الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين.
وعن وسائل الدعوة يقال كلامٌ كثير، ويُقترح وسائلُ نافعةٌ بإذن الله، كالمحاضرة والدرس والندوة والموعظةِ الحسنة، وتوزيع الكتاب، والشريط والمطوية النافعة، والدعوة عبر الرسالة والمراسلة، وفي محيط الأسرة، والجيران، وبين زملاء العمل والدراسة وأصدقاء العمر، وفي المناسبات العامة، وداخل المدن أو في القرى والمناطق النائية، وعبر الكتابة في وسائل الإعلام، أو البرامج المذاعة، وفي التجمعات الشبابية، أو دور الرعاية، وأماكن الإصلاحيات والسجون، والاستفادة من إمكانات الحاسب ومواقع الانترنت، وداخل أروقة المستشفيات، وغرف المرضى، وفي الفنادق والاستراحات المؤجرة، واستثمار الأوقاف الخيرية العامة في الدعوة إلى الله
…
إلى غير ذلك من الوسائل التي قاربت المائة وسيلة عند بعض المعنيين برصد الوسائل الدعوية، وقد يزيدها آخرون.
وفوق ذلك كله فهناك وسائل دعويةٌ قد يُغفلُ عنها مع يسرها، وعدم الكلفة فيها، والاقتدار عليها، وحين يكون الحديث عن وسائل الدعوة لا بد من الإشارة إلى أهمية التجديد في وسائلها بشكل عام، ولا بد من القناعة أن ما صلح لزمن قد لا يكون بالضرورة هو الأصلح لزمان أو مكان آخرين، فحسنُ تعامل الموظف مع المراجعين، وتيسيرُ أمورهم أسلوبٌ من أساليب الدعوة - إذا أحسن الموظف تقديمه وتوظيفه، والسماحة في البيع والشراء، والنصحُ وعدمُ الغش أو المغالاة في السعر أسلوب في الدعوة يملك به الباعةُ قلوبَ المشترين، لا سيما إذا قدموه على أنه جزءٌ من تعاليم الإسلام وهديه. والمعلمُ
المخلصُ في رسالته التعليمية، والمدركُ لدوره التربوي، والمنصفُ لطلابه، والمتأدبُ الخلوق مع زملائه، هو أحدُ الدعاةِ إلى الله - وإن لم يتَسَمَّ بذلك فلا عبرة بالمسميات - ولكنها الوسائل النافعة ورصيد الأخلاقيات. والمرأةُ المحتشمة في لباسها، والهادئةُ في طبعها، وتعاملها، والمبتسمةُ في وجه صويحباتها، والمعرضةُ عن ما لا يعنيها والداعيةُ للخير بسلوكياتها، هذه تعمل عملها، وربما فاق أثرُها حديثًا نظريًا طويلًا. يا أيها المقتدرُ على حاجةٍ من حوائج المسلمين، ولربما كان في قضائك لأحدهم حاجةً أثر في قبول صاحب الحاجة للخير، وانصرافه عن شرٍّ هو واقعٌ فيه، ولربما كانت هذه منك إليه رسالةً وأنت لا تدري، ما لم يكن في تقديم هذه الحاجة محظور.
أيها المسؤول: وأنت في موقع مسؤوليتك مهما صغرت أو كبرت تستطيعُ أن تُقدم الخير، وتدعو إلى دين الله من خلال فرص الخير التي أقدرك الله عليها، وأنت أدري الناسِ بها، لا سيما إذا لم يكن كرسيُّ المسؤولية هدفك، والتعالي على الناس غرورًا لحق بك، والمطامعُ الشخصيةُ هي المحركة لتصرفاتك.
أيها المسلمون: وكم نغفل - في أساليب الدعوةِ إلى دين الله - عن إسعاف مريض، أو نقلِ مصاب، أو إعانة متعطل في البراري أو الطرق السريعة - وقد يكون أحوجَ ما يكون لمساعدتك ووقوفك إلى جانبه - ومواقف المعروف والإحسان تبلغ - أحيانًا - مبلغها، وتؤثر أثرها في الآخرين، وقد نشعر بذلك وقد لا نشعر
…
إلى غير ذلكم من وسائل قد لا نقدرها حقَّ قدرها، وقد تبلغ في آثارها مبلغًا عظيمًا، والمهم أن تُقدر كُلَّ موقفٍ، وتحتسب على الله كلَّ حركة، وتخلص النية وتحسن القصد، وتوظف ذلك في الدعوة لدين الله، وقد كان المعلمُ الأول صلى الله عليه وسلم يحتسبُ في نظرته وابتسامته ومزاحه، فضلًا عن جدِّه وأمره ونهيه، ولكم في رسول الله أسوة حسنة.
إن من الخطأ - معاشر المسلمين - أن نقصر الدعوة على وسائلَ محددةٍ، أو نخصَّ بها صنفًا من الناس، لا نجاوزها إلى غيرهم، ففي ذلك غمطٌ لحقوق الآخرين، وتحجيرٌ لواسع.
وإذا عُدّت وسائلُ الدعوة فينبغي أن تشمل كلّ جهدٍ خيرٍ نفع اللهُ بجهد صاحبه الإسلامَ والمسلمين. وينبغي أن يتسع مفهومُ الدعاةِ لكل داعيةٍ إلى الخير، مهما كان موقعُه وأيًا كانت وسيلته، ما دامت في إطار الشرع الحنيف، ولربما غاب عن أنظار الناس أشعثُ أغبر، لو أقسم على الله لأبره، ولكنه معدودٌ عند الله في طليعة الذين يأمرون بالقسط من الناس، وكم في ميدان الدعوة من جنودٍ مجهولين وهم من الأخفياء الأتقياء.
أيها المؤمنون: وأنتم مدعوون جميعًا لتكونوا من أنصار الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} (1)، وبالإيمان والعمل الصالح يتحقق لكم الخير، وبالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف تكونون من المفلحين.
(1) سورة الصف، الآية:14.