الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربّ العالمين علام الغيوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال في محكم التنزيل:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (1).
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، ترك أمته على محجةٍ بيضاء، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين.
أيها الإخوة المؤمنون:
5 -
أما الوقفة الخامسة فهي تساؤلٌ من نوع آخر ومفادُه: وبماذا سيقابل المسلمون المدَّ الإعلامي لمثل هذه التظاهرات الدينية وما تحمله من عقائد محرَّفة، وما ستبثه من أفكارٍ وتصورات تناهض الإسلام وتُسيء إلى المسلمين؟
ما دورُ العلماء في المرحلة القادمة؟ وأين سيكون موقعُ الدعاة؟ وماذا أعد المسئولون في الإعلام في الدول العربية والإسلامية لمواجهة الحملات الغربية، وغزو الأفكار، ونشر أساطير التوراة والأناجيل المحرفة، ومحاولات الاحتواء، وفرض الهيمنة؟ وهل يُتصور حضور الإعلام العربي والإسلامي لمباركة هذه الاحتفالات والتبرع بنقلها لأبناء العربية والإسلام؟ ! أم المتوقع إعدادُ برامج لصد آثارها، وحماية المسلمين من مخاطرها؟
وما حالُ رجال الفكر الإسلامي ومستوى قدرتهم على التحدي في حوار الحضارات والإقناع لإثبات الحق وكشف زيف الباطل؟
(1) سورة البقرة، الآية:251.
6 -
وهل هذه الاحتفالاتُ والمهرجانات جزءٌ من حربٍ نفسية وإعلامية ضد المسلمين، تصدَّر عن طريقها - وبوسائل الإعلام وقنواته المختلفة الأفكار والمعتقداتُ اليهوديةُ والنصرانية، ومن خلالها يشكّك بتعاليم الإسلام الحقة، وعن طريقها يحاولون تحطيم الحواجز الصلبة بين تعاليم الإسلام الحقة والموروثات المحرفة في التوراة والإنجيل، وتُهمش في أذهان المسلمين القضايا العقدية المهمة من مثل الولاء والبراء، والحكمُ بالكفر والنار على من لم يعتنق دين الإسلام؟ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1)، {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} (2)، وما يصحب ذلك من دعوات منكرة لوحدة الأديان، أو زمالتها أو إخائها أو تقاربها، أو نحو ذلك من أفكار ومعتقدات قد يكون لها أثرُها على بعض المسلمين؟
7 -
وعلى صعيد آخر؛ وإذا اجتمع أصحاب الديانات المحرفة على كلمةٍ سواء، ولو ظاهرًا رغم اختلافهم في المعتقد، وما بينهم من عداء، فهل يدعو ذلك المسلمين إلى الوحدة والاجتماع وطرح الخلافات والمنازعات وجمع الطاقات والقوى لمواجهة عدوِّ الجميع؟ ومن يا تُرى يُمسك بالراية ليجتمع المسلمون تحتها يتشاورون ويفكرون في واقعهم وواقع عدوهم؟ وهل تكون الاجتماعاتُ العالمية الكبرى حِلًا لليهود والنصارى، حرامًا على المسلمين؟
8 -
وإذا لم تسيطر علينا نظرةُ الإحباط، أو تقعد بنا مثبطاتُ التشاؤم أمكن القول، وقد يكون في ثنايا هذه البلايا والمحن فرج وفتح للمسلمين، فقد يقود صلفُ المتطرفين من اليهود والنصارى إلى صلفٍ آخر من قبل العلمانيين عندهم،
(1) سورة آل عمران، الآية:85.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:17.
فتثور الفتنةُ بينهم، ويتعمق الخلافُ ويتحقق الصدامُ بينهم، فينشطُ كل طرفٍ للانتقام من صاحبه، ثم ينتقم الله من كليهما، ويستفيد المسلمون من ضعفِهم قوة، ومن تفرقهم اجتماعًا ووحدة. ومن مؤشرات هذا الاحتمال ما جاء في صحيفة (معاريف) حيث كتبت تقول في عددها الصادر في 14/ 7/ 1996: إذا استمرت الأحوالُ على ما هي عليه في ظل حكم الليكود، فإن العلمانيين لن يستطيعوا المعيشة بالقدس، وقد يضطرون إلى المواجهة.
9 -
وأمرٌ آخرُ؛ فقد تدفع تصرفاتُ اليهود والنصارى المتطرفةُ إلى مزيد بعث الشعور الإسلامي، وقد يدعو هدمُ الأقصى - لو حصل - أو مزيد العبث به - إلى إشعال جذوة الجهاد في سبيل الله بين المسلمين.
ولكن ينبغي أن يُعلم أن الأخطر من ذلك أن يكسب العلمانيون الجولة فيُروّجون لأفكار الإخاء والتقارب بين الأديان، والسخرية من الدين وأهله بشكل عام، ويُفعِّلون دور الإعلام العالمي الصليبي واليهودي والعلماني لترويج الأفكار والعقائد الباطلة، فيستمع الناسُ لهم في غمرة انتصارهم وهم يسحبون الهزيمة على المتدينين بشكل عام، فلا يميز الناس حينها بين أصحاب الدين الحق وأصحاب الخرافات والأساطير، أو يقفز العلمانيون في بلاد المسلمين للتشكيك في الدين الصحيح من خلال هزيمة من بدلوا دين المسيح، أو لعنهم الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت.
وينبغي أن يعي المسلمون أنهم يتعاملون في عقيدتهم ونظراتهم من منطلقات الكتاب المهيمن على الكتب السابقة والذي حكم الله بحفظه من التحريف والتبديل، ونسخ به الشرائع والأديان، وجعل أمته أمةً وسطًا شاهدة على الأمم كلّها .. ومسئولة عن تبليغ الدعوة الحقة لها، ومَنْ شكَّ في صلاحية الإسلام لكل
زمان ومكان، أو ظن أن أحدًا يسعه الخروجُ عن دين محمد صلى الله عليه وسلم، أو تردد في إعجاز القرآن وصلاحيته للهداية والتوجيه، فذلك خارجُ دائرة الإسلام، وليس من أهل الإيمان.
10 -
ومن العجز والتقصير أن يظل أهلُ الإسلام دائمًا ينتظرون ما تنتهي إليه الأحداث وتنجلي عنه المعركة، دون أن يكون لهم إسهام إيجابي في صُنع الأحداث وإقرار الأصلح، وعلى أهل الإسلام عامة - والمقتدرين منهم خاصة - أن يُساءلوا أنفسهم ماذا قدموا لدينهم، وما هي وسائلُهم لتقديمه للآخرين؟ وعليهم أن يتساءلوا: كم نِسَبُ المواقع الإسلامية في شبكات الانترنت؟ وكم يمتلكون من القنوات الفضائية المؤثرة؟ ما نوعُ تأثير إعلامهم، وما هي المنطلقات والأهداف في السياسة الإعلامية - بشكل عام؟
ما دور الجامعات ومراكز البحوث والهيئات العلمية في تصدير الفكر الإسلامي والعقيدة الحقة للأمم والشعوب الأخرى؟
وما دورُ الهيئات والمنظمات الإسلامية في تبني مشاريع الوحدة والاجتماع للمسلمين عبر مؤتمراتٍ ومهرجانات إسلامية كبرى تدرسُ وتفكر وتخطط وتصدر من القرارات والتوصيات ما ينفعُ الناس كافة؟ ولا شك أن في المسلمين طاقاتٍ وقدراتٍ وعقولًا، ولكنها محتاجة إلى تأليف وتجميع - وعسى أن توقظهم وتشحذ همتهم اجتماعات أعدائهم على المكر والباطل، وفي عقيدتنا أساسًا دعوةٌ لمثل هذا:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1).
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (2).
(1) سورة المائدة، الآية:2.
(2)
سورة آل عمران، الآية:103.
أيها المسلم والمسلمة: واحذر على عقيدتك في زمن الفتن والتشكيك، وإياك أن تنساق وراء موجات التغريب والعلمنة، والزم الصراط المستقيم، واعبد ربَّك حتى يأتيك اليقين، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولا تُغلبن على سلاحين ضروريين في كل حين، وهما في أزمان الفتن أشدُّ ضرورة، هما: سلاح العلم، وسلاح العبادة، واعتصم بالله:{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1)، ولا تغفل كذلك عن سلاح الدعاء، فهو مع الصدق والإخلاص لله مخترق للحجب، وسبب لدفع البلايا، ومفرج للكروب.
ولم ينشأ من فراغ تحذير رابطة العالم الإسلامي من ترويج معلومات مغلوطة عن نهاية العام.
وتأكيدها للناس كافة على أهمية تلقي العلم الصحيح من مصادره الموثوقة وعلمائه الأفذاذ العارفين بفقه النوازل، كل ذلك حتى لا تزلَّ أقدام بعد ثبوتها، ويُورث الشكُّ بعد اليقين.
(1) سورة آل عمران، الآية:101.