الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم) أي وافدًا بإسلامي كما سيأتي في الرواية الثانية.
وقوله: (أنا وصاحب لي) وفي رواية: وابن عم، ولا ينافي ذلك كونه صاحبًا له فيكون ابن عم وصاحب: وقوله: (فأذنا) استدل به من قال بوجوب الأذان، وقد تقدم ذلك في أول الأذان، وقوله:(وليؤمكما أكبركما) فيه دليل على إمامة الأكبر وتقديمه فيها، بشرط أن يكون من معه لا يزيد عليه في العلم أو التقدم في الإِسلام أو في الهجرة، ولا يكون أميرًا عليه أو صاحب منزل؛ وإلا قدّم عليه. وهذا من آداب الإِسلام، وهو تقديم الكبير على الصغير كما في قوله:"كبّر كبّر"، أي قدّم من هو أكبر.
اجْتِزَاءِ الْمَرْءِ بِأَذَانِ غَيْرِهِ فِي الْحَضَرِ
632 -
أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَفِيقًا فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا إِلَى أَهْلِنَا، فَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَاهُ مِنْ أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ:"ارْجِعُوا إِلَى أَهْليِكُمْ فَأَقِيمُوا عِنْدَهُمْ وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ".
• [رواته: 5]
1 -
زياد بن أيوب: تقدم 132.
2 -
إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية: تقدم 19.
3 -
أيوب بن أبي تميمة السختياني: تقدم 48.
4 -
أبو قلابة زيد بن عبد الله الجرمي: تقدم 380.
5 -
مالك بن الحويرث: تقدم 631.
هذه إحدى روايات حديث مالك بن الحويرث السابق.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (ونحن شببة) أي شبان، جمع شاب، كالكتبة جمع كاتب،
والشباب: الفتاء والحداثة، قيل: من تسع عشرة إلى إحدى وخمسين شابّ، ثم هو شيخ، وقيل: من البلوغ إلى الثلاثين، وقيل: من ست عشرة إلى اثنتين وثلاثين ثم هو كهل، ويجمع أيضًا على شباب -ولا نظير له- وعلى شبان كفارس وفرسان. قال لبيد رضي الله عنه:
ومن فاد من إخوانهم وبنيهم
…
كهول وشبان كجنة عبقر
والجملة حالية. وقوله: (متقاربون) صفة لشببة، أي: في السن بعضنا قريب من بعض، وقوله:(وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رقيقًا) صفتا مبالغة، أي كثير الرحمة والرفق، وبذلك وصفه الله. والرحمة: الشفقة والعطف والرقة، وهي صفة حميدة وفضلها مشهور، وأعظم الناس فيها حظًا وأولاهم بذلك هو صلى الله عليه وسلم، لأنها تكون في القلوب على حسب ما فيها من الخير والرفق والسهولة واللين، وما خيّر صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما. وقوله:(فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا) يحتمل أنه من الظن الذي بمعنى اليقين، لأن ذلك من العادة الجارية أن الشباب إذا تغرَّب عن أهله اشتاق إليهم، ويحتمل أنه من الظن الذي هو الرجحان وغلبة الظن. وقوله:(فأخبرناه) أي بمن تركناه، وقوله:(فعلّموهم) أي أمور دينهم، ولعل هذا كان بعد صلح الحديبية؛ لأنه بعد ذلك سقط ما كان من وجوب الهجرة إلى المدينة وكونها شرطًا في الموالاة. ومحل الشاهد في الحديث قوله:(فليؤمكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)، وقد تقدم في الرواية السابقة.
633 -
أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، فَقَالَ لِي أَبُو قِلَابَةَ: هُوَ حَيٌّ أَفَلَا تَلْقَاهُ؟ قَالَ أَيُّوبُ: فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَمَّا كَانَ وَقْعَةُ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، فَذَهَبَ أَبِي بِإِسْلَامِ أَهْلِ حِوَائِنَا، فَلَمَّا قَدِمَ اسْتَقْبَلْنَاهُ فَقَالَ:"جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَقًّا، فَقَالَ: "صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا".
• [رواته: 7]
1 -
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: تقدم 174.
2 -
سليمان بن حرب: تقدم 288.
3 -
حماد بن زيد الأزدي: تقدم 3.
4 -
أيوب بن أبي تميمة السختياني: تقدم 48.
5 -
أبو قلابة الجرمي عبد الله بن زيد: تقدم 380.
6 -
عمرو بن سلمة بن قيس الجرمي أبو يزيد ويقال: أبو زيد البصري، وفد أبوه على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمرو يصلي بقومه في زمانه وهو صغير، ولم يصح له سماع ولا رواية، وروي من وجه غريب أنه أيضًا وفد مع أبيه. روى عن أبيه وعنه أبو قلابة الجرمي وعاصم الأحول وأبو الزبير ومسعر بن حبيب الجرمي وغيرهم، وروى ابن منده في كتاب الصحابة حديثه من طريق صحيحة، وهي رواية الحجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن أيوب عن عمرو بن سلمة قال: كنت في الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا تصريح بوفادته، وقد روى أبو نعيم في الصحابة أيضًا من طرق ما يقتضي ذلك، وقال ابن حبان: له صحبة. والله أعلم.
7 -
سلمة بن قيس وقيل: نفيع وقيل: ابن لائم وقيل: ابن لأي، أبو قدامة البصري الجرمي، صحابي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه، وعنه ابنه عمرو بن سلمة، قيل: سلمة بفتح اللام، والصواب كسرها.
• التخريج
الحديث أخرجه البيهقي مطولًا وكان هذا طرفًا منه، وهو كذلك عند البخاري في غزوة الفتح. وأخرجه أحمد وأبو داود كلهم عن عمرو بن سلمة، وفيه قصة إمامته لقومه، وكأن رواية المصنف طرف منه، وكذلك أخرجه ابن الجارود مطولًا، وسيأتي للمصنف 765 و 787.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (فقال لي أبو قلابة: هو حَيٌّ) القائل هو أيوب بن أبي تميمة، أي أرشده أبو قلابة إلى أخذ الحديث من عمرو بدون واسطة، طلبًا لعلو السند فيه. وقوله:(أفلا تلقاه) ألا الاستفتاحية: حرف يقصد بها التنبيه للمخاطب، وقد تكون هنا للعرض، والفاء للعطف عوملت معاملتها مع همزة الاستفهام.
وقوله: (لما كان)(لما) هي الرابطة، وتقدم الكلام عليها في الطهارة، وقوله:(كان وقعة الفتح) كان هي التامة بمعنى: حصلت، والمراد بوقعة أي الغزوة التي غزاها صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، ففتحها الله له كما وعده بذلك، وأل في (الفتح) للعهد الذهني لأنها معروفة عند الناس، وذلك في رمضان سنة ثمان من الهجرة بلا خلاف. وقوله:(بادر) جواب (لما)، والمبادرة: المسارعة إلى الشيء، وقد أخبر الله تعالى بذلك أنه سيكون، قال تعالى:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)} . فلما فتحت مكة وجاء نصر الله على قريش، بادر الناس إلى الدخول في الإِسلام، وأقبلت وفود العرب من أقطار الجزيرة تبايع على الإِسلام، لأن العرب كانوا يترقبون بالإِسلام أهل مكة، لأنهم أهل الحرم وقادة العرب في الدين في الجاهلية. وقوله:(بإسلامهم) أي سارعوا بإظهارهم للإسلام ووفدوا عليه صلى الله عليه وسلم لذلك، وقوله:(فذهب) الفاء سببية أو عاطفة والأول أظهر، أي ذهب وافدًا على النبي صلى الله عليه وسلم ومخبرًا له بإسلام (أهل حوائهم) أي من معهم من قومهم، والحواء -بكسر الحاء ككتاب- والمحوى -كالمعلى: جماعة البيوت المتدانية، وتجمع على أحوية جمع حواء: وهي بيوت الوبر التي تكون في مكان مجتمعه. قال ذو الرمة واسمه غيلان بن عقبة العدوي:
محل الحواءين الذي لست ذاكرًا
…
محلهما إلا غلبت على صبري
يعني الدار التي كانت تجمعهما في قوله:
فلما أن عرفت الدار واعتزني الهوى
…
تذكرت هل لي إن تصابيت من عذر
والحواء أيضًا: المكان الذي يحوي الشيء، ومنه قول الصاحبية التي خاصمت زوجها في ابنها:(كان بطني له وعاء وحجري له حواء). وقوله: (جئتكم من عند النبي حقًا) أكد لهم نبوته لأنهم لم يكونوا مسلمين، وقوله:(صلوا. . . إلى آخره) بيان لأوقات الصلاة، وقوله:(فليؤذن أحدكم) لم يشترط في الأذان وإنما اشترط في الإمامة؛ لأن صحة صلاة المأمومين تابعة لصلاة إمامهم، وتمام الحديث في البخاري وفيه:(كنت أكثرهم قرآنًا) وذكر سبب ذلك ما كان يحفظ مما يسمعه من الركبان إذا مروا عليه من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فيسمعهم يقرءون شيئًا من القرآن فيحفظه قبل إسلامه.
• الأحكام والفوائد
الحديث فيه: دليل على طلب العلو في الإسناد، ونصح المعلم لمن يتعلم بذلك. وفيه: دليل على قبول خبر الواحد وعلى الأمر بالأذان، ويحتج بظاهره من قال بوجوب الأذان، وقد تقدم البحث في ذلك أول أحاديث الأذان. وفيه: الأمر بصلاة الجماعة، ويأتي الخلاف في وجوبها. وفيه: أن الأحق بالإمامة أكثر القوم حفظًا للقرآن، وإنما يقدم الكبير في السن؛ إذا استووا في حفظ القرآن والمعرفة كما تقدمت الإشارة إليه. وفيه: اهتمام الإِمام بتعليم الناس وحثهم على الصلوات في أوقاتها، وقد كان عمر يكتب لهم بذلك. وفيه: أن الأذان إنما يكون عند دخول الوقت، وإنما شرع أذان السحر لعلة خاصة وهي التنبيه على قرب الوقت، فهو مخصص لقوله في هذا الحديث وغيره: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، فإن مقتضاه أن الأذان لا يكون إلا بعد حضور الصلاة، أي دخول وقتها. والله أعلم.
ومع ذكر ما تقدم من تمام الحديث بالتصريح بكونه كان يؤمهم. وقد استدل بهذا الحديث من قال بصحة إمامة غير البالغ من المميزين في الفريضة، والنافلة من باب أولى، ونسب هذا القول إلى الشافعي وإسحاق والحسن. وقال الشعبي ومجاهد وعطاء وعمر بن عبد العزيز وابن حزم: لا تجوز، وأجابوا عن الحديث بأجوبة: منها أن هذا الفعل لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ولا اطلع عليه فأقره. وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد: لا تصح إمامته في الفرض، وعنهم في النفل روايتان، وقال الزهري: إذا اضطروا أمّهم. واستدل القائلون بالمنع بأن الصبي غير مخاطب، والإمام مكلف بأداء الصلاة على الوجه الذي تصح به وهذا ليس مكلفًا، وبأن الإِمام ضامن وغير المكلف لا ضمان عليه. قال أبو محمَّد بن حزم (ولو علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) عرف هذا وأقره لقلنا به، فأما إذا لم يأت بذلك أثر فالواجب عند التنازع؛ أن يُرد ما اختلفنا فيه إلى ما افترض الله علينا الرد إليه من القرآن والسنة، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أقرؤكم، فكان المؤذن مأمورًا بالأذان والإمام مأمورًا بالإمامة بنص هذا الخبر،
ووجدناه قد قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، الحديث. فدل على أنه غير مأمور ولا مكلف، فلا تجزئ إمامته ولا أذانه لأنهما لا تجزئان إلا من مكلف بهما) اهـ بتصرف قليل في آخره، وقال: إن التفرقة بين الفرض والنفل لا برهان عليها. وأما من أجازها في النفل فقالوا: إن الحديث المذكور في رفع القلم دل على أن صلاته نافلة، فصحت خلفه النافلة. ورووا عن الأثرم أثرًا عن ابن مسعود، وكذا رووا عن ابن عباس: لا تجوز إمامة الغلام حتى يحتلم، وقال ابن مسعود: حتى تجب عليه الحدود، وقالوا إن هذا الحديث كان في أول الإِسلام. قلت: ولا يصح ذلك إلا بالنسبة لعمرو وقومه، لأن القصة عام الفتح، ونقل الخطابي أن الإِمام أحمد ضعّف أمر عمرو بن سلمة، وقال مرة:(لا تذكره) اهـ قال الشوكاني، ورد بأن عمرًا صحابي مشهور. اهـ وقد ذكر ابن حجر أنه مختلف في صحبته، وأنه قيل: إنه وفد مع أبيه على النبي صلى الله عليه وسلم. ومما استدلوا به في عدم صحة الاقتداء به قوله: إنه كانت تبدو إسته؛ فإن هذا دليل على أنه كان يصلي مع كشف العورة، وذلك غير جائز. وقول ابن حجر: إنها حكاية حال؛ يرد عليها بمثلها في صلاته لقومه، وهو نظير استدلاله على نجاسة الكلب بالغسل، ورده للاستدلال بالغسل على النجاسة في المني، وقد تقدم ذلك في محله. أما قول الشوكاني: إن الاستدلال بكشف العورة على أنها حالة خاصة؛ من الغرائب وغريب منه، واحتجاجه بنهي النساء عن رفع رؤوسهن قبل الرجال غير وجيه، فإن ذلك كان ناشئًا عن قصر أزر الرجال، فأمرن بذلك للاحتياط لأن العورات كانت مكشوفة، وعلى فرض كشفها فهو بحكم الضرورة، وإذا كان الأمر للضرورة لم يتسن الاحتجاج بالحديث حينئذ، مع أن الذي يظهر أن إمامة عمرو كانت اضطرارًا لعدم وجود من يقرأ كما دل عليه السياق، فتكون من باب الضرورة، وإليه يشير ما تقدم عن ابن شهاب من جواز ذلك في الاضطرار دون الاختيار.
وكذا للمصنف: "فنظروا فكنت أكثرهم قرآنًا فكنت أؤمهم وأنا ابن ثمان سنين" 787، وبهذا من تمام الحديث؛ تكمل الفائدة في تطبيق الأمر في الحديث.