الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ فَلَا يُجْعَلُ وَاطِئًا حُكْمًا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ وَاطِئًا بِالْخَلْوَةِ فِي الْفَاسِدِ حَتَّى لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِهَا وَلَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا فِي الصِّحَّةِ وَطَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْمَرَضِ فِي عِدَّتِهَا وَطَلَّقَهَا بَائِنًا قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَكُونُ فَارًّا أَمْ لَا وَرَابِعُهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ بِهَا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ الْوَلِيِّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا هَذَا الرَّجُلُ فِي الْعِدَّةِ بِمَهْرٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ الثَّانِي كَامِلًا وَعِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ الْمَهْرِ الثَّانِي وَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَخَامِسُهَا تَزَوَّجَهَا صَغِيرَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِتَكْرَارِ التَّزَوُّجِ ثَلَاثًا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي التَّصْوِيرِ وَيَكْفِي فِيهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَنَّ الرِّدَّةَ حَصَلَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَسَابِعُهَا: تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَثَامِنُهَا: تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَتَاسِعُهَا: تَزَوَّجَ أَمَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَعَاشِرُهَا تَزَوَّجَ أَمَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَأُعْتِقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمِعْرَاجِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً لَمْ تَعْتَدَّ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانُوا لَا يَعْتَقِدُونَهَا أَمَّا إذَا اعْتَقَدُوهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ اتِّفَاقًا وَفِيمَا إذَا كَانَتْ حَائِلًا أَمَّا الْحَامِلُ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا كَانُوا يَدِينُونَهَا وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ وَعَنْ الْإِمَامِ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَلَا يَطَؤُهَا كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ التَّقْيِيدُ، وَفِي بَعْضِهَا يُمْنَعُ مِنْ التَّزَوُّجِ وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ اهـ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي فَوْرِ طَلَاقِهَا جَازَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقُيِّدَ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا طَلَّقَ الذِّمِّيَّةَ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ وَمُعْتَقَدُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُهَاجِرَةُ إذَا خَرَجَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمَنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً فَعِنْدَهُ إنْ تَزَوَّجَتْ جَازَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَعَنْهُ لَا يَطَؤُهَا الزَّوْجُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وَعَنْهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَأَمَّا إذَا هَاجَرَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ثُمَّ صَارَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا حَتَّى جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا كَمَا دَخَلَ دَارَنَا لِعَدَمِ تَبْلِيغِ أَحْكَامِنَا إلَيْهَا لَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالْعِدَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ]
(فَصْلٌ) فِي الْإِحْدَادِ فِيهِ لُغَتَانِ: أَحَدَّتْ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ وَمُحِدَّةٌ إذَا تَرَكَتْ الزِّينَةَ لِمَوْتِهِ، وَحَّدَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تَحُدُّ وَتَحِدُّ حِدَادًا بِالْكَسْرِ فَهِيَ حَادٌّ بِغَيْرِهَا وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الثُّلَاثِيَّ وَاقْتَصَرَ عَلَى الرُّبَاعِيِّ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ وَالْحَادُّ وَالْمُحِدُّ تَارِكَةُ الزِّينَةِ لِلْعِدَّةِ حَدَّتْ تَحُدُّ وَتَحِدُّ حِدَادًا وَأَحَدَّتْ اهـ.
وَفِي الشَّرِيعَةِ تَرْكُ الزِّينَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ مُعْتَدَّةٍ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ مَوْتٍ (قَوْلُهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَخَامِسُهَا تَزَوَّجَهَا صَغِيرَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ فَبَلَغَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ سَادِسُهَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَلْ وُجِدَ ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ مِنْ النُّسَّاخِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَسَابِعُهَا فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ سَادِسَةٍ لَكِنْ فِي السَّادِسَةِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ بِعَيْنِهَا فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ بَلْ الْمَوْجُودُ فِيهَا غَيْرُهَا وَنَصُّهَا وَسَادِسُهَا تَزَوَّجَهَا صَغِيرَةً فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَبَلَغَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ انْتَهَتْ وَفِيهِ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ أَيْنَ تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ.
وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ لِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهَا ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا يُعَيِّنُ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ تَحْرِيفٌ حَيْثُ قَالَ الثَّالِثَةُ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً وَدَخَلَ بِهَا فَبَلَغَتْ إلَخْ فَقَوْلُ الْفَتْحِ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا صَوَابُهُ وَدَخَلَ بِهَا.
(قَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي التَّصْوِيرِ إلَخْ) إذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ تَصِيرُ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ فَتُكَرَّرُ وَحِينَئِذٍ فَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ فَالصُّوَرُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا ذَكَرَهَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ إنَّ الَّذِي فِي الْفَتْحِ فِي آخِرِ السَّابِعَةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بَدَلَ قَوْلِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَلَى تِسْعِ مَسَائِلَ وَذَكَرَ مِنْهَا الثَّامِنَةَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا وَذَكَرَ بَدَلَ السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ الْمَذْكُورَتَيْنِ هُنَا مَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ الْخَامِسَةُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا
(فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ) .
تُحِدُّ مُعْتَدَّةُ الْبَتِّ وَالْمَوْتِ بِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَالْكُحْلِ وَالدُّهْنِ إلَّا بِعُذْرٍ وَالْحِنَّاءِ وَلُبْسِ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ إنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً بَالِغَةً) أَيْ: تُحِدُّ الْمُبَانَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِتَرْكِ مَا ذُكِرَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الطَّلَاقَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ وَالْفُرْقَةَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَبَّرَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ فِعْلِهَا لِإِفَادَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ نَفْيِ الْحِلِّ فَيُفِيدُ ثُبُوتَ الْحِلِّ وَلَا كَلَامَ فِيهِ فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «إلَّا عَلَى زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تُحِدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا» فَصُرِّحَ بِالنَّهْيِ فِي تَفْصِيلِ مَعْنَى تَرْكِ الْإِحْدَادِ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ غَيْرِ الزَّوْجِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَهَلْ يُبَاحُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ أُمُّهَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً قِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ أَبُو الْفَضْلِ عَنْ الْمَرْأَةِ يَمُوتُ زَوْجُهَا أَوْ أَبُوهَا أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَتَصْبُغُ ثَوْبَهَا أَسْوَدَ فَتَلْبَسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً تَأَسُّفًا عَلَى الْمَيِّتِ أَتُعْذَرُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا وَسُئِلَ عَنْهَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ فَقَالَ لَا تُعْذَرُ وَهِيَ آثِمَةٌ إلَّا الزَّوْجَةَ فِي حَقِّ زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تُعْذَرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اهـ.
وَظَاهِرُهُ مَنْعُهَا مِنْ لُبْسِ السَّوَادِ تَأَسُّفًا عَلَى مَوْتِ زَوْجِهَا أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ وَقُيِّدَ بِالْبَتِّ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا لَا حِدَادَ عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَحِدَّ عَلَى قَرَابَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَهَا زَوْجٌ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا؛ لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِهَا إذَا امْتَنَعَتْ وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهَذَا الْإِحْدَادُ مُبَاحٌ لَهَا لَا وَاجِبٌ وَبِهِ يَفُوتُ حَقُّهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُسْتَحَبُّ لَهَا تَرْكُهُ وَلَمَّا وَجَبَ فِي الْمَوْتِ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ إلْحَاقًا لَهَا بِالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ أَقْطَعُ مِنْ الْإِبَانَةِ وَلِهَذَا تُغَسِّلُهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا وَأُطْلِقَ فِي تَرْكِ الطِّيبِ فَلَا تَحْضُرُ عَمَلَهُ وَلَا تَتَّجِرُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ إلَّا فِيهِ وَدَخَلَ فِي الزِّينَةِ الِامْتِشَاطُ بِمِشْطٍ أَسْنَانُهُ ضَيِّقَةٌ لَا الْوَاسِعَةُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَمِلَ لُبْسَ الْحَرِيرِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَأَلْوَانِهِ، وَلَوْ أَسْوَدَ وَجَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوَاهِرَ زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْقَصَبَ.
وَقَوْلُهُ: " إلَّا بِعُذْرٍ " مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ لَا بِالدُّهْنِ وَحْدَهُ فَلَهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحَكَّةِ وَالْقَمْلِ وَلَهَا الِاكْتِحَالُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ أُخِّرَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْجَمِيعِ لَكَانَ أَوْلَى لِجَوَازِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ إذَا لَمْ تَجِدْ غَيْرَهُ لِوُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَذَكَرَ الدُّهْنَ بَعْدَ الطِّيبِ لِيُفِيدَ حُرْمَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَيَّبًا كَالزَّيْتِ الْخَالِصِ مِنْهُ وَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَلَوْ اعْتَادَتْ الدُّهْنَ فَخَافَتْ وَجَعًا، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا ظَاهِرًا يُبَاحُ لَهَا اهـ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ الْخَلَقُ الَّذِي لَا رَائِحَةَ لَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقُيِّدَ بِإِسْلَامِهَا مَعَ بُلُوغِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حِدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَقَدَّمْنَا مَعْنَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْعَقْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا حِدَادَ عَلَى مَجْنُونَةٍ لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا يُخْرِجُ الصَّغِيرَةَ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ عَلَيْهَا لَيْسَ إلَّا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهَا وَالْمَجْنُونَةُ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ مُخَاطَبَةٍ فَارَقَتْ فِرَاشَ زَوْجٍ حَلَالٍ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحُرِّيَّةِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ لِكَوْنِهَا مُكَلَّفَةً بِحُقُوقِ الشَّرْعِ مَا لَمْ يَفُتْ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ وَقْتَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يُخْرِجْهَا الْمَوْلَى وَيَحِلُّ إنْ أَخْرَجَهَا وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْقِنَّةِ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ قِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ عَدَمُ حِلِّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بِمَا إذَا لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ، فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا أَمَّا غَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهَا ذَلِكَ بَقِيَ هَلْ لَهُ مَنْعُهَا فِي الثَّلَاثِ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ الْحِلُّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ اهـ.
وَهَذَا الْأَخِيرُ يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ حَلَّ لَهَا ذَلِكَ لَكِنَّ فِيهِ فَوَاتَ حَقِّهِ مِنْ الزِّينَةِ فَلَهُ مَنْعُهَا كَمَا أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ أَكْلِ ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَقِيَ أَنْ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ إلَخْ، فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِنَصِّ الْحَدِيثِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ أُخِّرَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْجَمِيعِ لَكَانَ أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ مَدْفُوعٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ بِتَرْكِ الزِّينَةِ شَامِلٌ لِلْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ بَعْدَهُ تَفْصِيلٌ لِذَلِكَ الْإِجْمَالِ.
(قَوْلُهُ لِوُجُوبِ سُتْرَةِ الْعَوْرَةِ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحْدِثُ ثَوْبًا غَيْرَهُ إمَّا بِبَيْعِهِ وَالِاسْتِخْلَافِ بِثَمَنِهِ أَوْ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا
وَيَنْبَغِي كَذَلِكَ لَوْ بَلَغَتْ الصَّغِيرَةُ أَوْ أَفَاقَتْ الْمَجْنُونَةُ؛ إذْ لَا فَرْقَ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى تَرْكِ مَا ذُكِرَ يُفِيدُ جَوَازَ دُخُولِ الْحَمَّامِ لَهَا وَنُقِلَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ عِنْدَهُمْ لَهَا أَنْ تَدْخُلَ الْحَمَّامَ وَتَغْسِلَ رَأْسَهَا بِالْخِطْمِيِّ وَالسِّدْرِ وَفِيهِ أَنَّ الْحِدَادَ حَقُّ الشَّرْعِ حَتَّى لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِتَرْكِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا.
(قَوْلُهُ لَا مُعْتَدَّةُ الْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ) أَيْ: لَا حِدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهَا أَوْ مَوْتِهِ وَلَا عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَتِّ وَالْمَوْتِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَمَلَكَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَسَدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ أَعْتَقَهَا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ عِدَّةُ فَسَادِ النِّكَاحِ وَفِيهَا الْحِدَادُ وَعِدَّةُ الْعِتْقِ وَلَا حِدَادَ فِيهَا فَتُحِدُّ فِي حَيْضَتَيْنِ دُونَ الثَّالِثَةِ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثٍ اهـ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ النِّكَاحَ إذَا فَسَدَ بَعْدَ صِحَّتِهِ يُوجِبُ الْحِدَادَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَاسِدًا مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَسَبَبُهُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَلَا يُتَأَسَّفُ عَلَى الْفَاسِدِ وَاسْتُفِيدَ عَدَمُ وُجُوبِهِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ فَالْحَاصِلُ لَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا مَجْنُونَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ عَنْ عِتْقٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا عَلَى مُعْتَدَّةٍ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَهُنَّ سَبْعٌ لَا حِدَادَ عَلَيْهِنَّ، فَإِنْ قُلْت إنَّ الْعِلَّةَ لِوُجُوبِهِ أَعْنِي إظْهَارَ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَإِنْ فَاتَتْ فِي مَسْأَلَتَيْ الْكِتَابِ بَقِيَتْ أُخْرَى أَعْنِي عَدَمَ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِيمَا هُوَ مَمْنُوعٌ فِيهَا وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِلرَّغْبَةِ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ حِكْمَةٌ فَلَا تَطَّرِدُ وَتِلْكَ عِلَّةٌ يَزُولُ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ.
(قَوْلُهُ وَلَا تُخْطَبُ مُعْتَدَّةٌ) أَيْ: تَحْرُمُ خِطْبَتُهَا وَهِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَصْدَرٌ بِمَنْزِلَةِ الْخَطْبِ مِثْلَ قَوْلِك إنَّهُ لَحَسَنُ الْقِعْدَةِ وَالْجِلْسَةِ تُرِيدُ الْقُعُودَ وَالْجُلُوسَ وَفِي اشْتِقَاقِهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْخَطْبَ هُوَ الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ يُقَالُ مَا خَطْبُك أَيْ: مَا شَأْنُك فَقَوْلُهُمْ خَطَبَ فُلَانٌ فُلَانَةَ أَيْ: سَأَلَهَا أَمْرًا وَشَأْنًا فِي نَفْسِهَا وَالثَّانِي أَنَّ أَصْلَ الْخِطْبَةِ مِنْ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ يُقَالُ خَطَبَ الْمَرْأَةَ خِطْبَةً؛ لِأَنَّهُ خَاطِبٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَخَطَبَ خُطْبَةً أَيْ: خَاطَبَ بِالزَّجْرِ وَالْوَعْظِ وَالْخَطْبُ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى خِطَابٍ كَثِيرٍ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلَاقٍ بِنَوْعَيْهِ وَعَنْ وَفَاةٍ وَعَنْ عِتْقٍ وَعَنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَعُلِمَ مِنْهُ حُرْمَةُ خِطْبَةِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَوْلَى وَتَحْرُمُ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقُيِّدَ بِالْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ الْخَالِيَةَ عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ تَحِلُّ خِطْبَتُهَا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا لِجَوَازِ نِكَاحِهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْطُبَهَا غَيْرُهُ قَبْلَهُ، فَإِنْ خَطَبَهَا فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
إمَّا أَنْ تُصَرِّحَ بِالرِّضَا فَتَحْرُمَ أَوْ بِالرَّدِّ فَتَحِلَّ أَوْ تَسْكُتَ فَقَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ لِأَصْحَابِنَا وَأَصْلُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ لَا يَأْذَنَ لَهُ وَاسْتُفِيدَ مِنْ حُرْمَةِ خِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ حُرْمَةُ نِكَاحِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُطَلِّقِ بِالْأَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَكِنْ جَعَلُوا دَلِيلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَعْقِدُوا وَعُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَزْمِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ مُبَالَغَةٌ فِي الْمَنْعِ عَنْهُ، وَقِيلَ هُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِيجَابُ يُقَالُ عَزَمْت عَلَيْك أَيْ أَوْجَبْت عَلَيْك وَالْإِيجَابُ سَبَبٌ لِلْوُجُودِ ظَاهِرًا فَكَانَ مَجَازًا عَنْهُ أَيْ: لَا تُوجِدُوا عَقْدَ النِّكَاحِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ، وَفِي الْكِتَابِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْمَكْتُوبُ وَالْمَعْنَى حَتَّى تَبْلُغَ الْعِدَّةُ الْمَفْرُوضَةُ آخِرَهَا.
الثَّانِي: أَنَّ الْكِتَابَ بِمَعْنَى الْفَرْضِ أَيْ: حَتَّى يَبْلُغَ هَذَا الْكِتَابُ آخِرَهُ وَنِهَايَتَهُ وَتَمَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ.
(قَوْلُهُ وَصَحَّ التَّعْرِيضُ) وَهُوَ لُغَةً خِلَافُ التَّصْرِيحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ أَنَّ التَّعْرِيضَ تَضْمِينُ الْكَلَامِ دَلَالَةً لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ كَقَوْلِك مَا أَقْبَحَ الْبُخْلَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ بَخِيلٌ وَالْكِنَايَةُ ذِكْرُ الرَّدِيفِ وَإِرَادَةُ الْمَرْدُوفِ كَقَوْلِك فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ وَكَثِيرُ رَمَادِ الْقِدْرِ يَعْنِي أَنَّهُ طَوِيلُ الْقَامَةِ وَمِضْيَافٌ كَذَا فِي
ــ
[منحة الخالق]
مَالٌ كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَنُقِلَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ عِنْدَهُمْ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ الِامْتِشَاطُ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَهُمْ لَهَا أَنْ تَدْخُلَ الْحَمَّامَ وَتَغْسِلَ رَأْسَهَا بِالْخِطْمِيِّ وَالسِّدْرِ اهـ.
وَمَفْهُومُهُ أَنَّ عِنْدَنَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْ حُكْمِهِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ نَصٍّ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ: فِي الْمِعْرَاجِ.
(قَوْلُهُ فَقَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ الْحَدِيثُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ كَمَا «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ الِاسْتِيَامِ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ نَهَى عَنْ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ» وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْكَنَ قَلْبُ الْمَرْأَةِ إلَى خَاطِبِهَا الْأَوَّلِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ لَا يَأْذَنَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ: الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ
الْمُغْرِبِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَمْرِهَا كَذَا أَوْ مِنْ أَمْرِهَا كَذَا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَمَا قِيلَ: إنَّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنَّك لَجَمِيلَةٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنَّك لَتُعْجِبِينِي أَوْ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَجْتَمِعَ أَنَا وَإِيَّاكَ وَإِنَّك لَدَيِّنَةٌ فَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُشَافِهَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا لِلْحَالِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا صَرِيحٌ فِي الْخِطْبَةِ وَبَعْضَهَا صَرِيحٌ فِي إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّعْرِيضَ جَائِزٌ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ.
وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إيرَاثِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْمُطَلِّقِ وَالْخَاطِبِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ فَلَا عَدَاوَةَ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَا وَرَثَتِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] قَالَ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ أَرَادَ بِهِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ وَالْمَعْنَى لَا إثْمَ عَلَيْكُمْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ لَهُنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِإِرَادَةِ نِكَاحِهِنَّ أَوْ أَضْمَرْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ فَلَمْ تَنْطِقُوا بِهِ تَعْرِيضًا وَلَا تَصْرِيحًا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ فَاذْكُرُوهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ نِكَاحًا وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَعْرُوفَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي السِّرِّ وَالِاسْتِدْرَاكُ مِمَّا قَدَّرْنَاهُ وَتَمَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ.
(قَوْلُهُ وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] أَيْ: لَا تُخْرِجُوا الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ الْمَسَاكِنِ الَّتِي كُنْتُمْ تَسْكُنُونَ فِيهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَسَاكِنُ عَارِيَّةً فَارْتُجِعَتْ مِنْ السَّاكِنِ كَانَ عَلَى الْأَزْوَاجِ أَنْ يُعَيِّنُوا مَسَاكِنَ أُخْرَى بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ أَوْ الْكِرَاءِ وَعَلَى الزَّوْجَاتِ أَيْضًا أَنْ لَا يَخْرُجْنَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا لِضَرُورَةٍ ظَاهِرَةٍ، فَإِنْ خَرَجْنَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا كَانَ حَرَامًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما الْفَاحِشَةُ الزِّنَا فَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما خُرُوجُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِصْيَانُ الظَّاهِرُ وَهُوَ النُّشُوزُ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ وَجَمَعَ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْإِخْرَاجِ وَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ إخْرَاجُ الزَّوْجِ لَهَا غَصْبًا وَكَرَاهَةً أَوْ حَاجَةً إلَى الْمَسْكَنِ وَأَنْ لَا يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إذَا طَلَبَتْ وَالْخُرُوجَ خُرُوجُهُنَّ بِأَنْفُسِهِنَّ إذَا أَرَدْنَ ذَلِكَ وَقُرِئَ {مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَتَمَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِتَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَذُكِرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: الصَّحِيحُ تَفْسِيرُهَا بِالزِّنَا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجْعِيَّ وَالْبَائِنَ بِنَوْعَيْهِ وَالْمُرَادُ مُعْتَدَّةُ الْفُرْقَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ بِمَعْصِيَةٍ كَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمَا إذَا خَرَجَتْ بِإِذْنِ الْمُطَلِّقِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ حَتَّى إنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا وَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً حُكْمًا لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَعْدَهُ لِلْعِدَّةِ وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِحَقِّ الزَّوْجِ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالْإِذْنِ.
وَسَيَأْتِي أَنَّهَا تَخْرُجُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ كَمَا إذَا أُخْرِجَتْ أَوْ انْهَدَمَ الْبَيْتُ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهَا بِالْحُرِّيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُسْتَسْعَاةَ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْعِدَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَالِ النِّكَاحِ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا حَالَ النِّكَاحِ فَكَذَا بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الْخِدْمَةَ حَقُّ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ إلَّا إذَا بَوَّأَهَا مَنْزِلًا فَحِينَئِذٍ لَا تَخْرُجُ وَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ بَوَّأَهَا فِي النِّكَاحِ ثُمَّ طَلُقَتْ فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ حَتَّى يَطْلُبَهَا الْمَوْلَى، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحِدَادِ وَلَكِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَجْنُونَةَ تَحْصِينًا لِمَائِهِ مِنْ الْخُرُوجِ وَيَمْنَعَ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً رَجْعِيًّا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَمَا قِيلَ: إنَّ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] يَقُولُ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ نَجْتَمِعَ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَنَحْوِهِ إنَّك لَجَمِيلَةٌ أَوْ صَالِحَةٌ فَلَا يُصَرِّحُ بِنِكَاحِهَا وَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِتَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -) عَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى النَّخَعِيّ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْ: مِنْ تَفْسِيرِهَا بِالزِّنَا أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ {إِلا أَنْ} [الطلاق: 1] غَايَةٌ وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهِ وَمَا قَالَهُ النَّخَعِيّ أَبْدَعُ وَأَعْذَبُ فِي الْكَلَامِ كَمَا يُقَالُ فِي الْخَطَابِيَّاتِ لَا تَزْنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فَاسِقًا وَلَا تَشْتُمْ أُمَّك إلَّا أَنْ تَكُونَ قَاطِعَ رَحِمٍ وَنَحْوَهُ وَهُوَ بَدِيعٌ بَلِيغٌ جِدًّا.
(قَوْلُهُ كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ وَقَالَ
الْمِعْرَاجِ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ الْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَكَالْكِتَابِيَّةِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِحْدَادِ، وَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحَقِّ الشَّرْعِ إلَّا إنْ مَنَعَهَا الزَّوْجُ صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجْنُونَةِ وَأَبَتْ الْإِسْلَامَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْكِتَابِيَّةُ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ لَا بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَلَا بِعَدَمِ الْإِذْنِ اهـ.
وَبَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَرْقٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَقُيِّدَ بِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مُعْتَدَّةَ الْوَطْءِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ عِتْقٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَنْعَ عَنْ الْخُرُوجِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَكَذَا فِي عِدَّتِهِ إلَّا إنْ مَنَعَهَا الزَّوْجُ لِتَحْصِينِ مَائِهِ فَلَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا فَلَهُ مَنْعُهَا لِتَحْصِينِ مَائِهِ، فَإِنْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ حَرُمَ الْخُرُوجُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ وَالْمَجْنُونَةِ إذَا أَفَاقَتْ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَسَائِرُ وُجُوهِ الْفَرْقِ الَّتِي تُوجِبُ الْعِدَّةَ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ سَوَاءٌ يَعْنِي فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا فِي الْعِدَّةِ فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ وَحُكِيَ فَتْوَى شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى لَا تُمْنَعُ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مِنْ الْخُرُوجِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَهَا السُّكْنَى، وَالنَّصْرَانِيُّ إذَا طَلَّقَ النَّصْرَانِيَّةَ فَلَهَا النَّفَقَةُ لَا السُّكْنَى وَشَمِلَ أَيْضًا الْمَنْزِلَ الْمَمْلُوكَ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ غَائِبًا وَهِيَ فِي دَارٍ بِأُجْرَةٍ قَادِرَةٌ عَلَى دَفْعِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بَلْ تَدْفَعُ وَتَرْجِعُ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَشَمِلَ خُرُوجَهَا إلَى صَحْنِ دَارٍ فِيهَا مَنَازِلُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنَازِلُ لَهُ وَشَمِلَ أَيْضًا الْمُخْتَلِعَةَ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا فَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ زَارَتْ أَهْلَهَا وَالزَّوْجُ مَعَهَا أَوْ لَا فَطَلَّقَهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا ذَلِكَ فَتَعْتَدَّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ طَلُقَتْ فِي غَيْرِ مَسْكَنِهَا تَعُودُ إلَى مَسْكَنِهَا بِغَيْرِ تَأْخِيرٍ.
(قَوْلُهُ وَمُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ تَخْرُجُ يَوْمًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ) لِتَكْتَسِبَ لِأَجْلِ قِيَامِ الْمَعِيشَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى لَوْ كَانَ عِنْدَهَا كِفَايَتُهَا صَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ لِزِيَارَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ الْحِلِّ كَوْنُ خُرُوجِهَا بِسَبَبِ قِيَامِ شُغْلِ الْمَعِيشَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ فَمَتَى انْقَضَتْ حَاجَتُهَا لَا يَحِلُّ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَرْفُ الزَّمَانِ خَارِجَ بَيْتِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقُولُ: لَوْ صَحَّ هَذَا عَمَّمَ أَصْحَابُنَا الْحُكْمَ فَقَالُوا لَا تَخْرُجُ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ تَخْرُجُ لِلضَّرُورَةِ بِحَسْبِهَا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ كَذَلِكَ فَأَيْنَ الْفَرْقُ؟ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ جَوَازُ خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ نَهَارًا، وَلَوْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى النَّفَقَةِ وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ «فُرَيْعَةَ بِنْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ زَوْجَهَا لَمَّا قُتِلَ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ إلَى بَنِي خُدْرَةَ
ــ
[منحة الخالق]
ابْنُ عَبَّاسٍ الْفَاحِشَةُ نُشُوزُهَا وَأَنْ تَكُونَ بَذِيَّةَ اللِّسَانِ عَلَى أَحْمَائِهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجْنُونَةِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا) لِمَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ السُّكْنَى وَإِنْ نُصَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ نَعَمْ إذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى يَصِحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ هُنَا مَا نَصُّهُ كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا فَإِنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى تَبْطُلُ عَنْ الزَّوْجِ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ.
(قَوْلُهُ وَأَقُولُ: لَوْ صَحَّ هَذَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إنَّمَا أُبِيحَ لَهَا الْخُرُوجُ لِضَرُورَةِ اكْتِسَابِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَيْهَا فَلَا ضَرُورَةَ تَلْحَقُهَا بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ فَإِنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ وَبِهَذَا اتَّضَحَ الْفَرْقُ وَقَدْ رَجَعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي آخِرِ كَلَامِهِ إلَى هَذَا اهـ.
قُلْت وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ وَنَصُّهَا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ نَهَارًا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ وَقَدْ يَهْجُمُ عَلَيْهَا اللَّيْلُ وَلَا كَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ دَارَّةٌ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ اهـ.
وَهَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ لِحَاجَتِهَا وَلَا تَبِيتُ بِغَيْرِ مَنْزِلِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا فَقَوْلُهُ لِحَاجَتِهَا أَوْضَحَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَاجَةُ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ، وَأَمَّا الْحَاجَةُ لِغَيْرِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيهَا كَمَا إذَا أُخْرِجَتْ مِنْ الْمَنْزِلِ أَوْ انْهَدَمَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ لَهَا بِالْخِطْبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهَا أَصْلًا فَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ التَّعْرِيضِ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ بِنَاءَ التَّعْرِيضِ عَلَى الْخُرُوجِ اهـ.
(قَوْلُهُ بِنْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ أُخْتُهُ لَا بِنْتُهُ
فَقَالَ لَهَا: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» فَدَلَّ عَلَى حُكْمَيْنِ إبَاحَةِ الْخُرُوجِ بِالنَّهَارِ وَحُرْمَةِ الِانْتِقَالِ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ خُرُوجَهَا وَمَنَعَهَا مِنْ الِانْتِقَالِ وَرَوَى عَلْقَمَةُ أَنَّ نِسْوَةً مِنْ هَمْدَانَ نُعِيَ إلَيْهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَسَأَلْنَ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَقُلْنَ إنَّا نَسْتَوْحِشُ فَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَجْتَمِعْنَ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ فَلْتَرْجِعْ كُلُّ امْرَأَةٍ إلَى بَيْتِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُحِيطِ عَزَاءُ الثَّانِي إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْجَوْهَرَةِ يَعْنِي بِبَعْضِ اللَّيْلِ مِقْدَارَ مَا تَسْتَكْمِلُ بِهِ حَوَائِجَهَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَغَيَّبَ عَنْ بَيْتِهَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ اهـ.
وَلَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ لِحَاجَتِهَا إلَى نَفَقَتِهَا وَلَا تَبِيتُ إلَّا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا اهـ.
فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُحْتَاجَةً إلَى النَّفَقَةِ لَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ نَهَارًا كَمَا فَهِمَهُ الْمُحَقِّقُ.
(قَوْلُهُ وَتَعْتَدَّانِ فِي بَيْتٍ وَجَبَتْ فِيهِ إلَّا أَنْ تُخْرَجَ أَوْ يَنْهَدِمَ) أَيْ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ يَعْتَدَّانِ فِي الْمَنْزِلِ الْمُضَافِ إلَيْهِمَا بِالسُّكْنَى وَقْتَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ وَلَا يُخْرَجَانِ مِنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِمَا تَلَوْنَاهُ مِنْ الْآيَةِ وَالْبَيْتُ الْمُضَافُ إلَيْهَا فِي الْآيَةِ مَا تَسْكُنُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ سَاكِنًا مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِهَذَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا لَوْ زَارَتْ أَهْلَهَا فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا فَتَعْتَدَّ فِيهِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ أَجْرَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَطُولِبَتْ بِالْكِرَاءِ فَعَلَيْهَا إعْطَاؤُهُ مِنْ مَالِهَا حَيْثُ كَانَتْ قَادِرَةً وَتَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ إنْ دَفَعَتْ بِإِذْنِ الْقَاضِي هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ خواهر زاده وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَأْجِرَةً وَلَا زَوْجُهَا مُسْتَأْجِرًا.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمَنْزِلَ إذَا كَانَ بِإِجَارَةٍ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ مُشَاهَرَةً فَلَهَا التَّحَوُّلُ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةٌ إلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَيْسَ لَهَا التَّحَوُّلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاسْتُفِيدَ أَيْضًا أَنْ الْمُطَلِّقَ لَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُسَكِّنَهَا بِجِوَارِهِ لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَعْتَدُّ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ تَسْكُنُهُ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأُطْلِقَ فِي الْإِخْرَاجِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَخْرَجَهَا الْمُطَلِّقُ ظُلْمًا وَتَعَدِّيًا وَمَا إذَا أَخْرَجَهَا صَاحِبُ الدَّارِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكِرَاءِ وَوَجَدَتْ مَنْزِلًا بِغَيْرِ كِرَاءٍ وَمَا إذَا أَخْرَجَهَا الْوَارِثُ وَكَانَ نَصِيبُهَا مِنْ الْبَيْتِ لَا يَكْفِيهَا وَفِي الْمُجْتَبَى كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا اشْتَرَتْ مِنْ الْأَجَانِبِ وَأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ، وَكَذَا فِي الطَّلَاق الْبَائِنِ اهـ.
وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الشِّرَاءِ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ قَادِرَةً وَيُقَالُ يَجِبُ الْكِرَاءُ وَالشِّرَاءُ إنْ أَمْكَنَ وَحُكْمُ مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ حُكْمُ الْمَسْكَنِ الْأَصْلِيِّ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ وَتَعْيِينُ الْمَنْزِلِ الثَّانِي لِلزَّوْجِ فِي مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ وَلَهَا فِي الْوَفَاةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا وَطَلَّقَهَا فَالتَّعْيِينُ لَهَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَيْضًا عُيِّنَ انْتِقَالُهَا إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِمَّا انْهَدَمَ فِي الْوَفَاةِ وَإِلَى حَيْثُ شَاءَتْ فِي الطَّلَاقِ وَالْمُرَادُ بِالِانْهِدَامِ خَوْفُهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَلَهَا الْخُرُوجُ إذَا خَافَتْ الِانْهِدَامَ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَتَاعِهَا مِنْ اللُّصُوصِ فَلَهَا التَّحَوُّلُ لِلضَّرُورَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ الْأَعْذَارِ فِيمَا ذُكِرَ فَمِنْهَا مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ وَهِيَ تَخَافُ بِاللَّيْلِ بِالْقَلْبِ مِنْ أَمْرِ الْمَيِّتِ وَالْمَوْتِ إنْ كَانَ الْخَوْفُ شَدِيدًا كَانَ لَهَا التَّحَوُّلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَدِيدًا فَلَيْسَ لَهَا التَّحَوُّلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ خَرَجَتْ الْمُعْتَدَّةُ لِإِصْلَاحِ مَا لَا بُدَّ لَهَا كَالزِّرَاعَةِ وَطَلَبِ النَّفَقَةِ وَإِخْرَاجِ الْكَرْمِ وَلَا وَكِيلَ لَهَا فَلَهَا ذَلِكَ اهـ.
وَمِنْهَا طَلَّقَهَا بِالْبَادِيَةِ وَهِيَ مَعَهُ فِي مِحَفَّةٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَالزَّوْجُ يَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ لِلْكَلَأِ وَالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِتَرْكِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا وَلَيْسَ مِنْهَا سَفَرُهَا لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ فَلَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ خُرُوجَهَا) أَيْ: خُرُوجَهَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَأَلَتْهُ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا سُؤَالٌ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ فَهُوَ خُرُوجٌ لِحَاجَةٍ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْعِنَايَةِ قَالَ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمَيْنِ عَلَى أَنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَعَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ بِبَعْضِ النَّهَارِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا جَائِزٌ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا خُرُوجَهَا لِلِاسْتِفْتَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا الطَّلَاقُ الْبَائِنُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي فِيمَا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى السُّكْنَى