الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله قال في محكم التنزيل: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (1).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حكم أنّ بذكره تطمئن القلوب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله دلَّ أمته على كل خير، وحذرهم من كل شر .. اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين.
الوقفة السادسة: وقفة محاسبة مع النفس، فرمضان في أيامه الأولى، فهلا تعهدت نفسك - أيها الصائم - بجملة من أعمال البر، وقرب الطاعات، من تلاوة للقرآن، وإحسان للفقراء، ودعوة بالحسنى، وذكر لله واستغفار واستجماع وإخلاص في الدعاء، وقيام ليل، وصيام نهار على الوجه الأكمل، وتبكير للصلوات وخشوع فيها .. إلى غير ذلك من أنواع الطاعات التي تحاسب نفسك على الإقلال منها أو الإكثار في نهاية الشهر.
وتجري العوائدُ أن من يحسبون للمستقبل بدقةٍ، يحسنون العمل في اللحظات الحاضرة، والموفّق من وفّقه الله، وكلُّ نفس بما كسبت رهينة.
الوقفة السابعة: بين يسر الإسلام وعدم التهاون في ترك الصيام، فمن أرهقه جوعٌ مفرط، أو عطش شديدٌ، فخاف على نفسه الهلاك، أو ذهاب بعض الحواس
(1) سورة فاطر، الآية: 29، 30.
بغلبة الظنِّ لا الوهم، أفطر وقضى، وليست امتحانات الطلاب عذرًا يبيح الفطر في رمضان (1).
الوقفة الثامنة: وهذا أوان الخلاص من كثير من الذنوب والخطايا والعوائد السيئة والبلايا .. فأيام رمضان بالصيام «والصوم جُنّة» ، ولياليه بالقيام {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (2)، مع ما فيه من قبول الدعاء .. كل ذلك فرصةٌ للمبتلى ليعود إلى ربِّه تائبًا خاشعًا نادمًا. إليك - أيها المتهاون بالصلاة - وإليك، أيها المفتون بالدخان أو المخدرات أو المسكرات، أو بألحان الغناء .. وإليك أيها المفتونُ بالنظر إلى النساء، أو أكل الربا، أو الغش في البيع والشراء .. إليكم وإلى غيركم ممن فُتن وتعلق قلبه بمعصية .. إليكم جميعًا يوجه النداء .. والباب للتوبة يُفتح على مصراعيه في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وأنت لا تدري أتدرك رمضان القادم .. أم تكونُ في عداد الموتى؟ فبادر بالتوبة قبل ساعة الندم والحسرة.
الوقفة التاسعة: وهذا - كذلك - أوان الخلاص من شح النفس، وبُخلها، وشهر رمضان شهرُ النفقة والإحسان، والله تعالى يدعوكم في كل حين للنفقة ويقول:{هَأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (3).
أيها المنفق والمتصدق: احمد الله أن جعل لك يدًا تعطي لا تأخذ، واليدُ العليا
(1) المنجد: مختصر سبعين مسألة في الصيام 27.
(2)
سورة العنكبوت، الآية:45.
(3)
سورة محمد، الآية:38.
خيرٌ من اليد السفلى، وأعلم أن صنائع المعروف في الدنيا تقي مصارع السوء، والصدقة تطفئ غضب الرب، وأهلُ المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة - كذا صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم (1).
وإذا كانت الصدقةُ يُضاعف الله أجرها أضعافًا مضاعفة، فضلًا من الله ومنّة في كل حين، فالصدقةُ في رمضان لها مزيتها وفضلها لا سيما وأهلُ الحاجات يتطلعون إلى هذا الشهر الكريم لمزيد مواساتهم وتخفيف آلامهم، وقضاء ديونهم، فكونوا عند حسن ظن الفقراء بكم واستجيبوا لربكم، واعلموا أن المال مالُ الله، وهو عاريةٌ عندك أيها المسلم، وأنت ممتحن فيما أنت صانع فيه، واعتبر بما قال الأول:
وما المرءُ إلا مضمراتٌ من التقى
…
وما المال إلا عارياتٌ ودائعُ
أليس ورائي إن تراخت منيتي
…
لزوم العصا تُحنى عليها الأصابعُ
وكن على ثقة من وعد الله: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (2).
ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم ودعائه: «اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، وأعطِ ممسكًا تلفًا» .
أيها المسلمون: وخصوا المجاهدين الصادقين من المسلمين بشيء من صدقاتكم، فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل قوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (3)، قولهُ: «الجهادُ والحج يُضعَّف
(1) صحيح الجامع الصغير 3/ 24.
(2)
سورة سبأ: الآية: 39.
(3)
سورة البقرة، الآية:261.
الدرهمُ فيهما إلى سبع مئة ضعفٍ». وعن مكحول: يعني من الإنفاق في الجهاد، وإن كان ورد أن الأجر أعمُّ من ذلك إذ يشمل كلَّ إنفاقٍ في طاعة الله (1).
الوقفة العاشرة: ولا يعني تأخيرُها التقليل من شأنها - لكنها إنما وصلت إليَّ مجموعةٌ من أخبارها متأخرة (2)، إنها وحشية الروس، وصمودُ الشيشان، وقبل يومين تقريبًا - نقلت جريدة الرياض تصريحًا لأحد المسئولين في الشيشان أفاد فيه أن روسيا تجرأت وضربت (قروزني) بالأسلحة الكيماوية، وهذه الأسلحة المحرمة - دوليًا - تحدث آثارًا في الجسم مؤلمة قبل أن تنتهي به إلى الموت، وأغلب المتضررين منها النساءُ والشيوخ والأطفال، الذين لا يستطيعون الفرار والخلاص منها، وإلى الآن أحصي من عدد الوفيات منها ثلاثون حالة - والشيشان بصدد مزيد جمع معلومات لتقديمها للعالم!
وبلغت حدة الروس - كما نقلت وكالات الأنباء، ومنها (رويتر) درجة استنكر فيها العالم الغربي أفعالهم - وإن كان حليفًا لروسيا - فالاتحادُ الأوروبي قال بأنه سوف يوقف التعاون مع روسيا إذا هي استمرت في أعمالها البربرية في الشيشان، والحكومات الغربية تهدد باتخاذ مواقف سياسيةٍ واقتصادية ضد روسيا لارتكابها أعمالًا شنيعةً، وللعنف الشديد المستخدم ضد الشيشانين، وذلك على أثر سيطرة الروس على (شالي) و (عروس مارتان) والأولى بعد عشرين كيلًا من قروزني العاصمة - ولهذه التطورات أصرّت بريطانيا أن تكون قضية الشيشان في أعلى قائمة الموضوعات المبحوثة في مؤتمر الدول الصناعية الثمان، والذي سيعقد قريبًا في
(1) تفسير ابن كثير 1/ 467.
(2)
من أخبار الخميس 1/ 9/ 1420 هـ.
(برلين)، وكان يُفترض فيه تقديمُ قروض لروسيا! ولا تدري ممَّ العجب؛ أمن تقديم القروض، أم من الاستنكار؟ ! ولا ندري ما النتائج أتكون إيجابية .. أم هي لذرِّ الرماد في العيون؟ وبكل حال فالأخبارُ المأسوية هناك بوضع اللاجئين والمشردين تحكي شناعة وإجرام الروس ومن وراءهم، وتشي بضعف الصلة والانتصار للمظلومين من قبل المسلمين لإخوانهم .. وأين الاجتماعات والقراراتُ الحازمةُ لإيقاف صلف الروس من قبل الدول الإسلامية؟ ولكَ أن تتصور (أُمًّا) تسافر هائمة على وجهها بين قمم الثلوج وقلة الطعام، وأزيز الطائرات، ثم هي بعد ذلك تحمل معها ستة أطفال! وأبشع من ذلك أن تتصور فتاة عذراء مسلمة يهتك الروس عرضها، ثم إذا انتهوا منها أنهوا حياتها. ولك أن تتصور أطفالًا يهجرون ويطعمون النصرانية أو اليهودية أو غيرها من المعتقدات الفاسدة، مع رضعات اللبن أو كسرة الخبز.
«وا إسلاماه» لم تلامس نخوة المسلمين كما ينبغي، وعسى الله أن يجعل لهؤلاء المسلمين فرجًا من عنده، وأن يكون في شدة هذه الضربات ما يوقظ هِمَمَ المسلمين، فيهبُّوا لنصرة إخوانهم، والقوات الروسية تقول إنها سوف تنتهي من قصة الشيشان قبل نهاية ديسمبر الحالي، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} (1).
(1) سورة الأنفال: الآية 30.