المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آخر وقت الظهر - شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية - جـ ٤

[محمد المختار الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌كتاب المواقيت

- ‌أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ

- ‌باب تَعْجِيلِ الظُّهْرِ فِي السَّفَرِ

- ‌باب تَعْجِيلِ الظُّهْرِ فِي الْبَرْدِ

- ‌الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ

- ‌آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ

- ‌أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ

- ‌تَعْجِيلِ الْعَصْرِ

- ‌باب التَّشْدِيدِ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ

- ‌آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ

- ‌مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ

- ‌أَوَّلِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ

- ‌تَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ

- ‌تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ

- ‌آخِرِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ

- ‌كَرَاهِيَةِ النَّوْمِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ

- ‌أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ

- ‌تَعْجِيلِ الْعِشَاءِ

- ‌الشَّفَقِ

- ‌مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ

- ‌آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ

- ‌الرُّخْصَةِ فِي أَنْ يُقَالَ لِلْعِشَاءِ: الْعَتَمَةُ

- ‌الْكَرَاهِيَةِ فِي ذَلِكَ

- ‌أَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ

- ‌التَّغْلِيسِ فِي الْحَضَرِ

- ‌التَّغْلِيسِ فِي السَّفَرِ

- ‌الإِسْفَارِ

- ‌باب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ

- ‌آخِرِ وَقْتِ الصُّبْحِ

- ‌مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ

- ‌هذه رواية أخرى لحديث أبي هريرة

- ‌السَّاعَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا

- ‌النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ

- ‌باب النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ

- ‌النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ

- ‌النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ

- ‌الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ

- ‌الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ

- ‌الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ

- ‌الصَّلَاةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ

- ‌إِبَاحَةِ الصَّلَاةِ إِلَى أَنْ يُصَلَّى الصُّبْحُ

- ‌إِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي السَّاعَاتِ كُلِّهَا بِمَكَّةَ

- ‌الْوَقْتِ الَّذِي يَجْمَعُ فِيهِ الْمُسَافِرُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

- ‌بَيَانِ ذَلِكَ

- ‌الْوَقْتِ الَّذِي يَجْمَعُ فِيهِ الْمُقِيمُ

- ‌الْوَقْتِ الَّذِي يَجْمَعُ فِيهِ الْمُسَافِرُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

- ‌الْحَالِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْحَضَرِ

- ‌الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ

- ‌الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ

- ‌كَيْفَ الْجَمْعُ

- ‌فَضْلِ الصَّلَاةِ لِمَوَاقِيتِهَا

- ‌فِيمَنْ نَسِيَ الصَلَاة

- ‌إِعَادَةِ مَن نَامَ عَنْ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا مِنَ الْغَدِ

- ‌كَيْفَ يقْضي الْفَائِتُ مِنَ الصَّلَاةِ

- ‌كتاب الأذان

- ‌بَدْءِ الأَذَانِ

- ‌تَثْنِيَةِ الأَذَانِ

- ‌خَفْضِ الصَّوْتِ فِي التَّرْجِيعِ فِي الأَذَانِ

- ‌كَمِ الأَذَانُ مِنْ كَلِمَةٍ

- ‌كَيْفَ الأَذَانُ

- ‌الأَذَانِ فِي السَّفَرِ

- ‌أَذَانِ الْمُنْفَرِدَيْنِ فِي السَّفَرِ

- ‌اجْتِزَاءِ الْمَرْءِ بِأَذَانِ غَيْرِهِ فِي الْحَضَرِ

- ‌الْمُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ

- ‌هَلْ يُؤَذِّنَانِ جَمِيعًا أَوْ فُرَادَى

- ‌الأَذَانِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ

- ‌وَقْتِ أَذَانِ الصُّبْحِ

- ‌كَيْفَ يَصْنَعُ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ

- ‌رَفْعِ الصَّوْتِ بِالأَذَانِ

- ‌التَّثْوِيبِ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ

- ‌آخِرِ الأَذَانِ

- ‌الأَذَانِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَ

- ‌الأَذَانِ لِمَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الأُولَى مِنْهُمَا

- ‌الأَذَانِ لِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِ الأُولَى مِنْهُمَا

- ‌الإِقَامَةِ لِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌الأَذَانِ لِلْفَائِتِ مِنَ الصَّلَوَاتِ

- ‌الاِجْتِزَاءِ لِذَلِكَ كُلِّهِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَالإِقَامَةِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا

- ‌الاِكْتِفَاءِ بِالإِقَامَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ

- ‌الإِقَامَةِ لِمَنْ نَسِيَ رَكْعَةً من الصَلَاةٍ

- ‌أَذَانِ الرَّاعِي

- ‌الأَذَانِ لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ

- ‌الإِقَامَةِ لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ

- ‌كَيْفَ الإِقَامَةُ

- ‌إِقَامَةِ كُلِّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ

- ‌فَضْلِ التَّأْذِينِ

- ‌الاِسْتِهَامِ عَلَى التَّأْذِينِ

- ‌اتِّخَاذِ الْمُؤَذِّنِ الَّذِي لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا

- ‌الْقَوْلِ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ

- ‌ثَوَابِ ذَلِكَ

- ‌الْقَوْلِ مِثْلَ مَا يَتَشَهَّدُ الْمُؤَذِّنُ

- ‌الْقَوْلِ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ

- ‌الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الأَذَانِ

- ‌الدُّعَاءِ عِنْدَ الأَذَانِ

- ‌الصَّلَاةِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌التَّشْدِيدِ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الأَذَانِ

- ‌إِيذَانِ الْمُؤَذِّنِينَ الأَئِمَّةَ بِالصَّلَاةِ

- ‌إِقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ عِنْدَ خُرُوجِ الإِمَامِ

الفصل: ‌آخر وقت الظهر

9 -

ثابت بن قيس بن منقع النخعي أبو المنقع الكوفي، روى عن أبي موسى الأشعري في الإبراد بالظهر، وعنه يزيد بن أوس وأبو زرعة بن عمرو بن جرير. روى له النسائي حديثا واحدًا. ذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عن ابن مسعود، والله تعالى أعلم.

10 -

أبو موسى عبد الله بن قيس رضي الله عنه: تقدم 3.

الحديث من رواية أبي موسى لم أقف عليه في هذه الرواية، انفرد بها المصنف، وحديث الإبراد عن أبي هريرة وغيره تقدم وسبق الكلام عليه.

‌آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ

499 -

أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا جِبْرِيلُ عليه السلام جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ، فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ رَأَى الظِّلَّ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ شَفَقُ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ الْغَدَ فَصَلَّى بِهِ الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَ قَلِيلًا، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ الظِّلُّ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِوَقْتٍ وَاحِدٍ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ صَلَاتِكَ أَمْسِ وَصَلَاتِكَ الْيَوْمَ.

[رواته: 5]

1 -

الحسين بن حريث: تقدم 52.

2 -

الفضل بن موسى السيناني: تقدم 100.

3 -

محمد بن عمرو بن علقمة: تقدم 17.

4 -

أبو سلمة بن عبد الرحمن: تقدم 1.

5 -

أبو هريرة رضي الله عنه: تقدم 1.

ص: 1122

• التخريج

أخرجه الدارقطني والبيهقي والحاكم، وهو في صحيح ابن حبان من حديث جابر بدون قوله:(هذا جبريل)، وعند الترمذي وأبي داود وابن خزيمة وابن الجارود من حديث ابن عباس بلفظ: أمَّني جبريل عند البيت مرتين، وفي آخره وزاد في آخره: هذا وقت الأنبياء من قبلك، وعند أبي داود بعد ذكره للحديث وقول جابر في المغرب قال: وكذا روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن رواية جابر الظاهر فيها الإرسال؛ لأن في الحديث التصريح بأن ذلك كان في مكة وفي بعض الروايات صبيحة الإسراء، وحديث أبي هريرة وكذا حديث ابن عباس في كل منهما التصريح بالرفع وحكاية قول النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن عدم تصريح جابر بالرفع لا يقدح كما هو معلوم من أن مثل هذا يحمل على أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى تجويز عدم سمعه منه فيكون سمعه من الصحابة، وذلك بمثابة رفعه لأن جهالة عين الصحابي لا تضر، وهذا له نظائر في السُّنة. وتقدم (491) أن الحديث -حديث إمامة جبريل- رواه ثمانية من الصحابة، وفي رواية عند الدارقطني يذكر تفصيل عدد الركعات وبيان ما أسر فيه وما جهر.

• اللغة والإعراب والمعنى

(هذا جبريل) ظاهر هذه اللفظة أن أبا هريرة شهد القصة، وهو لم يشهدها لأنها بمكة، فيكون على تقدير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه من المسلمين، ويكون أبو هريرة حكى ذلك على ما سمعه منه أنه قال لهم أو أخبره به بعضهم. وتقدم الكلام على لفظ جبريل في حديث الإسراء، والهاء في (هذا) للتنبيه كما تقدم، وهذا اسم إشارة للمذكر الحاضر، لأنه قال لهم هذه المقالة عند نزول الملك إليه، فمن الجائز أن يكونوا رأوه في صورة إنسان فأشار لهم إليه، ومن الجائز أن يكون أخبرهم بحضوره وإن لم يشاهدوه. وقوله:(جاءكم) نزل إليكم بأمر الله، (يعلمكم دينكم) أي يعلمكم كيفيه الصلاة التي من أهم أمور دينكم، وإطلاق اسم الدين عليها يحتمل أنه على سبيل المبالغة في أهميتها في الدين، كقوله: الدين النصيحة، ويحتمل أنه من تسمية الجزء باسم الكل. وقوله:(فصلى الصبح) أي صلاة الصبح، والفاء عاطفة للصلاة على

ص: 1123

النزول، أي على أنه بعدما نزل صلى، لأن نزوله في هذا الوقت كان لبيان الصلاة بعد دخولها. وظاهره أن جبريل صلى بالفعل وصلى بعده النبي صلى الله عليه وسلم، وحمله بعضهم على المجاز وأن جبريل لم يصل، وإنما كان يعلم الصلاة بالإشارة ونحوها، ولا يخفى ما فيه. وتقدم أنه جاء في بعض الروايات: أمَّني، وهو ظاهر في أنه صلى إماما به، ولا شرع ولا عقل يحمل التأويل لعدم المانع في ذلك، وإنما الحامل عليه أن بعضهم استدل به على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، وحكم بأن صلاة جبريل كانت نافلة عليه. وكونها نافلة عليه يحتاج إلى دليل، وليت شعري من أين علم هذا القائل أنها نافلة؟ ومعلوم أنه لم ينزل ويفعل هذا الفعل إلا بأمر الله، وإذا أمر به فقد وجب عليه. وقد تقدم (491) في حديث بشير بن أبي مسعود عن أبيه أنه قال -أعني جبريل: بهذا أمرت، وأنه رُوي بفتح التاء على أن المأمور النبي صلى الله عليه وسلم، وبضمها على أن المأمور جبريل. والتحقيق أن كل منهما مأمور وفاعل لما أمر به، وقد قال جبريل: وما نتنزل إلا بأمر ربك، وفي بعض الروايات عن ابن عباس وغيره أنه ائتم به والناس يأتمون بالنبي صلى الله عليه وسلم. فقوله:(فصلى الفجر) في هذه الرواية أن أول صلاة صلاها الفجر. وفي الروايات الأخر أنها الظهر وبذلك سميت الأولى، وبنى عليه بعضهم تعليل البداءة بها لأنها أشهر، والتعليم فيها أظهر من صلاة الفجر لأن الغالب على الناس الغفلة. قال ابن عبد البر رحمه الله: كانت إمامة جبريل له صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء، فقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال نافع بن جبير وغيره: لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسري به فيها؛ لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس، فأمر فَصِيحَ بأصحابه: الصلاة جامعة؛ فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، وطول الركعتين الأوليين ثم قصر الباقيتين، وهذا يدل على أن ذلك صبيحة الإسراء، وأن أول صلاة وقع بها البيان صلاة الظهر. وكذا روى ابن إسحاق في المغازي عن نافع بن جبير وهو عندهما -أي عند عبد الرزاق وابن إسحاق- مرسل، ولكنه في أبي داود منه رواية نافع بن جبير عن ابن عباس، وإن كان في المذكور زيادة فالظاهر أن الساقط فيه هو ابن عباس، كما في الروايات الأخرى عند أبي داود وغيره.

ص: 1124

وقد روى الدارقطني من طريق قتادة عن أنس: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حين زالت الشمس وأمره أن يؤذن للناس بالصلاة حين فرضت، فقام جبريل أمام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فصلى أربع ركعات لا يجهر فيها بالقراءة، يأتم المسلمون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل، ثم أمهل حتى إذا دخل وقت العصر صلى بهم أربع ركعات لا يجهر فيها بالقراءة، يأتم المسلمون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل، ثم أمهل حتى إذا وجبت الشمس صلى بهم ثلاث ركعات، يجهر في ركعتين بالقراءة ولا يجهر في الثالثة، ثم أمهله حتى إذا ذهب ثلث الليل صلى بهم أربع ركعات، بجهر في الأوليين بالقراءة ولا يجهر في الأخريين بالقراءة، ثم أمهل حتى إذا طلع الفجر صلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة. هكذا ساق إسناد هذا الحديث: حدثنا أبو طالب أحمد بن نصر: حدثنا أبو حمزة إدريس بن يونس بن نياف الفراء: حدثنا محمد بن سعيد بن جدار: حدثنا جرير بن حازم عن قتادة عن أنس فذكره. ثم ساق إسناده من طريق آخر: حدثنا ابن مخلد حدثنا أبو داود حدثنا ابن المثنى: حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه مرسلًا، ثم ذكر رواية ابن عمر من طريق ابن إسحاق عن عتبة بن مسلم عن نافع عن ابن عمر قال: لما فرضت الصلاة نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فصلى به الظهر وذكر المواقيت، وهكذا أخرج البيهقي حديث أبي مسعود من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن سليمان بن بلال يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن مجمر بن حزم عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قم فصلّ، وذلك دلوك الشمس حين مالت الشمس، فصلى الظهر أربعًا، ثم ذكر الحديث وأتبعه بالأثر الثابت عن الحسن البصري أن ذلك صبيحة الإسراء وفيه: أن الصلاة الرباعية صلاها كذلك. فتحصل من هذا أن سائر من روى هذه القصة صرحوا بأن أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، فلهذا يتعين صرف هذه اللفظة في حديث أبي هريرة عن ظاهرها:(فصلى الفجر)، لأن ظاهرها أن أول صلاة صلاها هي الفجر، فيحمل على أن أبا هريرة لم يقصد ترتيب فعل جبريل في البداءة، وإنما قصد بيان الأوقات في الجملة

ص: 1125

فتكون الفاء عاطفة لمطلق تلك الصلاة، لا بقيد كونها أول ما صليت على ذكر نزول جبريل المذكور في قوله:(هذا جبريل) لتتفق الروايات. قوله: (حين طلع الفجر) طلع أي: ظهر للأعين، والفجر ضوء الصباح وهو ظهور حمرة الشمس في سواد الليل، وهما فجران أولهما يسمى الكاذب ويوصف بالمستطيل لأنه يظهر ممتدًا من جهة المشرق مرتفعًا إلى أعلى، ويسمونه أيضًا ذنب السرحان تشبيهًا له، والآخر المستطير وهو الذي يبدو ممتدًا يمينًا وشمالًا منتشرًا في الأفق، وهو الصادق وإليه ينصرف النظر عند الإطلاق شرعًا؛ لأنه هو المعتبر في تحريم الأكل والشرب والجماع على الصائم، وهو الذي تجب به الصلاة وهو بمثابة الشفق من أول الليل، فأل فيه للعهد الذهني. وانفجر الصبح وتفجرَّ وانفجر عنه الليل وأفجر القوم: دخلوا في الفجر، كأمسوا إذا دخلوا في المساء. قال الشاعر:

فبما أفجرت حتى أهب بسدفة

علاجيم عين انبى صباح تثيرها

و(حين) ظرف زمان والتعبير به يدل على أن الصلاة وقعت مقارنة للطلوع مباشرة، وقوله:(وصلى الظهر) أي صلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر حين زاغت الشمس، والظهر بالضم: ساعة زوال الشمس عن كبد السماء، وقال ابن الأثير: هو اسم لنصف النهار، سمي به من ظهيرة الشمس، ومنه سمّيت الصلاة التي تفعل فيه، وقيل: لأنها أول صلاة أظهرت -أي صليت- بعد فرض الصلاة. والظهيرة: الهاجرة، وقيل: شدة الحر عند انتصاف النهار وهو مخصوص بالصيف، ولا يقال فى الشتاء: الظهيرة؛ لعدم الحر، وأظهر القوم: دخلوا فيها، وجاءوا مظهرين كمصبحين. قال ابن مقبل يصف مطرًا:

فأضحى له جلب بأكناف شرمة

أجش سماكي من الوبل أفضح

وأظهر في إعلان رقد وسيله

علاجيم لا ضحل ولا متضحضح. اهـ

وقوله: "أظهر في إعلان رقد": نزل على هذا المكان في وقت الظهيرة. وقوله: (حين زاغت) أي مالت عن وسط السماء، والزيغ: الميل، قال تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم} ، لأن الشمس تسير من المشرق حتى إذا توسطت في السماء انتهى تقلص الظل وذلك وقت الإستواء، وإن بقي شيء من الظل فهو ظل الزوال، فإذا تحركت إلى جهة الغرب قيل: مالت وزاغت وزالت

ص: 1126

الشمس. وقوله: (ثم صلى العصر) أي صلاة العصر، والعصر: العشي إلى احمرار الشمس، والصلاة مضافة إلى ذلك الوقت. قال الشاعر:

تروح بنايا عمر وقد قصر العصر

وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجر

والعصر مثلثًا: الدهر، وهو كل مدة ممتدة غير محدودة تجمع أممًا، ومن ضمه قول امرئ القيس:

ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي

وهل يعمن من كان في العصر الخالي

أي الدهر، ويطلق العصر على اليوم وعلى الليلة فهما العصران، قال حميد بن ثور رضي الله عنه:

ولن يلبث العصران يوم وليلة

وإذا طلبا أن يدركا ما تيمّما

ويقال: العصران: الغداة والعشي، قال الشاعر:

وأمطله العصرين حتى يملني

ويرضى بنصف الدين والأنف راغم

أي أعده أول النهار وآخره وأمطله. وقوله: (حين رأى الظل مثله) أي ظل كل شيء مثله، والظل أصله الستر، وكل شيء سترك عن الشمس فهو ظل، وإذا كان في آخر فهو فيء لأنه يرجع من جهة المغرب إلى جهة المشرق، ولا يقال للظل أول النهار: فيء، قال حميد رضي الله عنه:

فلا الظل من برد الضحى تستطيعه

ولا الفيء من برد العشي تذوق

وقوله: (مثله) أي مثل صاحب الظل من الشخوص، ولا يعتبر في ذلك ظل الزوال كما سيأتي إن شاء الله. وقوله:(ثم صلى المغرب) أي صلاة المغرب، سميت بذلك لأنها تفعل عند غروب الشمس ولهذا قال:(حين غربت الشمس). وقوله: (حلّ فطر الصائم) جاء وقت فطره لأنه عند غروب الشمس يحل له الفطر، (ثم صلى العشاء حين ذهب شفق الليل) والعشاء أي صلاة العشاء، سميت كذلك باسم الوقت الذي تُفعل. وشفق الليل: قيل: حمرته وقيل: بياضه، وسيأتي الخلاف في ذلك. وقوله:(ثم جاءه الغد فصلى به الصبح حين أسفر) قوله (الغد) ظرف لـ (جاء) أي في صباح اليوم الذي بعد اليوم الأول، فصلى به الصبح حين أسفر إسفارا قليلًا؛ بمعنى أنه لم يؤخرها إلى قريب من الطلوع بل عند إسفار الوقت في أوله. (ثم صلى به الظهر حين كان الظل مثله) وهو وقت صلاته للعصر في اليوم الأول، و (كان) هنا بمعنى:

ص: 1127

صار الظل مثليه، (ثم صلى المغرب لوقتها الأول) يعني أنه لم يؤخرها لوقتها بالأمس، (ثم صلى العشاء حين ذهبت ساعة من الليل) يعني أنه أخرها عن وقتها الأول، (ثم قال) يعني جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم:(الصلاة) أي: وقت الصلاة فيما بين وقت صلاتك بالأمس ووقت صلاتك اليوم، يعني أن الوقت موسع عليك في أدائها، وهذا لا ينافي فضيلة أول الوقت كما سنبينه إن شاء الله. و (أمس) بالبناء على الكسر لأنه أراد به اليوم بعينه.

• الأحكام والفوائد

قوله صلى الله عليه وسلم: (هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم) تقدم أنه محمول على أنه حكى ما خاطب به الناس عند نزول جبريل، وذلك صبيحة الإسراء إلا أنه قال ذلك حينما سمع أبو هريرة الحديث، لأن ذلك بعد المسألة بزمن. وفيه دليل: على تسمية الصلاة دينًا لأنها من أهم أسس الدين، وفيه أن من علّم شخصًا بواسطة غيره يكون معلمًا له، لأنه علّمهم بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم أن ظاهره يدل على أن أول صلاة صلاها به الصبح، وهذا مخالف لسائر روايات الحديث لأنها متفقة على أن أول ما صلى به الظهر، ولذا سميت الأولى، فيحمل على أن أبا هريرة لم يقصد الترتيب، وإنما قصد بيان الأوقات من غير اعتبار للأولية، والحامل على ذلك الجمع بين الروايات. وفيه دليل على أن أول وقت الصلاة أفضل، لأنه صلى الأوقات أول يوم في أوائل الأوقات، وهذا يدل على أن ذلك أفضل ثم بيّن وقت الجواز في اليوم الثاني، فدل ذلك على أن الأفضل في الصلاة تعجيلها في أول الوقت، إلا ما خصّه الدليل على القول بأنه أفضل، كالإبراد بالظهر وتأخير العشاء. وتقدم أن بعض العلماء استدل بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم مقتديًا بجبريل والناس يقتدون به؛ بجواز الإقتداء بالمتنفل للمفترض، وتقدم أنه غير مسلم أن الصلاة كانت نفلًا على جبريل، فلا يتم الإستدلال بذلك. أما الإقتداء بالمقتدي فلا يتم أيضًا الإستدلال بالحديث عليه، لأنه مبني على أن الإِمام النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتدٍ بجبريل، وهذا على فرض أنه هو الإمام لا يصح الإستدلال به؛ لأنه مسألة خاصة للتعليم مع احتمال أن جبريل هو الإِمام والنبي صلى الله عليه وسلم مبلغ، وهذا هو ظاهر الأحاديث أن الناس اقتدوا بجبريل وهم لا يرونه، ومن الجائز أن يكون في صورة إنسان قد

ص: 1128

رأوه ساعة الصلاة، وليس في الحديث ما ينفي ذلك، وغاية ما في الأمر أن يكون المأمومون لا يرون الإِمام ويرون المبلغ، وهذا متفق على جوازه. والحديث دليل على فضل الصلاة وعظم شأنها وعناية الرب بها، حيث لم يقتصر في بيانها على الكلام حتى بُيّنت بالفعل، وكذلك دلَّ قوله: يعلمكم دينكم -والمراد الصلاة: على أهم أمور الدين على المسلمين، وتقدم أنها الفارق بين المسلم والكافر. وفيه: دليل على توسعة الله لهذه الأمة في أمور الدين، وعلى أن للصلاة وقتًا موسعًا فيه في كل الأوقات ما عدا المغرب- على الخلاف فيها، وذلك لا ينافي أفضلية أول الوقت على آخره لمن ليس معذورًا.

قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: (أجمعت الأمة على أن للصلاة وقتين: وقت سعة وسلامة ووقت ضيق ومعذرة. فأما وقت الضيق والمعذرة فيأتي إن شاء الله، وأما وقت الرفاهية والسعة فهو المبيَّن في هذه الأحاديث المذكورة أيضًا) يعني حديث ابن عباس في صلاة جبريل، وحديث بريدة في فعل النبي صلى الله عليه وسلم للسائل عن الأوقات مثل فعل جبريل، وحديث أبي هريرة أن للصلاة أولًا وآخرا، ونحوها من الأحاديث. ثم قال: (فأما وقت الظهر فنحن بها نبدأ اقتداءً بجبريل عليه السلام في الإبتداء ببيان وقتها. فيدخل إذا زالت الشمس عن وسط السماء وأخذ الظل في الزيادة، وذلك أن الشمس إذا طلعت كان الظل طويلًا ثم ينتقص حتى تقف ثم تأخذ في الزيادة، فإذا أخذ في الزيادة فذلك الزوال ويحل حينئذٍ وقت الظهر، لا خلاف بين الأمة فيه، وهو الدلوك المذكور في القرآن في أصح القولين، ثم لا يزال وقتها الواسع ممتدًا حتى يصير ظل كل شيء مثله، فيخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر على تفصيل يأتي. قال: وبهذا قال جمهور الأئمة، إلا أنه روي عن أبي حنيفة في ذلك قولان ضعيفان أحدهما: أن وقت الظهر يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، وحينئذٍ وقت العصر. الثاني: أنه إذا صار ظل كل شيء مثله خرج وقت الظهر، ولم يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه. قال: فأما هذه فلا وجه لها، وأما الأولى فحجته: حديث ابن عمر المشهور في ضرب المثل للأمم، وفيه: أن اليهود عملوا إلى الظهر بقيراط، وعملت النصارى إلى العصر بقيراط،

ص: 1129

وعملنا إلى الليل بقيراطين. ووجه استدلالهم أن الطائفتين قالتا: ما بالنا أكثر عملًا أقل أجرًا، ولا يكون ذلك إلا أن يكون ما بين الظهر والعصر أكثر مما بين العصر والمغرب، وذلك يقتضي أن تكون صلاة العصر بعد أن يكون الظل مثليه). وردَّه رحمه الله بأن النصارى لم يقولوا ذلك منفردين به حتى يلزم منه ما ذكر، بل المذكور أن الطائفتين معًا قالتا ذلك، ولا شك أن من أول النهار إلى العصر أكثر مما بعد العصر إلى الليل. قال ابن العربي رحمه الله:(ثم العجب منهم تركوا أحاديث الأوقات المبنيّة للنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء والصحابة، وعدلوا إلى ضرب المثل ومضيق التأويل وما هذا بفعل أرباب التحصيل، ولا تترك النصوص للتأويلات ولو صحت) اهـ. واستدل بالحديث من قال: إن الظهر تشترك مع العصر في أول وقتها، وهو مالك وابن جرير والمزني من أصحاب الشافعي وأبو ثور وغيرهم، وقد نسب إلى الشافعي القول بأن بين الوقتين فاصل من الوقت ليس من أحدهما، وأنكره ابن حجر وقال: إن المروي أن الوقت منفصل عن الوقت، ومراده نفي الإشتراك. إلا أنهم اختلفوا في كيفية الإشتراك، فقال مالك: يدخل العصر على الظهر، فإذا صار الوقت قبل أن يصير ظل كل شيء مثله وبقي للظهر مقدار أربع ركعات؛ فذلك داخل في أول وقت العصر فتشترك الصلاتان فيه، وعند بعضهم وهو رواية أشهب عن مالك: أن ذلك الإشتراك إنما هو في أول القامة أي بعد صيرورة ظل كل شيء مثليه، فيدخل وقت العصر ويبقى مقدار أربع ركعات من وقت الظهر. وهذا الخلاف ينبني على تغير لفظة (صلى) في اليوم الأول منها والثاني، لأن صلى يحتمل: شرع، ويحتمل: فرغ من. فإن قلنا إن قوله: (صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله) أي فرغ؛ فيكون قد صلاها في آخر وقت الظهر، وإن قلنا إنه بدأ بها؛ فيكون لم يشرع فيها إلا بعد إنتهاء القامة. فلما كان المقصود بيان أوله وآخره رأى بعض العلماء أن معنى (صلى) في اليومين مختلف، ففي اليوم الأول (صلى) بمعنى: بدأ بها، وفي اليوم الثاني (صلى) بمعنى: فرغ منها، لكن من قال: إن الظهر دخلت في وقت العصر؛ يستدل بقوله في الرواية: لوقت العصر بالأمس، فهذا صريح في أن الظهر لم تصل في اليوم الثاني إلا بعد صيرورة ظل كل شيء مثله، لأن ذلك وقت ابتداء العصر في اليوم الأول.

ص: 1130

وهذا أقوى ما يستدل به على دخول مقدار صلاة الظهر في أول وقت العصر، وهو صريح في حديث جابر الآتي للمصنف: ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله فقال: قم يا محمد فصلّ الظهر، فهو صريح في أنه لم يصلها إلا في أول وقت العصر، وهو القامة الثانية والله أعلم. وأما أول وقت العصر فقد اتفق الجمهور على أنه بعد إنتهاء القامة الأولى وهو آخر وقت الظهر عند الجمهور مالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري وأبو يوسف ومحمد، وتقدم أن أبا حنيفة خالفهم. وأما آخر وقت العصر فهو صيرورة ظل كل شيء مثليه عند مالك والشافعي، وبعده ليس من وقت الإختيار ولا تفوت بذلك، لما سيأتي من قوله:"من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". وقال أبو حنيفة: إذا صار ظل كل شيء مثليه بدأ وقت العصر الإختياري وهو مردود بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم. وقال النووي في شرح مسلم: (قال أصحابنا: للعصر خمسة أوقات: وقت فضيلة، واختيار، وجواز بلا كراهة: وجواز مع كراهة، ووقت عذر. فأما وقت الفضيلة فأول وقتها، ووقت الإختيار يمتد إلى أن يصير ظل الشيء مثليه، ووقت الجواز إلى الإصفرار، ووقت الجواز مع الكراهة حال الإصفرار مع الغروب، وقت العذر هو وقت الظهر في حق من يجمع بين العصر والظهر لسفر أو مطر، ويكون العصر في هذه الأوقات الخمسة أداء، فإذا فاتت كلها بغروب الشمس كانت قضاء). اهـ. وأما المغرب فالإجماع على أن أول وقتها غروب الشمس، وإنما اختلفوا فيها هل هي كسائر الصلوات لها وقتان أو وقتها واحد، فذهب الأوزاعي والشافعي في الجديد وهو قول عند مالك إلى أن وقتها واحد، وهو بمقدار ما تؤدى مع فعل شروطها. والقول الثاني عند مالك وعند الشافعي في القديم أن وقتها يمتد إلى مغيب الشفق، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق والثوري، وقد حكى الخطابي القولين ورجح الثاني. وذهبت جماعة أخرى إلى أن لها وقتين: أحدهما ينتهي إلى مغيب الشفق والآخر إلى طلوع الفجر، وهو قول أيضًا عند المالكية أن لها وقتًا ضروريًا يمتد إلى طلوع الفجر: (وهذا الخلاف سببه الإختلاف في الحديث، فإن في بعض الروايات أنه صلاها في اليومين في وقت واحد، وفي بعضها أنه صلاها في وقتين. قال ابن العربي: (والصحيح قول من

ص: 1131

يقول: إن آخر وقتها غروب الشفق، بدليل حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: ووقت المغرب ما لم يغب الشفق) اهـ. وأما صلاة جبريل لها في اليومين فقد يقال: إنه تعليم بالفعل وحديث ابن عمرو قول فيقدم عليه، مع أن حديث ابن عمرو متأخر عن صلاة جبريل. وأما الخلاف في الشفق، وهو البياض الرقيق بعد مغيب الشمس، وقالوا: إنه مأخوذ من الشفقة وهي رقة القلب، وضعّفه ابن العربي وقال: إن العرب تطلق الشفق على الحمرة وتسمي الثوب الأحمر شفقًا، وعزا ذلك إلى ابن الأعرابي والفرّاء ونسبه إلى عمر وعلي ومعاذ وابن عمر وابن عباس وعبادة بن الصامت ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والزهري وابن أبي ليلى والثوري وإسحاق وأحمد ومحمد بن الحسن وأبي يوسف ومالك في الموطأ. وقال أبو هريرة والأوزاعي وأبو حنيفة والمزني: إنه البياض، وفي الحديث: أنه صلى به العشاء في اليوم الثاني بعد ساعة من الليل. ولم يختلفوا في أن أول وقتها مغيب الشفق، وقد تقدم الخلاف فيها: هل يمتد إلى ثلث الليل أو إلى نصفه، وهو الأقوى لأن الحديث صح فيه من حديث عبد الله بن عمرو المتقدم وفيه: وقت العشاء إلى نصف الليل أو ثلثه، وفي حديث عائشة عند النسائي ومسلم قالت: أَعْتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل. . . الحديث، وحديث أنس عن البخاري ومسلم: أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل. . . الحديث، وقال عمر صلَّ العشاء ما بينك وبين ثلث الليل فإن أخرت فإلى نصف الليل. وهذا وقت الإختيار فيها، وأما الضروري فهو إلى الفجر، واستدل له بحديث أبي قتادة أخرجه مسلم وفيه:"إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة"، فهو يدل على امتداد وقت الضرورة إلى وقت الأخرى، ويخرج منه الفجر فإن وقتها ينتهي بطلوع الشمس بالإجماع. والقول بأنه إلى الثلث قال به الشافعي ونُسب لعمر وعمر بن عبد العزيز وأبي هريرة، وقال الثوري وابن المبارك وإسحاق وأصحاب الرأي: آخر وقتها نصف الليل، وذهب طاوس وعكرمة وعطاء إلى أنه يمتد إلى الفجر، وروي عن ابن عباس أنه لا يفوتها إلا الفجر. وأما الفجر فقد اتفقوا على أن أوله طلوع الفجر الصادق، والجمهور على أنه يمتد إلى طلوع الشمس، وعند مالك أنه بعد الإسفار ضروري كالحال الذي العصر عند الإصفرار، وهو قول

ص: 1132

الشافعي لأنه جعل الإسفار البيِّن وقتًا لأهل الأعذار والضرورات، وهذا معنى الضروري عند أصحاب مالك. وذهب الإصطخري إلى أنه بعد الإسفار قضاء وإن لم تطلع الشمس، ولكن يرده الحديث: من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، الحديث. أما قوله في الحديث:(الصلاة ما بين صلاتك أمس وصلاتك اليوم) فإنه يدل على التوسعة في هذا الظرف الكائن بين الصلاتين، (ولا ينافي) ذلك ما قدمنا وما سيأتي من فضيلة أول الوقت، والله أَعلم.

تنبيه

ما وقع في بعض روايات حديث جبريل التي تقدمت الإشارة إليها في شرح الحديث من أن جبريل صلى بهم أربع ركعات؛ يضعف ما رجحه، ابن حجر رحمه الله من أن فرض الصلاة ليلة الإسراء ركعتين وإنما أتمت بالمدينة، واحتج لذلك بما ورد في بعض روايات حديث عائشة من التصريح بأن الزيادة كانت بعد الهجرة، واعترض عليه بأن تلك اللفظة في الحديث لم يروها أحد غير معمر، وسائر الحفاظ رووها بدونها فتعتبر شاذة.

500 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَذْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ قَدْرُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ فِي الصَّيْفِ ثَلَاثَةَ أَقْدَامٍ إِلَى خَمْسَةِ أَقْدَامٍ، وَفِي الشِّتَاءِ خَمْسَةَ أَقْدَامٍ إِلَى سَبْعَةِ أَقْدَامٍ.

[رواته: 6]

1 -

عبد الله بن محمد بن إسحاق الجزري أبو عبد الرحمن الأذرمي الموصلي، روى عن عبد الله بن إدريس ووكيع وجرير بن عبد الحميد وغندر وحكام بن مسلم وابن عُلية وابن عيينة وابن مهدي وغيرهم، وعنه أبو داود والنسائي وعبد الله بن أحمد وحرب الكرماني وابن المنادي وأبو حاتم وعلي بن الحسين بن الجنيد وابن أبي الدنيا وموسى بن هارون وأبو يعلى وابن صاعد وابن أبي داود، قال أبو حاتم والنسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن مسلمة: لا بأس، به والله أعلم.

ص: 1133

2 -

عبيدة بن حميد: تقدم 13.

3 -

أبو مالك سعد بن طارق: تقدم 149.

4 -

كثير بن مدرك أبو مدرك الأشجعي، روى عن علقمة وابني أخيه الأسود وعبد الرحمن ابني زيد النخعيين، وعنه أبو مالك الأشجعي ومنصور بن المعتمر وحصين بن عبد الرحمن. ذكره ابن حبان في الثقات، له عند مسلم حديث واحد في المتابعات في التلبية، وقال العجلي: كوفي ثقة. والله أعلم.

5 -

الأسود بن يزيد: تقدم 33.

6 -

عبد الله بن مسعود: تقدم 39.

• التخريج

أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي.

• اللغة والإعراب والمعنى

قوله: (قدر) بالرفع اسم لكان، وخبرها: ثلاثة، و (إلى) تقدم الكلام عليها في شرح الآية أول الكتاب، وهي هنا للغاية والتقدير: يزيد إلى خمسة. قوله: (كان قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر في الصيف) أي قدر الوقت الذي يصلي فيه الظهر من النهار في وقت الصيف. وقوله: (ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام) هذا باعتبار ظل الزوال، لأنه في بعض أيام الصيف يذهب ظل الزوال بالكلية بحيث تكون الشمس معتدلة في وسط السماء، وهذا بالنسبة للحجاز وما يسامته من البلاد، فتكون الثلاثة بدون ظل الزوال قريبًا من نصف القامة، لأن قامة كل إنسان محكوم بأنها سبعة أقدام، فإن كان هذا بدون ظل الزوال يكون المراد به أنه يبرد بها إلى نصف القامة أو أكثر من ثلثيها. وقد تقدم الخلاف في مقدار ذلك، وتكون الخمسة في الوقت الذي يبقى ظل الزوال فيه، وهذا على سبيل التقريب والله أعلم.

وقد نقل ابن حجر رحمه الله عن ابن العربي أنه قال "القبس" وهو شرحه على موطأ مالك: لم يرد في الإبراد تحديد إلا بما ورد في حديث ابن مسعود يعني هذا الحديث.

ص: 1134