الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين الحقّ ودعوى وحدة الأديان
(1)
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذْ ولدًا ولم يكن له شريكٌ في الملك ولم يكن له وليٌّ من الذلِّ وكبِّره تكبيرًا.
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، أنزل عليه الكتاب ولم يجعل له عوجًا، بعثه برسالة الإسلام، وختم به النبوات، وانقطع بموته الوحيُ من السماء، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: وبين آونةٍ وأخرى يَردُ الحديثُ عن صراع الحضارات، ويردُ أكثر عن حوار الحضارات، كما يرد الحديثُ ويتجدد - منذُ زمنٍ - عن تقارب الأديانِ ووحدتِها، وربما أطلق البعضُ أن لا فرقَ بين أصحابِ المللِ والأديانِ - ما داموا يؤمنون بالله - ولو اختلفت شرائعُهم، أو اختلفوا في إتباع أنبيائهم، إلى غير ذلك من طروحات ومفاهيم يُلبَسُ فيها الحقُّ بالباطل، وربما أحدثت خللًا أو شكًا في المعتقد الصحيح، ولرفع اللبس وبيان الحقّ، وكشفِ الباطل وتجلية
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 20/ 7/ 1420 هـ.
(2)
سورة النساء، الآية:1.
(3)
سورة آل عمران، الآية:102.
الحقائق، فلا بد من الحديث - ولو بشكل مجمل - عن المفردات التالية:
1 -
الإسلام بوصفه الدين الحق والرسالة الأخيرة للخلق.
2 -
وعن القرآن بوصفه الكتاب المصدق للكتب قبله، والمهيمن عليها، والحافظ لأصول الشرائع السماوية كلها، والناسخ لما نسخ الله منها، وبوصفه الوحي الإلهي الوحيد المحفوظ من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان.
3 -
وعن محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار عموم رسالته وختمها لرسالات السماء.
4 -
وعن أمةِ الإسلام باعتبارها أمةً وسطًا، وخيريَّتُها مقطوعٌ بها، وشهادتُها على الناس بنصِّ الوحيين - كما سترى -.
أيها الناس: أما الإسلامُ فهو الدينُ الحقُّ الذي شرع الله ورضيه لنا دينًا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (1).
وهو دين اللهِ ودين رسله، وهو رسالته الأخيرة إلى الناس كافّة.
وهو الانقياد لله وحده ظاهرًا وباطنًا بما شرع على ألسنة رسله (2).
وهو الدينُ الذي بَعث الله به الأولين والآخرين من الرسل عليهم السلام، فنوحٌ عليه السلام قال لقومه:{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (3).
وإبراهيم عليه السلام: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (4).
وحين اختصم اليهودُ والنصارى في إبراهيم عليه السلام جاء الفصل من اللهِ حاكمًا بإسلام إبراهيم: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} (5).
(1) سورة آل عمران، الآية:19.
(2)
السعدي: تيسير الكريم الرحمان: 1/ 366.
(3)
سورة يونس، الآية:72.
(4)
سورة البقرة: الآيتان: 131، 132.
(5)
سورة آل عمران، الآية 67.
ويوسف عليه السلام كان من دعائه -: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (1).
وموسى عليه السلام يدعو قومه للإسلام: {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (2).
والسحرةُ حين اهتدوا قالوا لفرعون: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} (3).
وعن أنبياء بني إسرائيل قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} (4).
وقال عن إسلام ملكة سبأ وسليمان عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5).
وعيسى عليه السلام تبرأ من كفر النصارى، وأعلن والحواريون معه الإسلام لله:{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (6).
ثم جاء محمدٌ صلى الله عليه وسلم ليقول للناس كافة: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (8).
وحين بُعث محمدٌ صلى الله عليه وسلم إليهم آمن به واتبع دينه أهل الكتاب، وهم المؤمنون
(1) سورة يوسف، الآية:101.
(2)
سورة يونس، الآية:84.
(3)
سورة الأعراف، الآية 126.
(4)
سورة المائدة، الآية:44.
(5)
سورة النمل، الآية:44.
(6)
سورة آل عمران، الآية:52.
(7)
سورة المائدة، الآية:111.
(8)
سورة آل عمران، الآية:85.
الذين لم يحملوا الحقد والحسد، ولم يُحرِّفوا أو يبدلوا أو يشتروا بالدين ثمنًا قليلًا، بل أعلنوا إيمانهم وإسلامهم، كما قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} (1).
بل كان منهم مَنْ إذا سمع ما أنزل إلى الرسول: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (2)، ومنهم من إذا تُلي عليهم القُرآن {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} (3)، {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (4).
أما الفريقُ الآخر فكذبوا وعاندوا واستمروا على كفرهم، وهؤلاء لا تنقصهم معرفةُ الحق، ولكن طغى عليهم البغيُ والحسد، وهؤلاء هم المعنيُّون بقوله تعالى:{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5).
وهم الموصوفون بقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (6).
وهم المختلفون بعد العلم: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (7).
عبادَ الله: وأهلُ الدين الحق في الماضي والحاضر هم المسلمون لله ربِّ العالمين، والمهتدون بهدي المرسلين، فلا شرك ولا ظلم ولا فجور ولا
(1) سورة القصص، الآيتان: 52، 53.
(2)
سورة المائدة، الآية:83.
(3)
سورة الإسراء، الآية:107.
(4)
سورة الإسراء، الآية:109.
(5)
سورة آل عمران، الآية:86.
(6)
سورة البقرة، الآية:89.
(7)
سورة آل عمران، الآية:19.
فسوق، ولا سوء أدب مع الله، ولا مع أنبيائه. وأين الإسلامُ ممن قالوا:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} (1)، وربنا لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا، وأين الإسلامُ ممن قالوا: المسيحُ ابنُ الله، والله يقول:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (2).
أين الإسلامُ والإيمانُ ممن قالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} (3). وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (4).
وأين الإسلام والإيمان ممن قالوا: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (5).
وأين الإسلام ممن اتخذوا عيسى عليه السلام وأمَّه إلهين من دون الله.
أيها الناس: وهل يصحُّ أن يطلق الإيمانُ والإسلامُ على أهلِ الكتاب المحرِّفين من اليهود والنصارى والله يقولُ عنهم: {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (6).
ويصفهم اللهُ بالكفر صراحة بقوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} (7).
ويصف اللهُ أكثريتهم بالفسق بقوله: {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} (8).
وينفي عنهم الإيمان بقوله: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (9).
ويصفهم بالظلم، ويشبههم بما يتفقُ وإضاعتِه الأمانة بقوله: {مَثَلُ الَّذِينَ
(1) سورة المائدة، الآية:18.
(2)
سورة المائدة، الآية:73.
(3)
سورة آل عمران، الآية:181.
(4)
سورة المائدة، الآية:64.
(5)
سورة المائدة، الآية:73.
(6)
سورة المائدة، الآية:43.
(7)
سورة البينة، الآية:1.
(8)
سورة المائدة، الآية:59.
(9)
سورة المائدة، الآية:81.
حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1).
بل كيف يقال بإيمان من اعترفوا على أنفسهم بالكفر: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (2).
وإذا زاغ اليهودُ عن الحقِّ الذي جاءهم به موسى عليه الصلاة والسلام وهو نبيهم - فكيف يُظن بهم إتباعُ غيره وتقديره: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (3).
أما النصارى فقد قال لهم نبيُهم عيسى عليه السلام: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} (4).
وهكذا - إخوة الإسلام - ينفرد المسلمون بالإيمان الحق والتزكية الإلهية والتصديق الجازم وتقدير الأنبياء والمتابعة لهم .. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
(1) سورة الجمعة، الآية:5.
(2)
سورة آل عمران، الآية:72.
(3)
سورة الصف، الآية:5.
(4)
سورة الصف، الآية:6.
(5)
سورة الجمعة، الآيات: 2 - 4.