الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الألفية الثالثة وقائع ووقفات
(1)
الخطبة الأولى:
الحمد لله ربِّ العالمين، أكمل لنا الدين، ورضي الإسلام لنا دينًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حكم ببطلان الشرائع والأديان غير ملة الإسلام - فقال:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2).
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه وخاتم أنبيائه ورسله، أنزل عليه القرآن بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتب ومُهيمنًا عليها، وأخبره أن أهل الكتاب حرفوا الكلم عن مواضِعه ونسوا حظًا مما ذُكّروا به. اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون: ونحن الآن على مشارف نهاية قرن ميلادي متمم لألفي سنة من
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 15/ 7/ 1420 هـ.
(2)
سورة آل عمران، الآية:85.
(3)
سورة آل عمران، الآية:102.
(4)
سورة لقمان، الآية:33.
ميلاد المسيح عليه السلام، ويبدأ بعده الألفُ الثالث للميلاد .. يتوقع المراقبون للأحداث، والمتابعون لما يُكتب وينشر في الكتب والمجلات والصحف ونحوها، والمتابعون للفضائيات وشبكات الانترنت - أن تكون الألفية الثالثة ألفية تطرف لليهود والنصارى، وألفية تنامي الشعور الديني .. وألفية ظهور أكبر وقيادة أوضح للأصوليين والمتطرفين - من أرباب الديانتين (اليهودية والنصرانية).
ويعتمد هؤلاء الأصوليون والمتطرفون على نبوءات يعتقدونها في كتبهم (العهد القديم والعهد الجديد) وعلى أساطير وخرافات ورؤى.
ويرون أن القرن المقبل (الميلادي) سيكون ميدانًا للصراع العقدي - مع خصومهم المسلمين - وسلاحُه الحربُ النووية ومسمى المعركة المتوقعة - في نظرهم - (هَرْ مَجدون) وأرض المعركة - كما يقولون في أرض (مجدو) التي تبعد عن (تل أبيب) بخمسة وخمسين ميلًا، وهي في موقع يبعد عشرين ميلًا شرق (حيفا) وعلى بعد خمسة عشر ميلًا من شاطئ المتوسط.
والاعتقادُ بوقوع هذه المعركة اعتقادٌ مشتركٌ بين اليهود والنصارى، وكلٌّ من الأمتين الضالتين يعتقد بأن خلاصه سيكون بعد هذه الحرب، ولكن هذا الخلاص (الموهوم) عند الأمتين الضالتين لن يتم - في اعتقادهم - إلا بالتخلص من جُلِّ سكان الأرض عن طريق تلك الحرب المدمرة الهرمجدونية (1).
فأين الحرب الهرمجدونية ذات السلاح النووي مما يتهمون المسلمين به بالتطرف في ساحات الجهاد؟ !
عباد الله: ومما يؤكد وجود هذه المعتقدات والنزعات الدينية عند اليهود
(1) عبد العزيز مصطفى كامل، ((حمى سنة 2000)) ص 160.
والنصارى، استعدادُهم لحفلات ولقاءات دينية ستتم في (بيت لحم) عام 2000، وهو عبارة عن مهرجان عالمي نصراني، قدّرت بعضُ المصادر عدد من سيحضر للقدس للمشاركة فيه بمليون ونصف، وبعد أن تأكد حضور البابا لتلك الاحتفالات، قدّرت بعضُ الأوساط القادمين بثلاثة ملايين، وبالغت مصادر أخرى فأوصلت الرقم إلى ستة ملايين لهذا المهرجان.
ومما يؤكد هذه النزعات الدينية عند اليهود والنصارى كذلك جديتُهم في بناء الهيكل (المزعوم)، وفي هذا يقول أحد ساستهم: لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل (1).
وبناءُ السور العازل بين المسلمين واليهود بطول ستين وثلاث مائة كيلًا، وارتفاع ثلاثة أمتار، وقد بدأ اليهود بتنفيذه في عام 1996 م، وتعهدت (أمريكا) بتمويله كاملًا، وقدَّم (كلينتون) قسطه الأول (مئة مليون دولار)، وبناءُ هذا السور تحقيق لأسطورة دينية عند اليهود، وله ذكر في كتبهم، فهم ينطلقون من موروثاتٍ دينية وتعاليم كتابية - وإن كانت محرّفة.
ويعتقد اليهودُ كذلك - ويؤازرهم النصارى - بذبح ما يسمونه (بالبقرة الحمراء) ولذا فهم يهتمون بـ (قدس الأقداس) أو (المذبح) الذي ستُذبح فيه البقرةُ الحمراء، وقد انتهوا من بنائه - وهو جاهزٌ للنقل إلى مكانه، في الوقت المناسب، ويهتم (حاخامات) اليهود بهذه البقرة، وقد أُعلن عن ولادتها في شهر أكتوبر من عام 1997 وبنفس المواصفات التي يزعمون وجودها في كتبهم وبزعمهم أنها لا بد أن تُذبح بعد ثلاث سنوات من ولادتها!
(1) هو بن غوريون.
إلى غير ذلك من معتقدات وأساطير تصبُّ كلّها في التوجه الديني عند اليهود والنصارى، وتشير إلى تغلغل الأصولية والعودة إلى الكتب المقدسة في نظرهم، وإن وجد علمانيون يخالفونهم النظرة.
وهنا ومن جرّاء هذه الأحداث الواقعة والمتوقعة حريٌّ بنا أن نقف الوقفات التالية، ونعرض لجملة من التساؤلات ذات الدلالة:
1 -
هذه الأحداث والوقائع تُضعف أو تبطلُ الظنَّ القائم عند بعض الناس - بأن اليهود والنصارى قد تخلوا عن الدين إلى اللادين بشكل نهائي، وربما ظن هؤلاء أن شيوع المذاهب الإلحادية، وطغيان الانحلالية العلمانية، قد أوهم بهذا، ولكن واقع اليوم يشهد تحولًا دينيًا كبيرًا في مجتمعاتهم، وهذا التحولُ تجاوز الدهماء والعامة، إلى الخاصة والساسة، وتجاوز التنظير إلى التطبيق.
2 -
بل تحول هذا التوجهُ الديني - عند اليهود والنصارى - إلى نوع من التطرف في المعتقدات والسلوك إلى حدٍّ أثار غضبة (العلمانيين) من بني قومهم، وبدؤوا يواجهون هذا المدَّ الأصولي المتطرف، وينددون به ويسخرون من أصحابه. وقد ذكرت صحيفةُ (نيوزويك) في عددها الصادر في 9/ 5/ 1996 م أن مدينة القدس أصبحت معقلًا للتطرف اليهودي، وأشارت إلى أن أعداد اليهود - غير المتدينين - الذين يُغادرون المدينة في ازدياد، حيث أصبحت المدينةُ مكانًا غير مقبولٍ بالنسبة لهم، نظرًا للطابع الديني والقيود التي يضعها المتدينون اليهودُ على الحياة هناك.
وقد بلغ الأمر أن تخوّفت الدولة اليهودية من إحراج المتطرفين لها بهدم الأقصى في وقت غير مناسب، وقد كتب الصحفي الإسرائيلي (يوسي ليفي) مقالًا في صحيفة (معاريف) في 29/ 8/ 1998 م، جاء فيه قولُه: القاعدةُ التحتيةُ للتنظيمات المتشددة موجودة حسب تقديرات قوى الأمن، والمعلوماتُ التي بحوزتها تقول أن
الاتصالات بينها تتمُّ بالوسائل والطرق السّرية، والتنسيقُ بينها موجود، والمشكلةُ القويةُ التي تواجه أجهزة الأمن هي التغلغلُ في هذه الجماعات؛ لأنها مجموعات ذاتُ معتقدات أيديولوجيةٍ متعصبةٍ مرتبطةٍ بعواطف دينيةٍ حادّةٍ، بحيث يعرف كلُّ واحدٍ من أعضائها الآخر بما لا يسمح باختراقها.
وبكل حال، فالواقعُ خيرُ شاهد، وقد اصطلى بنار هذا التطرف أحد زعماء إسرائيل؛ فقد أعلن (عامير) قاتل إسحاق رابين؛ أن سبب قتله؛ لأنه (خان أرض التوراة)(1).
3 -
ومن المفارقات العجيبة أن تنشط الجماعات الأصولية في الغرب، ويصول ويجول المتطرفون في إسرائيل، وتكثر الجماعات الدينية وتدعم عند اليهود والنصارى، بل ويكون لها مواقعُها المهمة، ومنابرها الإعلاميةُ واسعةُ الانتشار والتأثير، وتحظى هذه الجماعات الأصوليةُ بدعم وتأييد الساسة، بل وصلوا إلى أن يكون المرشح للرئاسة نفسُه أصوليًا إنجيليًا (2). وفي المقابل يتهمون المسلمين بالأصولية والتطرف والإرهاب إذا ما سعوا لخدمة دينهم والدعوة لإسلامهم، وتلك وربي من إسقاطاتهم.
وهي مؤشرٌ على تخوفهم من الإسلام وأهله، وإلا فكيف يسوغ التدينُ والدعوة والدعم لأصحاب الدين المحرف، ويُعدُّ ذلك تهمةً لأصحاب الدين الحق؟ !
وهنا يرد السؤال: بماذا يفكر المسلمون مستقبلًا لمواجهة المدِّ الأصولي والتطرف اليهودي؟ وقبل هذه المواجهة هل يقرأ المسلمون ما يكتبه اليهودُ والنصارى؟ وهل يعلمون وسائلهم وخططهم لمواجهة المسلمين؟ وهل يليق أن
(1) انظر ((حمى سنة 2000)) ص 38.
(2)
الأصولية الإنجيلية، الهذلول 69.
يتفوق الصليبُ على الهلال، أو يعزَّ ويقوى من ضُربت عليهم الذلةُ والمسكنة، وشأنهم السعي في الأرض فسادًا؟
ولقد كان بعضُ أئمة الإسلام إذا رأى صليبًا أغمض عينيه عنه وقال: لا أستطيع أن أملأ عيني ممن سبَّ إلهه ومعبوده بأقبح السب.
ولهذا قال عقلاءُ الملوك - كما نقل ابنُ القيم رحمه الله: إن جهاد هؤلاء واجبٌ شرعًا وعقلًا، فإنهم عارٌ على بني آدم، مفسدون للعقول والشرائع (1).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (2).
نفعني الله وإياكم بهدي القرآن.
(1) إغاثة اللهفان 2/ 399، 400.
(2)
سورة الجاثية، الآيتان 18، 19.