الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن بيان جبريل للأوقات وهيئات الصلاة شمل سائر الصلوات الخمس، وهذا الحديث أول حديث في موطأ مالك رواية يحيى بن يحيى الليثي.
أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ
492 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَسْأَلُ أَبَا بَرْزَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: كَمَا أَسْمَعُكَ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَسْأَلُ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: كَانَ لَا يُبَالِي بَعْضَ تَأْخِيرِهَا -يَعْنِي الْعِشَاءَ- إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلَا الْحَدِيثَ بَعْدَهَا. قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدُ فَسَأَلْتُهُ؟ قَالَ: كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ يَذْهَبُ الرَّجُلُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ لَا أَدْرِي أَيَّ حِينٍ ذَكَرَ. ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ جَلِيسِهِ الَّذِي يَعْرِفُهُ فَيَعْرِفُهُ. قَالَ: وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ.
• [رواته: 5]
1 -
محمَّد بن عبد الأعلى الصغاني: تقدم 5.
2 -
خالد بن الحارث الهجيمي: تقدم 47.
3 -
شعبة بن الحجاج: تقدم 26.
4 -
سيّار بن سلامة بتخفيف اللام الرياحي البصري أبو المنهال، روى عن أبي برزة الأسلمي والبراء السليطي وأبيه سلامة وأبي العالية الرياحي البصري وأبي مسلم الجرمي وغيرهم، وعنه سليمان التيمي وخالد الحذاء وعوف الأعرابي ويونس بن عبيد وسوار بن عبد الله العنبري الكبير وشعبة وحماد بن سلمة وغيرهم. قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق الحديث، وقال العجلي: بصري ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: مات 129، وقال ابن سعد: كان ثقة والله أعلم. وأما أبوه سلامة الذي حكى عنه ولده هنا أنه سأل أبا برزة، فقد قال فيه ابن حجر: لم أجد من ترجمه. قال: وقد وقعت لابنه عنه رواية في الطبراني الكبير في ذكر الحوض.
5 -
أبو برزة الأسلمي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق، وعنه ابنه المغيرة وبنت ابنه منية بنت عبيد بن أبي برزة وأبو المنهال الرياحي والأزرق بن قيس وأبو العالية الرياحي وأبو عثمان النهدي وجماعة غيرهم. قال البخاري: نزل البصرة، وذكر له حديث: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وقال أبو نضرة، عن عبد الله بن مولى القشيري قال: كنت بالأهواز فمرّ بي شيخ ضخم فإذا أبو برزة، وقال ابن سعد: كان من ساكني المدينة ثم البصرة وغزا خراسان، وقال الخطيب: شهد مع علي قتال الخوارج بالنهروان، وغزا بعد ذلك خراسان فمات بها، وقال محمَّد بن علي بن حمزة المروزي: مات بنيسابور وقيل: بالبصرة وقيل: بمغارة بين سجستان وهراة، وقال خليفة: مات بخراسان بعد سنة 64 بعد إخراج ابن زياد من البصرة، وقيل: مات في خلافة معاوية. قال ابن حجر: جزم الحاكم أبو أحمد بموته سنة 64، وقيل: بقي إلى ولاية عبد الملك، وبه جزم البخاري في التاريخ الأوسط في فصل: من مات بين الستين إلى السبعين، قال: ومما يؤيد ذلك أن في صحيح البخاري أنه شهد قتال الخوارج بالأهواز، زاد الإسماعيلي: مع المهلب بن أبي صفرة، وذلك سنة 65 كما جزم به محمَّد بن قدامة وغيره، وكان عبد الملك قد ولي الشام والله أعلم.
• التخريج
أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة والدارمي، وعند الترمذي طرف منه، وبعض رواياته عن شعبة وبعضها عن عوف بن مالك كلاهما عن سيار، وفي الروايات تقديم وتأخير. وأخرجه ابن حبان في صحيحه وأبو عوانة في مسنده.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (سمعت أبي يسأل أبا برزة) وفي رواية: (دخلت أنا وأبي على أبي برزة) قال ابن حجر: زاد الإسماعيلي: زمن أخرج ابن زياد من البصرة، وخروج ابن زياد من البصرة سنة 64. وقوله:(يسأل أبا برزة) جملة حالية، أي: سمعته حال سؤاله لأبي برزة نضلة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقوله: (عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) الجار والمجرور متعلق بيسأل، وهو في محل نصب به، وقوله:(صلاة رسول الله) فيه إجمال لأنه لم يذكر الوجه الذي سأل عنه من أمر الصلاة، ولكن دل الجواب على أنه إنما سأله عن وقت صلاته للصلوات المكتوبة، كما هو مبين في رواية البخاري وغيره فإنه قال: فقال له أبي: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟ الحديث. وقوله: (قلت: أنت سمعته؟ ) هذا خطاب من شعبة لشيخه سيّار على سبيل التثبت في الرواية، (أنت) للإستفهام وحذفت همزته اكتفاء بالثانية، وقد تقدم مثل ذلك في الطهارة: وقوله: (كما أسمعك) الكاف نعت لمصدر محذوف والتقدير: سماعًا مثل سماعي لك، و (ما) مصدرية، وقوله:(الساعة) ظرف لقوله: أسمعك، وقوله:(فقال بعد ذلك: سمعت أبي يسأل. . . إلخ) أعاد القول بأنه سمع أباه يسأل عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعاد الجملة للتوكيد أي: عن وقتها كما تقدم، وقوله:(كان لا يبالي بعض تأخيرها) أي لا يهتم لذلك ولا يلقي بالًا منه، يقال: ما يبالي أي: ما يهتم، وقد تقدم في أحاديث الغسل في حديث ميمونة لا تذكر فرجًا ولا تباليه، ومنه قول جرير:
وما باليت يوم رأيت دمعي
…
له سبل يفيض على نجادي
وقول الآخر:
لقد باليت مظعن أم أوفى
…
ولكن أم أوفى لا تبالي
والمعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يهتم بتقديم العشاء في أول وقتها، لما تقدم من أنه كان يحبّ أن يؤخرها لولا خوف المشقة على الأمة، ومن حديث جابر: والعشاء أحيانًا، وأحيانًا إذا رآهم اجتمعوا قَدّم وإذا رآهم أبطئوا أخّرَ. وقوله:(يعني العشاء إلى نصف الليل) أي نهاية ما يوسّع به في تأخيرها إلى نصف الليل، وهو غاية التأخير. قال النووي رحمه الله في شرح حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم: إذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل، قال:(معناه وقت لأدائها اختيارًا، وأما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع الفجر لحديث أبي قتادة عند مسلم: "إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى") اهـ. وقال الإصطخري من الشافعية إذا ذهب نصف الليل صارت قضاءً، واستدل الجمهور على خلافه بحديث أبي قتادة المذكور، لكن
قال ابن حجر: فيه تخصيص بالإجماع في صلاة الصبح. وفي كتاب عمر لأبي موسى: "صل العشاء ما بينك وبين ثلث الليل، فإن أخرت فإلى نصف الليل ولا تكن من الغافلين"، فهذا يدل على أن تأخيرها بعد نصف الليل يعد غفلة عنها، لأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم قولًا ولا فعلًا التأخير أكثر من نصف الليل. وقول من قال: إنها بعد نصف الليل ليست بقضاء؛ مبني على تقسيم وقتها إلى مختار ومضيق فيه. وقوله: (ولا يحبّ النوم قبلها) وفي رواية: كان ينهى عن النوم قبلها والحديث بعدها، وفي حديث عمر:"فمنْ نام فلا نامت عينه، ثلاثًا" وذلك أن النوم قبلها يعرضها للضياع، وأما الحديث بعدها فلأنه يعرّض صلاة الصبح للفوات ومفوت للتهجد، ومع ذلك في تركه راحة للكرام الكاتبين كما قالت عائشة رضي الله عنها. (قال شعبة: ثم لقيته بعد) أي بعد ذلك، أي لقي سيارا فسأله عن بقية حديث أبي برزة، (وقال) أي قال أبو برزة، لأن ضمير (يصلي) للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك يكون في الكلام اختصارًا كأنه قال له سيار تمام الحديث: قال أبو برزة، وربما كان لفظ الثاني سقط من بعض النساخ، (يصلي الظهر حين تزول الشمس) عن كبد السماء وذلك وقت الإستواء، ثم إذا شرع الظل في الزيادة بعد الإستواء إلى جهة المشرق فذلك وقت الزوال: وهو المراد يقول عمر: صل الظهر إذا كان الفيء ذراعًا. وقوله: (والعصر) بالنصب عطفا على قوله: (الظهر)، وقوله:(يذهب الرجل) أي بعد صلاته معه العصر بالمدينة، وفي رواية: ثم يذهب، وهنا بدون حرف العطف على تقديره. (الرجل إلى أقصى المدينة) والمراد بذلك أحد أطرافها، كما تقدم في تحويل القبلة: أن بعض من صلى معه: أدرك مسجد بني حارثة وهم يصلونها، وفي الرواية الأخرى: بني سلمة، وفي رواية: بني عبد الأشهل وأكثر الروايات بلفظ: إلى العوالي، وهي طرف المدينة من ناحية الجنوب، وبها قرية معروفة بهذا الاسم، وكانت منازل بني النضير ومن جملتها قباء، ولهذا جاء في بعض الروايات إلى قباء. وقوله:(والشمس حية) جملة حالية، وفي الكلام هنا حذف مصرح به في غير هذه الرواية:"فيأتيهم والشمس حيّة" ومعنى حياتها: بقاء حرَّها وصفاء لونها، وفي سنن أبي داود عن خيثمة أحد التابعين:"حياتها أن تجد حرِّها"، وقال ابن المنير: (حياتها: قوة أثرها حرارة ولونًا وشعاعًا وإنارة، وذلك يكون
بعد صيرورة الظل مثل الشيء، أما بعد صيرورته مثليه فإنها تتغير حالها عن هذه الصفات). وقوله:(والمغرب لا أدري أي حينٍ ذكر) الظاهر أن هذا من كلام شعبة، أي: لم يضبط ما قاله في وقت المغرب، و (أي) منصوب بقوله (ذكر) أي: في أي حين ذكر أنه صلاها فيه، وجملة (ذكر) في محل نصب بقوله (أدري) لأن معناه: لا أتذكر أو لا أعلم. قوله: (قال) أي شعبة (ثم لقيته) أي سيارًا (بعد) فسألته عن بقية الصلوات وهي الصبح و (بعد) ظرف مبني على الضم مقطوع عن الإضافة، أي: بعد ذلك الوقت الذي أخبرنا فيه عن الظهر والعصر. وقوله: (فسألته) أي سيّارًا عن بقية الحديث عن الصلوات (وكان) أي في حديث أبي برزة المذكور قال فيه: وكان -أي النبي صلى الله عليه وسلم (يصلي الصبح فينصرف الرجل) الفاء عاطفة أي: ينتهي من الصلاة، لأن الإنتهاء منها يعبر عنه بالإنصراف، لأنهم ينصرفون بعدها بوجوههم، أو المراد: أنه ينصرف أحدهم إلى بيته بعد الصلاة، والوجه الأول أظهر في السياق. وقوله:(فينظر) الفاء عاطفة وقوله: (إلي وجه جليسه) أي المجالس له، فهو فعيل بمعنى مفاعل (الذي يعرفه) الموصول في محل جر صفة للجليس، وقوله:(فيعرفه) أي: فإذا نظر إليه عرفه، وهذا لأنهم كانوا يصلون في الظلام بدون نور، فيكون وقت انصرافهم قد امتد النور بحيث يعرف الإنسان جليسه، ولا يعارض حديث عائشة:"فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يُعرفن من الغلس" لأن هذا الذي يعرفه يكون بجنبه، وما ذكرته في حق البعيد. وقوله:(وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة) بحذف التمييز للعلم به، أي: من ستين آية فما فوقها إلى مائة آية، هذا فيه احتمالان: أحدهما: أن يكون هذا هو المقروء في الركعتين، وهذا المعنى هو المتبادر، ويحتمل أن يكون المراد فعل ذلك في كل ركعة. قال ابن حجر:(وقدَّرها في رواية الطبراني بسورة الحاقة ونحوها) اهـ.
• الأحكام والفوائد
الحديث فيه: التثبت عند الأخذ والسماع للحديث والعلم، ومبادرة السائل للجواب إذا علم من نفسه إصابة الصواب فيما يسأل عنه، وفيه: أن الوقت المستحب للعشاء تأخيرها إلى ثلث الليل أو إلى شطره، فهو حجة لمن قال: إن تأخيرها أفضل ما لم يشق ذلك بأحد من المصلين، وعلى ذلك يكون
الحديث مخصصًا للأحاديث التي فيها التصريح بفضيلة أول الوقت، كما سيأتي مثله في صلاة الظهر في الحر. واستحباب التأخير هو قول مالك وأحمد، وقال الترمذي: هو قول أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأما تأخيرها إلى نصف الليل فهو مباح عند الأكثرين، وما بعد ذلك مكروه كما تقدم، وحكى ابن المنذر أن المنقول عن ابن مسعود وابن عباس: ما قبل ثلث الليل، وهو مذهب الليث بن سعد وبه قال إسحاق والشافعي في الجديد، ومن الإملاء والقديم: تقديمها، قال النووي: وهو الأصح. وفيه: كراهة النوم قبلها والحديث بعدها، لأن النوم بعدها يعرضها للضياع فإنه ربما استغرقه النوم فلا يصليها حتى يخرج وقتها، والحديث بعدها يسبب الكسل والنوم عن الصلاة نافلة كانت أو فرضًا، فيفوته حظه من قيام الليل وربما أداه السهر إلى تضييع الصبح، لكنه إن علم ذلك حرم عليه السهر المؤدي إليه، وقد استثنوا من ذلك ما كان فيه خير ومصلحة، كالسهر في تدبير أمور المسلمين وفي إصلاح ذات البين وملاطفة الزوجة والعيال ومحادثة الضيف لإكرامه ومدارسة العلم، وما يتعلق بذلك من كل ما فيه خير كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واستثنى بعضهم من النوم قبلها من كان معه من يوقظه لذلك، وكذلك من اضطر إلى النوم في ذلك الوقت ليتأهب ويستعين به على الحراسة، أو نوم المرضعة أو من يريد أن يسهر في أي مصلحة إذا أمن مفسدة تفويت الصلاة، وكذا نوم المريض للإستراحة على الشرط المذكور. قال الترمذي: كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء، ورخص فيه بعضهم في رمضان خاصة، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول الوقت، والكراهة على بعد دخوله، وروي عن ابن عمر أنه كان يسبُّ من يفعل ذلك، وروي عنه أيضًا أنه كان ربما نام قبلها ولكن يوكل بنفسه من يوقظه، وهذا يدل على أنه يرى العلة معقولة. وقال أنس: كنا نجتنب الفرش قبل صلاة العشاء، أي خشية النوم، وكرهه أبو هريرة وابن عباس وعطاء وإبراهيم ومجاهد وطاوس ومالك والكوفيون، وروي عن علي أنه ربما فعله، وعن أبي موسى وعبيدة، ينام ويوكل من يوقظه، وعن عروة وابن سيرين والحكم أنهم كانوا ينامون نومة قبل الصلاة، وكان أصحاب عبد الله يفعلون ذلك، وبه قال بعض الكوفيين محتجين بأن الكراهة معللة، فإذا أمنت العلة فلا
بأس، وبالحديث السابق. وفيه قول عمر:"رقد النساء والصبيان" إلا أن الأحوط الأخذ بظاهر الحديث وتجنب ذلك. وقد ورد في سبب نزول: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} الآية أنها في مثل ذلك المروي عن أنس من تجنبهم للفرش في هذا الوقت والله أعلم. وفيه أيضًا: دليل على فضيلة تعجيل الظهر بعد الزوال، ولا يعارض ذلك حديث الإبراد لأنه يعتبر مخصصًا لهذا، سواء على القول في حق سائر المصلين أو أنه خاص بمن تلحقه مشقة بالتعجيل دون غيره، وأما على رأي من يرى أن الإبراد رخصة؛ فهي لا تعارض فضل العزيمة كما سيأتي إن شاء الله. ودل الحديث أيضًا على فضل تعجيل العصر في أول وقتها، وقد تقدم ذلك وهو مذهب الجمهور: مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من السلف. قال النووي: فيه دليل للجمهور على أن وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله، وقال أبو حنيفة: لا يدخل إلا إذا صار ظل كل شيء مثليه. قلت: وهذا مصادم لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من التعجيل، وإنكار عروة بن الزبير على عمر بن عبد العزيز وإنكار أبي مسعود قبله على المغيرة، وغير ذلك من الأدلة التي تقدمت وستأتي. وقد حاول البدر العيني رحمه الله أن يحتج لهم كعادته رحمه الله فلم يأت بمقنع، بل تشبث بحديث الإبراد مدّعيًا أنه لا يحصل ما ذكر من الإبراد إلا بعد صيرورة ظل كل شيء مثله، ثم لا يفتر الحر إلا بعد صيرورة ظل كل شيء مثليه ولا يخفى ما فيه مع مصادمته للنصوص. واحتج بقوله: يصلي الظهر حين تزول الشمس؛ من قال من الفقهاء: لا تحصل فضيلة أول الوقت، وهو غير مسلم لأن الإشتغال بالطهارة عادة لا يؤخر عن أول الوقت، لخفة أمره ولأنه بمثابة الشروع فيها. وفيه دليل: على التبكير بصلاة الصبح، قال العيني رحمه الله:(فيه الحجة للحنفية -يعني في تأخير صلاة الصبح. قال) لأن قوله: (وأحدنا يعرف جليسه: يدل على الإسفار. قال: لكن قوله: (ويقرأ فيها بالستين إلى المائة) يدل على أنه كان يشرع في الغلس ويمدها بالقراءة إلى وقت الإسفار، وإليه ذهب الطحاوي) اهـ. يعني من الحنفية وإلا فقد تقدم أنه مذهب الكل ما عدا الحنفية. قلت: لاسيما أنه صلى الله عليه وسلم كان يرتل القرآن، وكان يقرأ بالسورة القصيرة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها.
493 -
أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الظُّهْرِ.
• [رواته: 5]
1 -
كثير بن عبيد بن نمير المذحجي: تقدم 196.
2 -
محمد بن حرب الخولاني: تقدم 172.
3 -
محمد بن الوليد الزبيدي: تقدم 56.
4 -
محمد بن شهاب: تقدم 1.
5 -
أنس بن مالك رضي الله عنه: تقدم 6.
أخرجه البخاري وأحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه.
قوله: (زاغت) أي: مالت عن كبد السماء بعد الإستواء، وهو وقت الزوال. وتقدم ما يتعلق به.
494 -
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا، قِيلَ لأَبِي إِسْحَاقَ: فِي تَعْجِيلِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
• [رواته: 6]
1 -
يعقوب بن إبراهيم الدورقي: تقدم 22.
2 -
حميد بن عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي أبو عوف الكوفي وقيل: كنيته أبو علي وأبو عوف لقب. روى عن أبيه وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش وهشام بن عروة والحسن بن صالح وزهير بن معاوية وأبي الأحوص، وعنه أحمد وأبو خيثمة وابنا أبي شيبة وقتيبة وابن نمير ويحيى بن يحيى. أثنى عليه أحمد ووصفه بخير، وقال ابن معين: ثقة، وعن أبي بكر بن أبي شيبة: قلّ من رأيت مثله، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: مات في آخر سنة 192 وقيل: سنة 190 وقيل: 189. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث،
لم يكتب الناس كل ما عنده، وقال العجلي: ثقة ثبت عاقل ناسك والله أعلم.
3 -
زهير بن معاوية بن خديج أبو خيثمة الكوفي الجعفي: تقدم 42.
4 -
أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي: تقدم 42.
5 -
سعيد بن وهب الهمداني الخيواني الكوفي، سمع من معاذ بن جبل باليمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه وعن ابن مسعود وعلي وسلمان وأبي مسعود وحذيفة وخباب بن الأرت وأم سلمة رضي الله عنهم، وعنه ابنه عبد الرحمن وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وعمارة بن عمير والسري بن إسماعيل. قال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. قال ابن سعد: عُرف بالقرّاد للزومه علي بن أبي طالب، ووثقه العجلي وابن نمير، ويقال له: سعيد بن أبي خيرة. مات سنة 75 وقيل: 76 والله أعلم.
6 -
خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد التميمي، كنيته أبو عبد الله، شهد بدرًا وكان قيّنًا في الجاهلية، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه أبو أمامة الباهلي وابنه عبد الله بن خباب وأبو معمر عبد الله بن الشخير وقيس بن أبي حازم ومسروق بن الأجدع وعلقمة بن قيس وأبو وائل وحارثة بن مضرب وأبو الكنود الأزدي وأبو ليلى الكندي وأرسل عنه مجاهد والشعبي وسليمان بن أبي هند -ويقال: ابن هندية. نزل الكوفة ومات سنة 37 وهو ابن 73 سنة أو ستين، وصلَّى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عن الجميع وكان من المهاجرين الأولين. قال ابن سعد: أصابه سباء في الجاهلية فبيع بمكة، ثم حالف بني زهرة وأسلم قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وكان من المستضعفين الذين يعذبون بمكة. وحكى البارودي أنه أسلم سادس ستة، وحكى ابن عبد البر أنه شهد صفين مع علي رضي الله عنهما، قال: وقيل مات سنة 19 وصلى عليه عمر، وقال أبو الحسن ابن الأثير: الصحيح أنه لم يشهد صفين، منعه من ذلك مرضه، وقال ابن حبان: مات منصرف علي من صفين وصلّى عليه علي رضي الله عنهما. قلت: والقول بأنه مات سنة 19 ثبت في الحديث الصحيح في قصة الكي ما يدل على بطلانه.
• التخريج
أخرجه مسلم وأحمد وابن ماجه والبيهقي وأبو عوانة في مسنده، وفي
رواية عنده: حر الرمضاء في صلاة الهجير، وهي رواية الثوري عن أبي إسحاق، وأخرجه ابن حبان في صحيحه وعبد الرزاق في المصنف.
• بعض ما يتعلق به
قوله: (شكونا) من شكا يشكو: إذا تضرر من شيء وطلب إزالته عنه، وقوله:(حرّ الرمضاء) هي حرارة الرمل ونحوه من شدة حر الشمس. قال ذو الرمَّة:
معروريًا رمض الرضواض يركضه
…
والشمس حيرى لها في الجو تدويم
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" أي تلجئها الحرارة إلى الظل تتقي به حرٌ الرمضاء، والمراد: ما يصيب أقدامهم من حرها إذا خرجوا إلى الصلاة في أول وقت الظهر عند اشتداد الحر، فطلبوا منه تأخير الصلاة حتى تبرد الأرض على أقدامهم، ويحتمل أن المراد مشقة السجود عليهم، كما جاء في الحديث الآخر أنهم كانوا يسجدون على ثيابهم. وقوله:(فلم يشكنا) أي لم يزل عنا ما شكونا منه، يقال: أشكاه إذا حمله على الشكوى، وأشكاه أيضًا إذا أزال عنه ما يشكو منه، وهو المراد في رواية أبي عوانة: فما أشكانا، ومثلها لعبد الرزاق، أي فلم يجبهم إلى طلبهم. وليس في الحديث ذكر للصلاة، لكن في قول أبي إسحاق. حينما سئل عن ذلك أنه في تعجيل الصلاة فقال: نعم، فبينت هذه الجملة المراد من الحديث، وكذا الزيادة المتقدمة في رواية الثوري عن أبي عوانة. وهذا يشكل عليه الأمر بالإبراد عند شدة الحر، فيحتمل أن هذا الذي ذكره خباب قبل الرخصة، ويحتمل وهو الظاهر عندي أنهم طلبوا شيئًا زائدًا على الإبراد الوارد في الرخصةٌ، فإن العادة تقضي بأن الرمضاء لا تبرد بعد شدة حرها إلا في وقت متأخر كثيرًا، ويحتمل أن ذلك كان في حق من لا يشق عليهم حضور الصلاة، والإبراد في حق من تشق عليهم، لكن ظاهر الحديث يشهد لحصول المشقة. ويحتمل أن المراد بيان أن الإبراد رخصة والتعجيل عزيمة، فكان يأخذ بالعزيمة، وفيه نظر لما عرف من حبه صلى الله عليه وسلم للتيسير على الأمة. وبكل من هذه الاحتمالات قال بعض من الناس، وأما ما ذكر عن ثعلب من أن قوله:(لم يشكنا) أي: لم يحوجنا إلى الشكوى وأمرنا) بالإبراد؛ فهو بعيد.