الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيُسْتَدْرَكُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ وَلِمَمْلُوكِهِ) أَيْ تَجِبُ
النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ
عَلَى سَيِّدِهِ لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «أَطْعِمُوهُمْ مَا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ مَمْلُوكِهِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ احْتِجَاجًا بِمَا رَوَيْنَا وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ احْتِجَاجًا بِمَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْمَوَالِي أَنْ يُفَضِّلُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى عَبِيدِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلَاجَهُ» وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ذُكِرَ بِلَفْظِ مِنْ وَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ فَإِذَا أَطْعَمَهُمْ الْمَوَالِي مِنْ بَعْضِ مَا يَأْكُلُونَ أَوْ كَسَوْهُمْ مِنْ بَعْض مَا يَلْبَسُونَ يَحْصُلُ الْغَرَضُ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّسْوِيَةَ فِي الْأَكْلِ وَالْكِسْوَةِ لَقَالَ مِثْلَ مَا تَأْكُلُونَ وَمِثْلَ مَا تَلْبَسُونَ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ جِنْسِ مَا تَأْكُلُونَ وَتَلْبَسُونَ لَا مِثْلَهُ فَإِذَا أَلْبَسَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَهُوَ يَلْبَسُ مِنْهُمَا الْفَائِقَ كَفَى بِخِلَافِ إلْبَاسِهِ نَحْوَ الْجُوَالِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يَتَوَارَثْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ مِثْلَهُمْ إلَّا الْأَفْرَادَ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ مَنْ كَانَتْ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةً لِشَخْصٍ سَوَاءٌ كَانَتْ رَقَبَتُهُ مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ لَا فَدَخَلَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ فَإِنْ مَرِضَ فِي يَدِ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ إنْ كَانَ مَرَضًا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَإِنْ كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ تَطَاوَلَ الْمَرَضُ وَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ عَبْدًا يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فِي الْخِدْمَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ الْخِدْمَةَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْخِدْمَةَ، ثُمَّ عَلَى الْمَخْدُومِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنَافِعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَصَارَ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُودِعِ، وَأَمَّا عَبْدُ الْعَارِيَّةِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَأَمَّا كِسْوَتُهُ فَعَلَى الْمُعِيرِ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ وَمِثْلُهُ أَوْصَى بِدَارٍ لِرَجُلٍ وَسُكْنَاهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَإِنْ انْهَدَمَتْ فَقَالَ صَاحِبُ السُّكْنَى أَنَا أَبْنِيهَا وَأَسْكُنُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ كَتَبَرُّعٍ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِهِ فَصَارَ كَصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ إذَا انْهَدَمَ السُّفْلُ وَامْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ الْبِنَاءِ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَهُ وَيَمْنَعَ صَاحِبَهُ عَنْهُ حَتَّى يُعْطِيَ مَا غَرِمَ فِيهِ وَلَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا وَأَطْلَقَ فِي الْمَمْلُوكِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ مَوْجُودٌ حَاضِرٌ أَوْ لَا وَشَمِلَ الْأَمَةَ الْمُتَزَوِّجَةَ حَيْثُ لَمْ يُبَوِّئْهَا مَنْزِلًا لِلزَّوْجِ وَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الصَّحِيحَ وَالْمَرِيضَ وَالزَّمِنَ وَالْأَعْمَى.
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْآبِقُ إذَا أَخَذَهُ رَجُلٌ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ إنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ كَتَطَوُّعٍ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَسَأَلَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ نَظَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَإِنْ رَأَى الْإِنْفَاقَ أَصْلَحَ أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ وَإِمْسَاكِ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَجَدَ بِهِ ضَالَّةً فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْغَاصِبِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ أَوْ بِالْبَيْعِ لَا يُجِيبُهُ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَاصِبُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْعَبْدِ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ الْقَاضِي وَيَبِيعُهُ وَيُمْسِكُ الثَّمَنَ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْوَدِيعَةُ إذَا غَابَ صَاحِبُهُ فَجَاءَ الْمُودَعُ إلَى الْقَاضِي وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ أَوْ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُؤَاجِرَ الْعَبْدَ
ــ
[منحة الخالق]
فِي بَابِ الْحَبْسِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُحْبَسُ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْبَدَائِعِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: قُلْتُ: يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْكَنْزِ لَا يُحْبَسُ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ إلَّا إذَا أَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُجْبَرُ بِضَرْبٍ إلَّا إذَا أَبَى فَيُضْرَبُ.
[النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ]
(قَوْلُهُ: وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُودِعِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُودِعَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ بِقَرِينَةِ مَا سَيَذْكُرُهُ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعَبْدُ الْوَدِيعَةُ إذَا غَابَ صَاحِبُهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي النَّهْرِ وَنَقَلُوا فِي أَخْذِ الْآبِقِ إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي ذَلِكَ فَإِنْ رَأَى الْإِنْفَاقَ أَصْلَحَ أَمْرَهُ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فَيُقَالُ إنَّ أَمْرَهُ بِالْإِجَارَةِ أَصْلَحُ كَالْمُودِعِ فَلِمَ لَمْ يَذْكُرُوهُ؟ اهـ.
أَقُولُ: الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ حَيْثُ تَحَقَّقَتْ الْأَصْلَحِيَّةُ لَكِنَّ الْآبِقَ يُخْشَى عَلَيْهِ الْإِبَاقُ ثَانِيًا فَالْغَالِبُ انْتِفَاءُ أَصْلَحِيَّةِ إجَارَتِهِ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ الْمُودِعِ فَلِذَا سَكَتُوا عَنْ ذِكْرِهِ وَإِلَّا لَا
وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرِهِ وَإِنْ رَأَى أَنْ يَبِيعَهُ فَعَلَ، وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَهُ عِنْدَ الشَّرِيكِ فَرَفَعَ الشَّرِيكُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ الْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ وَإِنْ قَبِلَ يَأْمُرُهُ بِالنَّفَقَةِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْكُلُّ مِنْ الْخَانِيَّةِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ الشَّرِيكُ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْعَبْدِ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي وَبِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، وَكَذَا النَّخْلُ وَالزَّرْعُ، وَكَذَا الْمُودَعُ وَالْمُلْتَقِطُ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ، وَكَذَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا اُشْتُرِيَتْ فَأَنْفَقَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَفِي الْقُنْيَةِ وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ رُقِمَ بِرَقْمٍ آخَرَ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْبَائِعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَأْذَنُ لَهُ فِي بَيْعِهِ أَوْ إجَارَتِهِ، ثُمَّ رُقِمَ بِأَنَّ نَفَقَةَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَقِيلَ عَلَى الْبَائِعِ، وَقِيلَ يُسْتَدَانُ فَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ الْمِلْكُ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ اهـ.
وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْبَيْعِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ لَا رَقَبَةَ وَلَا مَنْفَعَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَتَكُونُ تَابِعَةً لِلْمِلْكِ كَالْمَرْهُونِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا الْمَمْلُوكَ ظَاهِرًا فَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِحُرِّيَّةِ أَمَتِهِ فَوَضَعَهَا الْقَاضِي عَلَى يَدِ عَدْلٍ لِأَجْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الشُّهُودِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ ادَّعَتْ الْأَمَةُ الْحُرِّيَّةَ أَوْ جَحَدَتْ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَوْلَاهُ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمَوْلَى بِمَا أَنْفَقَهُ سَوَاءٌ زُكِّيَتْ الشُّهُودُ أَوْ لَا إلَّا إذَا أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ أَكَلَتْ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَمَرَهُ أَنْ يَكْتَسِبَ وَيُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى فَفِي كَسْبِهِ وَإِلَّا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ) أَيْ إنْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ فِي كَسْبِهِ إنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا حَتَّى يَبْقَى الْمَمْلُوكُ فِيهِ حَيًّا وَيَبْقَى فِيهِ مِلْكُ الْمَالِكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا زَمِنًا أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤْجَرُ مِثْلُهَا أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى بَيْعِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِمَا وَإِيفَاءُ حَقِّ الْمَوْلَى بِالْخَلَفِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ إبْطَالًا وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْإِجَارَةِ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ يَبِيعُ الْقَاضِي إذَا رَأَى ذَلِكَ إلَّا الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُمَا اهـ.
فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى وَعُلِمَ مِمَّا فِي الْغَايَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ مَعْنَاهُ بَيْعُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ الْبَيْعَ عَلَى الْحُرِّ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَرَى جَوَازَ الْبَيْعِ عَلَى الْحُرِّ، وَلَكِنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ إذَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ الْبَيْعُ اهـ.
وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَمَرَ بِبَيْعِهِ وَلَمْ يَقُلْ بَاعَهُ الْقَاضِي قَيَّدَ بِالْمَمْلُوكِ أَيْ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ مِنْ أَمْلَاكِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ حَيَوَانًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنَّهُ يُفْتَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَيَوَانَاتِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَفِيهِ إضَاعَتُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَرَجَّحَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِيهِ دَعْوَى حِسْبَةٍ فَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ وَلَا بِدْعَ فِيهِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ وَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ اهـ.
وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْحَيَوَانَاتِ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ لَا يُفْتِي بِهِ أَيْضًا إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَضْيِيعُ الْمَالِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فَإِنْ كَانَتْ دَابَّةٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبِرْهُ لَتَضَرَّرَ الشَّرِيكُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْ الدَّابَّةِ أَوْ
ــ
[منحة الخالق]
فَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ تَعَيَّنَتْ الْأَصْلَحِيَّةُ حَتَّى فِي الْمُودَعِ لَوْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ أُمِرَ بِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ مَعَ الْأَصْلَحِيَّةِ تَأَمَّلْ.