الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا طاهرًا مباركًا فيه، كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته والأسماء والصفات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
إخوة الإيمان: والذَّكر عمومًا والأوراد الشرعية خصوصًا حصونٌ مانعةٌ من الشيطان بإذن الله، والغفلة والإعراض عنهما سبب لتكاثر الشياطين، قال اللهُ تعالى:{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (1). ومثل الذي يذكر الله كمثل رجل طلبه العدو سراعًا فاحتمى ببيت عظيم الأبواب منيع الأسوار، ومن رام هذه الأذكار والأوراد وجدها مجموعةً معتنىً بها من قبل العلماء -عليهم رحمة الله - ومع كثرة انتشار المختصرات لها في المساجد أو في البيوت أو غيرها .. وقد لا تتجاوز الصفحة أو الصفحتين، فقلَّة من الناس هم الذين يهتمون بها ويحفظونها ويرددونها آناء الليل وأطراف النهار على الرغم من أهميتها وعظيم أجرها، وحاجة الإنسان لها للحفظ من كل مكروه. وأسوق نموذجًا لها:
روى البخاري ومسلم رحمهما الله، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيء قديرٌ، في يوم مئة مرة، كانت له عدْلُ عشرِ رقاب، وكتبتْ له مئة حسنةٍ، ومُحيتْ عنه مئة سيئةٍ، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذاك حتى يُمسي،
(1) سورة الزخرف: الآية 36.
ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مما جاء به إلا رجلٌ عَمِلَ أكثرَ منه» (1). وصحّ الخبر «مَنْ قال: أعوذُ بكلماتِ الله التاماتِ من شرِّ ما خلقَ ثلاثًا، لم يضرّه شيءٌ» (2).
أيها المؤمنون: وفي كتاب الله شفاءٌ ودواء، وفي تلاوته أجرٌ ومَغنم، وبه يُحفظ القارئُ المتمعِّنُ من شياطين الجن والإنس، وقد قال الله لنبيه:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا} (3).
أجل إن الشاطين تنفر من المكان الذي يتلى فيه القرآن، ولذا جاء الحث على تلاوة القرآن عمومًا، وعلى تلاوة سور مخصوصة طاردة للشيطان من مثل سورة البقرة والمعوذات، وآية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة.
فطيبوا أفواهكم -عباد الله - بتلاوة كتاب الله، وحصِّنوا بيوتكم من الشياطين بالإكثار من تلاوة كتاب الله فيها، وعطِّروا مجالسكم، كما كان السلف يفعلون، بتلاوة كتاب الله، وأحدهم يقول للآخر: ذكِّرنا ربنا.
9 -
يا أخا الإسلام: ومما يعينك على الحفظ من الشيطان أن تحفظ جوارحك عما حرم الله عليك، وأن تتذكر أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وهاك مؤشرًا لجارحتين تكلَّم العلماء عن أثرهما ومدخل الشيطان من خلالهما؛ يقول ابن القيم رحمه الله عن اللسان والعينين: وأكثر المعاصي إنما يولدها فضول الكلام والنظر، وهما أوسع مداخل الشيطان، فإن جارحتيهما لا يملَاّن ولا يسأمان ..
(1) البخاري مع الفتح: 6/ 388، مسلم مع النووي: 17/ 17.
(2)
رواه ابن السني، وفي رواية لمسلم 17/ 31 النووي.
(3)
سورة الإسراء: الآية 45.
وجنايتهما متّسعة الأطراف، كثيرة الشُّعب، عظيمة الآفات (1).
10 -
عباد الله: وتطهير البيوت من كل وسيلة يجتمع عليها الشياطين من أقصر الطرق لحفظها وحفظ ساكنيها من نزغات الشياطين .. كآلات اللهو المحرم والغناء والأجراس، والتصاليب، والتصاوير المحرمة والتماثيل والكلاب .. مما جاءت النصوص الشرعية ناهية عنه (2).
11 -
إخوة الإسلام: وحرِيٌّ بمن رام الحفظ من الشيطان ألا يتشبَّه به، فلا يأكل ولا يشرب بشماله، ولا يأخذ ولا يعطي بالشمال، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله، رواه ابن ماجه وصححه المنذري (3). وكم هي عوائد سيئة، وعادات مستوردة حين يُستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. ولربما ظن البعض أن استخدام الشمال بدل اليمين في الأمور الكريمة تقدم وحضارة، والحق أنها تبعية مستهجنة، ونزغات شيطانية، ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن، في شأنه كله فليكن لكم فيه أسوة حسنة.
12 -
عباد الله: وإذا كان التثاؤب مدخلًا للشيطان، فإن ردَّه ما استطاع المرءُ، أو وضْعَ يدهِ على فيه يمنعه من الدخول بإذن الله، يقول عليه الصلاة والسلام:«وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فليردَّه ما استطاعَ، فإذا قال: ها، ضحكَ منه الشيطان» (4).
(1) التفسير القيم ص 627.
(2)
انظر: «وقاية الإنسان من الجن والشيطان» بالي: 365 - 368.
(3)
الترغيب والترهيب: 4/ 191.
(4)
رواه البخاري: 10/ 607 فتح.
وفي الحديث الآخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تثاءبَ أحدُكم فليمسكْ بيدهِ على فيه، فإن الشيطانَ يدخلُ» رواه مسلم.
13 -
وإذا كان رديءُ الكلام مدخلًا للشياطين، ففي الكلام الحسن وقاية من نزغات الشياطين، كذلك جاء توجيه خالقنا:{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} (1).
إخوة الإيمان: وثمة عادات ربما مارسها بعض الناس جهلًا منهم أو ضعفًا، وهي من عادات الشيطان، وأولى لهم أن يجتنبوها، فالجلوس بين الظل والشمس جاء النهي عنه، وعُلِّلَ بأنه مجلس الشيطان (2). والعجلة من الشيطان .. والمبذِّرون إخوان الشياطين.
وتذكر حين تستكبر أنك تشابه الشيطان {إِلَاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} (3).
احرص على أن تَتَحلى بكل خُلق كريم .. فذاك سرور وتوفيق في الدنيا ومغنم عظيم في الآخرة.
أيها المسلمون: هذا ما تيسر ذكره من وسائل وأعمالٍ تُحصِّن المسلم من كيد الشيطان، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} (4)، ولا يكفي التّحسُّر والتلاوم على كلِّ نَزغةٍ من نزَغات الشيطان بأنه مسلط على الناس وبأن النفس ضعيفةٌ والربُّ غفور. لا بد من فعل الوسائل وتلمس الأسباب التي يحمي بها المرءُ نفسَه وأهله من كيد الشياطين.
(1) سورة الإسراء: الآية 53.
(2)
رواه أحمد في «مسنده» ، وجودَّ إسناده المنذري «الترغيب»: 4/ 191.
(3)
سورة البقرة: الآية 34.
(4)
سورة الطلاق: الآية 2.
ولا بد مع ذلك كله من سدِّ جميع المداخل التي يدخل منها الشيطان والتي سبق بيانها.
اللهم اصرف عنا كيد الشيطان، اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك وأعِنّا على أنفسنا.