المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ونفقة الأمة المنكوحة - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٤

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاق]

- ‌(بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ)

- ‌[بَابُ الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ]

- ‌[بَابُ الْإِيلَاءِ]

- ‌[وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاء]

- ‌[وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ]

- ‌[الْإِيلَاء مِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

- ‌ الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌[شَرَائِطُ وُجُوبِ اللِّعَانِ]

- ‌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْهُ

- ‌[اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ]

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ

- ‌[قَذْفِ الْأَخْرَسِ]

- ‌ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌[عِدَّةُ الْحُرَّةِ]

- ‌ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌ عِدَّةِ الْأَمَةِ

- ‌عِدَّةُ الْحَامِلِ

- ‌عِدَّةُ مَنْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا ثُمَّ رَأَتْ دَمًا

- ‌[عدة الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ]

- ‌[عدة زَوْجَةِ الصَّغِيرِ الْحَامِلِ]

- ‌مَبْدَأُ الْعِدَّةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ]

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌الزَّوْجِيَّةِ

- ‌[أَسْبَابٍ وُجُوب النَّفَقَة]

- ‌ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ

- ‌ النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ

- ‌[النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ]

- ‌[نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ]

- ‌[النَّفَقَة مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ]

- ‌ النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ

- ‌(كِتَابُ الْعِتْقِ)

- ‌[امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ]

- ‌(بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ]

- ‌(بَابُ التَّدْبِيرِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِيلَادِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[ثَلَاثِ مَسَائِلَ فِي الْحُلْف]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ)

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]

- ‌ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَكَانَ قَدْ قَالَ آخَرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ

- ‌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَهُ

- ‌(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ

- ‌[قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ]

- ‌[قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[قَالَ لَأَقْضِيَنَّ دَيْنَيْ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقَّةً]

- ‌[حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ]

- ‌[حَلَفَ لَيَهَبَنَّ فُلَانًا فَوَهَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ]

الفصل: ‌ ونفقة الأمة المنكوحة

جَرَّا وَلَا يُبَاعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَّا فِي دَيْنِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ تَجَدُّدِ الزَّمَانِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّ السَّيِّدِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ دَيْنٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِحَالِهِ أَوْ عَلِمَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَرْضَ فَلَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ اطَّلَعَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ فَرَّقَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا بَيْنَ دَيْنِ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ دَيْنِ الْمَهْرِ بِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ وَأَنَّ الْمَهْرَ جَمِيعَهُ وَاجِبٌ فَإِذَا بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ مَرَّةً لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَهْرِ فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا بِيعَ فِيهَا فَإِنَّمَا بِيعَ فِيمَا اجْتَمَعَ مِنْ النَّفَقَةِ وَصَارَتْ وَاجِبَةً، وَأَمَّا فِيمَا لَمْ يَجْتَمِعْ وَلَمْ يَصِرْ وَاجِبًا لَا يُتَصَوَّرُ الْبَيْعُ فِيهِ فَإِذَا وَجَبَتْ نَفَقَةٌ أُخْرَى فَهَذَا دَيْنٌ حَادِثٌ لَمْ يُبَعْ الْعَبْدُ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى فَجَازَ بَيْعُهُ اهـ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بِيعَ فِي النَّفَقَةِ الْمُجْتَمِعَةِ فَلَمْ يَفِ بِكُلِّهَا فَاشْتَرَاهُ مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ لِبَقِيَّةِ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالْمَهْرِ وَإِنَّمَا يُبَاعُ لِمَا يَجْتَمِعُ مِنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ صُورَتُهُ عَبْدٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَفَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ قِيمَتُهُ وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنَ النَّفَقَةِ يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَلْفُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى اهـ.

سَهْوٌ فَاحِشٌ ظَاهِرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ فِي الْحَقِيقَةِ دَيْنٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنُ النَّفَقَةِ أَقْوَى مِنْ سَائِرِ الدُّيُونِ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الزَّوْجَةِ فَشَمِلَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَيَسْتَثْنِي مِنْ الْأَمَةِ أَمَةَ سَيِّدِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الْعَبْدِ بَوَّأَهَا الْعَبْدُ بَيْتًا أَوْ لَا وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِلْكُ الْمَوْلَى وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَشَمِلَ بِنْتَ الْمَوْلَى فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى عَبْدِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي مَعْنَى سَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ وَجْهٍ وَالْبِنْتُ تَسْتَحِقُّ الدَّيْنَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْأَبِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَقَدْ سُئِلْت عَنْ كَفَنِ امْرَأَةِ الْعَبْدِ وَتَجْهِيزِهَا عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ تَرَكَتْ مَالًا فَأَجَبْت بِأَنِّي إلَى الْآنَ لَمْ أَرَهَا صَرِيحَةً لَكِنَّ تَعْلِيلَهُمْ لِأَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ الْكَفَنَ كَالْكِسْوَةِ حَالَ الْحَيَاةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُبَاعَ فِيهِ كَمَا يُبَاعَ فِي كِسْوَتِهَا

(قَوْلُهُ‌

‌ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ

إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِبَاسَ إلَّا بِهَا فَإِنْ بَوَّأَهَا الْمَوْلَى مَعَهُ مَنْزِلًا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِبَاسِ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِهِ أَطْلَقَ فِي الزَّوْجِ فَشَمِلَ الْحُرَّ وَالْقِنَّ وَالْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ وَأَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ الْقِنَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَهِيَ كَالْحُرَّةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّبْوِئَةِ لِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهَا بِصَيْرُورَتِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَمَنَافِعِهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ فَكَانَتْ كَالْحُرَّةِ وَالتَّبْوِئَةُ أَنْ يُخَلِّيَ الْمَوْلَى بَيْنَ الْأَمَةِ وَزَوْجِهَا فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ جَاءَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ وَخَدَمَتْ الْمَوْلَى فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَمْ يَسْقُطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِيهَا لَوْ جَاءَتْ إلَى بَيْتِ الْمَوْلَى فِي وَقْتٍ وَالْمَوْلَى لَيْسَ فِي الْبَيْتِ فَاسْتَخْدَمَهَا أَهْلُهُ وَمَنَعُوهَا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى بَيْتِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَ أَهْلِ الْمَوْلَى إيَّاهَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِخْدَامِ الْمَوْلَى وَفِيهِ تَفْوِيتُ التَّبْوِئَةِ اهـ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا وَهِيَ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ لِلتَّبْوِئَةِ شَرْطَيْنِ فَإِذَا فُقِدَ أَحَدُهُمَا فُقِدَتْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ، وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ لَكِنْ عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا خَدَمَتْهُ فِي بَيْتِ الْمَوْلَى وَتَعْلِيلُ الزَّيْلَعِيِّ بِقَوْلِهِ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ أَوْلَى وَقَيَّدَ بِالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إلَخْ) تَابِعُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الدُّرَرِ وَأُجِيبُ عَنْهُمَا بِأَنَّ عِبَارَتَهُمَا وَإِنْ احْتَمَلَتْ غَيْرَ الْمَذْهَبِ تَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَ فَإِنْ قَالَهُ يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ يُبَاعُ فِيمَا تَجَدَّدَ لَا فِي الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَوْلَى) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَيَنْظُرُ مَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى وَلَعَلَّهَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمَقْدِسِيَّ وَصَاحِبُ النَّهْرِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ فَقَدْ وَقَعَ لِي مِثْلُ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ السُّؤَالِ وَأَجَبْت بِمَا أَجَابَ بِهِ مُسْتَدِلًّا بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ لِأَبِي يُوسُفَ قَبْلَ وُقُوفِي عَلَى جَوَابِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ

[وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ]

(قَوْلُهُ: فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) أَيْ فِي مُدَّةِ اسْتِخْدَامِهِمْ إيَّاهَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ وَالِدِي عَنْ أَمَةٍ زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا مِنْ إنْسَانٍ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ طَوَالَ الْيَوْمِ وَتَشْتَغِلُ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ نَفَقَةُ الْيَوْمِ عَلَى الْمَوْلَى وَنَفَقَةُ اللَّيْلِ عَلَى الزَّوْجِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ خَدَمَتْهُ فِي بَيْتِ الْمَوْلَى) الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا وَهُوَ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِيَكُونَ جَوَابُ لَوْ الشَّرْطِيَّةِ أَيْ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِفَوَاتِ

ص: 209

الْحُرَّةِ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ تَقْيِيدِ زَوْجَةِ الْعَبْدِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً بِالتَّبْوِئَةِ فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا مُطْلَقًا وَقَيَّدَ بِالْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكَةِ عَلَى سَيِّدِهَا مُطْلَقًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّبْوِئَةَ مِنْ السَّيِّدِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ بَوَّأَ الْأَمَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ بِهَذَا الطَّلَاقِ فَلَا تَسْتَحِقُّ بَعْدَهُ وَإِنْ فَاتَتْ التَّبْوِئَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، ثُمَّ عَادَتْ تَعُودُ النَّفَقَةُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْحُرَّةُ إذَا كَانَتْ نَاشِزَةً فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَلَهَا أَنْ تَعُودَ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّ فِي الْأَمَةِ النِّكَاحَ حَالَةَ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الِاحْتِبَاسِ إذْ لَا يَجِبُ التَّبْوِئَةُ وَفِي الْحُرَّةِ النِّكَاحُ حَالَةَ الطَّلَاقِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ إلَّا أَنَّهَا فُوِّتَتْ بِالنُّشُوزِ فَإِذَا عَادَتْ وَجَبَتْ اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيرَ النَّفَقَةِ مِنْ الْقَاضِي قَبْلَ التَّبْوِئَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ السَّبَبِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَفِي الذَّخِيرَةِ والولوالجية وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ نِسْوَةٌ بَعْضُهُنَّ حَرَائِرُ مُسْلِمَاتٌ وَبَعْضُهُنَّ إمَاءٌ ذِمِّيَّاتٌ فَهُنَّ فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْكِفَايَةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَلَسْنَ فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ لِاخْتِلَافِ حَالِهِنَّ يَسَارًا وَعُسْرًا، فَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْمُوسِرَةِ كَنَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ وَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْحُرَّةِ كَالْأَمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى النَّفَقَةِ أَيْ تَجِبُ السُّكْنَى فِي بَيْتٍ أَيْ الْإِسْكَانُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَوْجَبَ النَّفَقَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] أَيْ مِنْ طَاقَتِكُمْ أَيْ مِمَّا تُطِيقُونَهُ مِلْكًا أَوْ إجَارَةً أَوْ عَارِيَّةً إجْمَاعًا، وَإِذَا وَجَبَتْ حَقًّا لَهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ فَإِنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا وَيَمْنَعُهَا ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِانْتِقَاصِ حَقِّهَا وَدَخَلَ فِي الْأَهْلِ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ فَلَهُ إسْكَانُهُ مَعَهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَخَرَجَ عَنْهُ أَمَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ، فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْ إسْكَانِهِمَا مَعَهَا عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْدَامِ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبَيْتَ دُونَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدًا وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا

ــ

[منحة الخالق]

الِاحْتِبَاسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِخْدَامِ الَّذِي تَنْتَفِي بِهِ التَّبْوِئَةُ هُوَ الِاسْتِخْدَامُ فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَفُوتُ بِهِ الِاحْتِبَاسُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا وَتَبْوِئَتُهَا أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ تَفْرِيغُهَا لِمَصَالِحِ الزَّوْجِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّبْوِئَةِ وَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ. اهـ.

فَقَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ أَيْ لِلنَّفَقَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ فَالْمُرَادُ بِالْمُوجِبِ لِلنَّفَقَةِ هُوَ التَّبْوِئَةُ الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ الِاحْتِبَاسُ إلَّا بِهَا فَصَارَتْ التَّبْوِئَةُ عِبَارَةً عَنْ الِاحْتِبَاسِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا لَيْسَ شَرْطًا آخَرَ مُغَايِرًا لِمَا قَبْلَهُ، بَلْ هُوَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ إبْقَاءُ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ بِأَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْكَافِي عَقِبَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ مَوْجُودَةٌ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَوَّأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَهَا النَّفَقَةُ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَوَّأَهَا وَأَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا إلَيْهِ لِتُطَالِبَ بِالنَّفَقَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا كُلُّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا يَوْمَ طَلَّقَ، فَلَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ أَبَدًا إلَّا الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ هَارِبَةً مِنْ زَوْجِهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَانِعَةً نَفْسَهَا مِنْ حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهَا اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ اسْتِحْقَاقُهَا النَّفَقَةَ وَقْتَ الطَّلَاقِ.

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ لَا مَعْنَى لِهَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْكِتَابِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ إلَخْ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَخَرَجَ عَنْهُ أَمَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ أَيْ أَنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ بَيْنَ يَدَيْ أَمَةِ الرَّجُلِ هَذَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ

ص: 210

لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَصَلَ.

كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى الْغَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ، وَلَوْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَلْقٌ يَخُصُّهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِالْخَوْفِ عَلَى الْمَتَاعِ وَعَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ قَدْ زَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ كَوْنَ الْخَلَاءِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ، وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبَتْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ إنْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا وَجَعَلَ لَهُ مَرَافِقَ وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْبَيْتِ مِنْ بَيْتِ الْخَلَاءِ وَمِنْ مَطْبَخٍ بِخِلَافِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِمَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ مِنْ أَحْمَاءِ الزَّوْجِ يُؤْذِيهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، قَالُوا لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ أَحَبَّ، وَلَكِنْ بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ، وَلَوْ قَالَتْ إنَّهُ يَضْرِبُنِي وَيُؤْذِينِي فَمُرْهُ أَنْ يُسْكِنَنِي بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ زَجَرَهُ عَنْ التَّعَدِّي فِي حَقِّهَا وَإِلَّا يَسْأَلُ الْجِيرَانَ عَنْ صَنِيعِهِ فَإِنْ صَدَّقُوهَا مَنَعَهُ عَنْ التَّعَدِّي فِي حَقِّهَا وَلَا يَتْرُكُهَا ثَمَّةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِوَارِهَا مَنْ يُوثَقُ بِهِ أَوْ كَانُوا يَمِيلُونَ إلَى الزَّوْجِ أَمَرَهُ بِإِسْكَانِهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ اهـ.

وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ يُضْرَبُ وَإِنَّمَا قَالُوا زَجَرَهُ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ تَعْزِيرَهُ وَإِنَّمَا طَلَبَتْ الْإِسْكَانَ بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جِيرَانٌ، فَلَيْسَ بِمَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْكَنَ أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ حَالِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، فَلَيْسَ مَسْكَنُ الْأَغْنِيَاءِ كَمَسْكَنِ الْفُقَرَاءِ فَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا عَنْ الْمَسْكَنِ لَكَانَ أَوْلَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ إذَا أُطْلِقَتْ فَإِنَّهَا تَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَقَوْلُهُمْ يُعْتَبَرُ فِي النَّفَقَةِ حَالُهُمَا يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْإِجَارَاتِ تَزَوَّجَ بِهَا وَبَنَى بِهَا فِي مَنْزِلٍ كَانَتْ فِيهِ بِأَجْرٍ وَمَضَى عَلَيْهِ سَنَةٌ فَطَالَبَ الْمُؤَجِّرُ الْمَرْأَةَ بِالْأُجْرَةِ فَقَالَتْ لَهُ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ الْمَنْزِلَ بِالْكِرَاءِ فَعَلَيْكَ الْأَجْرُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى مَقَالَتِهَا وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا الْعَاقِدَةُ اهـ.

وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ سَكَنَتْ بِغَيْرِ إجَارَةٍ فِي وَقْفٍ أَوْ مَالِ يَتِيمٍ أَوْ مَا كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَجَّرَتْ دَارَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَهُمَا يَسْكُنَانِ فِيهِ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمُؤْنِسَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ يَعْنِي لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِامْرَأَةٍ تُؤْنِسُهَا فِي الْبَيْتِ إذَا خَرَجَ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَأَفَادَ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مَا فَهِمَهُ عَنْ الْهِدَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْبَيْتَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْمَرَافِقِ؛ وَلِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْخَلَاءِ، وَلَوْ مَعَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ ضَرَرُهُ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ.

(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ وَالِدَةٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ مِنْ ذُو رَحِمٍ مِنْ الزَّوْجِ، فَقَالَتْ أَنَا لَا أَنْزِلُ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ فَأَعْطَاهَا بَيْتًا يُغْلَقُ عَلَيْهِ وَيُفْتَحُ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِمَنْزِلٍ آخَرَ وَإِلَّا فَلَهَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهَا تَخَافُ عَلَى أَمْتِعَتِهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ وَمَعَهَا فِي الْبَيْتِ غَيْرُهُمَا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَسْكَنَهُمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَطَلَبَتْ إحْدَاهُمَا بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي اجْتِمَاعِهِمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ضَرَرًا بِهِمَا وَالزَّوْجُ مَأْمُورٌ بِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَرْأَةِ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الدَّارَ إنْ كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى بُيُوتٍ وَيُسْكِنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمَا وَيُفْتَحُ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِمَسْكَنٍ آخَرَ اهـ.

(قَوْلُهُ: مِنْ إحْمَاءِ الزَّوْجِ) كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَلَعَلَّ الصَّوَابَ إبْدَالُ الْأَحْمَاءِ بِالْأَقَارِبِ أَوْ يَقُولُ مِنْ أَحْمَاءِ الزَّوْجَةِ وَرَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الْخَانِيَّةِ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

(قَوْلُهُ: لَا أَجْرَ عَلَيْهِ) أَقُولُ: هَذَا خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي إجَارَاتِ الدَّارِ الْمُخْتَارِ عَنْ الْخَانِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فَتَاوَى سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ لِمَا فِي النَّهْرِ وَلَمْ نَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ ذِكْرَ الْمُؤْنِسَةِ إلَّا أَنَّهُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ قَالَ إنَّهَا لَا تَجِبُ وَيُسْكِنُهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْحِشُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ خَالِيًا مِنْ الْجِيرَانِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ تَخْشَى عَلَى عَقْلِهَا مِنْ سِعَتِهِ اهـ.

وَنَظَرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ قَوْلِهِ قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جِيرَانٌ غَيْرُ مَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ، وَقَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَسْكَنُ صَغِيرًا كَالْمَسَاكِنِ الَّتِي فِي الرُّبُوعِ وَالْحَيْشَانِ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْحِشُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَسْكَنِ بَيْنَ جِيرَانٍ عَدَمُ لُزُومِ الْإِتْيَانِ بِالْمُؤْنِسَةِ إذَا اسْتَوْحَشَتْ بِأَنْ كَانَ الْمَسْكَنُ مُتَّسِعًا كَالدَّارِ وَإِنْ كَانَ لَهَا جِيرَانٌ فَعَدَمُ الْإِتْيَانِ بِالْمُؤْنِسَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الْمُضَارَّةِ لَا سِيَّمَا إذَا خَشِيَتْ عَلَى عَقْلِهَا وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَسْكَنُ خَالِيًا عَنْ الْجِيرَانِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا رَضِيَتْ بِإِسْكَانِهَا

ص: 211

(قَوْلُهُ وَلَهُمْ النَّظَرُ وَالْكَلَامُ مَعَهَا) يَعْنِي فِي أَيِّ وَقْتٍ اخْتَارَ أَهْلُهَا ذَلِكَ فَلَهُمْ ذَلِكَ لِمَا فِي عَدَمِهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَهَا مِنْ الدُّخُولِ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ وَالِدَةً أَوْ وَلَدًا؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِلْكُهُ وَلَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ، وَأَمَّا الْقِيَامُ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُمْ مِنْهُ كَالْكَلَامِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقَرَارِ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي الْمُكْثِ وَطُولِ الْكَلَامِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَالُوا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْكَيْنُونَةِ عِنْدَهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى إتْيَانِهَا فَإِنْ كَانَا يَقْدِرَانِ عَلَى إتْيَانِهَا لَا تَذْهَبُ وَهُوَ حَسَنٌ فَإِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مَعَ الْأَبِ الْخُرُوجُ، وَقَدْ يَشُقُّ عَلَى الزَّوْجِ فَتَمْتَنِعُ، وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِمَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَقْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَالْحَقُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْذِنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا الْحِينَ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ أَمَّا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَبَعِيدٌ فَإِنَّ فِي كَثْرَةِ الْخُرُوجِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ شَابَّةً وَالزَّوْجُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ أَيْسَرُ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهَا وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْأَبُ أَوْ كَافِرًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ إلَى زِيَارَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالْمَحَارِمِ فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ تَخْرُجُ لِلْوَالِدَيْنِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَلِزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ لِلْأَهْلِ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ فَلَهَا ذَلِكَ بِإِذْنِهِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَى زِيَارَةِ الْوَالِدَيْنِ وَتَعْزِيَتِهِمَا وَعِيَادَتِهِمَا وَزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ إلَى سَبْعَةِ مَوَاضِعَ زِيَارَةِ الْأَبَوَيْنِ وَعِيَادَتِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا عَلَى آخَرَ حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ وَالْحَجُّ عَلَى هَذَا وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ زِيَارَةِ الْأَجَانِبِ وَعِيَادَتِهِمْ وَالْوَلِيمَةِ لَا يَأْذَنُ لَهَا وَلَا تَخْرُجُ.

وَلَوْ أَذِنَ وَخَرَجَتْ كَانَا عَاصِيَيْنِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَتْ لَهَا نَازِلَةٌ إنْ سَأَلَ الزَّوْجُ مِنْ الْعَالِمِ أَوْ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ لَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ السُّؤَالِ يَسَعُهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ لَكِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ لِتَتَعَلَّمَ مَسْأَلَةً مِنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ يَحْفَظُ الْمَسَائِلَ وَيَذْكُرُ عِنْدَهَا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَحْيَانًا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ مَا لَمْ يَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ وَفِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْمَهْرِ، وَالْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ مَهْرَهَا لَهَا الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجهَا وَتَزُورُ الْأَقَارِبَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ اهـ.

وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ زَادَ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ فِي مَنْزِلٍ يُخَافُ السُّقُوطُ عَلَيْهَا وَقَيَّدَ الْحَجَّ بِالْفَرْضِ مَعَ وُجُودِ الْمَحْرَمِ وَقَيَّدَ خُرُوجَ الْقَابِلَةِ وَالْغَاسِلَةِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَفَسَّرَ الْغَاسِلَةَ بِمَنْ تُغَسِّلُ الْمَوْتَى وَيَنْبَغِي أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْقَابِلَةَ وَالْغَاسِلَةَ مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ إضْرَارًا بِهِ وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ لِحَقِّهِ، وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ

ــ

[منحة الخالق]

فِيهِ وَلَمْ تُطَالِبْهُ بِالْمَسْكَنِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَالَهُ جِيرَانٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَقِمْ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِمَا فِي الْبَحْرِ.

فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمُؤْنِسَةِ وَعَدَمَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَاكِنِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْجِيرَانِ فَإِنْ كَانَ الْمَسْكَنُ بِحَالٍ لَوْ اسْتَغَاثَتْ بِجِيرَانِهَا أَغَاثُوهَا سَرِيعًا لِمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْقُرْبِ لَا تَلْزَمُهُ الْمُؤْنِسَةُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ اهـ.

وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَيْضًا مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَإِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ تَسْتَوْحِشُ فِي الْبَيْتُوتَةِ فِي الْبَيْتِ، وَلَوْ صَغِيرًا بَيْنَ جِيرَانٍ إذَا كَانَ زَوْجُهَا لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى أَوْ أَكْثَرُ فَإِذَا كَانَ يَخْشَى عَلَى عَقْلِهَا إذَا كَانَتْ لَيْلَةَ ضَرَّتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ بِالْمُؤْنِسَةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الرِّجَالِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيتَ وَحْدَهُ فَكَيْفَ النِّسَاءُ وَلَا ضِرَارَ فِي الشَّرْعِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَالِدَةً أَوْ وَلَدًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ وَأَرَادَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ وَتُرَبِّيَهُ هَلْ لَهُ مَنْعُهَا وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ لَهُ مَنْعَهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْكَافِي فِي إجَازَةِ الظِّئْرِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ عَمَّا يُوجِبُ خَلَلًا فِي حَقِّهِ وَمَا فِيهِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ السِّغْنَاقِيِّ؛ وَلِأَنَّهَا فِي الْإِرْضَاعِ وَالسَّهَرِ تَتْعَبُ وَذَلِكَ يُنْقِصُ جَمَالَهَا وَجَمَالُهَا حَقُّ الزَّوْجِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا تَأَمَّلْ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَالدَّارُ مِلْكٌ مِنْ جُمْلَةِ أَمْلَاكِهِ وَيَحِلُّ لَهُمْ مَعَ مَنْعِهِ الدُّخُولُ بِهَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا فِي جُمُعَةٍ فَبَعِيدٌ) أَيْ الْقَوْلُ بِهِ بَعِيدٌ

ص: 212

وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ هُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مُخَدَّرَةً فِي مَسْأَلَةِ خُرُوجِهَا لِلْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْبَلُ مِنْهَا التَّوْكِيلَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُخَدَّرَةً، فَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ لِقَبُولِ التَّوْكِيلِ مِنْهَا بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ أَمَّا الزَّوْجُ أَوْ غَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ التَّعْزِير الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فِيهَا وَقَالُوا هُنَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ مِنْ الْغَزْلِ وَلَا تَتَطَوَّعُ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ تَخْصِيصِ الْغَزْلِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَسْبِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْهُ لِوُجُوبِ كِفَايَتِهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا مِنْ الْعَمَلِ تَبَرُّعًا لِأَجْنَبِيٍّ بِالْأَوْلَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] وَقَوْلُ الْفَقِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ إلَى آخِرِهِ.

(قَوْلُهُ وَفَرَضَ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ وَطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ فِي مَالٍ لَهُ عِنْدَ مَنْ يَقْرَبُهُ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا كَفِيلٌ) بَيَانُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا وَلَمْ يُعْطِهَا نَفَقَتَهَا وَاسْتَتْبَعَ نَفَقَةَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ لَا فَصَرَّحَ بِالْأَوَّلِ وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي أَمَّا الْأَوَّلُ فَشَرْطٌ لِفَرْضِ الْقَاضِي شَيْئَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ مُقِرًّا بِهِ وَأَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِمَا فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ حَقَّهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هُنَا، وَكَذَا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ وَالْأَبَوَانِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا نَفَقَتَهُمْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَا وَكَانَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ إعَانَةً وَفَتْوَى مِنْ الْقَاضِي وَحُكْمُ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الزَّمِنِ أَوْ الْأُنْثَى مُطْلَقًا كَالصَّغِيرِ لِمَا سَيَأْتِي وَقَيَّدَ بِالطِّفْلِ وَالْأَبَوَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقْرِبَاءِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ نَفَقَةِ مَمْلُوكَةٍ وَأَطْلَقَ فِيمَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ فَشَمِلَ مُودَعَهُ وَمُضَارِبَهُ قَالُوا وَكَذَا مَدْيُونُهُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لِلْأَمَانَةِ فَلَوْ اُسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِلْأَمَانَةِ وَالدَّيْنِ لَكَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ.

وَقَوْلُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ اكْتِفَاءٌ وَإِلَّا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ لِطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُقِرًّا بِالنَّسَبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَالُوا وَعِلْمُ الْقَاضِي بِهِمَا كَإِقْرَارِهِ وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَحَدَهُمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ بِالْآخَرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَالِ وَهُوَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ تِبْرًا أَوْ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهَا لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ وَلَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ عَلَى الْحَاضِرِ فَكَذَا عَلَى الْغَائِبِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ لَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَحَدَ كَوْنَ الْمَالِ لِلْغَائِبِ أَوْ جَحَدَ النِّكَاحَ أَوْ جَحَدَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُمَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا عَلَى الْمَالِ فَلِأَنَّهَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَأَمَّا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ فَلِأَنَّهَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ تُثْبِتُ النِّكَاحَ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُودَعُ وَالْمَدْيُونُ لَيْسَا بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يَمِينَ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا مَنْ كَانَ خَصْمًا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: خَالَفَهُ قَاضِي خَانْ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ لَا تُنَافِي الْمَنْعَ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا اهـ.

(قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) تَمَامُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَنَوَّرَ» وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ دَخَلَ حَمَّامَ حِمْصَ لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ اهـ.

قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ بِمَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ وَسَاقَهَا قَالَ وَوَرَدَ اسْتِثْنَاءُ النُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَمِينَ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ وَفَّيْتُهُ هَلْ لَهَا عَلَيْهِ يَمِينٌ الظَّاهِرُ لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ خَصْمًا فِي ذَلِكَ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ وَفِي الْمَقْدِسِيَّ فَلَوْ ادَّعَى طَلَاقَهَا وَمُضِيَّ عِدَّتِهَا وَلَهُ بَيِّنَةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ، بَلْ فِي مَنْعِ مَا تَحْتَ يَدِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُودَعُ وَنَحْوُهُ لَنَا بَيِّنَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا دَفَعَ لَهَا نَفَقَةً تَكْفِيهَا قَبْلَ غَيْبَتِهِ يَنْبَغِي قَبُولُهَا

ص: 213

كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَهِيَ مِمَّا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اسْتِحْلَافَ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْفَرْضِ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمَرْأَةَ هَلْ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ فَإِنْ قَالَتْ لَا يَسْتَحْلِفُهَا فَإِذَا حَلَفَتْ أَمَرَهُمَا الْقَاضِي بِإِعْطَاءِ النَّفَقَةِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُحَلِّفُهَا أَنَّهُ مَا أَعْطَاهَا نَفَقَةً وَلَا كَانَتْ نَاشِزَةً وَقَيَّدَ بِنَفَقَةِ مَنْ ذَكَرَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَيْنٍ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَوْ أَحْضَرَ غَرِيمًا أَوْ مُودَعًا لِلْغَائِبِ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَبِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَأْمُرُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ بِمَا يَكُونُ نَظَرًا لَهُ وَحِفْظًا لِمِلْكِهِ وَفِي الْإِنْفَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ مَالِهِ حِفْظُ مِلْكِهِ وَفِي وَفَاءِ دَيْنِهِ قَضَاءٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَطْلَقَ فَرْضَ النَّفَقَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ الْمُودِعُ إنَّ الزَّوْجَ أَمَرَنِي أَنْ لَا أَدْفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ وَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَرَضَ يَعُودُ إلَى مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَهُوَ الثَّلَاثَةُ أَيْ فَرْضُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً أَوْ مُطَلَّقَةً قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي التَّكْفِيلِ بِخِلَافِ أَخْذِ الْكَفِيلِ عِنْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَاخْتَلَفَ أَخْذُ الْكَفِيلِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي أَوْ حَسَنٌ ذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ إلَى الْأَوَّلِ وَالْخَصَّافُ إلَى الثَّانِي وَصَحَّحَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْعَاجِزِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَفِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا كَفِيلًا دَفَعَ إلَيْهَا النَّفَقَةَ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ لَا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَصْفَى قَوْلَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْمَرْأَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْ مِنْ آخِذِ النَّفَقَةِ أَوْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ اهـ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْغَائِبِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مِنْ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ لِاحْتِمَالِ التَّعْجِيلِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ الْمُعَجَّلَةَ لِلْقَرِيبِ إذَا هَلَكَتْ أَوْ سُرِقَتْ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِأُخْرَى بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، فَلَيْسَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ احْتِيَاطٌ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَجَّلَ ثُمَّ ادَّعَى الْوَالِدُ هَلَاكَهَا قُبِلَ مِنْهُ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمَالِ عِنْدَ شَخْصٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَيْتِهِ فَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ فَإِنْ عَلِمَ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَرَضَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ لِحَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ عَلَى الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، ثُمَّ غَابَ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ قَضَى لَهُ بِهِ أَصْلُهُ حَدِيثُ هِنْدَ كَمَا عُرِفَ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا النَّفَقَةَ وَيَأْخُذَ مِنْهَا كَفِيلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا فَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ فَعِنْدَنَا لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَسْمَعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَلَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ وَأَقَرَّ بِالنِّكَاحِ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَلَّفَهَا الْقَاضِي إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ لَمْ تُعِدْهَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ وَمَا يَفْعَلُهُ الْقَضَاءُ فِي زَمَانِنَا مِنْ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَفَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَنْفُذُ لَا لِأَنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ إمَّا مَعَ زُفَرَ أَوْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ نَفَقَةً، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ النِّكَاحَ، فَلَيْسَ لَهُ فَرْضُ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَفَرَضَهَا وَأَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ جَازَ وَنَفَذَ كَمَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) يُؤَيِّدُ هَذِهِ النُّسْخَةَ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِلْقَاضِي أَنْ يُعْطِيَ النَّفَقَةَ لِهَؤُلَاءِ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ إذَا اسْتَوْثَقَ بِكَفِيلٍ مِنْ أَحَدٍ فَحَسَنٌ.

(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ احْتِيَاطٌ لِلْغَائِبِ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ يَدَّعِي الْقَرِيبُ عَدَمَ الدَّفْعِ إلَيْهِ دُونَ الْهَلَاكِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ الْمُتَقَدِّمَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا وَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ دَلَّ قَوْلُهُ وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ يَأْمُرُهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي غَيْرِهِ وَبِهِ يُفْتَى ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَعَمَلُ الْقَضَاءِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا

لِلْحَاجَةِ

فَيُفْتَى بِهِ قَالَ فِي الشَّرْحِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ وَالْقُضَاةُ فِي زَمَانِنَا

ص: 214

هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَهِيَ مِنْ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا بِقَوْلِ زُفَرَ

لِحَاجَةِ النَّاسِ

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنُقِلَ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ

فَقَوِيَ عَمَلُ الْقُضَاةِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ

، وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَغَابَ الْأَبُ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ نَفَقَةً تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْأَبِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا غَابَ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ مِنْهَا عَلَى النِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ، ثُمَّ يَفْرِضُ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا نَفَقَةً، ثُمَّ يَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِذَا جَاءَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالْمَفْرُوضِ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَرَضَ إلَى أَنَّ الْمُودَعَ وَالْمَدْيُونَ لَوْ أَنْفَقَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْمُودَعَ ضَامِنٌ وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ نَظِيرَ الْمُودَعِ لَوْ قَضَى الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا اهـ.

مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرِ الْقَاضِي وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْغَائِبِ مِنْ وَدِيعَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بَعْدَ حُضُورِ الزَّوْجِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ، وَقَالَ كُنْت أَوْفَيْت النَّفَقَةَ أَوْ أَرْسَلْت إلَيْهَا النَّفَقَةَ فَالْقَاضِي يَقُولُ لَهُ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَقَامَهَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا أَخَذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكَفِيلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ وَنَكَلَ الْكَفِيلُ لَزِمَهُمَا الْمَالُ وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نُكُولَهُمَا وَنُكُولُ الْمَرْأَةِ أَمْرٌ لَازِمٌ، وَأَمَّا نُكُولُ الْكَفِيلِ، فَلَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ إذَا نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ فَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَنْكُلْ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَالْأَصِيلُ إذَا أَقَرَّ بِالْمَالِ لَزِمَ الْكَفِيلَ وَإِنْ جَحَدَ الْكَفِيلُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي بِالدَّفْعِ إلَيْهَا قَدْ صَحَّ فَصَارَ كَأَمْرِهِ بِنَفْسِهِ اهـ.

وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا تَعَجَّلَتْ نَفَقَتَهَا فَالزَّوْجُ يَأْخُذُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْكَفِيلِ اهـ.

وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْكَفَالَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ كَقَوْلِهِ كَفَلْتُ بِمَا لَكَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْأَصِيلُ وَبَيْنَ الْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ يَجِبُ كَقَوْلِهِ مَا ثَبَتَ لَكَ عَلَيْهِ أَوْ ذَابَ فَيَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَا أَقَرَّ بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَفِيلَ إنَّمَا ضَمِنَ الدَّيْنَ الْقَائِمَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَخَذَتْ ثَانِيًا ضَمِنَهَا فَكَانَ وَقْتَ الضَّمَانِ الدَّيْنُ قَائِمٌ فِي ذِمَّتِهَا لِلْحَالِ وَهُوَ مَا أَخَذَتْهُ ثَانِيًا فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَالْحَقُّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا بِنَفْسِهَا أَوْ بِمَا أَعْطَاهَا، وَذَكَرَ فِي شس فَإِذَا حَلَفَتْ فَأَعْطَاهَا النَّفَقَةَ أَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِذَلِكَ بط وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا هُوَ بِمَا أَخَذَتْهُ قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ كَفَلْتُ بِمَا لَكَ عَلَيْهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَبَعْدَمَا أَمَرَ الْقَاضِي الْمُودَعَ أَوْ الْمَدْيُونَ إذَا قَالَ الْمُودَعُ دَفَعْتُ الْمَالَ إلَيْهَا لِأَجْلِ النَّفَقَةِ قَبْلَ قَبُولِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ الْوَدِيعَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهَا عَلَيْهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيُنْفِقُ الْقَاضِي عَلَيْهَا مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدُ الَّذِي هُوَ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْغَائِبِ فَشَمِلَ الْمَفْقُودَ وَغَيْرَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ

ــ

[منحة الخالق]

يَعْمَلُونَ عَلَى قَوْلِهِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَيْهِ وَاسْتَحْسَنَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَيُفْتَى بِهِ اهـ.

وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ حُضُورُهُ غَيْرَ مُتَيَسِّرٍ بِأَنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ مُدَّةَ سَفَرٍ وَإِلَّا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْفَرْضِ عَلَى الْقَاضِي وَجَوَازِهِ مِنْهُ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ الْمَرْأَةِ وَالثَّانِي حَضْرَةُ الزَّوْجِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ إلَخْ) سَيَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ) أَيْ لَا لِيَقْضِيَ بِالنِّكَاحِ، بَلْ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ، وَإِذَا سَمِعَ بَيِّنَتَهَا عَلَيْهِ لِذَلِكَ تَضْمَنُ كَوْنَ الْأَوْلَادِ لَهُ لِقِيَامِ الْفِرَاشِ فَيَقْضِي بِالنَّفَقَةِ لَهُمْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالنَّسَبِ

(فَرْعٌ) امْرَأَةٌ لَهَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَا لِلْمَرْأَةِ فَاسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَبَلَغَ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَتَارْخَانِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا وَلَا وَجْهَ لَهُ وَإِلَّا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِدُونِ تَحْلِيفٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ لِلْأَمْرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَنَصَّ عَلَى عَدَمِهِ لِدَفْعِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عَلَى الْكَفِيلِ، بَلْ يَبْرَأُ بِحَلِفِهَا بِدُونِ تَحْلِيفِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فَهِمَهُ الْعَلَائِيُّ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ حَلَفَتْ طُولِبَتْ فَقَطْ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَمُرَادُهُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ أَقَرَّتْ طُولِبَتْ فَقَطْ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا يَأْتِي عَنْ الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: الْوَدِيعَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ فِي الْبُدَاءَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة

ص: 215