الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسنُ عملًا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وَفَّقَ الله من شاء لطاعته، وهدى أولياءه لاستثمار مواسم الخيرات، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، أمر بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل حلول الفتن والأسقام أو نحوها من الصوارف والشواغل، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائرِ الأنبياء والمرسلين.
عبادَ الله: بمِ نستقبل رمضان؟
هنا تتفاوت الهممُ، وتختلف الإجابةُ على صعيد الواقع وإن اتفق الناسُ في الكلام والأماني، ودعونا نتواصى بالصبر والحق - فتلك من علامات المؤمنين - ونتذاكر في عددٍ من الأمورِ نستقبلُ بها هذا الضيف الكريم.
فنستقبله أولًا بالفرح والبشرى، فهو من فضل الله ورحمته علينا، والله يقول:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (1).
بُشرى العوالم أنت يا رمضانُ هتفتْ بك الأرجاءُ والأكوانُ
لك في السماءِ كواكبٌ وضَّاءةٌ ولك النفوسُ المؤمناتُ مكانُ
2 -
ونستقبله - ثانيًا - بالعزيمة على عمل الطاعات، ثم نتبع ذلك بالمسارعةِ للخيرات، فرمضانُ موسمٌ للهدى والخير والبركات، وميدانٌ رحب للتسايق في عمل الصالحات.
3 -
ونستقبله بالتوبة النصوح من الذنوب والأخطاء، وفتح صفحاتٍ أكثر إشراقًا وقربًا إلى الله
…
وأنت - أيها المسلمُ والمسلمة - واجدٌ لك في هذا
(1) سورة يونس، الآية:58.
الشهر عونًا على التوبةِ والإنابة، فالصيامُ يورث التقوى، ويردع عن الفواحشِ، ويكسرُ شهوةَ البطن والفرج، ومردةُ الشياطين تُصفَّد، وأبوابُ الجنة تفتح، وأبواب النار تغلق - وكل ذلك من دواعي التوبة ومعينٌ عليها، ومحرومٌ من دخل عليه شهرُ رمضان ثم خرج ولم يُغفر له «رغمُ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثم انسلخ قبل أن يغفر له» .
4 -
ونستقبله، بل نبدأ الصيام والقيام، بالإخلاص لله ورجاءِ مثوبتهِ .. فالإيمانُ والاحتسابُ شرطان للمغفرة للصائمين والقائمين، وفي الحديث المتفق على صحته:«من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» ، «ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» .
5 -
ونستقبله ونتواصى فيه على الجود وزيادة المعروف والإحسان، وفي رسول الله أسوةٌ حسنة، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان، ووصف جودُه - حين يلقاه جبريلُ في رمضان - بأنه كان أجودَ بالخير من الريح المرسلة (1).
6 -
معاشر الأئمةِ: واستقبلوا رمضان بحثِّ جماعتكم على الخير، وبحسن تلاوة كتاب الله حين تؤمُّون المسلمين، وترغيب الناس في التراويح والقيام، ومراعاة أحوال الناس قدر الإمكان، وبما لا يُخلُّ بواجب، أو يفوِّتُ سُنَّةً، واختاروا الكتاب المناسب للقراءة، والموضوعات المفيدة للحديث للرجل والمرأة، والصغير والكبير، والخيِّر والراغب في الهداية، ومن الخير أن يكون هذا الإعدادُ سابقًا لدخولِ رمضان.
7 -
أيها الأخيارُ في كل حي: وجميلٌ منكم أن تسهموا مع الأئمة وجماعة المسجد على كل خير، لا سيما وجموعٌ من المصلين تَفِد إلى المساجد في شهر
(1) متفق عليه، رياض الصالحين/ 480.
رمضان، فرحبوا جميعًا بمقدمهم، وتعاونوا مع الأئمة على أسباب انقطاع من ينقطع بعدُ منهم، تفقدوا المحتاجين.
8 -
أيها المحاضرون والمتحدثون - وأنتم خليقون أن تختاروا الكلمة المناسبة في رمضان، وأن تجتهدوا في التحضير والإعداد، وتجددوا في أساليب طرحكم، وتعيشوا هموم الناس، وتجيبوا على تساؤلاتهم. فليس المهمُ أن تتاحَ الفرصةُ للحديث فحسب، بل وبماذا وعن أي شيء تتحدثون!
9 -
أيها الأغنياء: واجتهدوا في إحصاءِ زكاة أموالكم، وأخرجوها راضية بها أنفسُكم، وتحققوا في المحتاجين، وليكن للمجاهدين واللاجئين والمنكوبين في العالم الإسلامي نصيب من زكاتكم وصدقاتكم.
10 -
أيتها المرأة: وإن أخطأت بعضُ النساء فاستقبلت رمضان بأنواع المآكل والمشارب، أو بالخروج وكثرة التردد على الأسواق، أو بطول النوم، أو الحديث في الغيبة والنميمة، أو سماع المحرم، أو نحو ذلك مما يحرم على المسلم، ويخدش الصيام، فلا تقعي أنت في شيء من هذا، ونبهي أخواتك المسلمات
…
فالنساء شقائق الرجال، ورمضان فرصة للمسارعة للخيرات للرجال والنساء، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
أيها المسلمون: لا تستقبلوا رمضان بصوم يوم قبله تحوُّطًا إذ لا يجوز صيام يوم الشك، وإذا ثبت دخولُ الشهر فلا بد من تبييت النية للصوم الواجب، وذلك في القلب، والتلفظُ بها بدعة، ولا تشترط النيةُ لصوم النفل، وإذا كانت نوافل الصلاة تجبر مما في الفرائض من خلل فكذلك صيام النفل
…
هذا فضلًا عما فيها من رفعة الدرجات وتكفير السيئات - ومن صيام النفل الصيام في شهر شعبان، وفي الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كلَّه، وفي
رواية: كان يصوم شعبان إلا قليلًا (1) ومن لم يعلم بدخول شهر رمضان إلا بعد طلوع الفجر فعليه أن يمسك بقية يومه، وعليه القضاءُ عند جمهور العلماء (2). ومن قاتل عدوًا وأحاط العدوُّ ببلده، والصومُ يضعفه عن القتال، ساغ له الفطر ولو بدون سفر، وكذلك لو احتاج للفطر قبل القتال أفطر (3).
اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلِّغنا رمضان، وأعِنَّا فيه على الصيام والقيام، واجعلنا ممن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا يا رب العالمين، اللهم أهلَّ رمضان علينا وعلى المسلمين بالخير واليمن والبركات.
(1) رياض الصالحين: 486.
(2)
المنجد مختصر سبعين مسألة في الصيام: 36.
(3)
المنجد مختصر سبعين مسألة في الصيام: 31.