الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قضايا المسلمين
(1)
الخطبة الأولى:
الحمد لله أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الفحشاء والبغي والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، له مقاليدُ السماوات والأرض، أزمَّة الأمور بيده، ومفاتيحُ الفرج عنده، أغنى وأقنى وأضحك وأبكى، وهو أعلم بما كان ويكون، وإليه المنتهى، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولهُ، الناصحُ الأمين، والشافعُ المشفّع في المحشر، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون: طالعتُ في الأيام الماضية، وفي جريدة الرياض العناوين التالية:
1 -
الهدف السهل.
2 -
البلقان والقوقاز.
وتحت العنوان الأول (الهدف السهل) افتتح صاحبُ المقال الكريم مقاله قائلًا: حملةٌ جنونية عاتية تقودها (روسيا) لتحطيم (جمهوريات القوقاز الإسلامية) وبالذات جمهورية الشيشان، تحت ستار محاربة ((الإرهاب الإسلامي))، المطاراتُ
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 28/ 6/ 1420 هـ.
(2)
سورة البقرة: الآية 21.
(3)
سورة آل عمران، الآية:102.
والجسور، ومحطاتُ الكهرباء، والطرق، والبناياتُ وكافةُ تجهيزاتِ البنيةِ الأساسية في جمهورية الشيشان تتعرض للتدمير على أيدي القوات الروسية .. (ويستمر الكاتب قائلًا): ويبدو أن التدمير الذي حدث حتى الآن لا يعتبر كافيًا من وجهة نظر الحكومة الروسية.
ثم يشير الكاتب إلى شيء من المشاهد المأساوية لشعب الشيشان جرّاء قصف الروس .. ثم ينتقل إلى الحملة الإعلامية الروسية ضد الإسلام وأهله واعتبارهم المسلم الروسي مواطنًا من الدرجة الثانية، وهو معرض للاعتقال والحجز لمجرد انتمائه للجمهوريات الإسلامية. ويختم المقال بقوله: وقد وجدت الحكومةُ الروسيةُ في هذه التطورات الأخيرة وسيلةً لحشد التأييد الشعبي حولها، لكي تتجاوز بعض مشكلاتها المزمنةِ، وهكذا انقضَّت بلا هوادةٍ على أهل الشيشان وداغستان .. ثم يقول أخيرًا: مساكين مسلمو اليوم، لقد صاروا هدفًا سهلًا للجميع (1).
أما المقالُ الثاني (البلقان والقوقاز) فيستهله كاتبُه بالقول: ما جرى ويجري في أوروبا، سواء في البلقان أو في القوقاز من حملات واشتباكاتٍ عسكريةٍ دينيةٍ أو مذهبية، لا يمكنُ أن يكون عفويًا أو غرائزيًا بحتًا كما تصوره أجهزةُ الإعلامِ العالمية، وأغلبُ الظنِّ أن هناك وراء هذه الظواهرِ يدًا ترى في توتير المشاعر الدينية والمذهبية تمارين في التعصب والكراهية، تتحول بها المجتمعات من العقلانية إلى العصبية العمياء .. إلى أن يقول: إن من حق الناس في كل مكانٍ أن يتحسسوا فظاعة هذه التمارين الآثمةِ التي تُزجُّ فيها شعوبٌ وجيوش، لتخرج منها
(1) د. عبد الواحد الحميد، الرياض، عدد 11424 تاريخ 24/ 6/ 1420 هـ.
أشدَّ تشنجًا وكرهًا للسلام والقانون والعيش المشترك والآمن (1).
أما المقال الثالث -وهو في الجريدة نفسها- فأكتفي منه بالعنوان التالي (مئة ألف لاجئ شيشاني يعيشون ظروفًا قاسيةً في الأنغوش).
إخوة الإسلام: ماذا نقول ونعلّق إزاء هذه الأحداث الدامية والمصائب المتتالية على إخواننا المسلمين، مرةً في أوروبا، وأخرى في روسيا، وثالثةً في كشمير، ورابعة في الفلبين.
ومن قبلُ ومن بعدُ يثعب الجرحُ دمًا في فلسطين، ويجثم الصهاينة على المقدسات، ويسقون المسلمين كؤوس الذل والمهانات، بل ويتجاوزون حدودهم بالتعاون مع الآخرين لضرب المسلمين، وفي مجلّة المجتمع الكويتية عنوان ((روسيا تتعاون مع الموساد وتدعو لمحاصرة الشيشان)) (2). إلى غير ذلك من قضايا إسلاميةٍ ملتهبةٍ هنا أو هناك.
والسؤال المطروحُ هنا: ما موقفُ العالمِ مسلمِهم وكافرهم من قضايا المسلمين؟ وما نوعُ التعامل معها؟
إن الإجابة على هذا السؤال -وما يدور حوله- تحتاج إلى عدةِ وقفاتٍ، منها:
الوقفة الأولى: الإجماعُ الدوليُّ على خطورةِ قضايا المسلمين وتحركاتهم، حتى وإن كانت قليلة العدد، ضعيفةَ العتاد -وهذا جزءٌ من تخوفهم من الإسلام، وخشيتهم من عودة المسلمين لدينهم.
ثانيًا: التعاونُ من الدول ذات النفوذ -على شدة الحصار وقمعِ أيِّ تحركٍ
(1) منح الصلح، جريدة الرياض، العدد السابق.
(2)
عدد 1396 في 18 - 24/ 6/ 1420 هـ.
إسلاميٍّ، ومحاولة إجهاض أي نجاحٍ يحصل بانتصار المسلمين.
ثالثًا: الكيل بموازين مختلفةٍ باختلاف القضايا ونوعيتها. فإن كان العنصر فيها يهوديًا أو نصرانيًا -أو مواليًا لهم- رأيت حماسًا ودفاعًا منقطع النظير، وإن كان العنصرُ المتضررُ إسلاميًا فالتهميشُ والمواطأةُ على التضييق والحصار، بل والمساعدات ما خفي منها وما ظهر .. وفي أحداث (تيمور الشرقية) نموذجٌ لكشف القناع، وليس حماسُ الدول الكبرى لها لكثرة سكانِها ولا لتميُّزٍ في اقتصادها، وإنما لكون غالبية سكانها من الكاثوليك النصارى! إضافة إلى المطامع الدولية في المنطقة. وفي سبيل ذلك تتواجد القواتُ الدولية في تيمور، وتُجبرُ إندونيسيا ويضغطُ عليها حتى تقبل بالأمر الواقع، علمًا بأن سكان تيمور لا يبلغون مليون نسمة، ومن هنا تساءل المراقبون المنصفون: أيهما أولى بالجمهورية المستقلة (تيمور) ذات الخمسين وثمان مئة ألف نسمة، أم (القوقاز) ذات الملايين العشرة، و (كشمير) ذات الخمسة عشر مليونًا، (ومورو) ذات الملايين السبعة؟
رابعًا: وفوق هذا الغشِّ في المكاييل، فهناك تشويهٌ متعمدٌ وغيرُ مقبول، وغشٌّ آخرُ في المصطلحات -ولا سيما من دولٍ تزعم رعاية الحريةِ، وتتشبث بالديمقراطية، فإذا كانت القضيةُ -موطن النزاع- لصالح غير المسلمين، رُفع شعار السلام والأمن والاستقرار -كمبرر للتدخل- وإذا كان المسلمون طرفًا في النزاع سمعت مصطلح الإرهاب، ودعوات الانفصال، والتمرد، وملَّ سمعُك من ترداد عبارات (المتعصبين والأصوليين والمتطرفين المسلمين) ونحوها من عبارات التشويه المتعمد؛ وهل سمعت يومًا مصطلح الإرهاب يوصف به اليهود من قبل دول الغرب وحلفائها؟ وهل رأيت أشدَّ إرهابًا من اليهود؟ ! ومن حق العالم كله أن يأنف من مصطلح السلام -وتلك صوره وتطبيقاتُه- ومن حقه كذلك أن يرفض
مصطلحات الإرهاب والتطرف، إذا خُص بها قومٌ دون آخرين.
خامسًا: ومن حق العالم كذلك ألا ينخدع بمصطلح (العولمة) ولا يقبل به، فهي ليست عولمةً قائمةً على العدل والإنصاف وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقّه، لكنها نوعٌ من فرض الوصاية لفكر معين وأيدلوجية خاصة - يرضى عنها الغربُ وحلفاؤهم، وهي من جانب آخر هيمنةٌ اقتصاديةٌ وسياسيةٌ وإعلامية لدولٍ معينة ينبغي أن يكون العالمُ كلُّه تبعًا لها، ولا اعتبار فيها للدين الحق، ولا للمسلمين أصحاب الرسالة الحقة، بل الهدفُ تذويبهم وإماتةُ الشعور الإسلامي في أذهانِهم، وفوق ذلك كله محاولة تقليص عددهم، ومن العناوين المثيرة قرأتُ العنوان التالي (القلق الأمريكي من تزايد النسل في اليمن) وفي ثنايا الخبر مساعدة أمريكية لليمن مشروطة، بل ومضمَّنة نوعًا من عقاقير منع الحمل. فقد أقلقهم أن نسبة استخدام منع الحمل عند اليمنيات بلغت 13%، وهو من أكثر المعدلات انخفاضًا في العالم (1).
عباد الله: لا نستغربُ هذا أو غيره من أعدائنا، والله تعالى يقول:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (2)، ولكن المستغرب حقًا مواقفُ المسلمين تجاه قضايا إخوانهم المسلمين. وقد ألف العالم -مع كل أسفٍ- مسلمهم وكافرهم -إلا من رحم الله- أخبار المآسي الواقعةِ على الأقليات المسلمة، وعاد نزيفُ الدماء وتناثر الأشلاء وارتفاعُ أصوات الأيامى والصبايا بالبكاء لا يحركُ ساكنًا، وإن حرّك كان عاطفةً لا تلبث أن تبرد وتسكن، وقلَّ أن يتبعها عملٌ منظم، وإجماع محكم -من المسلمين على الأقل- ينتصر للمظلوم ويمنع الظالم.
وكم يذكر التاريخُ للمعتصم العباسي استجابته لصرخةِ امرأةٍ مسلمة سيّر على
(1) المجتمع الكويتية 18 - 26/ 6/ 1420 هـ.
(2)
سورة البقرة، الآية:120.
أثرها جيشًا عظيمًا لتأديب الروم والانتصارِ للمظلوم، وأين مثلُ هذا في واقع المسلمين اليوم؟
رُبَّ وامعتصماهُ انطلقتْ
…
ملءَ أفواهِ الصَّبايا اليُتَّمِ
لامَسَتْ أسماعَهُم لكنها
…
لم تُلامسْ نخوةَ المُعتصمِ
كم يحزن القلبُ، وتدمع العين حين نسمع عن أعداد من المهاجرين المسلمين يهيمون على وجوههم في بيداءَ مهلكة، بحثًا عن المأوى، وطالبًا للقمة العيش، وقد يُقصفون في ثنايا الطريق، ولربما ماتوا عطشًا أو جوعًا في رحلة التشريد والتجويع، وهل دماء المسلمين رخيصة إلى هذا الحد؟ ! وهل قضايا المسلمين بالمهانة إلى هذا القدر؟ ! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (1).
(1) سورة الأنفال، الآية:73.