِي مَاءَ هَذَا الْكُوزِ إلَى جَمِيعِهِ، وَفِي لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَأْكُلْهُ كُلَّهُ دُفْعَةً، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ إنْ أَمْكَنَهُ أَكْلُهُ فِي عُمُرِهِ لَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَكْلِ بَيْعٌ لَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ عَلَى جَمِيعِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَوْ نَوَى الْكُلَّ صُدِّقَ دِيَانَةً، وَقَضَاءً، وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُ الرَّجُلَ فَكَلَّمَ رَجُلًا، وَقَالَ عَنَيْتُ بِالْيَمِينِ غَيْرَهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ بِخِلَافِ إنْ كَلَّمْتُ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ مُنَكَّرٌ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ.
وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ التَّمْرَ أَوْ تَمْرًا أَوْ الطَّعَامَ أَوْ طَعَامًا أَوْ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ أَوْ مَاءً فَإِنَّ الْمُعَرَّفَ وَالْمُنَكَّرَ فِيهِ سَوَاءٌ لِكَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى، وَإِنْ كَانَ مُنَكَّرًا، وَفِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ يَحْنَثُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى الْجَمْعِ، وَلَهُ نِيَّةُ الزَّائِدِ وَالْمُفْرَدِ لَا الْمُثَنَّى؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ عَامٌّ وَالْعَامُّ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْمُثَنَّى؛ لِأَنَّهُ لَا إشْعَارَ لَهُ بِعَدَدٍ خَاصٍّ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ
كَانَ يَعْلَمُ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَ ذَلِكَ الْوَاحِدَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْجَمْعَ، وَأَرَادَ الْوَاحِدَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْوَاحِدَ فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْجَمْعِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَبِّ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ. اهـ. بِلَفْظِهِ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ كَالْمُنَكَّرِ لَكِنْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إنْ أَحْسَنْتِ إلَى أَقَارِبِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَحْسَنَتْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْنَثُ، وَلَا يُرَادُ الْجَمْعُ فِي عُرْفِنَا. اهـ.
فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ فِي الْعُرْفِ فَرْقًا، وَلَوْ دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِفُلَانٍ، وَفُلَانٌ لَا يَسْكُنُهَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ إنْ كَانَ فُلَانٌ يَسْكُنُهَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَآجَرَ فُلَانٌ دَارِهِ فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ هَلْ يَحْنَثُ فِيهِ رِوَايَتَانِ قَالُوا مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا كَمَا تَبْطُلُ الْإِضَافَةُ بِالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ وَالتَّسْلِيمِ، وَمِلْكِ الْيَدِ لِلْغَيْرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأُصُولِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسُ وَالسُّكْنَى كَالْإِنْشَاءِ لَا دَوَامُ الدُّخُولِ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ، وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ، وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ، وَهُوَ سَاكِنُهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالدَّوَامِ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ بِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ، وَهُوَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالِاسْتِمْرَارِ فِيهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ وَالِاسْتِحْسَانُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الدَّوَامَ عَلَى الْفِعْلِ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْفِعْلُ الْمُحْدَثُ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ مُسْتَحِيلُ الْبَقَاءِ فَيَسْتَحِيلُ دَوَامُهُ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالدَّوَامِ تَجَدُّدُ أَمْثَالِهِ، وَهَذَا يُوجَدُ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَالسُّكْنَى، وَلَا يُوجَدُ فِي الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلِانْتِقَالِ مِنْ الْعَوْرَةِ إلَى الْحِصْنِ وَالْمُكْثُ قَرَارٌ فَيَسْتَحِيلُ الْبَقَاءُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الِانْتِقَالَ حَرَكَةٌ وَالْمُكْثَ سُكُونٌ، وَهُمَا ضِدَّانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهَا مُدَّةً يُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا، وَلَبِسْت يَوْمًا، وَلَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ امْتِدَادُهُ لَهُ دَوَامٌ كَالْقُعُودِ وَالْقِيَامِ وَالنَّظَرِ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَا يَمْتَدُّ لَا دَوَامَ لَهُ كَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا صِحَّةُ قِرَانِ الْمُدَّةِ بِهِ كَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ، وَهُوَ خَارِجٌ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَ ثُمَّ يَخْرُجَ، وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ، وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ فَاسْتَدَامَ الطَّهَارَةَ وَالنِّكَاحَ لَا يَحْنَثُ. اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالدَّوَامِ الْمُكْثُ سَاعَةً عَلَى حَالِهِ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ زَمَانُ تَحْقِيقِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْتُ فَأَنْت طَالِقٌ، وَهُوَ رَاكِبٌ، وَمَكَثَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ سَاعَةٍ طَلْقَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ رَاكِبًا فَرَكِبَ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَلَا تَطْلُقُ بِالِاسْتِمْرَارِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا يُعْطَى لِلدَّوَامِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فِيمَا يَمْتَدُّ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ حَالَ الدَّوَامِ أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَلَا حَتَّى لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْتُ هَذِهِ الدَّابَّةَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ رَكِبَهَا وَدَامَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ حَالَةَ الرُّكُوبِ لَزِمَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ يُمْكِنُهُ النُّزُولُ دِرْهَمٌ قُلْتُ: فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِابْتِدَاءِ الْفِعْلِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ أُسْتَاذُنَا رحمه الله اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي تَكُونُ دَوَامًا هِيَ مَا يُمْكِنُهُ النُّزُولُ فِيهَا، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّهَا غَدًا، وَهُوَ فِيهَا فَمَكَثَ حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا فِيهِ إذْ لَمْ يَخْرُجْ.
وَلَوْ نَوَى بِالدُّخُولِ الْإِقَامَةَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَى هُنَا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ مَسَائِلِ الدُّخُولِ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهَا وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا فَاتَهُ مِنْهَا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ، وَلِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ فَدَخَلَ دَارًا مِنْ تِلْكَ السِّكَّةِ لَا مِنْ السِّكَّةِ بَلْ مِنْ السَّطْحِ أَوْ غَيْرِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ
ــ
[منحة الخالق]
التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِفُلَانٍ، وَفُلَانٌ لَا يَسْكُنُهَا يَحْنَثُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدَارِ الْغَلَّةِ مَا لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى دَارِ الْغَلَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ دَارِهِ مُطْلَقًا دَارٌ يَسْكُنُهَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَسْكُونَةً لِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ سَاكِنٍ تُنْسَبُ إلَيْهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَالسُّكْنَى كَالْإِنْشَاءِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَيْهِ فَرَّعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا لَوْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الْإِثْبَاتِ نَحْوِ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسَنَّ هَذَا الثَّوْبَ غَدًا فَاسْتَمَرَّ لَابِسَهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ. اهـ.
إلَى السِّكَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ سِكَّةَ فُلَانٍ فَدَخَلَ مَسْجِدًا فِي تِلْكَ السِّكَّةِ، وَلَمْ يَدْخُلْ السِّكَّةَ لَا يَحْنَثُ رَجُلٌ جَالِسٌ فِي الْبَيْتِ مِنْ الْمَنْزِلِ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَالْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ جَالِسًا فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْبَيْتِ يُسَمَّى مَنْزِلًا وَدَارًا هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَالْيَمِينُ عَلَى دُخُولِ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَتِلْكَ الدَّارِ فَإِنْ قَالَ عَنَيْتُ ذَلِكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتُ جَالِسًا فِيهِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّ فِي الْفَارِسِيَّةِ خانه اسْمٌ لِلْكُلِّ هَذَا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَى بَيْتٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ أَشَارَ إلَى بَيْتٍ بِعَيْنِهِ فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ امْرَأَةٌ حَلَفَتْ أَنْ لَا يَدْخُلَ زَوْجُهَا دَارَهَا فَبَاعَتْ دَارَهَا فَدَخَلَ الزَّوْجُ، وَهِيَ تَسْكُنُهَا إنْ كَانَتْ نَوَتْ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا تَسْكُنُهَا الْمَرْأَةُ لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نِيَّةٌ فَالْيَمِينُ عَلَى دَارٍ مَمْلُوكَةٍ لَهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَبَرُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَبَبُ الْيَمِينِ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ لِغَيْظٍ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ تَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ لِضَرَرِ الْجِيرَانِ لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالْبَيْعِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَحَلَّةَ كَذَا فَدَخَلَ دَارًا لَهَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا مَفْتُوحٌ فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ وَالْآخَرُ مَفْتُوحٌ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى حَنِثَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ تُنْسَبُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَحَلَّتَيْنِ، وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ فَدَخَلَ الْمَسْلَخَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ ذَلِكَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَمَاتَ صَاحِبُ الدَّارِ ثُمَّ دَخَلَ الْحَالِفُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْوَرَثَةِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا بَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لَا يَحْنَثُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا يَشْتَرِيهَا فُلَانٌ فَاشْتَرَى فُلَانٌ دَارًا وَبَاعَهَا مِنْ الْحَالِفِ فَدَخَلَ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ اشْتَرَى فُلَانٌ دَارًا، وَوَهَبَهَا لِلْحَالِفِ ثُمَّ دَخَلَ الْحَالِفُ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ قَرْيَةَ كَذَا فَدَخَلَ أَرَاضِيِ الْقَرْيَةِ لَا يَحْنَثُ وَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى عُمْرَانِهَا، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي قَرْيَةِ كَذَا فَشَرِبَ فِي كُرُومِهَا وَضَيَاعِهَا لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْكُرُومُ وَالضِّيَاعُ فِي الْعُمْرَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْكَلَامُ عَلَى الْبَلْدَةِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ كُورَةَ كَذَا أَوْ رُسْتَاقَ كَذَا فَدَخَلَ الْأَرَاضِيَ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَغْدَادَ فَمِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ دَخَلَ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَدِينَةَ السَّلَامِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَدْخُلْ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ بَغْدَادَ يَتَنَاوَلُ الْجَانِبَيْنِ، وَمَدِينَةُ السَّلَامِ لَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الرَّيَّ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الرَّيَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَتَنَاوَلُ الْمَدِينَةَ وَالنَّوَاحِيَ وَرُوِيَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَدِينَةِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الرَّيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا إلَى الرُّسْتَاقِ بِعَيْنِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ لَا تَفْسُدُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَغْدَادَ فَمَرَّ بِهَا فِي سَفِينَةٍ رَوَى هِشَامٌ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَدْخُلْ إلَى الْجِدَّةَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْبَغْدَادِيَّ إذَا جَاءَ مِنْ الْمَوْصِلِ فِي السَّفِينَةِ فَدَخَلَ بَغْدَادَ فَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَهُوَ فِي السَّفِينَةِ تَلْزَمُهُ صَلَاةُ الْإِقَامَةِ لَا صَلَاةُ السَّفَرِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فِي الْفُرَاتِ فَرَكِبَ سَفِينَةً فِي الْفُرَاتِ أَوْ كَانَ عَلَى الْفُرَاتِ جِسْرٌ فَمَرَّ عَلَى الْجِسْرِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَدْخُلْ الْمَاءَ.
وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ فَاشْتَرَى صَاحِبُهَا بِجَنْبِ الدَّارِ بَيْتًا، وَفَتَحَ بَابَ الْبَيْتِ إلَى هَذِهِ الدَّارِ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ فِيهَا وَسَدَّ الْبَابَ الَّذِي كَانَ لِلْبَيْتِ قِبَلَ ذَلِكَ فَدَخَلَ الْحَالِفُ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ قَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ صَارَ مِنْ الدَّارِ. اهـ.
مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرُورِ بِالسَّفِينَةِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَغْدَادَ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَإِنْ قَصَدَهُ بِالدُّخُولِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَ غَيْرِهِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ ظُلَّةٍ أَوْ سَقِيفَةٍ أَوْ دِهْلِيزِ دَارٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَوْ دِهْلِيزَ دَارٍ لَمْ يَحْنَثْ) هَكَذَا بَعْضُ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا يَحْنَثُ بِدُونِ لَمْ
فِي فُسْطَاطٍ أَوْ خَيْمَةٍ أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ ذَلِكَ بَيْتًا وَالتَّعْوِيلُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْعُرْفِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَ الدَّارَ، وَفُلَانٌ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ فِي صَحْنِ الدَّارِ يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ هَذِهِ الْقَرْيَةَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا عَلَيْهِ إلَّا إذَا دَخَلَ فِي بَيْتِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ رَجُلًا غَيْرَهُ يَزُورُهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى فُلَانٍ لَمَّا لَمْ يَقْصِدْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ. اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا الصِّفَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ إنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الْمُعَيَّنِ إذَا ذُكِرَتْ عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ أَمَّا إذَا ذُكِرَتْ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ تُعْتَبَرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ رَاكِبَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْهَا مَاشِيَةً لَا تَطْلُقُ وَاعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ فِي الْمُعَيَّنِ لَمَّا ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ. اهـ.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلَانِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَدَخَلَا فِي الْمَنْزِلِ مَعًا لَا يَحْنَثَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ لِأَخِ امْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ بَيْتِي كَمَا كُنْتَ تَدْخُلُ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ أَوْجَبَ التَّقْيِيدَ، وَإِلَّا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَبَدِ وَيَقَعُ الْيَمِينُ عَلَى الدُّخُولِ الْمُعْتَادِ قَبْلَ الْيَمِينِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْأَخُ مَرَّةً مِمَّا كَانَ الْمُعْتَادُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُطْلَقَةٌ فَتَنْصَرِفُ إلَى الْأَبَدِ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَغَيْرِهِمَا لَوْ قَالَ إنْ أَدْخَلْتُ فُلَانًا بَيْتِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى دَخَلَ بِأَمْرِهِ فَقَدْ أَدْخَلَهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَرَكْتُ فُلَانًا يَدْخُلُ بَيْتِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى الدُّخُولِ بِعِلْمِ الْحَالِفِ فَمَتَى عَلِمَ، وَلَمْ يَمْنَعْ فَقَدْ تَرَكَ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ بَيْتِي فَهُوَ عَلَى الدُّخُولِ أَمَرَ الْحَالِفُ بِهِ أَوْ لَمْ يَأْمُرْ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الدُّخُولُ، وَقَدْ وُجِدَ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ دَارِي هَذِهِ أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ وَالدَّارُ لَهُ، وَلِغَيْرِهِ فَدَخَلَهَا هُوَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ كَمَا لَوْ قَالَ زَوِّجْ بِنْتِي مِنْ رَجُلٍ لَا يَدْخُلُ الْمَأْمُورُ تَحْتَ هَذَا الْأَمْرِ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ أَحَدٌ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَ هُوَ، سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ.
وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ دَارَكَ أَحَدٌ فَالْمَنْسُوبُ إلَيْهِ خَارِجٌ عَنْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لَأَمْنَعَنَّ فُلَانًا مِنْ دُخُولِ دَارِي فَمَنَعَهُ مَرَّةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ فَإِنْ رَآهُ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَلَمْ يَمْنَعْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ هَذَا الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ أَوْهَمْتُ وَحَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَدْ دَخَلَهَا الْيَوْمَ يَلْزَمُهُ طَلَاقُ الْأُولَى، وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقُ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْيَمِينُ الْأُولَى كَذِبٌ وَالثَّانِيَةُ صِدْقٌ فَلَا يَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَنَّهُ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَدْخُلْهُ وَحَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدٍ آخَرَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا الْيَوْمَ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ قَدْ دَخَلْتُهَا الْيَوْمَ وَحَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدٍ آخَرَ عَتَقَ الْعَبِيدُ الثَّلَاثُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَتَقَ بِالْكَلَامِ الثَّانِي وَالْوَسْطُ عَتَقَ بِالْكَلَامِ الثَّالِثِ، وَعَتَقَ الثَّالِثُ بِعِتْقِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ زَعَمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي الْكُلِّ فَيَلْزَمُهُ عِتْقُ الْكُلِّ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُ الْكُوفَةَ، وَلَمْ أَتَزَوَّجْ فَعَبْدِي حُرٌّ فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ فَلَمْ أَتَزَوَّجْ فَهَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّزَوُّجُ بَعْدَ الدُّخُولِ حِينَ يَدْخُلُ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُ الْكُوفَةَ ثُمَّ لَمْ أَتَزَوَّجْ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى الْأَبَدِ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ كَانَ فِي الْبَيْتِ الشَّتْوِيِّ فَخَاصَمَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ إنْ دَخَلْتُ هَذَا الْبَيْتَ إلَى الْعِيدِ فَالْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ نَوَيْتُ ذَلِكَ الْبَيْتَ بِعَيْنِهِ يُصَدَّقُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ثُمَّ دَخَلَ عَتَبَةَ الْبَابِ فَرَأَى وَاحِدًا مِنْهُمْ فَرَجَعَ لَا يَحْنَثُ. اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتُ دَارَ أَبُوكِ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَ دَارَ أَبِيهَا ثُمَّ إنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ فَتَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ بِتِلْكَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا مُعَرَّفَةٌ بِإِضَافَةِ الْيَمِينِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ رَاكِبَةً إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الصِّفَةَ هَاهُنَا الرُّكُوبُ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَعْنَى الدَّارُ الْمُشَارُ إلَيْهَا فَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمَرْأَةِ تَأَمَّلْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِهَذِهِ لِلْمَرْأَةِ لَا لِلدَّارِ فَهَذِهِ فَاعِلُ دَخَلَتْ وَالدَّارُ مَفْعُولُهُ
النَّكِرَةِ هَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَنِسَاءٍ طَوَالِقُ فَدَخَلَتْ الدَّارَ، وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَعَلَى غَيْرِهَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذَا دُونَ مَا ذُكِرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِغَيْرِ خُسْرَانٍ يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ وَتَفْسِيرُ غَيْرِ الْخُسْرَانِ إنْ وَهَبَتْ الْمَهْرَ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ. اهـ.
وَفِي الْعُمْدَةِ لَوْ قَالَ لَا أَدَعُ فُلَانًا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ مِلْكًا لَهُ فَالْمَنْعُ بِالْقَوْلِ، وَفِي الْمِلْكِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَاسْتَعَارَ فُلَانٌ دَارَ جَارِهِ وَاتَّخَذَ فِيهَا وَلِيمَةً وَدَخَلَهَا الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ. اهـ.
فَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمُسْتَعَارَةَ تُضَافُ إلَيْهِ مَعْنَاهُ إذَا سَكَنَهَا لَا إذَا اتَّخَذَ فِيهَا وَلِيمَةً، وَفِي الْعِدَّةِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَأَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَ الْأُولَى يَحْنَثُ، وَإِنْ دَخَلَ الثَّانِيَةَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ أَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ بِنَصْبِ اللَّامِ فَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ الْأُولَى أَوَّلًا ثُمَّ دَخَلَ الثَّانِيَةَ يَحْنَثُ، وَإِنْ دَخَلَ الثَّانِيَةَ أَوَّلًا ثُمَّ دَخَلَ الْأُولَى لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ بِمَنْزِلِهِ حَتَّى. اهـ.
وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى قَالَ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ أَوْ دَارَ الْفُلَانِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ دَخَلَ دَارًا اشْتَرَاهَا بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ. اهـ.
ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْكَلَامِ عَلَى السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا تَعْقُبُ الدُّخُولَ (قَوْلُهُ: لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَحَلَّةَ فَخَرَجَ وَبَقِيَ مَتَاعُهُ، وَأَهْلُهُ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاكِنًا بِبَقَاءِ أَهْلِهِ، وَمَتَاعِهِ فِيهَا عَرْفًا فَإِنَّ السُّوقِيَّ فِي عَامَّةِ نَهَارِهِ فِي السُّوقِ وَيَقُولُ أَسْكُنُ بِبَلْدَةِ كَذَا وَالْبَيْتُ وَالْمَحَلَّةُ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ وَالْمَحَلَّةُ هِيَ الْمُسَمَّاةُ فِي عُرْفِنَا بِالْحَارَةِ قَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ وَالسِّكَّةُ كَالْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْمِصْرِ أَوْ الْبَلْدَةِ لَا يَتَوَقَّفُ الْبِرُّ عَلَى نَقْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِي الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ عُرْفًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَأَطْلَقَ السَّاكِنَ فَشَمِلَ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِسُكْنَاهُ أَوْ لَا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْمُسْتَقِلِّ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَوْ كَانَ سُكْنَاهُ تَبَعًا كَابْنٍ كَبِيرٍ سَاكِنٍ مَعَ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةٍ مَعَ زَوْجِهَا فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْكُنُ هَذِهِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ، وَهِيَ زَوْجَهَا، وَمَالَهَا لَا يَحْنَثُ،.
وَقَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ حَلِفُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَلَوْ عَقَدَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ إذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِسُكْنَاهُ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْأَوْلَى وَالْكُلُّ مُقَيَّدٌ بِالْإِمْكَانِ، وَلِذَا قَالُوا لَوْ بَقِيَ فِيهَا أَيَّامًا يَطْلُبُ مَنْزِلًا آخَرَ حَتَّى يَجِدَهُ أَوْ خَرَجَ وَاشْتَغَلَ بِطَلَبِ دَارٍ أُخْرَى لِنَقْلِ الْأَهْلِ وَالْمَتَاعِ أَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ دَابَّةٍ لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْمَتَاعَ فَلَمْ يَجِدْ أَيَّامًا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمْتِعَةٌ كَثِيرَةٌ فَاشْتَغَلَ بِنَقْلِهَا بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَ دَابَّةً فَلَمْ يَسْتَكْرِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْتَقِلَ وَغَلَبَتْهُ وَخَرَجَ هُوَ، وَلَمْ يُرِدْ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ مُنِعَ هُوَ مِنْ الْخُرُوجِ بِأَنْ أُوثِقَ أَوْ مُنِعَ مَتَاعُهُ فَتَرَكَهُ أَوْ وَجَدَ بَابَ الدَّارِ مُغْلَقًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ، وَلَا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ بِهَدْمِ بَعْضِ الْحَائِطِ، وَلَمْ يَهْدِمْ لَا يَحْنَثُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَعْهُودِ عِنْدَ النَّاسِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقُيِّدَ، وَمُنِعَ عَنْ الْخُرُوجِ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَجِيئِي اللَّيْلَةَ إلَى الْبَيْتِ فَأَنْت طَالِقٌ فَمَنَعَهَا وَالِدُهَا حَيْثُ تَطْلُقُ فِيهِمَا فِي الصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْفِعْلُ، وَهُوَ السُّكْنَى، وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ، وَلِلْإِكْرَاهِ تَأْثِيرٌ فِي إعْدَامِ الْفِعْلِ وَالشَّرْطُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ الْفِعْلِ، وَلَا أَثَرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي إبْطَالِ الْعَدَمِ، وَإِنْ كَانَ الْيَمِينُ فِي اللَّيْلِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَحْنَثْ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ، وَكَانَتْ الْيَمِينُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّهَا مَعْذُورَةٌ حَتَّى تُصْبِحَ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ فِي هَذِهِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا تَخَافُ الْخُرُوجَ لَيْلًا، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا؛ لِأَنَّهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمُسْتَعَارَةَ تُضَافُ إلَيْهِ مَعْنَاهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَأَنَّهُ يَخُصُّ بِهِ كَلَامَهُمْ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ إذْ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِي الْمُسْتَعَارَةِ لِلسُّكْنَى فَخَرَجَ الْمُسْتَعَارَةُ لِاتِّخَاذِ الْوَلِيمَةِ وَنَحْوِهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْمِصْرِ أَوْ الْبَلَدِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ قَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ، وَقَوْلُهُ وَالسِّكَّةُ كَالْمَحَلَّةِ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْمَعْلُولِ، وَعِلَّتِهِ، وَفِي النَّهْرِ، وَفِي مِصْرِنَا يُعَدُّ سَاكِنًا بِتَرْكِ أَهْلِهِ، وَمَتَاعِهِ فِيهَا، وَلَوْ خَرَجَ وَحْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ. اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ: كَوْنُهُ يُعَدُّ سَاكِنًا مُطْلَقًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ إنَّمَا يُعَدُّ سَاكِنًا إذَا كَانَ قَصْدُهُ الْعَوْدَ أَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهَا لَا يَقْصِدُ الْعَوْدَ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا، وَلَعَلَّهُ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ، وَكَذَا لَوْ أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَخْ تَأَمَّلْ
لَا يَخَافُ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ.
وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ مَفْرُوضٌ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ، وَمَا فِي التَّجْنِيسِ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَبَقِيَ أَهْلُهُ، وَمَتَاعُهُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَحْصُلُ بِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَيْهِمَا فَلَوْ قَالَ نَوَيْتُ التَّحَوُّلَ بِبَدَنِي خَاصَّةً لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُدَيَّنُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ جَمِيعِ الْأَهْلِ وَالْمَتَاعِ، وَهُوَ فِي الْأَهْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ زَوْجَتُهُ، وَأَوْلَادُهُ الَّذِينَ مَعَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَأْوِيهِ لِخِدْمَتِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَأَمَّا فِي الْأَمْتِعَةِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقَالَ الْإِمَامُ الْمَتَاعُ كَالْأَهْلِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ، وَقَدْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى تَثْبُتُ بِالْكُلِّ فَتَبْقَى بِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَقَدْ صَارَ هَذَا أَصْلًا لِلْإِمَامِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ صِفَةُ السُّكُونِ فِي الْعَصِيرِ يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهِ خَمْرًا وَبَقَاءُ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ فِي دَارٍ ارْتَدَّ أَهْلُهَا يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهَا دَارَ حَرْبٍ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ كَالْعَشَرَةِ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَجْزَاءِ أَمَّا فِي الْأَفْرَادِ فَلَا كَالرِّجَالِ لَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ وَاحِدٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْدِ وَالْجُزْءِ أَنَّهُ إنْ صَدَقَ اسْمُ الْكُلِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَالْآحَادُ أَفْرَادٌ، وَإِلَّا فَأَجْزَاءٌ كَمَا عُرِفَ مِنْ بَحْثِ الْعَامِّ فِي الْأُصُولِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِتَعَذُّرِ نَقْلِ الْكُلِّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا تَقُومُ بِهِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى، وَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ، وَأَخَذَ بِهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَشَايِخُ اسْتَثْنَوْا مِنْهُ مَا لَا تَتَأَتَّى بِهِ السُّكْنَى كَقِطْعَةِ حَصِيرٍ وَوَتَدٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَرُجِّحَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ، وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَرَّحَ كَثِيرٌ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ كَمَا تَرَى وَالْإِفْتَاءُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَرْفَقَ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ السُّكْنَى تَبْقَى بِبَقَاءِ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَتَاعِ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ الْمُودَعُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ لَا غَيْرُ فِي الْمَنْزِلِ الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ لَا يَضْمَنُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِكُلِّ حَالٍ ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ فَصْلِ الْخَيَّاطِ وَالنَّسَّاجِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَسَكَنَ مَنْزِلًا مِنْهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ الدَّارَ هَكَذَا تُسْكَنُ عَادَةً فَإِنْ عَنَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا كُلَّهَا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَسْكُنَهَا كُلَّهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ حَقِيقَةً اسْمٌ لِلْجَمِيعِ فَقَدْ نَوَى الْحَقِيقَةَ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ نَقَلَ أَهْلَهُ، وَمَتَاعَهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَبَرُّ سَوَاءٌ سَكَنَ فِي مَنْزِلٍ آخَرَ أَوْ لَا، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ بِلَا تَأْخِيرٍ حَتَّى يَبَرَّ فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا لَا يَبَرُّ دَلِيلُهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِعِيَالِهِ مِنْ مِصْرِهِ فَلَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ يَبْقَى وَطَنُهُ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا هَذَا. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَإِطْلَاقُ عَدَمِ الْحِنْثِ أَوْجُهُ، وَكَوْنُ وَطَنِهِ بَاقِيًا فِي حَقِّ إتْمَامِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَسْتَوْطِنْ غَيْرَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَتَهُ سَاكِنًا عُرْفًا بِذَلِكَ الْمَكَانِ بَلْ يَقْطَعُ مِنْ الْعُرْفِ فِيمَنْ نَقَلَ أَهْلَهُ، وَأَمْتِعَتَهُ وَخَرَجَ مُسَافِرًا أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ سَاكِنٌ. اهـ.
وَفَصَّلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ تَفْصِيلًا حَسَنًا فَقَالَ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ دَارِهِ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى أَهْلِهَا حَنِثَ، وَإِنْ سَلَّمَهَا لَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْنَثُ مَا لَمْ يَتَّخِذْ مَسْكَنًا آخَرَ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْمُصَنِّفُ رحمه الله مَسَائِلَ الْيَمِينِ عَلَى السُّكْنَى فَنَحْنُ نَذْكُرُهَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ، وَلَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا فَالسُّكْنَى فِيهَا أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ وَيَنْقُلَ إلَيْهَا مِنْ مَتَاعِهِ مَا يَبَاتُ فِيهِ وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ حَانِثٌ، وَأَمَّا الْمُسَاكَنَةُ فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ سَاكِنًا مَعَ رَجُلٍ فِي دَارٍ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُسَاكِنَ صَاحِبَهُ فَإِنْ أَخَذَ فِي النَّقْلَةِ، وَهِيَ مُمْكِنَةٌ بَرَّ، وَإِلَّا حَنِثَ وَالنَّقْلَةُ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْحَالِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ مُسَاكَنَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَهُمَا مَنْزِلٌ وَاحِدٌ.
فَإِنْ وَهَبَ مَتَاعَهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ أَعَارَهُ ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ مَنْزِلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَنْزِلًا أَيَّامًا، وَلَمْ يَأْتِ الدَّارَ الَّتِي فِيهَا صَاحِبُهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْمَشَايِخُ اسْتَثْنَوْا مِنْهُ إلَخْ) أَقُولُ: عَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ يَتَوَافَقُ قَوْلُ الْإِمَامِ مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَدَارُ إلَّا عَلَى الْعُرْفِ فِي أَنَّهُ سَاكِنٌ أَوْ لَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ تَرْكِ الْمَكَانِ، وَعَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَنَقَلَ مِنْ أَمْتِعَتِهِ فِيهِ مَا يَقُومُ بِهِ أَمْرُ سُكْنَاهُ، وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ نَقْلِ الْبَاقِي يُقَالُ لَيْسَ سَاكِنًا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَلْ انْتَقَلَ مِنْهُ وَسَكَنَ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ.
وَهَذَا التَّرْجِيحُ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ، وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ مِنْ التَّصْحِيحَيْنِ
قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ وَهَبَ لَهُ الْمَتَاعَ، وَقَبَضَهُ مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَلَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ الْعَوْدُ فَلَيْسَ بِمُسَاكَنٍ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْدَعَهُ الْمَتَاعَ ثُمَّ خَرَجَ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى ذَلِكَ الْمَنْزِلِ، وَكَذَا الْعَارِيَّةُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي الدَّارِ زَوْجَةٌ فَرَاوَدَهَا الْخُرُوجَ فَأَبَتْ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِبَقَائِهَا.
وَإِذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَسَاكَنَهُ فِي عَرْصَةِ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ غُرْفَةٍ حَنِثَ فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي دَارٍ هَذَا فِي حُجْرَةٍ، وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ أَوْ هَذَا فِي مَنْزِلٍ، وَهَذَا فِي مَنْزِلٍ حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَارًا كَبِيرَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلُ دَارِ الرَّقِيقِ وَدَارِ الْوَلِيدِ بِالْكُوفَةِ، وَكَذَا كُلُّ دَارٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا مَقَاصِيرُ وَمَنَازِلُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا، وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا فَسَكَنَ هَذَا فِي حُجْرَةٍ، وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يُسَاكِنَهُ فِي حُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ سَكَنَ هَذَا فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ، وَهَذَا فِي بَيْتٍ آخَرَ، وَقَدْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ، وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ كَالْبَيْتِ الْوَاحِدِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي حَانُوتٍ فِي سُوقٍ يَعْمَلَانِ فِيهِ عَمَلًا أَوْ يَبِيعَانِ تِجَارَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا قَالُوا إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَسَكَنَ أَحَدُهُمَا فِي دَارٍ وَالْآخَرُ فِي دَارٍ أُخْرَى فِي قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ دَرْبٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَجْمَعَهُمَا السُّكْنَى فِي دَارٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ الْمُخَالَطَةُ وَذَكَرَ الْكُوفَةَ لِتَخْصِيصِ الْيَمِينِ بِهَا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِمُسَاكَنَتِهِ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ حَلَفَ الْمَلَّاحُ أَنْ لَا يُسَاكِنَ فُلَانًا فِي سَفِينَةٍ فَنَزَلَ مَعَ كُلِّ أَهْلِهِ، وَمَتَاعِهِ وَاتَّخَذَهَا مَنْزِلَهُ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ إذَا جَمَعَتْهُمْ خَيْمَةٌ، وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْخِيَامُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ تَقَارَبَتْ، وَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْوِي مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَأْوِي فِي مَكَان أَوْ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ فَالْإِيوَاءُ الْكَوْنُ مَاكِثًا فِي الْمَكَانِ أَوْ مَعَ فُلَانٍ فِي مَكَان قَلِيلًا كَانَ الْمُكْثُ أَوْ كَثِيرًا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا فَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيتُ مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَبِيتُ فِي مَكَانِ كَذَا فَالْمَبِيتُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يَكُونُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَحْنَثْ وَسَوَاءٌ نَامَ فِي الْمَوْضِعِ أَوْ لَمْ يَنَمْ.
فَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَقَدْ ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ ثُمَّ بَاتَ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ إذَا كَانَتْ تَقَعُ عَلَى أَكْثَرِ اللَّيْلِ فَقَدْ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ. اهـ.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَنَزَلَ مَنْزِلَهُ فَمَكَثَ فِيهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ سَاكِنًا مَعَهُ حَتَّى يُقِيمَ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الْكُوفَةَ فَمَرَّ بِهَا مُسَافِرًا فَنَوَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَحْنَثُ فَإِنْ نَوَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَحْنَثُ، وَلَوْ سَافَرَ الْحَالِفُ فَسَكَنَ فُلَانٌ مَعَ أَهْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْنَثُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يُسَاكِنْهُ حَقِيقَةً. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَدَخَلَ فُلَانٌ دَارَ الْحَالِفِ غَصْبًا فَأَقَامَ الْحَالِفُ مَعَهُ حَنِثَ عَلِمَ الْحَالِفُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ خَرَجَ الْحَالِفُ بِأَهْلِهِ، وَأَخَذَ بِالنَّقْلِ حِينَ نَزَلَ الْغَاصِبُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَسَاكَنَهُ فِي مَقْصُورَةٍ أَوْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلٍ وَمَتَاعٍ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فِي دَارٍ وَسَمَّى دَارًا بِعَيْنِهَا فَتَقَاسَمَاهَا وَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَفَتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ بَابًا فَسَكَنَ الْحَالِفُ فِي طَائِفَةٍ وَالْآخَرُ فِي طَائِفَةٍ حَنِثَ الْحَالِفُ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الدَّارَ فِي يَمِينِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ دَارًا عَلَى التَّنْكِيرِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا شَهْرَ كَذَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فَسَاكَنَهُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ مَقْصُورَةٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلٍ، وَمَتَاعٍ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةَ، وَقَدْ قَدَّمَ قَبْلَهُ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْمُسَاكَنَةُ إلَّا بِأَهْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مَتَاعِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ فُلَانًا فَنَزَلَ الْحَالِفُ، وَهُوَ مُسَافِرٌ مَنْزِلَ فُلَانٍ فَسَكَنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَحْنَثُ إلَخْ فَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِالْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ: فَدَخَلَ فُلَانٌ دَارَ الْحَالِفِ غَصْبًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَعْنَاهُ وَسَكَنَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ تَأَمَّلْ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْأَصْلِ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ زَائِرًا أَوْ ضَيْفًا فَأَقَامَ فِيهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَحْنَثُ، وَالْمُسَاكَنَةُ بِالِاسْتِقْرَارِ وَالدَّوَامِ، وَذَلِكَ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ مُسَاكَنَةٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا يَمْتَدُّ، وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ.
وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الرَّمْلِيُّ فَقَالَ الصَّوَابُ حَذْفُ لَا قَالَ ثُمَّ إنِّي تَتَبَّعْت كُتُبَ أَئِمَّتِنَا فَرَأَيْت فِي كَثِيرٍ مِنْهَا كالتتارخانية وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِثْلَ مَا هُنَا مِنْ إثْبَاتِ حَرْفِ لَا (قَوْلُهُ: لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُقِمْ جَمِيعَ الشَّهْرِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ هُوَ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ إذْ مَعَ التَّعْرِيفِ مَعْنَاهُ فِي شَهْرِ كَذَا، وَمَعَ التَّنْكِيرِ مَعْنَاهُ مُدَّةَ شَهْرٍ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْ الْمُسَاكَنَةِ وَالْإِقَامَةِ مِمَّا يَمْتَدُّ إذْ يُقَالُ سَكَنْتُ فِي الدَّارِ شَهْرًا، وَأَقَمْتُ فِيهِ شَهْرًا تَأَمَّلْ أَقُولُ: أَيْضًا عِنْدِي فِي الْأَوَّلِ نَظَرٌ إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ
فَسَاكَنَهُ سَاعَةً فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ، وَلَوْ قَالَ لَا أُقِيمُ بِالرَّقَّةِ شَهْرًا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُقِمْ جَمِيعَ الشَّهْرِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الرَّقَّةَ شَهْرًا فَسَكَنَ سَاعَةً حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ اللَّيْلَةَ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَبَاتَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ، وَأَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فِي الْمَنْزِلِ لَا يَحْنَثُ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ تَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى الْمَتَاعِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ عَلَى سَطْحِ هَذَا الْبَيْتِ، وَعَلَى الْبَيْتِ غُرْفَةٌ، وَأَرْضُ الْغَرْفَةِ سَطْحُ هَذَا الْبَيْتِ يَحْنَثُ إنْ بَاتَ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ عَلَى سَطْحٍ فَبَاتَ عَلَى هَذَا لَا يَحْنَثُ.
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيتُ فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ غَدًا فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ اللَّيْلَةَ الْجَائِيَةَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَمَا مَضَى أَكْثَرُ اللَّيْلَةِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَكُونُ غَدًا فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ فَهُوَ عَلَى سَاعَةٍ مِنْ الْغَدِ. اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ قَالَ لَأَسْكُنَنَّ هَذِهِ الدَّارَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَذَهَبَ عَلَى مَا هُوَ الشَّرْطُ ثُمَّ عَادَ وَسَكَنَ يَحْنَثُ هَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَأَفْتَى الْقَاضِي الْإِمَامُ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْفَوْرَ لَا يَحْنَثُ إذَا عَادَ وَسَكَنَ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مُقَدِّمَةُ الْفَوْرِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ فِي هَذِهِ الدَّارَ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ قَالُوا إنْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا فَهُوَ عَلَى السُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فَهُوَ عَلَى الْقُعُودِ حَقِيقَةً، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا يَجْمَعُنِي، وَإِيَّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ فَهَذَا عَلَى الْمُجَالَسَةِ فَإِنْ جَالَسَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ فُسْطَاطٍ أَوْ سَفِينَةٍ أَوْ خَيْمَةٍ حَنِثَ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً فَصَلَّى الْآخَرُ مَعَهُ فِي الْقَوْمِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ فَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إلَيْهِ فَقَدْ حَنِثَ، وَإِنْ جَلَسَ بَعِيدًا مِنْهُ، وَلَمْ يَجْلِسْ إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ الْوَاحِدُ إذَا كَانَ يَجْلِسُ هَذَا فِي مَكَان، وَهَذَا فِي مَكَان غَيْرَ مُجَالِسٍ لَهُ لَا يَحْنَثُ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَخْرُجُ فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ حَنِثَ وَبِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا لَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ شُرُوعٌ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْحَلِفِ عَلَى الْخُرُوجِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ مَثَلًا فَأَمَرَ إنْسَانًا فَحَمَلَهُ، وَأَخْرَجَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَى الْآمِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ، وَلَوْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْأَمْرِ، وَلَوْ حَمَلَهُ بِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ بِالْأَمْرِ لَا بِمُجَرَّدِ الرِّضَا، وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ فِيهِمَا لَا تَنْحَلُّ فِي الصَّحِيحِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ، وَقَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ تَنْحَلُّ، وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ هَلْ يَحْنَثُ فَمَنْ قَالَ انْحَلَّتْ قَالَ لَا يَحْنَثُ، وَهَذَا بَيَانُ كَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ، وَمَنْ قَالَ لَا تَنْحَلُّ قَالَ حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَوَابُهُ إنْ كَانَ الْحَلِفُ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إنْ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ ثُمَّ خَرَجَ، وَإِنْ كَانَ الْحَلِفُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فَنَعَمْ. قَيَّدَ بِكَوْنِهِ أُخْرِجَ مُكْرَهًا أَيْ حَمَلَهُ الْمُكْرِهُ، وَأَخْرَجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا، وَهُوَ الْإِكْرَاهُ الْمَعْرُوفُ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَعَّدَهُ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَا أُسَاكِنُهُ شَهْرَ كَذَا تَوْقِيتُ الْحَلِفِ بِالشَّهْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ إذْ مَعْنَاهُ لَا أُسَاكِنُهُ مُدَّةَ شَهْرِ كَذَا ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْخَانِيَّةِ والتتارخانية أَنَّهُ تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ وَيَدِينُ فِي كُلٍّ مِنْ مَسْأَلَتَيْ التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ وَالظَّاهِرُ الِاحْتِمَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ يَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْهُمَا اُتُّبِعَ فَظَهَرَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى صِحَّةُ مَا بَحَثْتُهُ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَاكَنَةِ قَالَ عَنَيْتُ مُسَاكَنَةَ فُلَانٍ جَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ دُيِّنَ، وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ وَالْبُخَارِيُّ يَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُدَيَّنَ فِي الْقَضَاءِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ هَذَا إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ، وَإِنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى السُّكْنَى بِأَنْ قَالَ إنْ سَكَنْتُ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَعَبْدِي حُرٌّ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا الْمَشَايِخُ فَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَسْكُنْ فِيهَا جَمِيعَ الشَّهْرِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ يَحْنَثُ إذَا سَكَنَ فِيهَا سَاعَةً، وَإِلَى هَذَا مَالَ الْقَاضِي الْعَامِرِيُّ. اهـ.
أَقُولُ: فَتَحَرَّرَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الْفِقْهِيُّ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا بِسُكْنَى الْجَمِيعِ مَا لَمْ يَنْوِ سُكْنَى سَاعَةٍ مِنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ بِخِلَافِ لَا أَسْكُنُ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَوْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِسُكْنَى سَاعَةٍ اهـ. مُلَخَّصًا
(قَوْلُهُ: وَهَذَا بَيَانُ كَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ) ذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ مَنْ يَثِقُ بِهِ عَنْ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ أَفْتَى بِهَذَا ثُمَّ قَالَ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَالَ إلَى مَا هُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ نَقَرْت فِي فَتَاوَاهُ الَّتِي هِيَ وَاقِعَاتُهُ فَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْفُتْيَا فِيهَا بَلْ رَأَيْت مَا يُعَكِّرُ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فِي مِثْلِهَا فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَحْنَثُ، وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
قُلْتُ: قَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي فَتَاوَاهُ الْمُرَتَّبَةِ ثُمَّ نَقَلَ مُرَتِّبُهَا عِبَارَةَ الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّ شَيْخَنَا أَفْتَى بِانْحِلَالِهَا لِكَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ (قَوْلُهُ: لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا مَرَّ قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ مِنْ أَنَّ لِلْإِكْرَاهِ تَأْثِيرًا فِي إعْدَامِ الْفِعْلِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ أَيْ لَا يَرْفَعُهُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَصُدُورِهِ
هَذَا الطَّعَامَ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ حَتَّى أَكَلَهُ حَنِثَ، وَلَوْ أُوجِرَ فِي حَلْقِهِ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ عَلَى الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فَأُدْخِلَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ حَنِثَ وَبِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا لَا، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ، وَأَدْخَلَتْهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي الِانْحِلَالِ كَلَامٌ، وَفِيمَنْ زَلَقَ فَوَقَعَ فِيهَا أَوْ كَانَ رَاكِبًا دَابَّةً فَانْفَلَتَتْ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ إمْسَاكَهَا فَأَدْخَلَتْهُ خِلَافٌ. اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ الْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الْحِصْنِ إلَى الْعَوْدَةِ عَلَى مُضَادَّةِ الدُّخُولِ فَلَا يَكُونُ الْمُكْثُ بَعْدَ الْخُرُوجِ خُرُوجًا كَمَا لَا يَكُونُ الْمُكْثُ بَعْدَ الدُّخُولِ دُخُولًا ثُمَّ الْخُرُوجُ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْبُلْدَانِ وَالدُّورِ وَالْمَنَازِلِ وَالْبُيُوتِ تَكُونُ مِنْ الْأَخْبِيَةِ وَالْفَسَاطِيطِ وَالْخِيَمِ وَالسُّفُنِ لِوُجُودِ حَدِّهِ وَالْخُرُوجُ مِنْ الدُّورِ الْمَسْكُونَةِ أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِنَفْسِهِ، وَمَتَاعِهِ، وَعِيَالِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْبُلْدَانِ وَالْقُرَى أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِبَدَنِهِ خَاصَّةً، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَخْرُجُ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ فَخَرَجَ إلَى صَحْنِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ أَوْ خُرُوجًا مِنْ الْبَلَدِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً، وَلَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَذْكُورِ لَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ، وَلَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ مِنْهَا مِنْ الْبَابِ أَيِّ بَابٍ كَانَ، وَمِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ فَوْقِ حَائِطٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ نَقْبٍ حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ، وَلَوْ قَيَّدَ بِبَابِ هَذِهِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ قَدِيمًا كَانَ الْبَابُ أَوْ حَادِثًا، وَلَوْ عَيَّنَ بَابًا فِي الْيَمِينِ تَعَيَّنَ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَلَا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً) يَعْنِي لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ خُرُوجٌ مُسْتَثْنًى وَالْمُضِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِخُرُوجٍ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا إلَى الْمَسْجِدِ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ تُرِيدُ الْمَسْجِدَ ثُمَّ بَدَا لَهَا فَذَهَبَتْ إلَى غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ تَطْلُقْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مَعَ فُلَانٍ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ فُلَانٍ آخَرَ ثُمَّ خَرَجَ فُلَانٌ، وَلَحِقَهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَيَقْتَضِي مُقَارَنَتَهَا لِلْخُرُوجِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ الْمُكْثَ بَعْدَ الْخُرُوجِ لَيْسَ بِخُرُوجٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَلَوْ خَرَجَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِغَيْرِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَالِاعْتِبَارُ لِلْقَصْدِ عِنْدَ الْخُرُوجِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْتِ إلَى مَنْزِلِ أَبِيكِ فَأَنْت كَذَا فَهُوَ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ قَصْدٍ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَى أَهْلِهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَهْلُهَا أَبَوَاهَا، وَلَيْسَ أَحَدٌ سِوَاهُمَا أَهْلَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبَوَانِ فَأَهْلُهَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا أُمٌّ مُطَلَّقَةٌ فَأَهْلُهَا مَنْزِلُ أُمِّهَا فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُتَزَوِّجًا وَالْأُمُّ مُتَزَوِّجَةً فَالْأَهْلُ مَنْزِلُ الْأَبِ دُونَ مَنْزِلِ الْأُمِّ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَخْرُجُ أَوْ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ يَحْنَثُ، وَفِي لَا يَأْتِيهَا لَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ أَنَّ الْخُرُوجَ عَلَى قَصْدِ مَكَّةَ قَدْ وُجِدَ
ــ
[منحة الخالق]
مِنْ فَاعِلِهِ، وَقَوْلُهُ هُنَاكَ إنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي إعْدَامِهِ أَيْ فِي إعْدَامِ نِسْبَتِهِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ كَانَ مُفَوِّتًا لِلِاخْتِيَارِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ إنْ أَثَّرَ فِي إعْدَامِ الِاخْتِيَارِ لَا يُنْسَبُ إلَى فَاعِلِهِ، وَإِلَّا نُسِبَ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ مَا خَرَجَ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ نَعَمْ الْإِكْرَاهُ أَبْطَلَ رِضَاهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِيجَارِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الرِّضَا، وَلَا الِاخْتِيَارُ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ السُّكْنَى السَّابِقَةُ، وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ فِي تَعْلِيلِهَا هَكَذَا؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ لَا أَسْكُنُ شَرْطُ الْحِنْثِ السُّكْنَى، وَالْفِعْلُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَخْرُجْ شَرْطُ الْحِنْثِ عَدَمُ الْخُرُوجِ وَالْعَدَمُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ انْتَهَتْ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْخُرُوجُ مِنْ الدُّورِ الْمَسْكُونَةِ أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِنَفْسِهِ، وَمَتَاعِهِ، وَعِيَالِهِ) عَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ والتتارخانية إلَى الْقُدُورِيِّ، وَقَدْ قَيَّدَ فِي النَّهْرِ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْمَسْجِدِ مَثَلًا فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا إلَخْ ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ هَذِهِ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَمِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَيْتِ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ كَانَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِي السُّكْنَى كَمَا مَرَّ. اهـ.
قُلْت: وَقَدْ وَقَعَ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا بِالْمَسْجِدِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. اهـ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ بَلَدِ كَذَا فَهُوَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِبَدَنِهِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى النَّقْلَةِ مِنْهَا بِأَهْلِهِ إنْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْخُرُوجَ بِبَدَنِهِ. اهـ.
فَمِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ بِالْبَيْتِ مُرَادُهُ حَيْثُ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْخُرُوجُ بِبَدَنِهِ لَكِنَّ التَّصْوِيرَ بِالْمَسْجِدِ كَمَا فَعَلَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ أَوْلَى لِظُهُورِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَالْخُرُوجُ مِنْ الْبُلْدَانِ وَالْقُرَى أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِبَدَنِهِ خَاصَّةً) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَهُ زَادَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا خَرَجَ بِبَدَنِهِ فَقَدْ بَرَّ أَرَادَ سَفَرًا أَوْ لَمْ يُرِدْ. اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ فَائِدَةُ الِارْتِحَالِ وَالِانْتِقَالِ بِعَامَّةِ الْمَتَاعِ بِحَيْثُ يُقَالُ فُلَانٌ ارْتَحَلَ أَوْ فُلَانٌ انْتَقَلَ فَارْجِعْ إلَى مَا كَتَبْنَاهُ عَلَى حَاشِيَةِ التَّتَارْخَانِيَّة، وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَاَلَّذِي كَتَبَهُ فِي حَاشِيَةِ التَّتَارْخَانِيَّة قَوْلُهُ: حَتَّى يُقَالُ
وَهُوَ الشَّرْطُ إذْ الْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ، وَأَمَّا الْإِتْيَانُ فَعِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] وَاخْتُلِفَ فِي الذَّهَابِ فَقِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ، وَقِيلَ كَالْخُرُوجِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الزَّوَالِ أُطْلِقَ فِي الْحِنْثِ بِالْخُرُوجِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا جَاوَزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ عَلَى قَصْدِهَا فَلَوْ خَرَجَ قَاصِدًا مَكَّةَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ عُمْرَانَهُ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَأَنَّهُ ضَمَّنَ لَفْظَ أَخْرُجُ مَعْنَى أُسَافِرُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَيْهَا سَفَرٌ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مُدَّةُ سَفَرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مِنْ الدَّاخِلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى بَغْدَادَ الْيَوْمَ فَخَرَجَ مِنْ بَابِ دَارِهِ يُرِيدُ بَغْدَادَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ عُمْرَانَ مِصْرِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى جِنَازَةِ فُلَانٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَحْنَثُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى بَغْدَادَ سَفَرٌ وَالْمَرْءُ لَا يُعَدُّ مُسَافِرًا مَا لَمْ يُجَاوِزْ عُمْرَانَ مِصْرِهِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي مَنْزِلٍ مِنْ دَارِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَخَرَجَ إلَى صَحْنِ الدَّارِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَابِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ خَارِجًا فِي جِنَازَةِ فُلَانٍ مَا دَامَ فِي دَارِهِ كَمَا لَا يُعَدُّ خَارِجًا إلَى بَغْدَادَ مَا دَامَ فِي مِصْرِهِ فَاسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ مَعْنًى. اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ عَمْرُ بْنُ أَسَدٍ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ الرَّقَّةِ مَا الْخُرُوجُ قَالَ إذَا جَعَلَ الْبُيُوتَ خَلْفَ ظَهْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ. اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخُرُوجَ إنْ كَانَ مِنْ الْبَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يُجَاوِزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ إلَى مَقْصِدِهِ مُدَّةَ سَفَرٍ أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجًا مِنْ الْبَلَدِ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ مَاشِيًا فَخَرَجَ مِنْ أَبْيَاتِ الْمِصْرِ مَاشِيًا يُرِيدُ بِهِ مَكَّةَ ثُمَّ رَكِبَ حَنِثَ، وَلَوْ خَرَجَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ فَمَشَى لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ مَعَ فُلَانٍ الْعَامَ إلَى مَكَّةَ إذَا خَرَجَ مَعَ فُلَانٍ حَتَّى جَاوَزَ الْبُيُوتَ وَصَارَ بِحَيْثُ يُبَاحُ لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَغْدَادَ فَخَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ وَالْمَقَابِرُ خَارِجَةٌ مِنْ بَغْدَادَ يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَاهُنَا الْيَوْمَ فَإِنْ رَجَعْتِ إلَى سَنَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَرَجَتْ الْيَوْمَ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْيَمِينِ خُرُوجَ الِانْتِقَالِ أَوْ السَّفَرِ لَا تَطْلُقُ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ انْتَقَلَ الزَّوْجَانِ مِنْ الرُّسْتَاقِ إلَى قَرْيَةٍ فَلَحِقَهُ رَبُّ الدُّيُونِ فَقَالَ لَهَا اُخْرُجِي مَعِي إلَى حَيْثُ كُنَّا فِيهِ فَأَبَتْ إلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ إنْ لَمْ تَخْرُجِي مَعِي فَكَذَا فَإِنْ كَانَ قَدْ تَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي الْحَالِ إلَى دَرْبِ الْقَرْيَةِ ثُمَّ رَجَعَتْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ أَرَادَ زَوْجُهَا الْخُرُوجَ أَصْلًا. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الرِّيِّ إلَى الْكُوفَةِ فَخَرَجَ مِنْ الرِّيِّ يُرِيدُ مَكَّةَ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ إلَى الْكُوفَةِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ حَيْثُ خَرَجَ نَوَى أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ حَنِثَ، وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَمَا خَرَجَ فَصَارَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَقَصَدَ أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ لَا يَحْنَثُ. اهـ.
ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الِانْفِصَالِ لِلْحِنْثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْإِتْيَانِ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا يَحْنَثُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَنَوِّعٌ يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ إلَيْهَا، وَإِلَى غَيْرِهَا، وَكَذَا الذَّهَابُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ كَالْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، وَفِي الْمُحِيطِ لَيَأْتِيَنَّهُ فَأَتَاهُ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَا يَحْنَثُ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا تَأْتِيَ امْرَأَتُهُ عُرْسَ فُلَانٍ فَذَهَبَتْ قَبْلَ الْعُرْسِ، وَكَانَتْ ثَمَّةَ حَتَّى مَضَى الْعُرْسُ لَا يَحْنَثُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى، وَعَلَّلَهُ فَقَالَ؛ لِأَنَّهَا مَا أَتَتْ الْعُرْسَ بَلْ الْعُرْسُ أَتَاهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِي فُلَانًا فَهُوَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ أَوْ حَانُوتَهُ لَقِيَهُ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ، وَإِنْ أَتَى مَسْجِدَهُ لَمْ يَحْنَثْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ لَزِمَ رَجُلًا وَحَلَفَ الْمُلْتَزَمُ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا فَأَتَاهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَزِمَهُ فِيهِ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ فَإِنْ كَانَ لَزِمَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَحَلَفَ
ــ
[منحة الخالق]
فُلَانٌ قَدْ انْتَقَلَ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّقْلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِعَامَّةِ مَتَاعِهِ، وَأَقُولُ: وَالرِّحْلَةُ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ ارْتَحَلَ الْقَوْمُ مِنْ الْمَكَانِ انْتَقَلُوا وَبِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ الرَّجُلَ يَحْلِفُ عَلَى الرَّحِيلِ مِنْ بَلَدِهِ فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ اهـ.
لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا فَتَحَوَّلَ الطَّالِبُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَأَتَى الْحَالِفُ الْمَنْزِلَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الطَّالِبُ فَلَمْ يَجِدْهُ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَنْزِلَ الَّذِي تَحَوَّلَ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ آتِكَ غَدًا فِي مَوْضِعِ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَتَاهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَدْ بَرَّ إنَّمَا هَذَا عَلَى إتْيَانِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أُوَفِّكَ غَدًا فِي مَوْضِعِ كَذَا فَأَتَى الْحَالِفُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَلَمْ يَجِدْهُ حَيْثُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا عَلَى أَنْ يَجْتَمِعَا. اهـ.
وَقَيَّدَ بِالْإِتْيَانِ؛ لِأَنَّ الْعِيَادَةَ وَالزِّيَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْوُصُولُ، وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا حَلَفَ لَيَعُودَنَّ فُلَانًا أَوْ لِيَزُورُنَّهُ فَأَتَى بَابَهُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ أَتَى بَابَهُ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ حَنِثَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَعَلَى قِيَاسِ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَمُنِعَ أَوْ قُيِّدَ حَنِثَ فَيَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ هُنَا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَشَايِخِنَا. اهـ.
وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُرْسِلْ إلَيْكِ نَفَقَتَكِ هَذَا الشَّهْرَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَرْسَلَ بِهَا عَلَى يَدِ إنْسَانٍ وَضَاعَتْ مِنْ يَدِ الرَّسُولِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَبْعَثْ إلَيْكِ نَفَقَةَ هَذَا الشَّهْرِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَجِيئِينِي غَدًا بِمَتَاعِ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ فَبَعَثَتْ بِهِ مَعَ إنْسَانٍ قَالَ إنْ كَانَ مُرَادُهُ وُصُولَ عَيْنِ الْمَتَاعِ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ أَنْ تَحْمِلَ بِنَفْسِهَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَذَهَبَ بِهِمْ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُمْ الْعَسَسُ فَحَبَسَهُمْ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ النَّوْعِ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِخِلَافِ هَذَا. اهـ. مَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الرَّوَاحِ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَهُوَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي كَلَامِ الْمِصْرِيِّينَ، وَفِي أَيْمَانِهِمْ لَكِنْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لُغَةُ الْعَرَبِ أَنَّ الرَّوَاحَ الذَّهَابُ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ آخِرَهُ أَوْ فِي اللَّيْلِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ كِتَابِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. اهـ.
فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَرُوحُ إلَى كَذَا فَهُوَ بِمَعْنَى لَا يَذْهَبُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ عَنْ قَصْدِهِ وَصَلَ أَوْ لَا.
(قَوْلُهُ)(: لَيَأْتِيَنَّهُ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْجُودٌ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْإِتْيَانِ بَلْ كُلُّ فِعْلٍ حَلَفَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَطْلَقَهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَقْتٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقَعَ الْإِيَاسُ عَنْ الْبِرِّ مِثْلُ لَيَضْرِبَنَّ زَيْدًا أَوْ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانَةَ أَوْ لَيُطَلِّقَنَّ زَوْجَتَهُ وَتَحَقَّقَ الْيَأْسُ عَنْ الْبِرِّ يَكُونُ بِفَوْتِ أَحَدِهِمَا فَلِذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْحَالِفَ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. اهـ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ حَتَّى مَاتَ يَعُودُ إلَى أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفَ أَوْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحَالِفِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ، وَقَيَّدَ بِالْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَإِنَّ الْحِنْثَ مُعَلَّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ لَا يَحْنَثُ، وَأَمَّا إذَا مَضَى الْوَقْتُ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَهُوَ حَيٌّ عَتَقَ الْعَبْدُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا بِقَرِينَةٍ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْفَصْلِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعِيَادَةَ وَالزِّيَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْوُصُولُ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ الْمَنْفِيَّ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا هُوَ الْوُصُولُ إلَى الشَّخْصِ الْمُعَادِ وَالْمَزُورِ أَمَّا الْوُصُولُ إلَى بَابِ دَارِهِ فَهُوَ شَرْطٌ، وَكَذَا فِي الْإِتْيَانِ فَقَدْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِي فُلَانًا فَهُوَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ أَوْ حَانُوتَهُ لَقِيَهُ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ، وَإِنْ أَتَى مَسْجِدَهُ لَمْ يَحْنَثْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ.
فَقَدْ اشْتَرَكَ الْإِتْيَانُ وَالْعِيَادَةُ وَالزِّيَارَةُ فِي اشْتِرَاطِ الْوُصُولِ إلَى الْمَنْزِلِ دُونَ الْوُصُولِ إلَى صَاحِبِهِ بَلْ زَادَتْ الْعِيَادَةُ وَالزِّيَارَةُ اشْتِرَاطَ الِاسْتِئْذَانِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى قِيَاسِ مَنْ قَالَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي إنْ لَمْ أَخْرُجْ مَنْفِيٌّ، وَفِي لَيَعُودَنَّ فُلَانًا مُثْبَتٌ، وَالْإِكْرَاهُ يُؤَثِّرُ فِي الْمُثْبَتِ لَا فِي الْمَنْفِيِّ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الذَّهَابَ كَالْإِتْيَانِ لَا عَلَى أَنَّهُ كَالْخُرُوجِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَرُوحُ إلَى كَذَا إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الدَّلِيلُ خَاصٌّ بِالذَّهَابِ لَيْلًا وَالْمُدَّعَى أَعَمُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ. اهـ.
قُلْتُ: وَفِي الْمِصْبَاحِ مَا هُوَ أَوْضَحُ مِمَّا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ، وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الرَّوَاحُ وَالْغُدُوُّ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْمَسِيرِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام «مَنْ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَهُ كَذَا» أَيْ مَنْ ذَهَبَ ثُمَّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ، وَأَمَّا رَاحَتْ الْإِبِلُ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَشِيِّ إذَا أَرَاحَهَا عَلَى أَهْلِهَا يُقَالُ سَرَحَتْ الْإِبِلُ بِالْغَدَاةِ إلَى الْمَرْعَى وَرَاحَتْ بِالْعَشِيِّ عَلَى أَهْلِهَا أَيْ رَجَعَتْ مِنْ الْمَرْعَى إلَيْهِمْ فَهِيَ رَائِحَةٌ. اهـ
السَّابِعِ، وَلَوْ حَلَفَ إنْ رَأَى فُلَانًا لَيَضْرِبَنَّهُ فَالرُّؤْيَةُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَالضَّرْبُ مَتَى شَاءَ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْفَوْرَ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُوَاقِعَ امْرَأَتَهُ، وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ فَقَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَدْخُلِي مَعِي فِي الدَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ بَعْدَمَا سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَإِنْ دَخَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَطْلُقْ، وَفِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ فِي كُلِّ حَقٍّ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ كُلَّ مَا شُكِيَ إلَيْهِ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ، وَلَا يَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى فَوْرِ الشِّكَايَةِ مَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ مَسَائِلِ الْفَوْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا.
(قَوْلُهُ: لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَهِيَ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ فِي الْعُرْفِ، وَهِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ، وَفَسَّرَهَا مُحَمَّدٌ رحمه الله بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَمْرَضْ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ السُّلْطَانُ، وَلَمْ يَجِئْ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ. اهـ.
فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِسَلَامَةِ الْآلَاتِ صِحَّةُ الْجَوَارِحِ فَالْمَرِيضُ لَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ وَالْمُرَادُ بِصِحَّةِ الْأَسْبَابِ تَهْيِئَةٌ لِإِرَادَةِ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ فَخَرَجَ الْمَمْنُوعُ، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهَا سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَرَفْعُ الْمَوَانِعِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ الِاسْتِطَاعَةُ رَفْعُ الْمَوَانِعِ. اهـ.
فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَسِيَ الْيَمِينَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَانِعٌ، وَكَذَا لَوْ جُنَّ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَضَى الْغَدُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَحَدُّهَا التَّهَيُّؤُ لِتَقْيِيدِ الْفِعْلِ عَلَى إرَادَةِ الْمُخْتَارِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى الْقُدْرَةَ دُيِّنَ) أَيْ صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا فِيمَا يُقَارِنُ الْفِعْلَ وَيُطْلَقُ الِاسْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَصِحَّةِ الْأَسْبَابِ فِي الْمُتَعَارَفِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْأَوَّلِ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقِيلَ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَإِذَا صُدِّقَ لَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ، وَهُوَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِ الظَّاهِرِ. اهـ.
وَقَدْ أَظْهَرَ الزَّاهِدِيُّ فِي الْمُجْتَبَى اعْتِزَالَهُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ كَمَا أَظْهَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ، وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُجْتَبَى قُلْتُ: وَفِي قَوْلِهِ حَقِيقَةُ الِاسْتِطَاعَةِ فِيمَا يُقَارِنُ الْفِعْلَ نَظَرٌ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالسُّنِّيَّةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ تُقَارِنُ الْفِعْلَ، وَإِنَّهُ بَاطِلٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ فِرْعَوْنُ، وَهَامَانُ وَسَائِرُ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ قَادِرِينَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَكَانَ تَكْلِيفُهُمْ بِالْإِيمَانِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَكَانَ إرْسَالُ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ وَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ضَائِعَةً فِي حَقِّهِمْ. اهـ.
وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ حَتَّى يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ.
(قَوْلُهُ: لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي شَرْطٌ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ وَحَتَّى) أَيْ بِخِلَافِ لَا تَخْرُجِي إلَّا أَنْ آذَنَ لَكِ أَوْ حَتَّى أَنْ آذَنَ لَكِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً انْتَهَتْ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحْنَثُ وَالْفَرْقُ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى خُرُوجٌ مَقْرُونٌ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ مُفَرَّغٌ لِلْمُتَعَلِّقِ فَصَارَ الْمَعْنَى إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِهِ فَمَا لَمْ يَكُنْ مُلْصَقًا بِالْإِذْنِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْيَمِينِ لِعُمُومِ النَّكِرَةِ فَيَحْنَثُ بِهِ، وَفِي الثَّانِي الْإِذْنُ غَايَةٌ أَمَّا فِي حَتَّى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي إلَّا أَنْ فَتَجُوزُ بِإِلَّا فِيهَا لِتَعَذُّرِ اسْتِثْنَاءِ الْإِذْنِ مِنْ الْخُرُوجِ وَبِالْمَرَّةِ يَتَحَقَّقُ فَيَنْتَهِي الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لُزُومُ تَكْرَارِ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ بُيُوتِهِ عليه السلام مَعَ تِلْكَ الصِّيغَةِ {إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] فَبِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَهُوَ تَعْلِيلُهُ بِالْأَذَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْبَاءِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ إلَّا أَنْ آذَنَ بِمَعْنَى إلَّا بِإِذْنِي؛ لِأَنَّ أَنْ وَالْفِعْلَ فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْبَاءِ، وَإِلَّا صَارَ الْمَعْنَى إلَّا خُرُوجًا إذْنِي فَصَارَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ تَقْدِيرِ الْبَاءِ مَحْذُوفَةً
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: يَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ، وَلَا يَرِدُ.
أَوْ مَا قُلْنَا مِنْ جَعْلِهَا بِمَعْنَى حَتَّى مَجَازًا أَيْ حَتَّى آذَنَ لَكِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ كَالْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي يَنْعَقِدُ عَلَى إذْنٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا لَزِمَ فِي إلَّا أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ وَجَبَ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا، وَمَجَازُ غَيْرِ الْحَذْفِ أَوْلَى مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي وَصْفِ نَفْسِ اللَّفْظِ، وَمَجَازُ الْحَذْفِ تَصَرُّفٌ فِي ذَاتِهِ بِالْإِعْدَامِ مَعَ الْإِرَادَةِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ شَرْطٌ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَكِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيُسْتَعَارُ بِمَعْنَى حَتَّى لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى التَّعَدُّدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ، وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنٍ بِغَيْرِ إذْنِي فَيُشْتَرَطُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ مَعَ وُجُودِ الْبَاءِ وَالرِّضَا وَالْأَمْرُ وَالْعِلْمُ كَالْإِذْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجْت إلَّا بِقِنَاعٍ أَوْ بِمِلْحَفَةٍ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَذِنْتُ لَكِ فِي الْخُرُوجِ كُلَّمَا أَرَدْت فَخَرَجَتْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لَا يَحْنَثُ فَإِنْ نَهَاهَا عَنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ النَّهْيُ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ ثُمَّ قَالَ لَهَا كُلَّمَا نَهَيْتُكِ فَقَدْ أَذِنْتُ لَكِ فَنَهَاهَا لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ إيَّاهَا، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا عَهْدَ لَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَخَرَجَتْ حَنِثَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا، وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ غَائِبَةٌ لَمْ تَسْمَعْ فَخَرَجَتْ حَنِثَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ يَكُونُ إذْنًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِذْنُ يَصِحُّ بِدُونِ الْعِلْمِ وَالسَّمَاعِ فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْأَمْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَثْبُتُ الْأَمْرُ بِدُونِ الْعِلْمِ وَالسَّمَاعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَكُونُ الْإِذْنُ إلَّا بِالسَّمَاعِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إيقَاعُ الْخَبَرِ فِي الْإِذْنِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ إذْنَ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَلَوْ كَنَسَتْ الْبَيْتَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ فَخَرَجَتْ إلَى بَابِ الدَّارِ لِكَنْسِ الْبَابِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَى بَعْضِ أَهْلِهَا فَلَمْ تَخْرُجْ ثُمَّ خَرَجَتْ فِي، وَقْتٍ آخَرَ إلَى بَعْضِ أَهْلِهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَخَافُ أَنْ يَحْنَثَ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ سَمِعَتْ سَائِلًا يَسْأَلُ شَيْئًا بَعْدَمَا مَنَعَهَا زَوْجُهَا عَنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ ادْفَعِي هَذِهِ الْكِسْرَةَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ السَّائِلُ بِحَيْثُ لَا تَقْدِرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ إلَّا بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَيَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا تُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ حَتَّى أَصِيرَ مُطَلَّقَةً فَقَالَ الزَّوْجُ نَعَمْ فَخَرَجَتْ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ هَذَا لِلتَّهْدِيدِ لَا لِلْإِذْنِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا اُخْرُجِي أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ خَرَجْتِ لَيُخْزِيَنَّكِ اللَّهُ تَعَالَى وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ إذْنًا، وَكَذَا لَوْ غَضِبَتْ الْمَرْأَةُ وَتَأَهَّبَتْ لِلْخُرُوجِ فَقَالَ الزَّوْجُ دَعُوهَا تَخْرُجُ لَمْ يَكُنْ إذْنًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْإِذْنَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ فِي غَضَبِهِ اُخْرُجِي يَنْوِي التَّهْدِيدَ وَالتَّوْعِيدَ يَعْنِي اُخْرُجِي حَتَّى تَطْلُقِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ طَالِقٌ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى تَخْرُجَ مَرَّةً أُخْرَى إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْيَمِينِ مُخَاشَنَةً كَانَتْ بَيْنَهُمَا فِي الْخُرُوجِ فَمَتَى كَانَتْ كَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ كَانَتْ عَلَى الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ الْكُلُّ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي قَوْلِهِ لَهَا إنْ خَرَجْتِ مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَحْنَثُ بِخُرُوجِهَا لِوُقُوعِ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ غَالِبٍ فِيهَا، وَكَذَا فِي الْقُنْيَةِ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ خَمْرًا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَأَذِنَتْ لَهُ أَنْ يَشْرَبَهَا فِي دَارِ كَذَا فَشَرِبَهَا فِي غَيْرِهَا حَنِثَ. اهـ.
وَفِي بَابٍ آخَرَ مِنْهَا إنْ دَفَعْتِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْت طَالِقٌ فَدَفَعَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَقَعْ. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى السَّبَبِ الدَّاعِي إلَى الْيَمِينِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً بِغَيْرِ إذْنٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَدَخَلَتْ وَخَرَجَتْ مِرَارًا فِي الْعَشَرَةِ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لَا يَحْنَثُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ الزَّوْجَةَ أَوْ الْعَبْدَ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إنْ خَرَجْتَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْت حُرٌّ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ فَلَوْ قَالَ لَهُ أَطِعْ فُلَانًا فِي جَمِيعِ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ فَأَمَرَهُ فُلَانٌ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ فَالْمَوْلَى حَانِثٌ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِطَاعَةِ فُلَانٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِرَجُلٍ ائْذَنْ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَذِنَ لَهُ الرَّجُلُ فَخَرَجَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ فُلَانًا بِالْإِذْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ قُلْ يَا فُلَانُ مَوْلَاكَ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ لَهُ فَخَرَجَ فَإِنَّ الْمَوْلَى حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَإِنَّمَا أَمَرَ فُلَانًا بِكَذِبٍ، وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ مَا أَمَرَكَ بِهِ فُلَانٌ فَقَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ فَأَمَرَهُ الرَّجُلُ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ فَالْمَوْلَى حَانِثٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى مِنْ هَذَا أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِرِضَاهُ فَإِذَا قَالَ مَا أَمَرَكَ بِهِ فُلَانٌ فَقَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ فُلَانًا يَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَ هَذَا الْخُرُوجِ مَرْضِيًّا بِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ مُسْتَثْنًى فَبَقِيَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِلرَّجُلِ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَخْبَرَ الرَّجُلُ بِهِ الْعَبْدَ لَمْ يَحْنَثْ الْمَوْلَى.
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ بِعْتِ خَادِمَك فَقَدْ أَذِنْتُ لَكِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ هَذَا إذْنًا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَ بِالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي دَارِهِ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْإِذْنُ فِي هَذَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّ قُدُومَ فُلَانٍ لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً وَالْإِذْنُ فِي الْكَلَامِ يُتَنَاوَلُ كُلَّمَا يُوجَدُ مِنْ الْكَلَامِ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَكَذَا خُرُوجُ الرَّجُلِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً بِخِلَافِ الْإِذْنِ لِلزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ذَلِكَ الْخُرُوجَ الْمَأْذُونَ فِيهِ لَا كُلَّ خُرُوجٍ إلَّا بِنَصٍّ صَرِيحٍ فِيهِ مِثْلِ أَذِنْتُ لَكِ أَنْ تَخْرُجِي كُلَّمَا أَرَدْتِ الْخُرُوجَ وَنَحْوِهِ فَكَانَ الِاقْتِصَارُ فِي هَذَا الْوُجُودِ الصَّارِفِ عَنْ التَّكْرَارِ لَا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْكُلِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا أَنْ يَنْسَى فَدَخَلَهَا نَاسِيًا ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ ذَاكِرًا لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا نَاسِيًا فَدَخَلَهَا نَاسِيًا ثُمَّ دَخَلَهَا ذَاكِرًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ كُلِّ دُخُولٍ دُخُولًا بِصِفَةٍ فَبَقِيَ مَا سِوَاهُ دَاخِلًا تَحْتَ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَعْنِي حَتَّى فَلَمَّا دَخَلَهَا نَاسِيًا انْتَهَتْ الْيَمِينُ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ دَخْلَةً إلَّا أَنْ يَأْمُرَنِي فُلَانٌ فَأَمَرَهُ فُلَانٌ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَقَدْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَنِي بِهَا فُلَانٌ بِزِيَادَةِ بِهَا فَأَمَرَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرِ فِي كُلِّ دَخْلَةٍ كَقَوْلِهِ إلَّا بِأَمْرِ فُلَانٍ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا لِأَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ فَأَنْت طَالِقٌ، وَلِلْمَرْأَةِ حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَأَرَادَتْ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ وَخَرَجَتْ لِأَجْلِهِ قَالُوا إنْ كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُوَكِّلَ بِذَلِكَ حَنِثَ الْحَالِفُ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَنْ تُوَكِّلَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ إلَّا بِعِلْمِهِ فَخَرَجَتْ، وَهُوَ يَرَاهَا فَمَنَعَهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فَخَرَجَتْ، وَهُوَ يَرَاهَا لَا يَحْنَثُ أَيْضًا. اهـ.
ثُمَّ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَى الْإِذْنِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجِينَ إلَّا بِإِذْنِي مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ الْمَنْعُ فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى مُدَّةِ بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَكَذَا فِي الْعَبْدِ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ حَلَفَ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلْدَةَ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَلَا عَبْدُهُ فَبَانَتْ مِنْهُ أَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ التَّقْيِيدِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: إلَّا بِإِذْنِهِ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
اللَّفْظِ فَإِنْ عَنَى بِهِ مَا دَامَتْ امْرَأَتُهُ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ طُولِبَ بِحَقٍّ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِ مُطَالِبهِ حَنِثَ بِالْخُرُوجِ زَالَ ذَلِكَ الْحَقُّ أَوْ لَمْ يَزُلْ لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ حَلَّفَهُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ بُخَارَى إلَّا بِإِذْنِهِمْ فَجُنَّ أَحَدُهُمْ قَالَ لَا يَخْرُجُ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ فَخَرَجَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ الْإِذْنُ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ فَمَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَوَاتَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ بَقَاءَ الْيَمِينِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْتِ أَوْ ضَرَبَ الْعَبْدَ فَقَالَ إنْ ضَرَبْتَ تَقَيَّدَ بِهِ كَاجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْتُ) بَيَانٌ لِيَمِينِ الْفَوْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوْرِ الْقَدْرِ إذَا غَلَتْ وَاسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهَا الْحَالُ الَّتِي لَا رَيْثَ فِيهَا فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْيَمِينُ بِهِ بِاعْتِبَارِ فَوَرَانِ الْغَضَبِ انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِظْهَارِهَا، وَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي عُرْفِهِمْ قِسْمَيْنِ مُؤَبَّدَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ مُطْلَقًا وَمُؤَقَّتَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ فَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمِينَ الْفَوْرِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ فِي تَسْمِيَتِهَا، وَلَا فِي حُكْمِهَا، وَلَا خَالَفَهُ أَحَدٌ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا. اهـ.
بَلْ النَّاسُ عِيَالُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفِقْهِ كُلِّهِ، وَهِيَ يَمِينٌ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُوَقَّتَةٌ مَعْنًى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ أَوْ تَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ حَالِيٍّ فَمِنْ الثَّانِي امْرَأَةٌ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْتِ أَيْ السَّاعَةَ، وَمِنْهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَحَلَفَ عَلَيْهِ لَا يَضْرِبُهُ فَإِذَا تَرَكَهُ سَاعَةً بِحَيْثُ يَذْهَبُ فَوْرُ ذَلِكَ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَا يَحْنَثُ لِذَلِكَ بِعَيْنِهِ، وَمِنْ الْأَوَّلِ اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَيَقُولُ إنْ تَغَدَّيْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَ بِالْحَالِ فَإِذَا تَغَدَّى فِي يَوْمِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَقَعَ جَوَابًا تَضَمَّنَ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ وَالْمَسْئُولُ الْغَدُ الْحَالِيُّ فَيَنْصَرِفُ الْحَلِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْحَالِيِّ لِتَقَعَ الْمُطَابَقَةُ.
وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ نِيَّةِ الْحَالِفِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ قَالَ إنْ تَغَدَّيْتُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ بِأَنْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْتُ الْيَوْمَ أَوْ مَعَكَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً، وَلَا يُقَالُ إنَّ مُوسَى عليه السلام زَادَ فِي الْجَوَابِ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْعَصَا، وَلَمْ يَكُنْ مُبْتَدَأً؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا سُئِلَ بِمَا، وَهِيَ تَقَعُ عَلَى ذَاتِ مَا لَا يَعْقِلُ، وَالصِّفَاتُ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ فَأَجَابَ بِهِمَا حَتَّى يَكُونَ مُجِيبًا عَنْ أَيِّهِمَا كَانَ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَنْزِلِ إنْ رَجَعْتِ إلَى مَنْزِلِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ جَلَسَتْ فَلَمْ تَخْرُجْ زَمَانًا ثُمَّ خَرَجَتْ وَرَجَعَتْ وَالرَّجُلُ يَقُولُ نَوَيْتُ الْفَوْرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى هَذِهِ الْخَرْجَةِ فَكَذَا إذَا قَالَ إنْ رَجَعْتِ وَنَوَى الرُّجُوعَ بَعْدَ هَذِهِ الْخَرْجَةِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الرُّجُوعِ عَنْ هَذِهِ الْخَرْجَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ تَارَةً يَثْبُتُ صَرِيحًا وَتَارَةً يَثْبُتُ دَلَالَةً وَالدَّلَالَةُ نَوْعَانِ دَلَالَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَدَلَالَةٌ حَالِيَّةٌ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ نَحْوُ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ تَقَيَّدَ بِحَالِ حَيَاةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ الْحَالِيَّةُ كَمَا فِي الْكِتَابِ.
وَفِي الْمُحِيطِ أَصْلُهُ أَنَّ الْحَالِفَ مَتَى أَعْقَبَ الْفِعْلَ فِعْلًا بِحَرْفِ الْعَطْفِ، وَهُوَ الْفَاءُ وَالْوَاوُ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ الثَّانِي فِي الْعَادَةِ يُفْعَلُ عَلَى فَوْرِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُفْعَلُ عَلَى فَوْرِ الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَمُتْ، وَإِنْ ذَكَرَ الْفِعْلَ الثَّانِيَ بِحَرْفِ الشَّرْطِ أَوْ التَّرَاخِي، وَهُوَ حَرْفُ ثُمَّ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَكَلِمَةُ ثُمَّ عَلَى التَّرَاخِي فَلَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتَنِي فَلَمْ أَضْرِبْكَ أَوْ لَقِيتُكَ فَلَمْ أُسَلِّمْ عَلَيْكَ، وَإِنْ كَلَّمْتَنِي فَلَمْ أُجِبْكَ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ اسْتَعَرْتُ دَابَّتَكَ فَلَمْ تُعِرْنِي أَوْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَلَمْ أَقْعُدْ، وَإِنْ ذَكَرَ بِحَرْفِ الْوَاوِ بِأَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُكَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَا خَالَفَهُ أَحَدٌ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ) يُنَافِي هَذَا الْإِطْلَاقُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ غَدٍ أَوْ خُرُوجٍ وَضَرَبَ فَاعْتُبِرَ الْإِطْلَاقُ اللَّفْظِيُّ (قَوْلُهُ: فَمِنْ الثَّانِي امْرَأَةٌ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة فِي الْفَتْحِ مَا يُشِيرُ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَغَيُّرِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مَعَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ حَيْثُ قَالَ امْرَأَةٌ تَهَيَّأَتْ إلَى آخِرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا أَيْ فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّهَيُّؤَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ لِلْبِرِّ سِوَى الْجُلُوسِ سَاعَةً، وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَغَيُّرَ الْهَيْئَةِ الَّتِي قَصَدَتْ الْخُرُوجَ بِهَا فَيَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ جَلَسَتْ سَاعَةً عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ عَلَيْهَا أَيْضًا لَمْ يَحْنَثْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ رُبَّمَا يُخَالِفُهُ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْمَرْأَةِ
وَلَمْ تُكَلِّمْنِي فَهَذَا يَحْتَمِلُ قَبْلَ وَبَعْدَ فَتُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ رَكِبْتَ دَابَّتِي فَلَمْ أُعْطِكَ دَابَّتِي فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَتَيْتَنِي فَلَمْ آتِكَ أَوْ إنْ زُرْتَنِي فَلَمْ أَزُرْكَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَقُومِي السَّاعَةَ وَتَجِيئِي إلَى دَارِ وَالِدِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَامَتْ السَّاعَةَ، وَلَبِسَتْ الثِّيَابَ وَخَرَجَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ وَجَلَسَتْ حَتَّى خَرَجَ الزَّوْجُ فَخَرَجَتْ هِيَ أَيْضًا، وَأَتَتْ دَارَ وَالِدِهِ بَعْدَمَا أَتَاهَا الزَّوْجُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْمَرْأَةِ وَجُلُوسَهَا مَا دَامَتْ فِي تَهَيُّؤِ الْخُرُوجِ لَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْفَوْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا الْبَوْلُ فَبَالَتْ قَبْلَ لُبْسِ الثِّيَابِ ثُمَّ لَبِسَتْ الثِّيَابَ لَمْ يَحْنَثْ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَجِيئِي إلَى الْفِرَاشِ هَذِهِ السَّاعَةَ فَأَنْت طَالِقٌ، وَهُمَا فِي التَّشَاجُرِ فَطَالَ بَيْنَهُمَا كَانَ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَتْ إلَى الْفِرَاشِ لَا يَحْنَثُ فَإِنْ خَافَتْ فَوْتَ الصَّلَاةِ فَصَلَّتْ قَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى حَنِثَ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَمَلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ فَوْرُ الْأَوَّلِ، وَعَلَى قِيَاسِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا يَحْنَثُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ اشْتَغَلَتْ بِالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ اشْتَغَلَتْ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ شَرْعًا فَصَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ يَمِينِهِ شَرْعًا، وَعُرْفًا، وَلَوْ اشْتَغَلَتْ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ بِالْوُضُوءِ أَوْ أَكَلَتْ أَوْ شَرِبَتْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ شَرْعًا. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهَا فِي الْخُصُومَةِ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ لَمْ تَخْرُجِي، وَقَالَ مَا أَرَدْتُ بِهِ الْخُرُوجَ لِلْحَالِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ سَاعَاتٍ يَحْنَثُ إنْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي الْخُرُوجِ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أَضْرِبْكِ فَأَنْت طَالِقٌ فَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ دَلَالَةُ الْفَوْرِ بِأَنْ قَصَدَ ضَرْبَهَا فَمُنِعَ انْصَرَفَ إلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ نَوَى الْفَوْرَ بِدُونِ الدَّلَالَةِ يُصَدَّقُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا، وَإِنْ نَوَى الْأَبَدَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ انْصَرَفَ إلَى الْأَبَدِ، وَإِنْ نَوَى الْيَوْمَ أَوْ الْغَدَ لَمْ تُقْبَلْ نِيَّتُهُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ أَخَذْتِ مِنْ مَالِي شَيْئًا، وَلَمْ تُخْبِرِينِي فَكَذَا فَأَخَذَتْ، وَلَمْ تُخْبِرْهُ فِي الْحَالِ، وَلَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَتْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ لَا يَحْنَثُ إنْ رَأَيْتُ سَارِقًا فَلَمْ أُخْبِرْكَ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ قَالَ: وَلَمْ أُخْبِرْكَ، وَإِنْ لَمْ أُخْبِرْكَ فَعَلَى التَّرَاخِي، وَلَا بُدَّ مِنْ الشَّرْطَيْنِ. اهـ مَا فِي الْقُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَرْكَبُ عَبْدِهِ مَرْكَبُهُ إنْ يَنْوِ، وَلَا دَيْنَ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِ فُلَان فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلِ أَنْ يَنْوِيَهَا الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَيْ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا حِنْثَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا، وَكَذَا شَرْعًا قَالَ عليه السلام «مَنْ بَاعَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ» الْحَدِيثَ، فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فَإِنْ نَوَاهَا، وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ كَانَ دَيْنُهُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إذَا نَوَى؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى لَكِنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ قَدْ اخْتَلَّتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ، وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً عِنْدَهُ وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ عَبِيدُ عَبْدِهِ التَّاجِرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَتَقُوا نَوَاهُمْ أَوْ لَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقُوا إذَا نَوَاهُمْ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقُوا، وَإِنْ نَوَاهُمْ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةَ مُكَاتَبِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الْمَوْلَى لَا ذَاتًا، وَلَا يَدًا. اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله مِنْ مَسَائِلِ الرُّكُوبِ غَيْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ بَعْضِ مَسَائِلِهِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَالْيَمِينُ عَلَى مَا يَرْكَبُ النَّاسُ مِنْ الْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَوْ رَكِبَ ظَهْرَ إنْسَانٍ لِيَعْبُرَ النَّهْرَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَى هَذَا. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةً، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَرَكِبَ حِمَارًا أَوْ فَرَسًا أَوْ بِرْذَوْنًا أَوْ بَغْلًا حَنِثَ فَإِنْ رَكِبَ غَيْرَهَا نَحْوَ الْبَعِيرِ وَالْفِيلِ لَا يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَسًا فَرَكِبَ بِرْذَوْنًا لَا يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ
ــ
[منحة الخالق]
وَجُلُوسَهَا مَا دَامَتْ فِي تَهَيُّؤِ الْخُرُوجِ لَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْفَوْرِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ الْحَلِفَ هُنَا عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ، وَهُنَاكَ عَلَى الْخُرُوجِ فَكَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْجُلُوسِ حَيْثُ قَطَعَ الْفَوْرَ فِي هَذِهِ، وَلَمْ يَقْطَعْهُ فِي تِلْكَ كَذَلِكَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَغَيُّرِ الْهَيْئَةِ هُنَا، وَفِي اشْتِرَاطِ بَقَائِهَا عَلَى هَيْئَةِ الْخُرُوجِ هُنَاكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.، (قَوْلُهُ: أَوْ اشْتَغَلَتْ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ) أَطْلَقَهَا عَنْ التَّقْيِيدِ بِخَوْفِ الْفَوْتِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا التَّقْيِيدُ بِهِ