المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مكفرات الذنوب (1) ‌ ‌الخطبة الأولى: الحمد لله واهبِ النعم ومجزلِ الفضل دافع - شعاع من المحراب - جـ ٧

[سليمان بن حمد العودة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السابع

- ‌الدين الحقّ ودعوى وحدة الأديان

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(2) الدين الحق

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌المحبة المشروعة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الرحمة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌وصايا لقمان وسنن وبدع شعبان

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الحسبة والمحتسب

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(1) أطفالنا ومسؤولية التربية

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(2) أطفالنا ومسؤولية التربية

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الأزمات العالمية

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌أذية المسلمين

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(1) الأخلاق الفاضلة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌أفكار في التربية والتعليم مع بدء العام الجديد

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌كيف نودع عامًا وبم نستقبل آخر

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌من أنصار المرأة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الغفلة

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الزكاة، والعشر

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌زيارات واستقبالات رمضان

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌أصحاب الفيل

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌مراتب الجهاد

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌ما قبل الزواج

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌أفكار في الدعوة إلى الله

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌وقفات مع الزلزال المدمّر

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌من مقاصد الحج وأسراره ومعانيه وعشر ذي الحجة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌مكفرات الذنوب

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌عناصر القوة للمسلم

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌المعركة المتجددة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌بشائر بمستقبل الإسلام

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌بين عالميتنا وعولمتهم

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

الفصل: ‌ ‌مكفرات الذنوب (1) ‌ ‌الخطبة الأولى: الحمد لله واهبِ النعم ومجزلِ الفضل دافع

‌مكفرات الذنوب

(1)

‌الخطبة الأولى:

الحمد لله واهبِ النعم ومجزلِ الفضل دافع النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غافرُ الذنب وقابلُ التوب شديدُ العقاب، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه صفوةُ البشرِ، وخير من حج واعتمر، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (2).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (3).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (4).

عبادَ الله: وعاد حُجاجُ بيت الله سالمين غانمين - إن شاء الله - معافيْنَ في أجسادهم، آمنين في أداء مناسكهم، ونسأل الله أن يديم لهذا البيت أمنه، وأن يزيده تشريفًا وتعظيمًا، وأن يجزل المثوبة لكل من أسهم في أمنِه وتعظيمه، وتيسير السبلِ، والراحة للحجاج والمعتمرين.

حجاجَ بيت الله: هنيئًا لمن تقبل الله عمله فعاد من حجِّه كيوم ولدته أمُّه: «والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة» وهل للمسلم غايةٌ أعظم من الجنة،

(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 18/ 12/ 1420 هـ.

(2)

سورة آل عمران، الآية:102.

(3)

سورة الحشر، الآية:18.

(4)

سورة التوبة، الآية:119.

ص: 236

وفي الحج فرصةٌ لإظهار عالميتنا الأصيلة، فشعَارُنا في الحج واحد ومناسكنا واحدة، والعربي والأعجمي والغني والضعيف كلنا في صعيد واحد، يتوحدُ لباسنا وتتوحد مشاعرنا، وفرق بين هذه العالمية الأصيلة والعولمة المصطنعة.

أما من خرج حاجًا أو معتمرًا، فأدركته المنيةُ قبل إتمام نسكه، فأجره على الله:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (1)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من خرج حاجًا فمات، كُتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرًا فمات، كُتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيًا فمات، كُتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة» (2).

وفضل ربي واسع، ومن لم يكتب له الحج هذا العام ووفق لصيام يوم عرفة، كفر اللهُ عنه به السنة الماضية والباقية. (رواه مسلم بمعناه).

وعن أبي يعلى: «من صام يوم عرفة غفر له ذنب سنتين متتابعتين» . ورجاله رجال الصحيح (3).

بل إن فضل الله واسع، يمتد ليشمل أصحاب الطاعات الخالصة لله، فقد روى أبو داود بسند حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه، فأجره كأجر المعتمر، وصلاةٌ على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين» (4).

(1) سورة النساء، الآية:100.

(2)

رواه أبو يعلى وصححه بعضهم، كفاراتُ الخطايا/ حامد العقبى:155.

(3)

كفارات الخطايا: 92.

(4)

صحيح الجامع: 5/ 288، صحيح سنن أبي داود:597.

ص: 237

إخوة الإسلام: ومن فضل الله على هذه الأمة أن ختام العام في شهر ذي الحجة وفيه مغفرة الذنوب لمن حج البيت، أو صام يوم عرفة - لغير الحاج - وابتداءُ العام التالي بشهر الله المحرم، وفي يومُ عاشوراء، وصيامُ عاشوراء يكفر السنة الماضية - كما روى مسلمٌ في «صحيحه» ، وبين شهر الله المحرم، وشهر ذي الحجة يأتي شهر رمضان، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.

أيها المسلمون: ولا ينقطع فضل ربنا، ولا تنتهي مكفرات الخطايا والذنوب عند أعمال الحج والصيام.

بل توجد مكفرات للذنوب نمارسها في اليوم والليلة، كالصلوات، فالصلوات الخمس، مكفرات لما بينها إذا ما اجتنبت الكبائر، ومساكين من يضيِّعون هذه الصلوات أو يتهاونون في أدائها، ومكفراتٌ نمارسها متى شئنا في ليلٍ أو نهار، ولا تكلفنا إلا تحريك اللسان واستحضار القلب، كالذكر والاستغفار، وفي الحديث المتفق على صحته قال صلى الله عليه وسلم:«من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» (1).

دونكم - معاشر المسلمين - ذكرًا قد يبدأ به أعداد من المسلمين، فيعاجلهم الشيطان فيقطعونَهُ قبل إتمامه، وإذا عوجل المسلم عن إتمام الذكر

وهو بعد في المسجد؛ فكيف ترى الشيطان يصنع به خارج المسجد، وعن هذا الذكر يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من سبح اللهَ في دبرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر اللهَ ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسع وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير،

(1) أحمد، البخاري ومسلم وغيرهم صحيح الجامع ح:6307.

ص: 238

غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» (1) إن في ذلك لمزية للمصلين وفضلًا للذاكرين.

أيها المسلمون: ومن مكفرات الذنوب ما نكره وقوعُه علينا ظاهرًا وإن كان فضلًا من الله ورحمة بنا باطنًا، كالأمراضِ نحاذرها جميعًا، ونتقي أسبابها، فإذا حلت بأحدنا وصبر واحتسب كانت كفارة لسيئاته ورفعةً لدرجاته، وكذا المصائب في الأموال والأولاد

وعن هذه وتلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا سبقت له من الله منزلةٌ لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبَّره على ذلك حتى يُبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى» (2).

قال يزيدُ بن ميسرة رحمه الله: إن العبدَ ليمرض وما له عند الله من عمل خيرٍ، فيذكِّره اللهُ سبحانه ببعضَ ما سلف من خطاياه، فيخرجُ من عينه مثلُ رأسِ الذباب من الدمع من خشية الله، فيبعثه الله إن يبعثْهُ مطهرًا، أو يقبضه إن قبضه مطهرًا» (3).

عبادَ الله: والهمومُ والأحزانُ التي تصيب المسلمَ هي الأخرى مكفراتٌ للخطايا، أخرج البخاريُّ ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما يصيبُ المؤمنَ من نَصَبٍ - وهو التعبُ الشديد - ولا وصبٍ - وهو المرض - ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا أذىً ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه» .

(1) رواه الإمام أحمد ومسلم في «صحيحه» صحيح الجامع ح: 6162.

(2)

أخرجه أحمد وأبو داود واللفظ له، ووثق ابن حجر رواته إلا واحدًا، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 597، وانظر: تحفة المريض: 19. عبد الله الجعيثن.

(3)

عدة الصابرين: 102، تحفة المريض، الجعيثن:23.

ص: 239

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كثرت ذنوبُ العبدِ فلم يكن له من العمل ما يكفرها ابتلاه الله بالحزنِ ليكفرها عنه» أخرجه أحمدُ بسند حسن (1).

يا أخا الإسلام: وثمةُ أعمالٌ يسيرة ولكنها عندِ الله عظيمةٌ لمن احتسب أجرَها، وهي داخلةٌ في مكفرات الخطايا، فالصلاةُ على الرسول صلى الله عليه وسلم جاء في فضلها قوله صلى الله عليه وسلم:«من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطَّ عنه عشرَ خطيئات، ورفع له عشرَ درجات» ، أخرجه أحمدُ وغيره بإسناد صحيح (2).

وسلامُ المسلم على أخيه المسلم من أسبابِ مغفرةِ الذنوب، وفي الحديث:«ما من مسلميْن يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يتفرقا» أخرجه أحمدُ والترمذي وغيرُهما بسندٍ حسن (3).

وإدخالُ السرور على المسلم موجبٌ للمغفرةِ، قال صلى الله عليه وسلم:«إن من موجبات المغفرة إدخالَ السرورِ على أخيك المسلم» (4). وهذه أعني إدخال السرور على المسلم - فوق ما فيها من مغفرة الذنوب، هي نموذج لعظمة الإسلام في بناء العلاقات الحسنة بين المسلمين.

يا أخا الإسلام: وهل أعظمُ من ربٍّ وأسمى من دين تأكل الأكلة فتحمده عليها، فيغفر الله ذنبك، أو تلبَسُ الثوب فتحمده عليه فيغفر ذنبك، وفي هذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من أكل طعامًا فقال الحمدُ لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة، غفر اللهُ له ما تقدم من ذنبه، ومن لبس ثوبًا

(1) مكفرات الخطايا: 60.

(2)

صحيح الجامع الصغير: 5/ 316، ح:6235.

(3)

مكفرات الخطايا: 106.

(4)

رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن، السابق:112.

ص: 240

فقال الحمد له الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر». رواه أحمدُ والحاكم بسند حسن صحيح (1).

يا عبدَ الله: ألا ما أعظم فضلَ الله وأكثر طرقَ الخير والمغفرة، فسارع إلى الخيرات جهدك، وإياك أن تغتَّر بعملك، أو تمنَّ على الله بما هداك له، بل الصالحون يأتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، وأولئك قال الله عنهم:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (2).

جعلنا الله منهم

أقول ما تسمعون وأستغفر الله

(1) صحيح الجامع: 5/ 256.

(2)

سورة المؤمنون، الآيتان: 60، 61.

ص: 241