الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْهِبَةِ] [
بَابٌ فِي أَرْكَانِ الْهِبَةِ وَحُكْمِهَا]
ِ ابْنُ شَاسٍ: فِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا الثَّانِي فِي حُكْمِهَا (الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْهِبَةُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعَطِيَّةِ وَهِيَ تَمْلِيكُ شُمُولٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَائِيٍّ (وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْهِبَةُ لَا لِثَوَابٍ تَمْلِيكُ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطِي بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ بَدَلَ لِوَجْهِ الْمُعْطِي.
قَالَ الْأَكْثَرُ: وَالْهِبَةُ كَذَلِكَ مَعَ إرَادَةِ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ صَدَقَةٌ (وَصَحَّتْ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ يُنْقَلُ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَوْهُوبُ وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ يَقْبَلُ النَّقْلَ.
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: كَالدَّارِ وَالثَّوْبِ وَمَنَافِعِهِمَا لَا مَا لَا
يَقْبَلُ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَأَمِّ الْوَلَدِ. زَادَ ابْنُ هَارُونَ. كَالشُّفْعَةِ وَرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ.
ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ (مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا) ابْنُ شَاسٍ: الْوَاهِبُ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَامِّيُّ يَعْرِفُ الْهِبَةَ وَلَا يَعْرِفُ التَّبَرُّعَ فَهِيَ أَعْرَفُ مِنْ التَّبَرُّعِ، وَالْأَوْلَى الْوَاهِبُ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ فَيَخْرُجُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ.
(وَإِنْ مَجْهُولًا) حَكَى مُحَمَّدٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَ مُوَرَّثَهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ هُوَ جَازَ وَالْغَرَرُ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ يَجُوزُ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ فَإِنَّ هُنَا تَفْصِيلًا.
(أَوْ كَلْبًا)
ابْنُ شَاسٍ: تَصِحُّ هِبَةُ الْكَلْبِ.
(وَدَيْنًا وَهُوَ إبْرَاءٌ إنْ وُهِبَ لِمَنْ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَكَ دَيْنًا لَهُ عَلَيْكَ فَقَوْلُكَ قَدْ قَبِلْتُ قَبْضٌ، وَإِذَا قَبِلْتَ سَقَطَ الدَّيْنُ. وَإِنْ قُلْتَ لَا أَقْبَلُ بَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ. وَلَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَى غَيْرِكَ فَوَهَبَهُ لَكَ فَإِنْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ وَجَمَعَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَرِيمِهِ وَدَفَعَ إلَيْكَ ذِكْرَ الْحَقِّ إنْ كَانَ عِنْدَهُ فَهُوَ قَبْضٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَتَبَ عَلَيْكَ ذِكْرَ الْحَقِّ وَأَشْهَدَ لَكَ وَأَحَالَكَ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا، وَكَذَلِكَ إنْ أَحَالَكَ بِهِ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَأَشْهَدَ لَكَ وَقَبَضْتَ ذِكْرَ الْحَقِّ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا لِأَنَّ الدَّيْنَ هَكَذَا يُقْبَضُ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ. رَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ وَهَبَتْ الصَّدَاقَ " (وَإِلَّا فَكَالرَّهْنِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَى غَيْرِك إلَخْ.
وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: هِبَةُ الدَّيْنِ تَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ رَهْنُهُ ثُمَّ قَبْضُك قَبْضُهُ
فِي الرَّهْنِ مَعَ إعْلَامِ الْمِدْيَانِ بِالْهِبَةِ.
(وَرَهْنًا لَمْ يُقْبَضْ وَأَيْسَرَ رَاهِنُهُ أَوْ رَضِيَ مُرْتَهِنُهُ وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهِ بِفَكِّهِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ يُعَجَّلُ وَإِلَّا بَقِيَ لِبَعْدِ الْأَجَلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ رَهْنَ عَبْدَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ جَازَتْ الْهِبَةُ وَيُقْضَى عَلَى الْوَاهِبِ بِافْتِكَاكِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى افْتَكَّهُ الْوَاهِبُ فَلَهُ أَخْذُهُ مَا لَمْ يَمُتْ الْوَاهِبُ فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ وَلَيْسَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ مَاتَ الْوَاهِبُ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ.
قَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْمَوْهُوبُ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ أَحَقُّ إنْ كَانَ مَلِيًّا، وَيُعَجَّلُ لَهُ حَقُّهُ إلَّا فِي هِبَةِ الثَّوَابِ فَتَنْفُذُ الْهِبَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيُعَجَّلُ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّهُ مِنْ الثَّوَابِ كَالْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ قَبْلَ حَوْزِ الْمُرْتَهِنِ وَالْوَاهِبُ مَلِيءٌ ثُمَّ أَعْدَمَ فَلْيُتْبَعْ بِالدَّيْنِ وَتَمْضِ الْهِبَةُ. اهـ.
نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ: وَزَادَ اللَّخْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ: وَإِنْ وَهَبَهُ ثُمَّ قَامَا قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا جَازَتْ الْهِبَةُ وَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَحُكِمَ لِلْمُرْتَهِنِ بِتَعْجِيلِ حَقِّهِ، فَإِنْ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ اتَّبَعَهُ بِحَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَهَبَ ثُمَّ وَهَبَ فَحَازَهُ الثَّانِي أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذَا الْأَصْلُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الرَّهْنُ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ.
قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ: قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ " يُقْضَى عَلَى الرَّاهِنِ بِافْتِكَاكِ الرَّهْنِ " يُرِيدُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ قَرْضٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ
كَانَ الدَّيْنُ عَرْضًا مِنْ بَيْعٍ لَمْ يُجْبَرْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قَبْضِهِ وَلَا أَخْذِ رَهْنِ غَيْرِهِ يَعْنِي وَيَبْقَى تَحْوِيزُ الْهِبَةِ لِبَعْدِ الْأَجَلِ.
وَانْظُرْ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ الذَّخِيرَةِ هِبَةُ الْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ.
(بِصِيغَةٍ أَوْ مُفْهِمِهَا وَإِنْ بِفِعْلٍ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ السَّبَبُ النَّاقِلُ لِلْمِلْكِ وَهِيَ صِيغَةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَيَتَّصِلُ بِالصِّيغَةِ حُكْمُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ وَلَوْ جُعْلًا كَالْمُعَاطَاةِ. اُنْظُرْ هُنَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هَلْ يَتَنَاوَلُ الشَّجَرُ الْمَوْهُوبُ مَأْبُورَهَا وَشِرْبَهَا إنْ كَانَ لَهَا شِرْبٌ.
(كَتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ حَلَّى ابْنَهُ الصَّغِيرَ حُلِيًّا فَهُوَ لَهُ لَا مِيرَاثٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَا حَلَّاهُ بِهِ مِثْلَ مَا كَسَاهُ مِنْ ثَوْبٍ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ الْأَبُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِمْتَاعِ.
وَعَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا: وَكَذَلِكَ فِيمَا يَكْسِبُ لِلْبِكْرِ مِنْ الشُّورَةِ فِي بَيْتِ أَبِيهَا تَصْنَعُهُ بِيَدِهَا أَوْ يَدِ أُمِّهَا أَوْ يَشْتَرِي ذَلِكَ لَهَا أَبُوهَا ثُمَّ يَمُوتُ فَيُرِيدُ الْوَرَثَةُ الدُّخُولَ مَعَ الِابْنَةِ أَنَّهُ لَا دُخُولَ لَهُمْ، وَحَوْزُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِيَدِ الِابْنَةِ أَوْ بِيَدِ الْأُمِّ لِأَنَّهَا لَوْ وُهِبَتْ
كُلَّ مَا عَمِلَتْهُ أَوْ حَمَلَتْهُ لَهَا أُمُّهَا أَوْ كَسَبَهُ لَهَا أَبُوهَا وَكُلِّفَ أَنْ يُشْهِدَ لَهَا بِهِ لَمْ يَسْتَطِعْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْتَفَادُ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ عَلَى أَنْوَاعٍ (لَا بِابْنٍ مَعَ قَوْلِهِ دَارِهِ) ابْنُ مُزَيْنٍ: مَنْ قَالَ لِابْنِهِ اعْمَلْ فِي هَذَا الْمَكَانِ كَرْمًا وَجِنَانًا أَوْ ابْنِ فِيهِ دَارًا فَفَعَلَ الْوَلَدُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَالْأَبُ يَقُولُ كَرْمُ ابْنِي وَجِنَانُ ابْنِي، أَنَّ الْقَاعَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِذَلِكَ وَهُوَ مَوْرُوثٌ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ إلَّا قِيمَةُ عَمَلِهِ مَنْقُوضًا.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ الرَّجُلِ فِي شَيْءٍ يُعْرَفُ لَهُ هَذَا كَرْمُ وَلَدِي أَوْ دَابَّةُ وَلَدِي، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ الِابْنُ مِنْهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إلَّا بِالْإِشْهَادِ بِصَدَقَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ بَيْعٍ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ. وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا كَثِيرًا فِي النَّاسِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الْوَلَدِ وَلَا فِي الزَّوْجِ.
(وَحِيزَ وَإِنْ بِلَا إذْنٍ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ لَغْوُ التَّحْوِيزُ فِي الْحَوْزِ.
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاهِبِ جَازَ قَبْضُهُ إذْ يُقْضَى
بِذَلِكَ عَلَى الْوَاهِبِ إنْ مَنَعَهُ إيَّاهَا.
(وَبَطَلَتْ إنْ تَأَخَّرَ لِدَيْنٍ مُحِيطٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ قَبْلَ الْعَطِيَّةِ تُبْطِلُهَا اتِّفَاقًا، وَفِي كَوْنِ إحَاطَتِهِ بَعْدَهَا قَبْلَ حَوْزِهَا كَذَلِكَ قَوْلَانِ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا ادَّانَ الْمُعْطِي مَا أَحَاطَ بِمَالِهِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ فَالدَّيْنُ أَوْلَى وَالْعَطِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَالصَّدَقَةُ بِيَوْمِ تُقْبَضُ لَا بِيَوْمِ يُتَصَدَّقُ بِهَا خِلَافًا لِأَصْبَغَ.
(أَوْ وَهَبَ لِثَانٍ وَحَازَ أَوْ أَعْتَقَ الْوَاهِبُ أَوْ اسْتَوْلَدَ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ أَعْطَى مَا وَهَبَ قَبْلَ حَوْزِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَحَازَهُ الثَّانِي فَفِي رَدِّهِ لِلْأَوَّلِ أَوْ مُضِيِّهِ لِلثَّانِيَّ، ثَالِثُهَا إنْ فَرَّطَ فِي الْحَوْزِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْغَيْرُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَأَصْبَغَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَ عَبْدًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ أَخَدَمَهُ إيَّاهُ حَيَاتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمُعْطِي قَبْلَ حَوْزِ الْمُعْطَى، جَازَ الْعِتْقُ وَبَطَلَ مَا سِوَاهُ عَلِمَ الْمُعْطَى بِالْهِبَةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
مُحَمَّدٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَأَحْبَلَهَا قَبْلَ الْحِيَازَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ (وَلَا قِيمَةَ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ أَوْ أَوْلَدَهَا مُعْطِيهَا قَبْلَ حَوْزِهَا الْمُعْطَى فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَمْضِي فِعْلُهُ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يُرَدُّ عِتْقُهُ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ فِي الْإِيلَادِ.
(أَوْ اسْتَصْحَبَ هَدِيَّةً أَوْ أَرْسَلَهَا ثُمَّ مَاتَ أَوْ الْمُعَيَّنَةُ لَهُ إنْ لَمْ يُشْهِدْ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا اشْتَرَى مِنْ هَدَايَا الْحَجِّ لِأَهْلِهِ لَا يَنْفَعُ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ أَشْهَدَهُمْ. قَالَ: لَوْ قَالُوا سَمِعْنَاهُ يَقُولُ هَذَا لِامْرَأَتِي وَهَذَا لِابْنِي لَمْ يَنْفَعْهُ حَتَّى يَقُولُوا أَشْهَدَنَا عَلَى ذَلِكَ.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَعَثَ بِهَدِيَّةٍ أَوْ صِلَةٍ لِرَجُلٍ غَائِبٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطِي أَوْ الْمُعْطَى قَبْلَ وُصُولِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ حِينَ بَعَثَ بِهَا فَهِيَ لِلْمُعْطَى أَوْ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا حِينَ بَعَثَهَا فَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ فَهِيَ تَرْجِعُ إلَى الْبَاعِثِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ.
وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا أَوَّلًا رَجَعَ ذَلِكَ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَبْيَنُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُتَصَدِّقِ لَا بِمَوْتِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ،
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابٍ آخَرَ: إنَّ كُلَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِرَجُلٍ فَمَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ هِبَتَهُ فَوَرَثَتُهُ مَكَانَهُ يَقْبِضُونَ هِبَتَهُ، وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَشْهَدَ الْبَاعِثُ أَنَّهَا هَدِيَّةٌ لِفُلَانٍ ثُمَّ طَلَبَ اسْتِرْجَاعَهَا مِنْ الرَّسُولِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ.
(كَأَنْ دَفَعْتَ لِمَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْكَ بِمَالٍ وَلَمْ تُشْهِدْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ دَفَعَ فِي صِحَّتِهِ مَالًا لِمَنْ يُفَرِّقُهُ فِي الْفُقَرَاءِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ إنْفَاذِهِ، فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ حِينَ دَفَعَهُ إلَى مَنْ يُفَرِّقُهُ نَفَذَ مَا فَاتَ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ حِينَ دَفَعَهُ إلَى الْمَأْمُورِ فَلْيَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ إلَى وَرَثَةِ الْمُعْطِي وَلَا يَنْفَعُهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَإِنْ فَرَّقَ مَا بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْطِي ضَمِنَ الْبَقِيَّةَ لِلْوَرَثَةِ.
(لَا إنْ بَاعَ وَاهِبٌ قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ وَإِلَّا فَالثَّمَنُ لِلْمُعْطِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِدَارٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُعْطَى حَتَّى مَاتَ أَوْ بَاعَهَا الْمُعْطِي، فَإِنْ عَلِمَ الْمُعْطَى بِالصَّدَقَةِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى بِيعَتْ تَمَّ الْبَيْعُ وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْمُعْطِي، فَإِنْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يُفَرِّطْ حَتَّى غَافَصَهُ بِالْبَيْعِ فَلَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ فِي حَيَاةِ الْوَاهِبِ وَأَخْذُهَا. فَأَمَّا إنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُعْطَى فَلَا شَيْءَ لَهُ بِيعَتْ أَوْ لَمْ تُبَعْ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمُعْطِي بِوَجْهٍ مَا فَلَيْسَ لِلْمُعْطِي شَيْءٌ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْبَيْعُ أَوْلَى وَلَا شَيْءَ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَحُزْ عَنْهُ، انْتَهَى.
نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَعَزَا ابْنُ شَاسٍ لِلْمُدَوِّنَةِ أَنَّ الثَّمَنَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ.
وَقَالَ فِي الرُّهُونِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَوْهُوبُ نُقِضَ الْبَيْعُ، وَإِنْ عَلِمَ مَضَى الْبَيْعُ وَعُوِّضَ الْمَوْهُوبُ بِالثَّمَنِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: بَطَلَتْ الْهِبَةُ كَبُطْلَانِ الرَّهْنِ إذَا بِيعَ قَبْلَ الْحَوْزِ وَالثَّمَنُ لِلْوَاهِبِ.
(أَوْ جُنَّ أَوْ مَرِضَ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الْحَوْزِ كَوْنُهُ فِي صِحَّةِ الْمُعْطِي وَعَقْلِهِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ عُمْرَى أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ لِغَيْرِ ثَوَابٍ فِي الصِّحَّةِ يَمُوتُ الْمُعْطِي أَوْ يُفْلِسُ أَوْ يَمْرَضُ قَبْلَ حَوْزِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ فَتُحَازُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُقْضَى بِالْقَبْضِ لِلْمُعْطِي إنْ مَنَعَهُ. وَانْظُرْ حَوْزَهَا فِي مَرَضِهِ اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا. (وَاتَّصَلَا بِمَوْتِهِ)
هَذَا نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ تَصَدَّقَتْ بِعَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي صِحَّتِهَا فَذَهَبَ عَقْلُهَا قَبْلَ حَوْزِهِ فَحَوْزُهُ بَاطِلٌ كَمَوْتِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ كَالْمَرَضِ وَرُجُوعُ عَقْلِهَا كَصِحَّتِهَا.
(أَوْ وَهَبَ لِمُودَعٍ وَلَمْ يَقْبَلْ لِمَوْتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا وَهَبَك وَدِيعَةً لَهُ فِي يَدِك فَلَمْ تَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ (وَصَحَّ إنْ قَبَضَ لِيَتَرَوَّى) الْبَاجِيُّ: لَوْ وُهِبَ الْمُسْتَوْدَعُ مَا بِيَدِهِ فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: بَلْ هِيَ حِيَازَةٌ جَائِزَةٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَطِيَّةَ بِيَدِ الْمُعْطَى لَهُ فَتَأَخُّرُ الْقَبُولِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا قَالَ: وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَهَبْتَهُ هِبَةً فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ وَقَبَضَهَا لِيَنْظُرَ رَأْيَهُ فَمَاتَ الْمُعْطِي فَهِيَ مَاضِيَةٌ إنْ رَضِيَهَا وَلَهُ رَدُّهَا.
(أَوْ جَدَّ فِيهِ أَوْ فِي تَزْكِيَةِ شَاهِدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا قُضِيَ بِهَا عَلَيْهِ لِلْمَوْهُوبِ. وَلَوْ خَاصَمَهُ فِيهَا الْمَوْهُوبُ فِي صِحَّةِ الْوَاهِبِ وَرُفِعَتْ الْهِبَةُ إلَى السُّلْطَانِ يَنْظُرُ فِيهَا فَمَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ، فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا لِلْمَوْهُوبِ إنْ عُدِّلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ لَمْ يُقِمْ الْمَوْهُوبُ فِيهَا حَتَّى مَرِضَ الْوَاهِبُ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَصِحَّ.
ابْنُ شَاسٍ: إذَا كَانَ الطَّالِبُ جَادًّا فِي الطَّلَبِ غَيْرَ تَارِكٍ كَمَا إذَا وَقَعَتْ الْهِبَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ حَتَّى يُزَكِّيَ فَمَاتَ الْوَاهِبُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ: هُوَ حَوْزٌ وَقَدْ صَحَّتْ الْهِبَةُ انْتَهَى.
وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي نَوَازِلَ إذَا وَهَبَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ التَّحْوِيزِ خُوِّفَ.
(أَوْ أَعْتَقَ أَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ إذَا أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ بَاعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ، فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ الْبَيْعَ حِيَازَةٌ.
وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ.
وَقَالَ أَصْبَغُ: لَيْسَ الْبَيْعُ حِيَازَةً وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ إلَّا الْعِتْقُ وَحْدَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ.
ابْنُ شَاسٍ: وَلَوْ وَهَبَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ، فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَمُطَرِّفٍ أَنَّ الْهِبَةَ حَوْزٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْهِبَةُ لَا تَكُونُ حَوْزًا لِأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى حِيَازَةٍ.
الْمُتَيْطِيُّ: وَيَصِحُّ حَوْزُ الْحَبْسِ بِعَقْدِ كِرَائِهِ أَوْ مُزَارَعَتِهِ إنْ كَانَ بَيَاضًا أَوْ فِيهِ سَوَادٌ تَبَعٌ لَهُ، وَإِنْ تَبِعَ بَيَاضُهُ سَوَادَهُ فَبِمُسَاقَاةٍ وَيُغْنِي عَنْ حَوْزِهِ بِالْوُقُوفِ عَلَى مُعَايَنَةِ نُزُولِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ فِيهَا. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُ. وَالْكِرَاءُ فِي الْأَرْضِ لِعَامَيْنِ وَزِيَادَةٍ أَقْوَى.
(وَلَمْ يُعْلَمْ بِهَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا. وَإِذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِالْهِبَةِ أَوْ لَا فَرْقَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وَهَبْتَ لِحُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَلَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، فَلِوَارِثِهِ الْحُرِّ وَسَيِّدِ الْعَبْدِ قَبْضُهَا، وَلَيْسَ لَك أَنْ تَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ الْحَوْزِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ حَازَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَصِحُّ لَهُ ثُلُثُهَا.
(وَحَوْزُ مُخْدَمٍ وَمُسْتَعِيرٍ مُطْلَقًا وَمُودَعٍ إنْ عَلِمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَخْدَمَ عَبْدَهُ رَجُلًا سِنِينَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ هِبَةٌ لِفُلَانٍ بَعْدَ الْخِدْمَةِ فَقَبْضُ الْمُخْدَمِ، قَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُخْدَمَ لَمْ يَجِبْ لَهُ فِي
رِقْبَةِ الْعَبْدِ حَقٌّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ آجَرَ عَبْدَهُ أَوْ دَابَّتَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ وَهَبَهَا لِآخَرَ فَلَيْسَ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ إجَارَةَ ذَلِكَ مَعَهُ لِيَتِمَّ الْحَوْزُ وَإِلَّا الْعَبْدُ الْمُخْدَمُ أَوْ الْمُعَارُ إلَى أَجَلٍ فَقَبْضُ الْمُسْتَعَارِ وَالْمُخْدَمِ قَبْضٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ لِلْمُخْدَمِ وَالْمُعَارِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ حَقٌّ، وَلَا يَكُونُ قَبْضُ الْمُخْدَمِ وَالْمُعَارِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يَعْلَمَ وَيَرْضَى أَنْ يَكُونَ حَائِزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا قَالَ إذَا رَهَنَ فَضْلَةَ الرَّهْنِ لَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ حَائِزًا حَتَّى يَعْلَمَ وَيَرْضَى بِذَلِكَ.
وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ صِحَّةَ حَوْزِ الْمُخْدَمِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرَّقَبَةَ مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ كَوْنِ الْإِخْدَامِ وَالْهِبَةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. قَالَ سَحْنُونَ فِيمَنْ أَعْطَى غَلَّةَ كَرْمِهِ أَوْ سُكْنَى دَارِهِ لِرَجُلٍ حَيَاتَهُ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ: فَذَلِكَ جَائِزٌ وَحَوْزٌ لِلِابْنِ وَأَنَّهُ لَحَسَنٌ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ جَعَلَ الْمُكْرَى لِابْنِهِ قَابِضًا، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَذَلِكَ لِلِابْنِ حَوْزٌ. وَأَمَّا صِحَّةُ حَوْزِ الْمُودَعِ إنْ عَلِمَ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ وَهَبَ الْوَدِيعَةَ رَبُّهَا لِغَيْرِ الْمُسْتَوْدَعِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَأَشْهَدَ كَانَتْ حِيَازَةً.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ إذَا أَشْهَدَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ وَلَمْ يَأْمُرْ بِقَبْضِهَا حَتَّى مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَ الَّذِي هِيَ عِنْدَهُ فَتِلْكَ حِيَازَةٌ تَامَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ صَارَ حَائِزًا لِلْمُعْطَى ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُعْطِي أَخْذُهَا، وَلَوْ دَفَعَهَا الْمُودِعُ إلَى الْمُعْطَى قَبْلَ عِلْمِهِ ضَمِنَهَا.
(لَا غَاصِبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اغْتَصَبَهُ رَجُلٌ عَبْدًا فَوَهَبَهُ سَيِّدُهُ لِرَجُلٍ آخَرَ وَالْعَبْدُ بِيَدِ الْغَاصِبِ جَازَتْ الْهِبَةُ إنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبِ، وَلَيْسَ قَبْضُ الْغَاصِبِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (وَمُرْتَهِنٍ) تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَرَهْنًا لَمْ يُقْبَضْ أَنَّ قَبْضَ الْمُرْتَهِنِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ".
(وَمُسْتَأْجِرٍ إلَّا أَنْ يَهَبَ الْإِجَارَةَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْإِجَارَةَ فَيَتِمُّ الْحَوْزُ (وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَهُ إلَّا لِحَوْزٍ بِقُرْبٍ كَانَ آجَرَهَا أَوْ أَرْفَقَ بِهَا) ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا مَاتَ الْمُعْطِي فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ وَلِوَرَثَتِهِ الْقِيَامُ بِطَلَبِهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ الْحِيَازَةِ فَالْعَطِيَّةُ تَبْطُلُ إلَّا فِيمَا أَعْطَى لِصِغَارِ بَنِيهِ، أَوْ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْنًا. وَهَذَا فِي الْأَبِ وَالْوَصِيِّ فَقَطْ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أُمٍّ وَلَا جَدٍّ وَلَا أَخٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا وَشَيْءٌ آخَرُ عِنْدَ رَبِّهِ مِثْلُ الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ فِي سَفَرِهِ، وَمِثْلُ الْحَاجِّ يَشْتَرِيه لِأَهْلِهِ فَيُشْهِدُ
عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَمُوتُ فِي سَفَرِهِ فَيَجُوزُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يَنْفَعُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهِ إشْهَادَ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ الْحَبْسِ مِمَّا لَا غَلَّةٌ لَهُ مِثْلُ السِّلَاحِ وَالْمُصْحَفِ.
وَإِذَا أَخْرَجَ مُدَّةً فِيمَا جَعَلَهُ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى يَدِهِ فَهُوَ نَافِذٌ، وَإِنْ مَاتَ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَشَيْءٌ آخَرُ الَّذِي تُحَازُ عَنْهُ الدَّارُ الَّتِي يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى قَوْمٍ فَيَحُوزُونَهَا مِثْلَ السَّنَةِ فَأَكْثَرَ ثُمَّ يَكْتَرِيهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا مِنْهُمْ فَيَسْكُنُهَا فَيَمُوتُ فِيهَا فَهِيَ نَافِذَةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَأَمَّا عَلَى مَنْ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ فَلَا، وَلَا عَلَى أَصَاغِرِ وَلَدِهِ. وَإِنْ حَازَ ذَلِكَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ حَتَّى يَكْبُرَ الْأَصَاغِرُ وَيَحُوزُوا مِثْلَ السَّنَةِ فَأَكْثَرَ ثُمَّ يَكْتَرِيهَا مِنْهُمْ ثُمَّ يَمُوتُ فِيهَا فَيَجُوزُ وَإِنْ كُنَّا نَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ.
قَالَ: وَإِذَا حَازَ الْمُعْطَى الدَّارَ وَسَكَنَ ثُمَّ اسْتَضَافَهُ الْمُعْطِي فَأَضَافَهُ أَوْ مَرِضَ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ أَوْ اخْتَفَى عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الْعَطِيَّةُ. ابْنُ حَبِيبٍ: ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ إلَى أَنَّهُ إذَا حَازَهَا الْمُعْطَى سَنَةً ثُمَّ سَكَنَهَا الْمُعْطِي بِكِرَاءٍ أَوْ مِنْحَةٍ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا وَهِيَ نَافِذَةٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي الْمُتَصَدِّقِ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ أَنَّهُ إنْ عَادَ إلَيْهَا بَعْدَ سَنَةٍ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ حَتَّى يَكْبَرُوا وَيَحُوزُوا مِثْلَ السَّنَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ بَعْدَ عَامٍ ".
وَأَذْكُرُ لِسَيِّدِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمُذَاكَرَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَصْعُبُ عَلَيَّ كَثِيرًا يَعْظُمُ عَلَيَّ مُخَالَفَةُ الرِّوَايَةِ وَيَعْظُمُ عَلَيَّ مُخَالَفَةُ مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ. (بِخِلَافِ سَنَةٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَهُ غَلَّةٌ وَعَلَى غَيْرِ صِغَارِ وَلَدِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ. وَمِنْ الْمُتَيْطِيِّ: إذَا تَصَدَّقَ عَلَى مَنْ فِي حِجْرِهِ بِدَارِ سُكْنَاهُ فَلَا بُدَّ أَنْ تُعَايِنَهَا الْبَيِّنَةُ خَالِيَةً وَيُكْرِيَهَا الْأَبُ لِابْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَلَا بَأْسَ بِعَوْدَةِ الْأَبِ إلَى سُكْنَاهَا وَيُكْرِيهَا مِنْ نَفْسِهِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ. كَذَا فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ حَدَّ ذَلِكَ السَّنَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي هَذَا. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَا بَنَى إلَّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ شَيْخُ الشُّيُوخِ
ابْنُ لُبٍّ وَبِهِ الْعَمَلُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَنَحْوُهُ فِي وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ خِلَافُ مَا لِابْنِ رُشْدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ "(أَوْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا أَوْ ضَيْفًا فَمَاتَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ بِهَذَا أَيْضًا.
(وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَتَاعًا لِلْآخَرِ وَهِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا لَا الْعَكْسُ) مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِخَادِمِهِ وَهِيَ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ فَكَانَتْ تَخْدُمُهَا بِحَالٍ مَا كَانَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ.
قَالَ سَحْنُونَ: وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهَا إيَّاهَا فَهُوَ حَوْزٌ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: إذَا أَشْهَدَ لَهَا بِهَذِهِ الْخَادِمَ فَتَكُونُ عِنْدَهُمَا كَمَا كَانَتْ فِي خِدْمَتِهِمَا أَوْ وَهَبَتْ هِيَ لَهُ خَادِمَهَا فَكَانَتْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ مَتَاعًا فِي الْبَيْتِ فَأَقَامَ ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ بِأَيْدِيهِمَا فَهِيَ ضَعِيفَةٌ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَالَ لِي ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: إنَّ ذَلِكَ فِيمَا تَوَاهَبَا جَائِزٌ وَهِيَ حِيَازَةٌ، وَكَذَلِكَ مَتَاعُ الْبَيْتِ وَبِهِ أَقُولُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْكَنُ الَّذِي هُمَا بِهِ يَتَصَدَّقُ وَهُوَ بِهِ عَلَيْهِمَا فَأَقَامَا فِيهِ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِيرَاثٌ، وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ فِي صِحَّتِهِ قَضَى لَهَا أَصْبَغُ: يَعْنِي أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ حَتَّى تَحُوزَ الْمَسْكَنَ.
قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا لَوْ تَصَدَّقَتْ هِيَ عَلَيْهِ بِالْمَنْزِلِ وَهُمَا فِيهِ فَذَلِكَ حَوْزٌ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَ زَوْجَتَهُ فَسُكْنَاهَا فِيهِ حَوْزٌ.
أَصْبَغُ: وَكَذَا إذَا تَصَدَّقَتْ بِدَارِهَا عَلَى وَلَدِهَا الصَّغِيرِ وَالْأَبُ سَاكِنٌ مَعَهَا فِيهَا فَالصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ إذَا أَسْكَنَتْ الْأَبَ مِنْ الدَّارِ حَتَّى أَنْ لَوْ شَاءَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ الدَّارِ فَعَلَ.
(وَلَا إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ إلَّا لِمَحْجُورَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ جَارِيَةً بِكْرًا قَدْ طَمَثَتْ أَوْ لَمْ تَطْمِثْ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَهُ لَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَهِيَ سَفِيهَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ جُنُونًا مُطْبِقًا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ، فَلَا يَكُونُ الزَّوْجُ حَائِزًا لَهَا إلَّا أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ وَيَجْعَلَهُ عَلَى يَدِ مَنْ يَحُوزُهُ لَهَا، وَلَا يَكُونُ مُتَصَدِّقٌ حَائِزًا إلَّا أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ لِمَنْ فِي وِلَايَتِهِ، وَالزَّوْجُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَلَا بَيْعُهُ لِمَالِهَا وَأَبُوهَا الْحَائِزُ لَهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا مَا دَامَتْ سَفِيهَةً أَوْ فِي حَالٍ لَا يَجُوزُ لَهَا أَمْرًا. وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ ".
وَانْظُرْ قَوْلَهُ " إلَّا أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ " قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ثَالِثُ الْأَقْوَالِ اُنْظُرْ رَسْمَ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ الثَّانِي
(إلَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَلَوْ خَتَمَ) ابْنُ عَرَفَةَ: حَوْزُ الْأَبِ لِصِغَارِ وَلَدِهِ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ صَحِيحٌ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا. الْبَاجِيُّ: وَأَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهَا إنْ بَقِيَتْ بِيَدِ الْأَبِ غَيْرَ مَخْتُومٍ عَلَيْهَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهُ إنْ مَاتَ الْأَبُ وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ فَالْعَطِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ وَإِنْ طُبِعَ عَلَيْهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ وَيَخْرُجَهَا عَنْ مِلْكِهِ وَذَلِكَ أَنَّهَا غَيْرُ مَعْرُوفَةِ الْعَيْنِ وَلَا مُتَعَيِّنَةٌ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُعْرَفَ بِعَيْنِهَا إذَا أُفْرِدَتْ مِنْ غَيْرِهَا.
وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا
فِي ذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ دَنَانِيرِهِ. وَأَمَّا إذَا خُتِمَ عَلَيْهَا أَوْ أَمْسَكَهَا عِنْدَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَبْطُلُ. زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ خَتَمَ عَلَيْهَا الشُّهُودُ وَالْأَبُ. وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيُّونَ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا حِيَازَةٌ مَعَ بَقَائِهَا بِيَدِ الْمُعْطِي كَاَلَّتِي لَمْ يُخْتَمْ عَلَيْهَا.
وَفِي الْمُوَازِيَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَحَازَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ تَسَلَّفَهَا ثُمَّ مَاتَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ دِينَارًا ثُمَّ قَبَضَهُ أَوْ عَبْدًا ثُمَّ بَاعَهُ وَهُوَ بِيَدِهِ هَذَا نَافِذٌ.
(وَدَارَ سُكْنَاهُ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ أَقَلَّهَا وَيُكْرِيَ لَهُ الْأَكْثَرَ وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ وَالْأَكْثَرُ بَطَلَ الْجَمِيعُ) الْمُتَيْطِيُّ: شَرْطُ صَدَقَةِ الْأَبِ عَلَى صِغَارِ بَنِيهِ بِدَارِ سُكْنَاهُ إخْلَاؤُهَا مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَثِقَلِهِ وَمُعَايَنَتُهَا الْبَيِّنَةَ فَارِغَةً مِنْ ذَلِكَ وَيُكْرِيهَا لَهُمْ.
وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَبَسَ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ دَارًا أَوْ وَهَبَهَا لَهُمْ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِمْ فَحَوْزُهُ لَهُمْ حَوْزٌ إلَّا أَنْ يَسْكُنَهَا أَوْ جُلَّهَا حَتَّى مَاتَ فَيَبْطُلُ جَمِيعُهَا. وَإِنْ سَكَنَ مِنْ الدَّارِ الْكَبِيرَةِ ذَاتِ الْمَسَاكِنِ أَقَلَّهَا وَأَكْرَى لَهُمْ بَاقِيهَا نَفَذَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا سَكَنَ وَفِيمَا لَمْ يَسْكُنْ، وَلَوْ سَكَنَ الْجُلُّ وَأَكْرَى لَهُمْ الْأَقَلَّ بَطَلَ الْجَمِيعُ.
وَقَالَ فِي النُّكَتِ: أَحْفَظُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا: إذَا سَكَنَ أَبُو الْأَصَاغِرِ شَيْئًا أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ سَكَنَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ بَطَلَ الْجَمِيعُ، وَلَوْ سَكَنَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ صَحَّ لَهُمْ مَا سَكَنَ وَمَا لَمْ يَسْكُنْ.
وَإِذَا سَكَنَ الْقَلِيلَ وَأَبْقَى الْكَثِيرَ خَالِيًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُكْرِيَهَا لِلْأَصَاغِرِ لِأَنَّ تَرْكَهُ لِكِرَائِهِ مَنْعٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ أَبْقَاهُ لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ كَانْتِقَالِهِ إيَّاهُ لِسُكْنَاهُ. عِيَاضٌ: وَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ النَّظَرِ ظَاهِرٌ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ. اُنْظُرْ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِنِصْفِ دَارِهِ أَوْ بِنِصْفِ غَنَمِهِ وَتَرَكَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ مِلْكًا لِنَفْسِهِ شَرِيكًا لَهُ بِهِ جَازَ وَهُوَ حَوْزٌ لَهُ.
ابْنُ سَهْلٍ: فِي هَذَا السَّمَاعِ جَوَازُ هِبَةِ الْمُشَاعِ وَإِنْ بَقِيَ لِلْوَاهِبِ سَائِرُ الْمَوْهُوبِ مِنْهُ. وَمِثْلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكَذَلِكَ فِي صَدَقَةِ الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي آخِرِ الشُّفْعَةِ أَيْضًا. وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ.
وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: جَرَى الْعَمَلُ بِجَوَازِ الصَّدَقَةِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعَ الْمُتَصَدِّقِ قَالَ: وَيَكْتُبُ فِي ذَلِكَ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الْمَالِكِ أَمْرَهُ وَتَوَلَّى الِابْنُ الْمَذْكُورُ قَبْضَ الصَّدَقَةِ مِنْ أَبِيهِ وَنَزَلَ فِيهَا مَعَ أَبِيهِ عَلَى الْإِشَاعَةِ مَنْزِلَةَ أَبِيهِ، وَعَزَا هَذَا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَعْنِي جَوَازَ هِبَةِ الْمُشَاعِ إذَا عَمَّرَ مَعَ الْمُتَصَدِّقِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا وَهَبَ الرَّجُلُ جُزْءًا مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ عَلَى الْإِشَاعَةِ لِمَحْجُورِهِ، جَازَ حَاشَى مَا سَكَنَ مِنْ الدَّارِ أَوْ لَبِسَ مِنْ الثِّيَابِ إلَّا الطَّعَامَ وَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ.
قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: إنْ كَانَ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ تَبَعًا لِمَا جَازَ فَالْجَمِيعُ نَافِذٌ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا عِنْدِي لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ، وَلَا يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ إلَّا فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ، وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: إذَا حَالَ الْخَوْفُ قَبْلَ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهَا.
(وَجَازَتْ الْعُمْرَى) ابْنُ عَرَفَةَ: الْعُمْرَى تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ حَيَاةَ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَحُكْمُهَا النَّدْبُ وَيَتَعَذَّرُ عُرُوضُ وُجُوبِهَا (كَأَعْمَرْتُكَ) الْبَاجِيُّ: صِيغَةُ الْعُمْرَى مَا دَلَّ عَلَى هِبَةِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ كَأَسْكَنْتُكَ
هَذِهِ الدَّارَ وَوَهَبْتُكَ سُكْنَاهَا عُمُرَكَ (أَوْ وَارِثَكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهُ قَدْ أَسْكَنْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ وَعَقِبَك رَجَعَتْ إلَيْهِ مِلْكًا بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ، فَإِنْ مَاتَ فَلِأَقْرَبِ النَّاسِ بِهِ يَوْمَ مَاتَ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِمْ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَاتٍ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ الْهِنْدِيِّ وَلَمْ يَحْكِ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ إلَّا ابْنُ الْهِنْدِيِّ مَا قَالَ وَكَذَلِكَ الْجَزِيرِيُّ (وَرَجَعَتْ لِلْمُعْمَرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ قَدْ أَعَمَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ حَيَاتَك أَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةَ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَتَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى الَّذِي أَعْمَرَهَا أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَعْمَرَ ثَوْبًا قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ عَنْ مَالِكٍ فِي الثِّيَابِ شَيْئًا، وَأَمَّا الْحُلِيُّ فَأَرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّورِ.
قَالَ فِي كِتَابِ الْعَرِيَّةِ: وَالثِّيَابُ عِنْدِي عَلَى مَا أَعْرَاهَا عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ (كَحَبْسٍ عَلَيْكُمَا وَهُوَ لِآخِرِكُمَا مِلْكًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدِي هَذَا حَبْسٌ عَلَيْكُمَا وَهُوَ لِآخِرِكُمَا جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَهُوَ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا يَبِيعُهُ وَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ (لَا الرُّقْبَى كَذَوِي دَارَيْنِ قَالَا إنْ مِتَّ قَبْلِي فَهُمَا لِي وَإِلَّا فَلَكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَعْرِفْ مَالِكٌ الرُّقْبَى فَفُسِّرَتْ لَهُ فَلَمْ يُجِزْهَا وَهِيَ أَنْ يَكُونَ دَارَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَيَحْبِسَانِهَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ أَوَّلًا فَنَصِيبُهُ حَبْسٌ عَلَى الْآخَرِ.
(كَهِبَةِ نَخْلٍ وَاسْتِثْنَاءِ ثَمَرَتِهَا سِنِينَ وَالسَّقْيُ عَلَى الْمَوْهُوبِ أَوْ فَرَسٍ لِمَنْ يَغْزُو سِنِينَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ لَهُ وَلَا يَبِيعُهُ لِبَعْدِ الْأَجَلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِحَائِطٍ وَفِيهِ ثَمَرٌ فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِالثَّمَرَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الصَّدَقَةِ لَمْ تُؤَبَّرْ فَهِيَ لِلْمُعْطَى، وَإِنْ كَانَتْ مَأْبُورَةً فَهِيَ لِلْمُعْطِي كَالْبَيْعِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ.
وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَرَبُّ الْحَائِطِ مُصَدَّقٌ مِنْ حِينِ تُؤَبَّرُ الثَّمَرَةُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. قُلْتُ: وَكَيْفَ حِيَازَةُ النَّخْلِ وَرَبُّهَا يَسْقِيهَا لِمَكَانِ ثَمَرَتِهِ؟ فَقَالَ: إنْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ يَسْقِيهَا كَانَتْ حِيَازَةً.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَقْبِضُ الْمَوْهُوبُ النَّخْلَ وَيَكُونُ سَقْيُهَا عَلَى الْوَاهِبِ فِي مَالِهِ لِمَكَانِ ثَمَرَتِهِ وَيَتَوَلَّى الْمَوْهُوبُ سَقْيَهَا لِمَكَانِ حِيَازَتِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَثْنَى الْوَاهِبُ ثَمَرَتَهَا لِنَفْسِهِ عَشْرَ سِنِينَ فَإِنْ أَسْلَمَ النَّخْلَ إلَى الْمَوْهُوبِ يَسْقِيهَا بِمَاءِ الْوَاهِبِ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ ثَمَرَهَا كُلَّ سَنَةٍ فَذَلِكَ حَوْزٌ،
وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ يَسْقِيهَا بِمَائِهِ وَالثَّمَرَةُ لِلْوَاهِبِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ اسْقِهَا لِي عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ هِيَ لَك وَلَا يَدْرِي أَيَسْلَمُ النَّخْلُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَمْ لَا؟ وَأَنَّهُ قَدْ قَالَ لِي مَالِكٌ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ فَرَسَهُ يَغْزُو عَلَيْهِ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْفَرَسَ مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ هُوَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَجَلِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ.
وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ مَاتَ الْفَرَسُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَتَذْهَبُ نَفَقَتُهُ بَاطِلًا أَهَذَا غَرَرٌ؟ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ فِي النَّخْلِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّخْلُ بِيَدِ الْوَاهِبِ يَسْقِيهَا وَيَقُومُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ يَدِهِ فَهَذَا إنَّمَا وَهَبَ نَخْلَهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ سَلِمَتْ النَّخْلُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلَمْ يَمُتْ رَبُّهَا وَلَا لَحِقَهُ دَيْنٌ وَلَهُ أَخْذُهَا بَعْدَ الْأَجَلِ، وَإِنْ مَاتَ رَبُّهَا أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا. وَمَعْنَى مَسْأَلَةِ الْفَرَسِ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ الْفَرَسَ يَغْزُو عَلَيْهِ (وَثَوَابُ غَزْوِهِ فِي الْأَجَلِ لِدَافِعِهِ) اُنْظُرْ رَسْمَ حَلِفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
(وَلِلْأَبِ اعْتِصَارُهَا مِنْ وَلَدِهِ) ابْنُ يُونُسَ: رُوِيَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً ثُمَّ يَعُودَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدِ.
قَالَ مَالِكٌ: فَكُلُّ صَدَقَةٍ فَلَا اعْتِصَارَ فِيهَا لِلْأَبَوَيْنِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالنِّحَلُ وَالْعُمْرَى فَلَهُمَا الِاعْتِصَارُ فِي ذَلِكَ.
(كَأُمٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْ أَوْ نَحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثُوا دَيْنًا أَوْ يُحْدِثُوا فِيهَا حَدَثًا. .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ صِحَّةُ اعْتِصَارِ الْأَبِ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ صَغِيرًا كَانَ الِابْنُ أَوْ كَبِيرًا وَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ الْأُمُّ مِثْلُهُ (فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَعْتَصِرُ الْوَلَدُ مِنْ الْوَالِدِ.
قُلْتُ: فَهَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبَوَيْنِ مِنْ جَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ عَمَّةٍ أَوْ خَالٍ أَوْ خَالَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ اعْتِصَارُ هِبَتِهِمْ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ الِاعْتِصَارُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا لِلْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِمَا (وَهَبَتْ ذَا أَبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا وَهَبَتْ الْأُمُّ أَوْ نَحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصِّغَارِ وَلَا أَبِ لَهُمْ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ لِأَنَّهُ يَتِيمٌ، وَلَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ (وَإِنْ مَجْنُونًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وَهَبَتْ الْأُمُّ وَلَدَهَا وَالْأَبُ مَجْنُونٌ جُنُونًا مُطْبَقًا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ فِي وُجُوبِ الِاعْتِصَارِ لَهَا (وَلَوْ يَتِيمًا عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ يَوْمَ الْعَطِيَّةِ فَلَمْ تَعْتَصِرْ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ كَانَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ اهـ.
وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فَبَلَغَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ كَانَ لِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْهُ، فَأَمَّا إنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَدِ فَلَيْسَ لِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْهُ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْأَبِ قَبْلَ الْبُلُوغِ انْقَطَعَ الِاعْتِصَارُ فَلَا يَعُودُ اهـ. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ (إلَّا فِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْآخِرَةُ) فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ: هِبَتُهُ لِابْنِهِ لِلصِّلَةِ لَا يَجُوزُ
اعْتِصَارُهَا، وَكَذَا هِبَتُهُ لِضَعْفِهِ وَخَوْفِ الْخَصَاصَةِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: كُلُّ هِبَةٍ لِوَلَدِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ أَوْ لِطَلَبِ الْأَجْرِ أَوْ لِصِلَةِ الرَّحِمِ لَا تُعْتَصَرُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَحْوُهُ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مُطَرِّفٍ.
(كَصَدَقَةٍ بِلَا شَرْطٍ) الْبَاجِيُّ: إنْ أَطْلَقَ لَفْظَ الْهِبَةِ أَوْ الْعَطِيَّةِ أَوْ النِّحْلَةِ وَلَمْ يَقُلْ سَلَّطْتُ عَلَيْهَا حُكْمَ الِاعْتِصَارِ. فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لَمْ يَقْرِنْ بِهَا مَا يُخَلِّصُهَا لِلْقُرْبَةِ فَجَازَ فِيهَا الِاعْتِصَارُ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِيهَا الِاعْتِصَارَ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: كُلُّ صَدَقَةٍ فَلَا اعْتِصَارَ فِيهَا لِلْوَالِدَيْنِ.
(إنْ لَمْ تَفُتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ أَوْ زَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ) لَوْ قَالَ: وَإِنْ فَاتَتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ لَا زَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ " لَوَافَقَ مَا يَتَقَرَّرُ.
قَالَ الْبَاجِيُّ: إذَا تَغَيَّرَتْ الْهِبَةُ فِي قِيمَتِهَا بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ إنْ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الِاعْتِصَارَ. قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ. لِأَنَّ الْهِبَةَ عَلَى حَالِهَا وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ وَنَقْصُهَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي صِفَتِهَا فَلَمْ يَمْنَعْ الِاعْتِصَارَ كَنَقْلِهَا مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ، وَأَمَّا إذَا تَغَيَّرَتْ الْهِبَةُ فِي عَيْنِهَا فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: زِيَادَتُهَا فِي عَيْنِهَا وَنَقْصِهَا لَا يَمْنَعُ اعْتِصَارَهَا.
وَقَالَ أَصْبَغُ: بِمَنْعِ اعْتِصَارِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، لِأَنَّ تَغَيُّرَ حَالَةِ ذِمَّةِ الْمُعْطِي تَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ فَإِنَّ بِمَنْعِهِ تَغَيُّرَ الْهِبَةِ فِي نَفْسِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى.
(وَلَمْ يُنْكَحْ وَلَمْ يُدَايَنْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَ أَوْ نَحَلَ لِبَنِيهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصِّغَارِ أُمٌّ، لِأَنَّ الْيَتِيمَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ مَا لَمْ يُنْكَحُوا أَوْ يَسْتَحْدِثُوا دَيْنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا أُنْكِحَ لِغِنَاهُ وَلِمَا أُعْطِيَ وَعَلَيْهِ دَايَنَهُ النَّاسُ.
وَكَذَلِكَ يَرْغَبُ فِي الِابْنَةِ وَيَرْفَعُ فِي صَدَاقِهَا فَلِذَلِكَ مُنِعَ الِاعْتِصَارُ، وَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ كَثِيرَةً مِمَّا يُزَادُ فِي الصَّدَاقِ مِنْ أَجْلِهَا، فَأَمَّا الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ فَلَا. وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ نَحَلَ ابْنَتَهُ غَلَّةً فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ رَجُلٌ ثُمَّ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ فَقَدْ انْقَطَعَ الِاعْتِصَارُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَعُودُ دَيْنًا لَهَا أَوْ لَمْ يَبْقَ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَكَحَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ أَوْ دَايَنَ ثُمَّ زَالَ الدَّيْنُ أَوْ زَالَتْ الْعِصْمَةُ فَلَا اعْتِصَارَ لَهَا.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَنْ نَحَلَ ابْنَهُ أَوْ ابْنَتَهُ ثُمَّ نَكَحَا عَلَى ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ نَحَلَهَا بَعْدَ النِّكَاحِ فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَتَدَايَنَا أَوْ يَمُوتَا.
(أَوْ يَطَأْ وَلَوْ ثَيِّبًا) مُحَمَّدٌ: إذَا وَهَبَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ بَعْدَ تَزْوِيجِهِ فَلَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا لَمْ يَتَدَايَنْ الْوَلَدُ أَوْ تُنَمَّى الْهِبَةُ أَوْ يَطَأْهَا إنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَيَفُوتُ الِاعْتِصَارُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِكْرًا وَلَمْ تَحْمِلْ.
قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ.
(أَوْ يَمْرَضُ كَوَاهِبٍ) قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: إنْ مَرِضَ الْأَبُ وَالِابْنُ فَلَا اعْتِصَارَ فِي مَرَضِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ فَلَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَامَلْ عَلَيْهِ فِي الْمَرَضِ.
وَقَالَ سَحْنُونَ: مِثْلُهُ فِي الْأَبِ. قَالَ: وَلَا يُشْبِهُ الْمُعْتَصَرَ مِنْهُ الْمُعْتَصِرُ فِي ذَلِكَ.
قَالَ أَصْبَغُ: إذَا امْتَنَعَ الِاعْتِصَارُ بِمَرْضِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِنِكَاحِ الْوَلَدِ أَوْ بِدَيْنٍ ثُمَّ زَالَ
الْمَرَضُ وَالدَّيْنُ وَالنِّكَاحُ فَلَا اعْتِصَارَ، وَإِذَا زَالَتْ الْعَصْرَةُ يَوْمًا مَا فَلَا تَعُودُ.
وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ: إذَا صَحَّ الْمُعْطِي أَوْ الْمُعْطَى لَهُ رَجَعَتْ الْعَصْرَةُ كَمَا تَنْطَلِقُ يَدُهُ فِي مَالِهِ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ اُخْتُلِفَ إذَا امْتَنَعَ الِاعْتِصَارُ لِمَرَضِ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ ثُمَّ بَرِئَا فَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَعْتَصِرُ وَهُوَ أَبْيَنُ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَرَضُ مَوْتٍ، فَإِذَا صَحَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا وَأَنَّهُ مَرَضٌ لَا يَمُوتُ مِنْهُ. وَلَوْ اعْتَصَرَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ ثُمَّ صَحَّ مِنْهُ كَانَ الِاعْتِصَارُ صَحِيحًا لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ (إلَّا أَنْ يَهَبَ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ وَهَبَ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَفِي إفَاتَتِهَا الرُّجُوعُ قَوْلَانِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَقْرَبُ صِحَّةُ الِاعْتِصَارِ (أَوْ يَزُولُ الْمَرَضُ عَلَى الْمُخْتَارِ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ بِهَذَا وَتَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ قَبْله فَانْظُرْهُ مَعَهُ.
(وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ بِغَيْرِ مِيرَاثٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْتَرِي الرَّجُلُ صَدَقَتَهُ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ. مُحَمَّدٌ: وَلَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِاخْتِيَارٍ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ أَمْلَاكٌ وَمَوَارِيثُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ النَّهْيُ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْوُجُوبِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا. وَقَالَ: يُكْرَهُ. وَظَاهِرُ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اللَّخْمِيِّ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْمَثَلَ ضُرِبَ لَنَا بِمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ الْفَاعِلِ بِتَشْبِيهِهِ بِالْكَلْبِ الْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَالذَّمُّ عَلَى الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَتِهِ.
وَقَالَهُ عِزُّ الدِّينِ وَلِبُعْدِ اللَّخْمِيِّ عَنْ ذِكْرِ قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ قَالَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرُجُوعُهَا بِالْإِرْثِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ جَبْرٌ.
(وَلَا يَرْكَبُهَا وَلَا يَأْكُلُ غَلَّتَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَلَا يَرْكَبَهَا إنْ كَانَتْ دَابَّةً وَلَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا مِنْ ثَمَنِهَا، وَأَمَّا الْأُمُّ وَالْأَبُ إذَا احْتَاجَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِمَا مِمَّا تَصَدَّقَا بِهِ عَلَى الْوَلَدِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا يَسْتَعِيرُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ
أَعْطَاهُ لِرَجُلٍ فِي السَّبِيلِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِنْ لَمْ يُبْتَلَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ عُمْرَى أَوْ أَجَلًا فَلَهُ شِرَاءُ ذَلِكَ. قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَرْضَى الِابْنُ الْكَبِيرُ بِشُرْبِ اللَّبَنِ تَأْوِيلَانِ) قَالَ مُحَمَّدٌ: لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ غَنَمٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى ابْنِهِ وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا وَيَكْتَسِيَ مِنْ صُوفِهَا إذَا رَضِيَ الْوَلَدُ، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا فِي الْوَلَدِ الْكَبِيرِ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا يَفْعَلُ وَقَالَهُ مَالِكٌ انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ لِابْنِ يُونُسَ غَيْرَ هَذَا.
وَفِي الرِّسَالَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ (وَيُنْفِقُ عَلَى أَبٍ افْتَقَرَ مِنْهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: الْأَبُ وَالْأُمُّ إذَا احْتَاجَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا مِمَّا تَصَدَّقَا بِهِ عَلَى الْوَلَدِ (وَتَقْوِيمُ جَارِيَةٍ أَوْ عَبْدٍ لِلضَّرُورَةِ وَيُسْتَقْصَى مِنْ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ) إنَّمَا جَعَلَ الْمُتَيْطِيُّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمَةِ خَاصَّةً لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ خَاصَّةً.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِجَارِيَةٍ فَتَمَنَّتْهَا نَفْسُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَوِّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَيُسْتَقْصَى الِابْنُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّمَا رَخَّصَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ مِنْ أَبِيهِ، وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا أَوْ أَجْنَبِيًّا مَا حَلَّ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَهُ مَالِكٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: مِثْلُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَوْهُوبُ عَبْدًا.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجَارِيَةِ أَعْذَرُ مِنْهُ فِي الْعَبْدِ لِتَعَلُّقِ نَفْسِهِ بِهَا.
رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ.
(وَجَازَ شَرْطُ الثَّوَابِ) ابْنُ يُونُسَ: الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ كَالْبَيْعِ فِي هَذَا فِي أَكْثَرِ الْحَالَاتِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْعِوَضَ عِنْدَ الْهِبَةِ أَجَازَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ خَالَفَتْ الْبَيْعَ فِي هَذَا كَخِلَافِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ لِنِكَاحِ التَّسْمِيَةِ، وَلَا
بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ الثَّوَابِ عِنْدَ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ (وَلَزِمَ بِتَعْيِينِهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: وَهِبَةُ الثَّوَابِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَهَبَ عَلَى ثَوَابٍ يَرْجُوهُ وَلَا يُسَمِّيه وَلَا يَشْتَرِطُهُ، فَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَنِكَاحِ التَّفْوِيضِ. وَالثَّانِي أَنْ يَهَبَ عَلَى ثَوَابٍ يَشْتَرِطُهُ وَلَا يُسَمِّيهِ فَقِيلَ إنَّهُ كَالْهِبَةِ الَّتِي يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ. قَالَهُ أَصْبَغُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: هَذَا غَرَرٌ لِأَنَّهُ بَاعَ سِلْعَةً بِقِيمَتِهَا.
الثَّالِثُ: أَنْ يَهَبَ عَلَى ثَوَابٍ يَشْتَرِطُهُ وَيُسَمِّيهِ فَهُوَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَيُسَمِّيه فِيهَا، وَلَوْ قَالَ فَهُوَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ كَانَ أَوْلَى. الْبَاجِيُّ: مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الثَّمَنِ أَنْ يَبِيعَهُ السِّلْعَةَ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِمَا يُعْطَى فِيهَا، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكهَا بِمَا شِئْتَ ثُمَّ سَخِطَ مَا أَعْطَاهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ لَزِمَهُ. الْبَاجِيُّ: حَمَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا عَلَى الْمُكَارَمَةِ كَهِبَةِ الثَّوَابِ، وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ لَفْظَ الْبَيْعِ فَمَنَعَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَهِبَةِ الثَّوَابِ فَجَعَلَ لِلَّفْظِ تَأْثِيرًا.
الْمُتَيْطِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَهَبَ الْأَبُ دَارَ ابْنِهِ الْمَحْجُورِ لِلثَّوَابِ وَيَكْتُبَ فِي ذَلِكَ " وَهَبَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ دَارَ ابْنِهِ لِمَا رَجَاهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لَهُ عَلَى سُنَّةِ الْهِبَةِ لِلثَّوَابِ وَرَضِيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَذِهِ الْهِبَةِ وَقَبِلَهَا وَالْتَزَمَ الثَّوَابَ فِيهَا وَصَارَتْ بِيَدِهِ ". وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِالْخِيَارِ بَعْدَ الْقَبْضِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ أَوْ يَرُدُّ مَا لَمْ تُفْتِ (وَصُدِّقَ وَاهِبٌ فِيهِ إنْ لَمْ يَشْهَدْ عُرْفٌ بِضِدِّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا وَهَبْتَ لِقَرَابَتِكَ أَوْ ذَوِي رَحِمِكَ وَعَلَى أَنَّكَ أَرَدْتَ ثَوَابًا فَذَلِكَ لَكَ إنْ أَثَابُوكَ وَإِلَّا رَجَعْتَ فِيهَا، وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِثَوَابٍ كَصِلَتِكَ لِفَقْرِهِمْ وَأَنْتَ غَنِيٌّ فَلَا ثَوَابَ لَك وَلَا تُصَدَّقُ أَنَّكَ أَرَدْتَهُ وَلَا رُجُوعَ لَكَ فِي هِبَتِكَ، وَكَذَلِكَ هِبَةُ غَنِيٍّ لِأَجْنَبِيٍّ فَقِيرٍ أَوْ فَقِيرٍ لِفَقِيرٍ ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ وَلَا يُصَدَّقُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي أَصْلِ هِبَتِهِ ثَوَابًا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ فِي هِبَتِهِ (وَإِنْ لِعُرْسٍ) الْبَاجِيُّ: مَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِبَلَدِنَا مِنْ إهْدَاءِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الْكِبَاشَ وَغَيْرَهَا عِنْدَ النِّكَاحِ. فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى الثَّوَابِ وَبِذَلِكَ رَأَيْتَ الْقَضَاءَ بِبَلَدِنَا.
قَالَ: لِأَنَّ ضَمَائِرَ الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى
إلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ، يُرِيدُ أَنَّهُ الْعُرْفُ. قَالَ: وَذَلِكَ كَالشَّرْطِ فَيُقْضَى لِلْمُهْدِي بِقِيمَةِ الْكِبَاشِ حِينَ قَبَضَهَا الْمُهْدَى إلَيْهِ إنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْوَزْنِ، فَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْوَزْنِ قُضِيَ بِوَزْنِهَا. وَإِنْ كَانَ الْمُهْدَى إلَيْهِ بَعَثَ إلَى الْمُهْدِي قَدْرًا مِنْ لَحْمٍ مَطْبُوخٍ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُ فِي الْعُرْسِ حُوسِبَ فِي قِيمَةِ هَدِيَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي بَلَدٍ لَا يُعْرَفُ فِيهِ هَذَا لَمْ يُقْضَ فِيهِ بِثَوَابٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ.
رَاجِعْ الْمُنْتَقَى وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَا يُقْضَى فِي الثَّوَابِ إلَّا بِمَا يُقْضَى عَنْهُ بِبَيْعٍ (وَهَلْ يُحَلَّفُ أَوْ إنْ أَشْكَلَ تَأْوِيلَانِ) عِيَاضٌ: قَوْلُهُ فِي هِبَةِ الْفَقِيرِ إنْ قَالَ: إنَّمَا وَهِبَتُهُ لِلثَّوَابِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ إنَّمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ يَمِينِهِ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْجَلَّابِ.
وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: أَمَّا إذَا أَشْكَلَ فَإِحْلَافُهُ صَوَابٌ، وَإِنْ لَمْ يُشْكِلْ وَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ فَلَا يُحَلَّفُ (فِي غَيْرِ الْمَسْكُوكِ إلَّا بِشَرْطٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا ثَوَابَ فِي هِبَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَإِنْ وَهَبَهَا فَقِيرٌ لِغَنِيٍّ وَمَا عَلِمْتُهُ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ.
ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الثَّوَابَ فَيُثَابُ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا، وَأَجَازَ مَالِكٌ هِبَةَ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ لِلثَّوَابِ وَلَا يُعَوَّضُ مِنْ ذَلِكَ عَيْنًا لَا ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِحَضْرَةِ الْحُلِيِّ.
(وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُقْضَى بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِالثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ وَلَا بَيْنَ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ ابْتِغَاءُ الثَّوَابِ بَيْنَهُمْ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ لِلْمَرْأَةِ جَارِيَةٌ فَارِهَةٌ فَطَلَبَهَا مِنْهَا زَوْجُهَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَعْطَتْهُ إيَّاهَا تُرِيدُ بِذَلِكَ اسْتِغْزَارَ صِلَتِهِ، وَالرَّجُلُ كَذَلِكَ يَهَبُ لِامْرَأَتِهِ وَالِابْنُ لِأَبِيهِ مِمَّا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ اسْتِغْزَارَ مَا عِنْدَ أَبِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مِمَّا يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ وَجْهُ مَا طَلَبَ فِي هِبَتِهِ فَفِي ذَلِكَ الثَّوَابُ، فَإِنْ أَثَابَهُ وَإِلَّا رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هِبَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُ مَا ذَكَرْنَا فَلَا
ثَوَابَ بَيْنَهُمَا.
(وَلِقَادِمٍ عِنْدَ قُدُومِهِ وَإِنْ فَقِيرًا لِغَنِيٍّ وَلَا يَأْخُذُ هِبَتَهُ وَإِنْ قَائِمَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا قَدِمَ غَنِيٌّ مِنْ سَفَرِهِ فَأَهْدَى إلَيْهِ جَارُهُ الْفَقِيرُ الْفَوَاكِهَ وَالرُّطَبَ وَشِبْهَهُ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُ الثَّوَابَ وَقَالَ إنَّمَا أَهْدَيْتُ إلَيْهِ رَجَاءَ أَنْ يَكْسُوَنِي أَوْ يَصْنَعَ بِي خَيْرًا، فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِغَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا لَهُ أَخْذُ هَدِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا.
(وَلَزِمَ وَاهِبَهَا لَا الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ) هِبَةُ الثَّوَابِ يَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُخَيَّرًا مَا كَانَتْ الْهِبَةُ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ بَيْنَ أَنْ يُثِيبَهُ مَا يَكُونُ فِيهِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ الْهِبَةِ أَوْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ إلَّا بِالْفَوْتِ. وَعَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ الرِّضَا بِقِيمَةِ الْهِبَةِ إلَّا بَعْدَ فَوْتِهَا بِذَهَابِ عَيْنِهَا كَقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ عَلَى حُكْمِهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الرِّضَا بِصَدَاقِ الْمِثْلِ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ، خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَلْزَمُهُمَا الرِّضَا بِالصَّدَاقِ الْمِثْلِيِّ إذَا فَوَّضَهُ لَهَا كَالتَّفْوِيضِ (وَإِلَّا لِفَوْتٍ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ) ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي الْفَوْتِ الَّذِي يَلْزَمُ بِهِ الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهَا فَوْتٌ إلَّا بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (وَلَهُ مَنْعُهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا هِبَةُ الثَّوَابِ فَلِلْوَاهِبِ مَنْعُهَا حَتَّى يَقْبِضَ الْعِوَضَ كَالْبَيْعِ (وَأُثِيبَ بِمَا يُقْضَى عَنْهُ بِبَيْعٍ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمَّا كَانَتْ
الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ كَالْبَيْعِ فِي أَكْثَرِ الْحَالَاتِ كَانَ لَهَا حُكْمُهُ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ عِوَضِهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ وَهَبَك حِنْطَةً فَلَا خَيْرَ فِي أَنْ تُعَاوِضَهُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ حِنْطَةً أَوْ تَمْرًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَكِيلِ الطَّعَامِ أَوْ مَوْزُونِهِ إلَّا أَنْ تُعَاوِضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ طَعَامًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ، لِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ
تُعَاوِضَهُ مِثْلَ طَعَامِهِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ وَكَيْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ افْتَرَقَا.
(وَإِنْ مُعَيَّنًا) لَوْ قَالَ " وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ " لَكَانَ أَبْيَنَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ سَمَّى الثَّوَابَ فَهُوَ بَيْعٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَالثَّوَابُ فَفِيهِ الْخِلَافُ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْهِبَةُ بِشَرْطِ عِوَضِ عَيْنَاهُ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ: هِيَ بَيْعٌ. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ شَرْطِ الثَّوَابِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ (وَإِلَّا كَحَطَبٍ فَلَا يَلْزَمُ أَخْذُهُ) ابْنُ شَاسٍ: نَوْعُ الثَّوَابِ الَّذِي يَلْزَمُ قَبُولُهُ بِاتِّفَاقِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَرَوَى أَشْهَبُ: الْخَسَارَةُ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى غَيْرِهِمَا.
وَرَأَى سَحْنُونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَوَابًا وَيَلْزَمَ الْوَاهِبَ قَبُولُهُ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ هِبَتِهِ. وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْعَيْنِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْهَا الْحَطَبَ وَالتِّبْنَ وَشِبْهَهُ مِمَّا لَا يُثَابُ فِي الْعَادَةِ بِمِثْلِهِ.
(وَلِلْمَأْذُونِ وَلِلْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُقْضَى عَلَيْهِ أَنْ يُعَوِّضَ مَنْ يَهَبُهُ قَالَ: وَلِلْأَبِ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِلثَّوَابِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَهَبَ لِلثَّوَابِ كَالْبَيْعِ وَيُعَوِّضَ عَنْهُ وَاهِبَهُ لِلثَّوَابِ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْأَبِ جَائِزٌ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ.
(وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ وَإِنَّمَا بَتَلَهُ لِلَّهِ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ إنْ كَانَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ. عِيَاضٌ: عَلَى هَذَا اخْتَصَرَهَا أَكْثَرُ الْمُخْتَصِرِينَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا إلَّا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ.
وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: إنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ بِغَيْرِ يَمِينٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَالْمَرْضَى وَالْمَسَاكِينِ فَفِيهَا قَوْلَانِ فِي حَبْسِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْهِبَاتِ مِنْهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِمِدْيَانٍ أَنَا أَهَبُك فَلَا يَلْزَمُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا مَا أَدْخَلَهُ فِي وَعْدِهِ فَلَازِمٌ كَقَوْلِهِ زَوِّجْ بِنْتَك وَالصَّدَاقُ عَلَيَّ، فَهَذَا الْوَعْدُ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُعْطِي قَبْلَ الْقَبْضِ.
(وَفِي مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ قَوْلَانِ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ لِمَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ، هَلْ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا وَإِنْفَاذِهَا؟ فَقَالَ: يُجْبَرُ كَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ وَتُوقَفُ غَيْرُهُمَا وَقَالَ: لَا أَدْرِي.
(وَقُضِيَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فِيهَا بِحُكْمِنَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُقْضَى بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي الْهِبَاتِ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا كَانَا ذِمِّيَّيْنِ فَامْتَنَعَ الْوَاهِبُ مِنْ دَفْعِ الْهِبَةِ لَمْ أَعْرِضْ لَهُمَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّظَالُمِ الَّذِي أَمْنَعُهُمْ مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ أَمْرٍ يَكُونُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَإِنَّمَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ.