الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَفَاةِ أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْقِنَّةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُسْتَسْعَاةَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَقَةَ الْبَعْضِ أَوْ لَا كَالْمُعْتَقَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إذَا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمُدَبَّرَةِ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا فِي زَمَنِ السِّعَايَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَحُرٍّ مَدْيُونٍ عِنْدَهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الدُّخُولِ فِي الْأَمَةِ إلَّا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ نِعْمَةً وَعُقُوبَةً لَكِنْ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّهَارَةِ هُمَا سَوَاءٌ، وَفِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ هُمَا سَوَاءٌ، وَفِي أَجَلِ الْعِنِّينِ هُمَا سَوَاءٌ بِخِلَافِ إيلَاءِ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا عَلَى النِّصْفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْحُدُودِ عَلَى النِّصْفِ، وَفِي النِّكَاحِ عَلَى النِّصْفِ، وَفِي الطَّلَاقِ عَلَى النِّصْفِ وَاعْتِبَارُهُ بِالْمَرْأَةِ، وَفِي الْقِصَاصِ هُمَا سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ فَهُوَ مُنَصِّفٌ إلَّا فِي الْعِبَادَاتِ وَمَا فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْإِيلَاءِ وَالْقِصَاصِ.
وَدَلِيلُ التَّنْصِيفِ فِي
عِدَّةِ الْأَمَةِ
الْحَدِيثُ «وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَأُورِدَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِعُمُومِ الْقَطْعِيِّ وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ بِأَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ أَوْ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْحَرَائِرِ بِدَلِيلِ السِّيَاقِ {مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ} [البقرة: 229]{حَتَّى تَنْكِحَ} [البقرة: 230]{فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ تُوُفِّيَ عَنْ امْرَأَةٍ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ وَاعْتَدَّتْ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ لَزِمَهُ الْوَلَدُ إلَى سَنَتَيْنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ قَالَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ: لَسْت بِحَامِلٍ، ثُمَّ قَالَتْ مِنْ الْغَدِ: أَنَا حَامِلٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ: لَسْتُ بِحَامِلٍ، ثُمَّ قَالَتْ: أَنَا حَامِلٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ وَلِلْحَامِلِ وَضْعُهُ) أَيْ: وَ
عِدَّةُ الْحَامِلِ
وَضْعُ الْحَمْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ مُطَلَّقَةً أَوْ مُتَارَكَةً فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ يُرِيدُ بِالْقُصْرَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] وَبِالطُّولَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الْآيَةَ وَالْمُبَاهَلَةُ الْمُلَاعَنَةُ، وَفِي رِوَايَةِ مَنْ شَاءَ لَاعَنَتْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ حَالَفَتْهُ وَكَانُوا إذَا اخْتَلَفُوا فِي أَمْرٍ يَقُولُونَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِ مِنَّا قَالُوا وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَيَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم تَعْتَدُّ الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ يَعْنِي لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ وَمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ هَذَا مَعْنَى أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ وَفِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقُلْ إنَّ آيَةَ الْقُصْرَى مُخَصِّصَةٌ لِآيَةِ الطُّولَى لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَعَمُّ مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْهَا مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ الْحَامِلَ قَدْ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ لَا يُتَوَفَّى وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قَدْ تَكُونُ حَامِلًا وَقَدْ لَا تَكُونُ فَامْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مُخَصِّصَةً لِلْأُخْرَى الثَّانِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} [الطلاق: 4] إنَّمَا وَرَدَ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُطَلَّقَاتِ فَرُبَّمَا كَانَتْ فِي الْمُطَلَّقَةِ فَلِهَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ لَمْ يُعَوِّلْ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا عَوَّلَ عَلَى السُّنَّةِ وَهُوَ حَدِيثُ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ اهـ.
وَحَاصِلُ مَا فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُمَا مُتَعَارِضَانِ فِي حَقِّ الْحَامِلِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَعَلَى رَأْيِ عَلِيٍّ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ يَثْبُتُ حُكْمُ التَّعَارُضِ بِقَدْرِ مَا تَعَارَضَا فِيهِ فَرَجَعْنَا إلَى السُّنَّةِ وَعَلَى رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْقَائِلِ بِتَأَخُّرِ الْقُصْرَى كَانَتْ الْقُصْرَى نَاسِخَةً لِلطُّولَى فِيمَا تَعَارَضَا فِيهِ وَهِيَ الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَطْ اهـ.
مَا فِي التَّلْوِيحِ هُنَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَاهُ فِي زَوْجَةِ الْفَارِّ وَقَدْ سَهَا صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ فَفَسَّرَ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ الْمَرْوِيَّ عَنْ
ــ
[منحة الخالق]
[عِدَّةُ الْأَمَةِ]
(قَوْلُهُ إلَّا فِي الْعِبَادَاتِ) أَيْ: فَهُوَ غَيْرُ مُنْصِفٍ بَلْ هُمَا فِيهَا سَوَاءٌ، وَكَذَا مَا فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَالْكَفَّارَاتِ، وَقَوْلُهُ وَالْإِيلَاءِ وَالْقِصَاصِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الْإِيلَاءِ سَبْقُ قَلَمٍ لِعَدَمِ اسْتِوَائِهِمَا فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ آنِفًا فَالصَّوَابُ إبْدَالُهُ بِأَجَلِ الْعِنِّينِ تَأَمَّلْ.
[عِدَّةُ الْحَامِلِ]
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِلْحَامِلِ وَضْعُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَرْعٌ لَوْ مَاتَ الْحَمْلُ فِي بَطْنِهَا وَمَكَثَ مُدَّةً بِمَاذَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَبْقَى مُعْتَدَّةً إلَى أَنْ يَنْزِلَ أَوْ تَبْلُغَ مُدَّةَ الْإِيَاسِ اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلُهُ أَوْ تَبْلُغَ مُدَّةَ الْإِيَاسِ فِيهِ أَنَّهُ مُنَافٍ لِلْآيَةِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ نَقْلًا عَنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ لَا تَنْقَضِي مَعَ وُجُودِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ قَالَ وَلَا مُبَالَاةَ بِتَضَرُّرِهَا بِذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ، وَفِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ لِابْنِ قَاسِمٍ قَالَ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَفْتَى جَمَاعَةُ عَصْرِنَا بِتَوَقُّفِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا عَلَى خُرُوجِهِ وَاَلَّذِي أَقُولُهُ عَدَمُ التَّوَقُّفِ إذَا أُيِسَ مِنْ خُرُوجِهِ لِتَضَرُّرِهَا بِمَنْعِهَا مِنْ التَّزَوُّجِ اهـ.
وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا يَدْفَعُ مَا قَالُوهُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ اهـ. مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَاهُ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ سَابِقًا هَذَا مَعْنَى أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ
عَلِيٍّ رضي الله عنه بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَنَقَلَهُ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَإِنَّمَا هَذَا فِي عِدَّةِ امْرَأَةِ الْفَارِّ وَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لِلْحَيْضِ فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ أَصْلًا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ عَلِيٍّ تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ وَهُمَا الْأَشْهُرُ وَوَضْعُ الْحَمْلِ وَهَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا قَالَا بِذَلِكَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمَا بِالتَّارِيخِ فَكَانَ ذَلِكَ أَحْوَطَ وَعَامَّةُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لَمَّا عَلِمُوا التَّارِيخَ قَالُوا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِتَأَخُّرِ آيَتِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ حُكْمٌ يَعُمُّ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى عُمُومِهِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] ؛ لِأَنَّ عُمُومَ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] بِالذَّاتِ وَعُمُومَ أَزْوَاجًا بِالْعَرَضِ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّلُ هَاهُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَلِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّ «سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قَدْ حَلَلْتِ فَتَزَوَّجِي» وَلِأَنَّهُ مُتَأَخِّرُ النُّزُولِ فَتَقْدِيمُهُ تَخْصِيصٌ وَتَقْدِيمُ الْآخَرِ بِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِلْوِفَاقِ عَلَيْهِ اهـ.
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «نَسَخَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى كُلَّ عِدَّةٍ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] أَجَلُ كُلِّ حَامِلٍ مُطَلَّقَةٍ أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا» وَأُخْرِجَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ وَنُقِلَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه وَعُمَرَ وَابْنِهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهم كَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي إنَّ عُمُومَ أُولَاتُ بِالذَّاتِ أَنَّ الْمَوْصُولَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَالَا بِذَلِكَ) أَيْ: عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُمَا.
(قَوْلُهُ فَتَقْدِيمُهُ فِي الْعَمَلِ تَخْصِيصٌ) أَيْ: تَقْدِيمُ قَوْلِهِ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] عَلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] وَتَرْجِيحُ الْعَمَلِ بِهِ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِهِ، وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِهَذِهِ فِي حَقِّ مَا تَنَاوَلَاهُ يَكُونُ بِنَاءً لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَلَوْ قَدَّمْنَا هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْعَمَلِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِهَا فَهُوَ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خَاصَّةٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا أَنَّ تِلْكَ خَاصَّةٌ مِنْ آخَرَ فَالْعَمَلُ بِهَذِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي مِقْدَارِ مَا تَنَاوَلَاهُ أَعْنِي الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَكُونُ تَخْصِيصًا لَهَا بِمَا وَرَاءَ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْخَاصُّ الْمُتَأَخِّرُ يُخَصِّصُ الْعَامَّ الْمُتَقَدِّمَ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُصَنِّفِ فِي جَوَازِ تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ يَكُونُ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا وَلَا مِنْ حَمْلِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ الْغَيْرِ الْمُتَّصِلِ وَتَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي مُفَصِّلَاتِ الْأُصُولِ فَقَوْلُهُ لِلْوِفَاقِ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ يَنْدَفِعُ بِالتَّأَمُّلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْعَمَلِ بِالْمُتَأَخِّرِ سَوَاءٌ قُلْنَا هُوَ مُخَصِّصٌ أَوْ نَاسِخٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجَوُّزِ فِي التَّخْصِيصِ كَمَا قِيلَ، وَيُؤَيِّدُهُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: 234] إلَخْ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى أَفَنَكْتُبُهَا أَوْ نَدَعُهَا قَالَ يَا ابْنَ أَخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ عَنْ مَكَانِهِ وَفِيهِ تَسْلِيمُ عُثْمَانَ لِلنَّسْخِ، وَتَقَدُّمِ النَّاسِخِ عَلَى الْمَنْسُوخِ فِي تَرْتِيبِ الْآيِ مِنْ النَّوَادِرِ فَتَدَبَّرْ.
وَقَوْلُهُ بِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ يَعْنِي لَوْ قُدِّمَتْ هَذِهِ بِأَنْ عُمِلَ بِهَا كَانَ فِيهَا تَخْصِيصٌ لِقَوْلِهِ {أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] فِي تِلْكَ بِغَيْرِ الْحَامِلَاتِ وَتَقْدِيمُ تِلْكَ فِي الْعَمَلِ بِهَا يَلْزَمُهُ بِنَاءُ الْعَامِّ وَهُوَ قَوْلُهُ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] الشَّامِلُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَلَى الْخَاصِّ وَهُوَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هُنَا أَنْ يُرَادَ بِالْعَامِّ الْخَاصُّ مِنْ غَيْرِ مُخَصِّصٍ لَهُ إذْ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِلْمُتَأَخِّرِ وَالْبِنَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ نَرَهُ لِغَيْرِهِ فَهُوَ يَحْتَاجُ لِلتَّحْرِيرِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْخَفَاجِيِّ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ.
(قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَكَانَ عُمُومُ الْأَوَّلِ ذَاتِيًّا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَالثَّانِي عَرَضًا لِكَوْنِهِ وَاقِعًا فِي حَيِّزِ صِلَةِ الْعَامِّ وَإِلَّا فَالْجَمْعُ الْمُنْكَرُ لَا عُمُومَ لَهُ فِي الْمُخْتَارِ وَأَقُولُ: صَدَّرَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَأَزْوَاجُ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِالْإِضَافَةِ عَامٌّ إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّ عُمُومَهُ عَرَضِيٌّ أَيْضًا بِالْإِضَافَةِ لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ ذَوَاتٌ وَدَعْوَى أَنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ مِنْ إضَافَةِ أُولَاتِ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ فَيَسْتَوِي مَعَ آيَةِ الْوَفَاةِ بِالتَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَهَذَا الْإِشْكَالُ لَمْ أَرَ مَنْ عَرَجَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوِيٌّ يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ وَالْحَقُّ أَنَّ مَشْيَ كَلَامِ الْقَاضِي هُنَا عَنْ أَنَّ الَّذِينَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ إمَّا يَتَرَبَّصْنَ أَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ: فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُ الَّذِينَ فَتَدَبَّرْهُ وَالْحُكْمُ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ الْمُعْتَدَّةِ ذَاتَ حَمْلٍ فَبَرَاءَةُ الرَّحِمِ مِنْ حَقِّ الْغَيْرِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُبِيحًا لِلتَّزَوُّجِ بِآخَرَ وَيُتَعَقَّلُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْآيَةِ الْأُخْرَى حَيْثُ لَا يُعْقَلُ تَأْثِيرُ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي تَرَبُّصِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَإِنَّمَا هُوَ تَعَبُّدِيٌّ وَلِلْمُعَلَّلِ قُوَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَلَى الْقَاضِي مَا يُفِيدُ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى أَيْضًا إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّهُ حِكْمَةٌ لَا عِلَّةٌ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ عُمُومِ أُولَاتِ بِالذَّوَاتِ وَأَزْوَاجِ بِالْعَرَضِ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَعُمُومُ أَزْوَاجًا بَدَلِيٌّ سَهْوٌ لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ أُولَاتَ لَيْسَ مَوْصُولًا بَلْ اسْمُ جَمْعٍ مُلْحَقٌ بِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ
عُمُومَ أَزْوَاجًا بِالْعَرَضِ أَنَّ عُمُومَهُ بَدَلِيٌّ لَا يَصْلُحُ لِتَنَاوُلِ جَمِيعِ الْأَزْوَاجِ فِي حَالٍ وَاحِدٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّلُ هُنَا أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا مُعَلَّلٌ بِوَصْفِ الْحَمْلِيَّةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ أَيْ التَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ؛ لِأَنَّا إذَا أَخَّرْنَا آيَةَ الْحَمْلِ عَنْ آيَةِ الْوَفَاةِ كَانَتْ مُخَصِّصَةً لِآيَةِ الْوَفَاةِ وَإِذَا قَدَّمْنَا آيَةَ الْحَمْلِ عَلَى آيَةِ الْوَفَاةِ كَانَتْ رَافِعَةً لِمَا فِي الْخَاصِّ مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ نَسْخٌ، وَفِي الْمِعْرَاجِ حَمَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ آيَةَ الْبَقَرَةِ عَلَى الْحَوَامِلِ تَخْصِيصًا بِآيَةِ الْقُصْرَى وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ كَانَ بَيْنَ نُزُولِ الْآيَتَيْنِ زَمَانٌ يَصْلُحُ لِلنَّسْخِ فَيُنْسَخُ الْخَاصُّ الْمُتَقَدِّمُ بِالْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَشَايِخِنَا بِالْعِرَاقِ وَلَا يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ أَوْ يُعْمَلُ بِالنَّصِّ الْعَامِّ عَلَى عُمُومِهِ وَيُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَلَا يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ اهـ.
وَذَكَرَ الْبِقَاعِيُّ فِي الْمُنَاسَبَاتِ لَمَّا كَانَ تَوْحِيدُ الْحَمْلِ لَا يَنْشَأُ عَنْهُ لَبْسٌ وَكَانَ الْجَمْعُ رُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تَضَعَ جَمْعًا قَالَ {حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] اهـ.
وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ أَنَّهُ قُرِئَ أَحْمَالَهُنَّ ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا قَالَ {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَلِدْنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَهُ لَانْقَضَتْ بِوِلَادَةِ أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ اهـ.
يَعْنِي وَهُوَ بَعْضُ الْحَمْلِ فَلَا تَنْقَضِي حَتَّى تَضَعَ جَمِيعَ مَا فِي الْبَطْنِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ وَلِهَذَا قَالَ الْأُصُولِيُّونَ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا فَأَنْت حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى لَا تَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك ذَكَرًا، وَفِي الْبَدَائِعِ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحًا كَانَ أَوْ فَاسِدًا وَلَا تَجِبُ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الزِّنَا جَازَ النِّكَاحُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْأَشْهُرِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْمُدَّةِ ظَهَرَ فَسَادُ النِّكَاحِ وَأُلْحِقَ بِالْمَيِّتِ اهـ.
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا لَمْ تَضَعْ كَيْ لَا يَكُونَ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَصْلًا، وَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ فَعِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ كَمَا سَيَأْتِي إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا فِي تَزَوُّجِ الْحَامِلِ الَّتِي مِنْ الزِّنَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَوَلَدَتْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَهُمَا بِالْوَضْعِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا بِأَنْ تَزَوَّجَتْ الْحَامِلُ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَوَلَدَتْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَهُمَا بِالْوَضْعِ، وَلَدَتْ، وَفِي بَطْنِهَا آخَرُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ وَإِذَا أَسْقَطَتْ سِقْطًا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ بَعْضُ خَلْقِهِ لَمْ تَنْقَضِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِنُطْفَةٍ مُتَغَيِّرَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّ السَّاقِطَ إذَا كَانَ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً لَمْ تَنْقَضِ بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فَلَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا مُتَغَيِّرَةً بِيَقِينٍ إلَّا بِاسْتِبَانَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ: إذَا وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُ الثَّانِي أَيْضًا وَانْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ وَلَا يَجِبُ بِهِ الْعُقْرُ، وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ قَالَ لَهَا: كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْآخَرِ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةً فِي بَطْنٍ وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّالِثِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ تُقِرَّبَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ بَعْدَ الثَّالِثِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَتَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الثَّانِي فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ طَلَاقِ الثَّانِي فَإِنَّ الْوَلَدَ لِلثَّانِي، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الْمَنْعِيُّ إلَيْهَا زَوْجُهَا ثُمَّ وَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ حَيًّا كَانَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْأَوْلَادُ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ لِلثَّانِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
مُنْتَقَى قَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ لَوْ خَرَجَ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ نِصْفُ الْبَدَنِ غَيْرَ الرَّأْسِ أَوْ خَرَجَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ نِصْفُ الْبَدَنِ غَيْرَ الرِّجْلَيْنِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ وَفَسَّرَ فَقَالَ: النِّصْفُ مِنْ الْبَدَنِ هُوَ مِنْ أَلْيَتَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمِعْرَاجِ حَمَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ آيَةَ الْبَقَرَةِ عَلَى الْحَوَامِلِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَوَامِلُ بِالْمِيمِ وَالصَّوَابُ الْحَوَائِلُ بِالْهَمْزِ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ وَنَصُّهَا حَمَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ آيَةَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى الْحَوَائِلِ وَآيَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى عَلَى الْحَوَامِلِ وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ
وَلَا يُعْتَدُّ بِالرَّأْسِ وَلَا بِالرِّجْلَيْنِ وَقَالَ فِي الْهَارُونِيَّاتِ لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي حَقِّ حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ احْتِيَاطًا، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَوْ جَاءَتْ الْمُبَانَةُ الْمَدْخُولَةُ بِوَلَدٍ فَخَرَجَ رَأْسُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَخَرَجَ الْبَاقِي لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّأْسُ وَنِصْفُ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَيَخْرُجَ الْبَاقِي لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَيَخْرُجَ مَا بَقِيَ لِأَكْثَرِهِ، وَلَوْ خَرَجَ الرَّأْسُ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَكَذَلِكَ فِي أُذُنَيْهِ، وَلَوْ قَطَعَ الرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الرَّأْسِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ هِشَامٍ قَالَ لِجَارِيَتِهِ أَنْت حُرَّةٌ وَقَدْ خَرَجَ رَأْسُ الْوَلَدِ مَعَ نِصْفِ الْبَدَنِ لَا تَعْتِقُ حَتَّى يَخْرُجَ النِّصْفُ سِوَى الرَّأْسِ اهـ. مَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ خُرُوجَ الْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ عَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ وَخُرُوجُ الرَّأْسِ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْأَقَلِّ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ مِنْ الْمُبَانَةِ إذَا كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْبَاقِي لِلْأَكْثَرِ وَلَا قِصَاصَ بِقَطْعِهِمَا وَدَلِيلُ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ فِي الْمُحِيطِ مُحَرَّفَةٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْحَمْلَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْعِتْقِ فَإِذَا أُعْتِقَتْ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ فَإِنْ خَرَجَ الْأَكْثَرُ أَوْ النِّصْفُ لَا يَتْبَعُهَا وَإِنْ خَرَجَ الْأَقَلُّ يَتْبَعُهَا، وَفِي الْمُحِيطِ أَيْضًا تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فَجَاءَ بِسِقْطٍ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً وَأَرْبَعِينَ عَلَقَةً وَأَرْبَعِينَ مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَإِنْ سَقَطَ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ تَامَّةٍ فَهُوَ مِنْ الزَّوْجِ وَالْعَمَلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَإِنْ تَزَوَّجَهَا فِي عَشَرٍ مِنْ الشَّهْرِ فَخَمْسَةُ أَشْهُرٍ بِالْأَهِلَّةِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ السَّادِسِ فِي لُزُومِ الْوَلَدِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَزِيَادَةٍ فَتُجْعَلُ كَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَحَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ السِّقْطَ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَتَامَّ الْخَلْقِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ إذَا حَبِلَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ وَضَعَتْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ: وَلَدْتُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِلَا بَيِّنَةٍ فَإِنْ طَلَبَ يَمِينَهَا بِاَللَّهِ لَقَدْ أَسْقَطْتُ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ حَلَفَتْ اتِّفَاقًا اهـ.
(قَوْلُهُ وَزَوْجَةِ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ: وَعِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ فَالْمُرَادُ بِأَبْعَد الْأَجَلَيْنِ مُضِيُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ حَتَّى لَوْ مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ وَلَمْ تَحِضْ ثَلَاثًا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا، وَلَوْ حَاضَتْ ثَلَاثًا قَبْلَ تَمَامِ هَذِهِ الْمُدَّةِ لَمْ تَنْقَضِ حَتَّى تَتِمَّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْعِنَايَةِ وَاعْتَرَضَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ وَعَشْرٌ أَبْعَدَ مِنْ الثَّلَاثِ حِيَضٍ وَحَقِيقَةُ الْحَالِ أَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَتَرَبَّصَ الْأَجَلَيْنِ اهـ.
وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِالْمُرَادِ فَلَا تَقْصِيرَ، وَفِي الْمُجْتَبَى يَعْنِي بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إنْ كَانَتْ أَطْوَلَ وَعِدَّةَ الطَّلَاقِ إنْ كَانَتْ أَطْوَلَ قُلْت وَيُعْتَبَرُ الْحَيْضُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا الْوَفَاةِ اهـ.
فَعَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْحِيَضُ كُلُّهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَعَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى لَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَلَمْ تَحِضْ بَعْدَ وَفَاتِهِ إلَّا وَاحِدَةً وَمَضَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ كَفَى بِخِلَافِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ` فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا فِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا كَانَتْ إلَخْ) أَيْ، وَأَمَّا إذَا امْتَدَّ طُهْرُهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْوَفَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يَكُونُ خَارِجًا عَنْهَا لَا وَاقِعًا فِيهَا (قَوْلُهُ قُلْت وَيُعْتَبَرُ الْحَيْضُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَبَى وَقُيِّدَ بِالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةَ أَيَّامٍ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَلَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْوَفَاةِ.
(قَوْلُهُ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا) أَيْ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى حَسْبِ حَالِهَا أَيْ: بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ أَوْ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَشْهُرِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ أَوْ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ فَتَفْرِيعُهُ عَلَى مُقَدَّرٍ عَلَى حَدٍّ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى: 4]{فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى: 5] ؛ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَرْعًا لِقَوْلِهِ طَلَّقَهَا؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِهِ طَلَّقَهَا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ بِطَرِيقِ انْتِقَالِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَقِلَ عَنْهُ غَيْرُ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ اهـ.
ثُمَّ إنَّ التَّقْيِيدَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا فِي الشرنبلالية؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يَمُوتُ زَوْجُهَا الْفَارُّ فِي عِدَّتِهَا وَالْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا لَيْسَ زَوْجُهَا فَارًّا هَذَا وَقَدْ أَقَامَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ النَّكِيرَ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ عِدَّةُ امْرَأَةِ الْفَارِّ لِلْبَائِنِ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ وَلِلرَّجْعِيِّ مَا لِلْمَوْتِ بِأَنَّهُ
الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ بِطَرِيقِ انْتِقَالِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَتَرِثُ مِنْهُ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي صِحَّتِهِ لَمْ تَنْتَقِلْ وَلَا تَرِثُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ وَلَزِمَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا زَالَ النِّكَاحُ بِالْوَفَاةِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَا فِي حَقِّ تَغْيِيرِ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ يُجْعَلُ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ احْتِيَاطًا فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَوْ ارْتَدَّ زَوْجُ الْمُسْلِمَةِ فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ تَرِثُهُ زَوْجَتُهُ الْمُسْلِمَةُ وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ فَقَدْ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَلَمْ يَبْقَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي زَوْجَةِ الْفَارِّ وَالْجَوَابُ مَنْعُ حُكْمِ الْمُسْلِمَةِ بَلْ يَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ.
وَقِيلَ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا اُعْتُبِرَ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَرِثُ الْكَافِرَ فَيَسْتَنِدُ اسْتِحْقَاقُهُ إلَى وَقْتِ الرِّدَّةِ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِهِ أَمَّا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِهِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ لِعَدَمِ التَّأَمُّلِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي صُوَرٍ:
إحْدَاهَا: هَذِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَائِنٌ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ الِاعْتِدَادُ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ، وَلَوْ بَيَّنَ فِي إحْدَاهُمَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ.
وَالثَّالِثَةُ: إذَا مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا وَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَعُلِمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا اهـ.
وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِأَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِهِمَا فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا اعْتَدَّتَا بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ فَقَطْ، وَلَوْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى يَنْبَغِي أَنْ تَعْتَدَّ الْمَدْخُولَةُ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ وَغَيْرُهَا بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا لَا تَحِيضُ فَعِدَّةُ الْوَفَاةِ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَحِيضُ وَالْأُخْرَى لَا فَعَلَى الَّتِي تَحِيضُ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ وَالْأُخْرَى عِدَّةُ الْوَفَاةِ هَذَا مَا فَهِمْتُهُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ رَابِعَةٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ذِمِّيٌّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَ أَوْ أُمٌّ وَبِنْتُهَا وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُخَيِّرُهُ وَهُمَا أَبْطَلَا نِكَاحَ الْكُلِّ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ الْآخِرُ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ كَالْحُرَّةِ) أَيْ: وَعِدَّةُ الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ فَتَتَغَيَّرُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ صَارَتْ عِدَّتُهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ بَائِنٍ أَوْ وَفَاةٍ فَإِنَّ عِدَّتَهَا لَا تَتَغَيَّرُ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي الرَّجْعِيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَزَوَالِهِ فِي الْبَائِنِ، وَالْمَوْتِ قَيْدٌ بِالْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ انْتَقَلَ مُدَّةُ إيلَائِهَا إلَى مُدَّةِ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ فَكَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً لِلْحَالِ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ صَوَّرَ الِانْتِقَالَ إلَى جَمِيعِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ الْبَسِيطَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ صُورَتُهَا أَمَةٌ صَغِيرَةٌ مَنْكُوحَةٌ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ فَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى حَيْضَتَيْنِ فَلَوْ أُعْتِقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهِمَا صَارَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا انْتَقَلَتْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهَا جَمِيعُ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ أَيْ: عَدَدِهَا الْبَسِيطَةِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْآيِسَةِ
ــ
[منحة الخالق]
خَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ رَجْعِيًّا وَزَوْجُهَا مَرِيضٌ فَانْقَضَى لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَهُوَ حَيٌّ لَا تَرِثُهُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ حَيْضِهَا وَأَنَّهَا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَهُوَ حَيٌّ وَلَمْ تَمْضِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ تَرِثُ مِنْهُ وَأَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَحِضْ فِيهَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا وَأَنَّهَا لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَتَزَوَّجَتْ لَمْ يَصِحَّ وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَبَطَلَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ الْمُخَالِفَةُ وَأَنَّهَا لَمْ تَصْدُرْ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَلَا أَصْحَابِهِ وَاَلَّذِي صَدَرَتْ عَنْهُ ابْتِدَاءً أَرَادَ غَيْرَ ظَاهِرِهَا وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ الِانْتِقَالَ عَنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ حَالَ حَيَاتِهِ لِتَرِثَ بِمَوْتِهِ فِيهَا وَلَا يُفِيدُ مَا أَرَادَهُ مِنْ الِانْتِقَالِ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ وَقَدْ أَرَدْت بِهَذَا إيضَاحَ بُطْلَانِهَا لِتُجْتَنَبَ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ فِي أَجْلِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي رِسَالَتِهِ وَحَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرَرِ.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ تَسَامَحُوا فِي تَسْمِيَةِ الْمُطَلِّقِ رَجْعِيًّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَارًّا اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَرَّرُوهُ فِي مَوْضِعِهِ وَرَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا مَا إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَكَوْنُ الْمُرَادِ حِينَئِذٍ الِانْتِقَالُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ ظَاهِرٌ فَدَعْوَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي تِلْكَ الْعِبَارَاتِ مَا يُفِيدُهُ مَمْنُوعَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَوْجُهِ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا كَانَ حَيًّا وَعَلَى مَا قُلْنَا مِنْ التَّسَامُحِ لَا يَرِدُ مِنْهُ شَيْءٌ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْآيِسَةِ مِنْ جُمْلَةِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَدِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ فِي التَّصْوِيرِ فَلَوْ اسْتَمَرَّتْ طَاهِرَةً بَعْدَمَا حَاضَتْ الثَّانِيَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَهِيَ فِي الْعِدَّةِ إلَى