الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْخَوَارِجُ إذَا خَرَجُوا فَأَصَابُوا الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ ثُمَّ تَابُوا وَرَجَعُوا وُضِعَتْ الدِّمَاءُ عَنْهُمْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا وُجِدَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَالٍ بِعَيْنِهِ، وَمَا اسْتَهْلَكُوهُ لَمْ يُتْبَعُوا بِهِ وَلَوْ كَانُوا أَمْلِيَاءَ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ بِخِلَافِ الْمُحَارَبِينَ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَإِنْ تَأَوَّلُوا ".
(وَمَضَى حُكْمُ قَاضِيه وَحَدٌّ أَقَامَهُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ وَلَّى الْبُغَاةُ قَاضِيًا وَأَخَذُوا زَكَاةً وَأَقَامُوا حَدًّا فَقَالَ الْأَخَوَانِ: يَنْفُذُ ذَلِكَ كُلُّهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إمْضَاءُ ذَلِكَ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَا أَخَذُوهُ مِنْ الزَّكَاةِ تُجْزِئُ عَنْ أَرْبَابِهَا.
(وَرُدَّ ذِمِّيٌّ مَعَهُ إلَى ذِمَّتِهِ) الشَّيْخُ: وَظَاهِرُهُ مِنْ الْوَاضِحَةِ إنْ قَاتَلَ مَعَ الْمُتَأَوِّلِينَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وُضِعَ عَنْهُمْ مَا وُضِعَ عَنْهُمْ وَرُدُّوا لِذِمَّتِهِمْ.
(وَضَمِنَ مُعَانِدٌ النَّفْسَ وَالْمَالَ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا أَحْكَامُ الْبُغَاةِ ثُمَّ قَالَ: وَمَا أَتْلَفُوهُ فِي الْفِتْنَةِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ مِنْ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ. هَذَا إنْ كَانُوا خَرَجُوا عَلَى تَأْوِيلٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعَصَبِيَّةِ وَأَهْلُ الْخِلَافِ لِسُلْطَانِهِمْ بَغْيًا بِلَا تَأْوِيلٍ فَيُؤْخَذُونَ بِالْقِصَاصِ وَرَدِّ الْمَالِ قَائِمًا كَانَ أَوْ فَائِتًا. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" كَزَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ وَالذِّمِّيُّ مَعَهُ نَاقِضٌ ". ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ الْمُسْتَعِينُونَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَهْلَ عَصَبِيَّةٍ وَخِلَافَ الْإِمَامِ الْعَدْلِ فَهُوَ نَقْضٌ لِعَهْدِهِمْ، وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ غَيْرَ عَادِلٍ وَاسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ نَقْضًا لِعَهْدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ خَرَجُوا مَعَ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ طَوْعًا.
(وَالْمَرْأَةُ الْمُقَاتِلَةُ كَالرَّجُلِ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا قَاتَلَ النِّسَاءُ بِالسِّلَاحِ مَعَ الْبُغَاةِ فَلِأَهْلِ الْعَدْلِ قَتْلُهُنَّ فِي الْقِتَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِتَالُهُنَّ إلَّا بِالتَّحْرِيضِ وَرَمْيِ الْحِجَارَةِ فَلَا يُقْتَلْنَ، وَإِنْ أُسِرْنَ وَقَدْ كُنَّ يُقَاتِلْنَ قِتَالَ الرِّجَالِ لَمْ يُقْتَلْنَ إلَّا أَنْ يَكُنَّ قَدْ قَتَلْنَ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ فِي غَيْرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
[بَابٌ فِي الرِّدَّةُ]
[حَقِيقَة الرِّدَّة وَأَحْكَامهَا]
بَابٌ.
ابْنُ شَاسٍ: الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ الرِّدَّةُ وَالنَّظَرُ فِي حَقِيقَتِهَا وَحُكْمُهَا (الرِّدَّةُ كُفْرُ الْمُسْلِمِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّدَّةُ كُفْرٌ بَعْدَ إسْلَامٍ تَقَرَّرَ. الْمُتَيْطِيُّ: إنْ نَطَقَ الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَوَقَفَ عَلَى شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحُدُودِهِ ثُمَّ
الْتَزَمَهَا قُبِلَ إسْلَامُهُ وَإِنْ أَبَى مِنْ الْتِزَامِهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إسْلَامُهُ وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْتِزَامِهَا وَتُرِكَ عَلَى دِينِهِ وَلَمْ يُعَدَّ مُرْتَدًّا (بِصَرِيحٍ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيه أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ) ابْنُ شَاسٍ: ظُهُورُ الرِّدَّةِ إمَّا التَّصْرِيحُ بِالْكُفْرِ أَوْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِيه.
ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ: " بِلَفْظٍ يَقْتَضِيه " كَإِنْكَارِ غَيْرِ حَدِيثٍ بِالْإِسْلَامِ وُجُوبَ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً (كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ وَشَدِّ زُنَّارٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: " أَوْ بِفِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ " هُوَ كَلُبْسِ الزُّنَّارِ وَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي صَرِيحِ النَّجَاسَةِ وَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَسِحْرٍ) مُحَمَّدٌ: قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ السَّاحِرَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ: هُوَ كَالزِّنْدِيقِ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِنَفْسِهِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ.
وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ عَمَلَ السِّحْرِ وَجَعَلَ مَنْ يَعْمَلُهُ لَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُؤَدَّبُ أَدَبًا شَدِيدًا. الْبَاجِيُّ: وَلَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ هُوَ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ.
قَالَ أَصْبَغُ: يَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ. يُرِيدُ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَتَحْقِيقِهِ كَسَائِرِ مَا يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ.
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: فَاَلَّذِي يَقْطَعُ أُذُنَ الرَّجُلِ أَوْ يُدْخِلُ السَّكَاكِينَ فِي جَوْفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ سِحْرًا قُوتِلَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ عُوقِبَ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي امْرَأَةٍ عَقَدَتْ زَوْجَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَوْ عَنْ غَيْرِهَا أَنَّهَا تُنَكَّلُ وَلَا تُقْتَلُ (وَقَوْلٍ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ أَوْ شَكٍّ فِي ذَلِكَ أَوْ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ) عِيَاضٌ: وَكَذَلِكَ يُقْطَعُ عَلَى كُفْرِ مَنْ قَالَ بِقَدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ، أَوْ قَالَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ أَوْ انْتِقَالِهَا أَبَدَ الْأَبَدِ فِي الْأَشْخَاصِ (أَوْ بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ جِنْسٍ نَذِيرٌ) عِيَاضٌ: وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ ذَهَبَ إلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْقُدَمَاءِ فِي أَنَّ لِكُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْحَيَوَانِ نَذِيرًا
أَوْ نَبِيَّهَا مِنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَالدَّوَابِّ وَالدُّودِ (أَوْ ادَّعَى شِرْكًا مَعَ نُبُوَّتِهِ صلى الله عليه وسلم) عِيَاضٌ: وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ ادَّعَى نُبُوَّةَ أَحَدٍ مَعَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم أَوْ بَعْدَهُ كَالْعِيسَوِيَّةِ وَكَالْجُرْمِيَّةِ وَكَأَكْثَرِ الرَّافِضَةِ.
(أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ) عِيَاضٌ: وَكَذَلِكَ أُجْمِعَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ اسْتَخَفَّ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ أَزَرَى عَلَيْهِمْ أَوْ آذَاهُمْ أَوْ حَارَبَ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ (وَجَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ لِلسَّمَاءِ أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ) عِيَاضٌ: وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: أَوْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لِنَفْسِهِ أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَهَا وَالْبُلُوغَ بِتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ إلَى مَرْتَبَتِهَا كَالْفَلَاسِفَةِ وَعَامَّةِ الْمُتَصَوِّفَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمْ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ، أَوْ أَنَّهُ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا وَيُعَانِقُ الْحُورَ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ مُكَذِّبُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَوْ اسْتَحَلَّ كَالشُّرْبِ) عِيَاضٌ: وَكَذَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ اسْتَحَلَّ الْقَتْلَ أَوْ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ بَعْدَ عِلْمِ هَذَا بِتَحْرِيمِهِ كَأَصْحَابِ الْإِبَاحَةِ مِنْ الْقَرَامِطَةِ وَبَعْضِ غُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ.
(لَا بِأَمَاتَهُ اللَّهُ كَافِرًا عَلَى الْأَصَحِّ وَفُصِّلَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَى الرِّدَّةِ دُونَ تَفْصِيلٍ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي التَّكْفِيرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا حَسَنٌ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي الشَّهَادَةِ فِي السَّرِقَةِ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا شَهِدَتْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ فُلَانًا سَرَقَ مَا يُقْطَعُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ السَّرِقَةِ مَا هِيَ وَكَيْفَ هِيَ وَمِنْ أَيْنَ
أَخَذَهَا وَإِلَى أَيْنَ أَخْرَجَهَا.
(وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ وَمُعَاقَبَةٍ مَا لَمْ يَتُبْ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) قَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِيمَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ لَا مَنْ خَرَجَ مِنْ مِلَّةٍ سِوَاهُ إلَى غَيْرِهَا. وَجَاءَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَعَنْ غَيْرِهِ اسْتِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} [الأنفال: 38] وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ: أَلَا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَغِيفًا فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا تَابَ الْمُرْتَدُّ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِيمَا صَنَعَ فِي ارْتِدَادِهِ. وَمِنْ ابْنِ شَاسٍ: ثُمَّ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَاجِبٌ وَالنَّصُّ أَنَّهُ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَا عَلِمْت فِي اسْتِتَابَتِهِ تَعْطِيشًا وَلَا تَجْوِيعًا وَلَا عُقُوبَةً عَلَيْهِ إذَا تَابَ. ابْنُ الْحَاجِبِ
إنْ لَمْ يُبَتَّ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ غَيْرُ الْفِرْيَةِ وَيُقْتَلُ. وَانْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " لَا حَدَّ الْفِرْيَةِ إنْ أُخِذَ عَلَى ارْتِدَادِهِ لَمْ يُسْتَتَبْ إنْ حَارَبَ بِأَرْضِ الْكُفْرِ أَوْ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ "(وَاسْتُبْرِئَتْ بِحَيْضَةٍ) أَمَّا فِي حَدِّ الزِّنَا فَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتُؤَخَّرُ الْمُتَزَوِّجَةُ لِحَيْضَةٍ " وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالْحَامِلُ وَإِنْ بِجَرْحٍ مَخُوفٍ " مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَأَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْحَمْلِ.
(وَمَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَإِلَّا فَفَيْءٌ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا مَالُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَمَالُهُ فَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ مَنْ ارْتَدَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قُلْت: أَرَأَيْت الْغُلَامَ إنْ ارْتَدَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْحُلُمَ قَالَ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ.
قَالَ سَحْنُونَ: يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ. اللَّخْمِيِّ: الْأَحْسَنُ أَنَّ لِمَنْ ارْتَدَّ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَلِمَنْ أَسْلَمَ حُكْمُ الْمُسْلِمِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ لَمْ أَكُنْ قَطُّ مُسْلِمًا وَكُنْت أُرَائِي فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَا غَيْرُهُمْ وَنَحْوُهُ لِمَالِكٍ.
وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: إنْ اُتُّهِمَ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْعَ وَرَثَتِهِ وَرِثُوهُ انْتَهَى.
وَانْظُرْ لَوْ مَاتَ لِلْمُرْتَدِّ مَوْرُوثٌ فِي حَالِ ارْتِدَادِهِ فَإِنْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ لَمْ يَرِثْهُ. فَإِنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَرِثُهُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: يَرِثُهُ كَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ أَوْلَى بِمَالِهِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي النُّكَتِ: إذَا وُقِفَ مَالُ الْمُرْتَدِّ لَمْ يُنْفَقْ مِنْهُ عَلَى وَلَدِهِ الصِّغَارِ وَيُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرِهِ. اُنْظُرْ هَذَا فَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ رُدَّتْ إلَيْهِ أُمُّ وَلَدِهِ.
(وَبَقِيَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا كَأَنْ تُرِكَ) اُنْظُرْ مَا نَقَصَ هُنَا. ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا وَلَدُ الْمُرْتَدِّ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الرِّدَّةِ إذَا كَانَ صَغِيرًا إذْ تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ إنَّمَا تَكُونُ فِي دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُتِلَ الْأَبُ عَلَى الْكُفْرِ بَقِيَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا. وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: صَغِيرُ وَلَدِ الْمُرْتَدِّ إنْ كَانَ وَلَدَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ جُبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَضُيِّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْمَوْتَ، وَإِنْ وَلَدَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ جُبِرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَرُدُّوا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَكُوا حَتَّى بَلَغُوا تُرِكُوا لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَرَكَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّهُ ابْنُهَا فَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى احْتَلَمَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ لِلْإِسْلَامِ لَمْ يُقْتَلْ.
(وَأُخِذَ مِنْهُ لَا جَنَى عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَا حُرٍّ مُسْلِمٍ كَأَنْ هَرَبَ لِبِلَادِ الْحَرْبِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَتَلَ فِي رِدَّتِهِ حُرًّا عَمْدًا وَهَرَبَ لِبِلَادِ الْحَرْبِ لَمْ يَكُنْ لِوُلَاةِ الْمَقْتُولِ فِي مَالِهِ شَيْءٌ وَلَا يُنْفَقُ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا عَلَى عِيَالِهِ مِنْهُ بَلْ يُوقَفُ، فَإِنْ مَاتَ فَهُوَ فَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ. اُنْظُرْ آخِرَ فَصْلٍ مِنْ كِتَابِ الْمُحَارَبِينَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ. وَلِابْنِ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الشِّرْكِ فَتَنَصَّرَ وَأَصَابَ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ ثُمَّ أُخِذَ فَأَسْلَمَ أَنَّهُ يُهْدَرُ عَنْهُ جَمِيعُ مَا أَصَابَ كَالْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ سَوَاءٌ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكْفُرْ مَجْنُونًا وَفَاسِقًا، وَلَوْ ارْتَدَّ وَأَصَابَ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ انْهَدَرَتْ عَنْهُ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَحَدِّ الْحِرَابَةِ، وَأُخِذَ بِحُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا إذَا أُخِذَ عَلَى ارْتِدَادِهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حِرَابَتُهُ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ أَوْ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ (إلَّا حَدَّ الْفِرْيَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قُتِلَ عَلَى
رِدَّتِهِ فَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى كُلِّ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلنَّاسِ إلَّا الْقَذْفَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لَهُ ثُمَّ يُقْتَلُ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَذَفَ الْحَرْبِيُّ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ أُسِرَ لَمْ يُحَدَّ لِلْقَذْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَتْلَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَانَ يَجْرِيَ لَنَا أَنَّ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ مُتَنَاقِضَانِ.
(وَالْخَطَأُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَأَخْذِهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَتَلَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا حُرًّا خَطَأً فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إنْ تَابَ فَالدِّيَةُ عَلَى تَفْصِيلِهَا كَالْمُسْلِمِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ تَقَدَّمَتْ وَعَقْلُهَا إنْ لَمْ يُنْسَبْ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ تَابَ فَلَهُ. ابْنُ شَاسٍ: وَعَمْدُ مَنْ جَرَحَهُ كَالْخَطَأِ لَا يُقَادُ مِنْهُ. وَلَوْ جَرَحَهُ عَبْدٌ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَلَا قَوَدَ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْعَقْلُ.
(وَإِنْ تَابَ فَمَالُهُ لَهُ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُوقِفُ السُّلْطَانُ مَالَ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَعْرُوفُ إنْ تَابَ رَجَعَ إلَيْهِ مَالُهُ. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَبَقِيَ وَلَدُهُ ".
(وَقُدِّرَ كَالْمُسْلِمِ فِيهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ تَابَ الْمُرْتَدُّ قُدِّرَ جَانِيًا مُسْلِمًا فِي الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ.
وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: الْأَحَبُّ إلَيَّ إذَا تَابَ الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ مَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ عَمْدًا أَوْ خَطَأً كَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَذَلِكَ فِيمَا جَرَحَ أَوْ جَنَى عَلَى عَبْدٍ أَوْ سَرَقَ أَوْ قَذَفَ فَلْيُقَمْ عَلَيْهِ إنْ تَابَ مَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا فَعَلَهُ وَتَحْمِلُ عَاقِلَتُهُ مِنْ الْخَطَأِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ وَيَقْتَصُّ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ جِرَاحَ الْعَمْدِ وَيُحَدُّ فِي قَذْفِهِ وَيُقْطَعُ إنْ سَرَقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْكُفْرِ أَنَّهُ كَالْحَرْبِيِّ يُهْدَرُ عَنْهُ مَا أَصَابَ مِنْ دَمٍ وَمَالٍ.
(وَقَتْلُ الْمُسْتَسِرِّ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا وَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الزِّنْدِيقُ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُسِرُّ الْكُفْرَ، إنْ ثَبَتَتْ زَنْدَقَتُهُ بِإِقْرَارِهِ فَفِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ طَرِيقَانِ: الْأُولَى قَبُولُهَا اتِّفَاقًا. ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُقْتَلُ الزِّنْدِيقُ إذَا جَاءَ تَائِبًا عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ. ابْنُ شَاسٍ: مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ قُتِلَ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَخْرُجْ بِمَا أَبْدَاهُ عَنْ عَادَتِهِ وَمَذْهَبِهِ، فَإِنَّ التَّقِيَّةَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَيْنُ الزَّنْدَقَةِ. قَالَ: وَيُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ مَنْ عَبَدَ شَمْسًا أَوْ قَمَرًا أَوْ حَجَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مُسْتَسِرًّا بِهِ مُظْهِرًا لِلْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُقِرُّونَ بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(وَقُبِلَ عُذْرُ مَنْ أَسْلَمَ وَقَالَ أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ إنْ ظَهَرَ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ وَقَالَ: أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ ضُيِّقَ عَلَيَّ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ ضِيقِ حَالٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ شَبَهِهِ عُذِرَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ، وَإِذَا كَانَ عَنْ ضِيقٍ أَوْ عَذَابٍ أَوْ غُرْمٍ أَوْ خَوْفٍ.
قَالَ أَصْبَغُ: إذَا صَحَّ ذَلِكَ وَكَانَ زَمَانٌ يُشْبِهُ ذَلِكَ فِي جَوْرِهِ.
(كَأَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى وَأَعَادَ مَأْمُومُهُ) سَمِعَ يَحْيَى بْنَ الْقَاسِمِ فِي إمَامٍ صَحِبَ قَوْمًا يُصَلِّي بِهِمْ أَيَّامًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَصْرَانِيٌّ: أَعَادُوا مَا صَلَّوْا خَلْفَهُ أَبَدًا وَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ.
(وَأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ نَطَقَ الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحُدُودِهِ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهَا أَبَى مِنْ الْتِزَامِهَا، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ وَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى إبَايَتِهِ تُرِكَ فِي لَعْنَةِ اللَّهِ، قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ
وَغَيْرُهُمَا وَبِهِ الْعَمَلُ وَالْقَضَاءُ. ابْنُ عَرَفَةَ: نَقْلُ الْمُوَثَّقِينَ عَنْ الْمَذْهَبِ: مَنْ أَجَابَ إلَى الْإِسْلَامِ مُجْمَلًا ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يُصَلِّيَ صَلَاةً وَاحِدَةً، وَيُؤَكِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ ثُمَّ رَجَعَ اُسْتُتِيبَ، فَقَوْلُهُ:" وَحَسُنَ إسْلَامُهُ " يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ.
(كَسَاحِرٍ ذِمِّيٍّ إنْ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنْ كَانَ السَّاحِرُ ذِمِّيًّا فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونَ ذَلِكَ نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْبَةُ، وَإِنْ سَحَرَ أَهْلَ دِينِهِ أُدِّبَ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا.
قَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ الذِّمِّيُّ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا أَوْ يَقْتُلَ ذِمِّيًّا. قَالَهُ مَالِكٌ.
(وَأَسْقَطَتْ صَلَاةً وَصِيَامًا وَزَكَاةً وَحَجًّا تَقَدَّمَ وَنَذْرًا أَوْ يَمِينًا بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ بِظِهَارٍ وَإِحْصَانًا
وَوَصِيَّةً لَا طَلَاقًا وَرَدَّةَ مُحَلَّلٍ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ وُضِعَ عَنْهُ مَا كَانَ لِلَّهِ قَدْ تَرَكَهُ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ حَدٍّ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ بِعِتْقٍ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ بِالظِّهَارِ اهـ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَسَوَاءٌ كَانَ الظِّهَارُ حَنِثَ فِيهِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، أَوْ كَانَ لَزِمَهُ مُجَرَّدُ ظِهَارٍ لَمْ يَحْنَثْ فِيهِ، كِلَا الصُّورَتَيْنِ قَدْ سَقَطَ بِالِارْتِدَادِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي هَذَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ لَمْ يُجْزِهِ مَا حَجَّ قَبْلَ رِدَّتِهِ وَلْيَأْتَنِفْ الْحَجَّ وَيَأْتَنِفَ الْإِحْصَانَ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَتْ وَصَايَاهُ وَلَمْ يَرِثْهُ وَرَثَتُهُ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ النِّكَاحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: وَالرِّدَّةُ تُزِيلُ إحْصَانَ الْمُرْتَدِّ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَيَأْتَنِفَانِ الْإِحْصَانَ إذَا أَسْلَمَا، وَمَنْ زَنَا مِنْهُمَا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ لَمْ يُرْجَمْ حَتَّى يَتَزَوَّجَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ أَلْبَتَّةَ فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَحَلَّتْ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ لَسَقَطَ ذَلِكَ الْإِحْلَالُ كَمَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ. ابْنُ يُونُسَ: بِخِلَافِ ارْتِدَادِ الزَّوْجِ الَّذِي أَحَلَّهَا انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ وَوَصِيَّتَهُ إنَّمَا نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا تَجُوزُ وَصَايَاهُ فِي مَالِهِ، وَهَذَا الْمَالُ لَيْسَ لِلْمُرْتَدِّ وَإِنَّمَا هُوَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا ارْتَدَّ وُقِفَ مَالُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرُوهُ) ، فَإِنْ أَسْلَمَ رَجَعَتْ إلَيْهِ أُمُّ وَلَدِهِ وَعَادَ إلَيْهِ مَالُهُ وَرَقِيقُهُ. وَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ عَتَقَتْ أُمُّ وَلَدِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَعَتَقَ مُدَبَّرُوهُ فِي الثُّلُثِ وَسَقَطَتْ وَصَايَاهُ وَيَكُونُ مَالُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَرِدَّةُ الزَّوْجِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ، وَكَذَلِكَ رِدَّةُ الْمَرْأَةِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ. انْتَهَى مِنْ التَّهْذِيبِ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ مَا حُسِبَتْ لَهُمَا طَلْقَةٌ إلَّا لِيَكُونَا عَلَيْهَا إذَا رَجَعَا لِلْإِسْلَامِ، فَصَحَّ قَوْلُ خَلِيلٍ:" لَا طَلَاقًا " وَانْظُرْ الِاضْطِرَابَ فِي ظِهَارِ الْمُرْتَدِّ وَطَلَاقِهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ.
(وَأُخِّرَ كَافِرٌ انْتَقِلْ لِكُفْرٍ آخَرَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَ " اُسْتُتِيبَ " قَوْلُ مَالِكٍ: لَا مَنْ خَرَجَ مِنْ مِلَّةٍ سِوَاهُ إلَى غَيْرِهَا. وَانْظُرْ إذَا خَرَجَ إلَى غَيْرِ شَرِيعَةٍ مِثْلَ التَّعْطِيلِ وَمَذَاهِبِ الدَّهْرِيَّةِ فَقَدْ نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّ مَنْ تَزَنْدَقَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُقْتَلُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُقْتَلُ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ هَذَا غَيْرَهُ، وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يُرِيدَ بِالزَّنْدَقَةِ الْخُرُوجَ إلَى غَيْرِ شَرِيعَةٍ مِثْلُ التَّعْطِيلِ وَمَذَاهِبِ الدَّهْرِيَّةِ.
(وَحُكِمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ كَأَنْ مَيَّزَ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْأَشْيَاخِ يَقُولُونَ: الْوَلَدُ تَابِعٌ لِأَبِيهِ فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ، وَلِأُمِّهِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْوَلَدُ الصَّغِيرُ تَابِعٌ لِأَبِيهِ فِي الدِّينِ وَإِسْلَامُ الْأَبِ إسْلَامٌ لِصَغِيرِ وَلَدِهِ مُطْلَقًا.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُحْكَمُ
بِإِسْلَامِ الْمُمَيِّزِ عَلَى الْأَصَحِّ تَبَعًا لِإِسْلَامِ الْأَبِ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَكَالْمَجْنُونِ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ الْأَصَحُّ. قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ هَارُونَ الْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَا الصَّقَلِّيُّ الْأَصَحَّ لِابْنِ وَهْبٍ وَلَمْ يَعْزُهُمَا اللَّخْمِيِّ.
(لَا الْمُرَاهِقَ وَالْمَتْرُوكَ لَهَا فَلَا يُجْبَرُ بِقَتْلٍ إنْ امْتَنَعَ وَيُوقَفُ إرْثُهُ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُرَاهِقِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ مُرَاهِقٌ مِنْ أَبْنَاءِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَشَبَهُ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وُقِفَ مَالُهُ إلَى بُلُوغِ الْوَلَدِ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَرِثَ أَبَاهُ وَإِلَّا لَمْ يَرِثْهُ وَكَانَ الْمَالُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْوَلَدُ قَبْلَ احْتِلَامِهِ لَمْ يُعَجَّلْ بِأَخْذِ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ جُبِرَ بِالضَّرْبِ وَلَمْ يُقْتَلْ؟ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَتْرُوكِ لِأُمِّهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَرَكَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّهُ ابْنُهَا فَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى احْتَلَمَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ لِلْإِسْلَامِ لَمْ يُقْتَلْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ صِغَارٌ فَأَقَرَّهُمْ حَتَّى بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً أَوْ شَبَهَ ذَلِكَ فَأَبَوْا الْإِسْلَامَ لَمْ يُجْبَرُوا. وَانْظُرْ إذَا أَسْلَمَ وَلَدُ الذِّمِّيِّ فَالرِّوَايَةُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إنْ ارْتَدَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ زَوَّجَهُ مَجُوسِيَّةً فَعِصْمَتُهُ بَاقِيَةٌ حَتَّى يَحْتَلِمَ مُسْلِمًا. وَإِنْ مَاتَ مَنْ يَعْصِبُهُ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ لَا يَتَعَجَّلُ أَخْذَ إرْثِهِ حَتَّى يَحْتَلِمَ مُسْلِمًا، وَهُنَا قَالَ الْإِمَامُ: إسْلَامُهُ كَلَا إسْلَامٍ.
(وَبِإِسْلَامِ سَابِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ) ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الصَّغِيرَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ ثُمَّ قَالَ: وَتَبَعًا لِلسَّابِي الْمُسْلِمِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ وَتَبَعًا لِلدَّارِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ. اُنْظُرْ رَسْمَ الشَّجَرَةِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ هُنَاكَ أَنَّ سَادِسَ الْأَقْوَالِ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الصَّغِيرَ مِنْ سَبْيِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ حَتَّى يُجِيبَ إلَيْهِ.
(وَالْمُتَنَصِّرُ مِنْ كَأَسِيرٍ عَلَى الطَّوْعِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْأَسِيرُ يُعْلَمُ تَنَصُّرُهُ فَلَا يُدْرَى أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا، فَلْتَعْتَدَّ زَوْجَتُهُ وَيُوقَفُ مَالُهُ وَحُكِمَ فِيهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ، وَإِنْ ثَبَتَ إكْرَاهُهُ بِبَيِّنَةٍ كَانَ بِحَالِ الْمُسْلِمِ فِي نِسَائِهِ وَمَالِهِ.
(وَإِنْ سَبَّ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا أَوْ عَرَّضَ أَوْ لَعَنَهُ أَوْ عَابَهُ أَوْ قَذَفَهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا وَإِنْ فِي بَدَنِهِ أَوْ خَصْلَتِهِ أَوْ غَضَّ مِنْ رُتْبَتِهِ أَوْ وَفَوْرِ عِلْمِهِ أَوْ زُهْدِهِ أَوْ أَضَافَ إلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ أَوْ قِيلَ لَهُ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَعَنَ وَقَالَ: أَرَدْت الْعَقْرَبَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ حَدًّا) عِيَاضٌ. مَنْ أَضَافَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْكَذِبَ
فِيمَا بَلَغَهُ أَوْ أُخْبِرَ بِهِ أَوْ سَبَّهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ أَزَرَى عَلَيْهِمْ أَوْ أَذَاهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ، وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ اعْتَرَفَ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ قَالَ: مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ أَوْ لَيْسَ الَّذِي كَانَ بِمَكَّةَ وَالْحِجَازِ، أَوْ لَيْسَ الَّذِي كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِمْ أَوْ أَكْذَبَهُمْ أَوْ أَنْكَرَهُمْ حُكْمُ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم عَلَى مَسَاقِ مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَقَالَ الْقَابِسِيُّ فِي الَّذِي قَالَ لِآخَرَ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَلَكٍ غَضْبَانَ: إنْ عُرِفَ أَنَّهُ قَصَدَ ذَمَّ الْمَلَكِ قُتِلَ. عِيَاضٌ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ حُقِّقَتْ كَوْنُهُمْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ كَجِبْرِيلَ وَمَلَكِ الْمَوْتِ وَالزَّبَانِيَةِ وَرِضْوَانَ وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ. فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتْ الْإِخْبَارَ بِنَفْسِهِ وَلَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْأَنْبِيَاءِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلُقْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الَّذِي قِيلَ: إنَّهُ نَبِيُّ أَهْلِ الرَّسِّ وزرادشت الَّذِي ادَّعَتْ الْمَجُوسُ نُبُوَّتَهُ، فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهِمْ مَا ذَكَرْنَا إذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ لَكِنْ يُؤَدَّبُ مَنْ تَنْقُصُهُمْ.
وَأَمَّا إنْكَارُ كَوْنِهِمْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ النَّبِيِّينَ فَإِنْ
كَانَ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا حَرَجَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ زُجِرَ عَنْ الْخَوْضِ فِي مِثْلِ هَذَا. وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ الْكَلَامَ فِي مِثْلِ هَذَا مِمَّا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ صَاحِبُ سَحْنُونٍ فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ وَحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: فَعَلَ اللَّهُ بِرَسُولِ اللَّهِ وَذَكَرَ كَلَامًا قِيلَ: مَا تَقُولُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْت بِرَسُولِ اللَّهِ الْعَقْرَبَ. فَقَالَ لِلَّذِي سَأَلَهُ: أَشْهِدْ عَلَيْهِ وَأَنَا شَرِيكُك فِي قَتْلِهِ وَثَوَابِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الرَّبِيعِ: لِأَنَّ ادِّعَاءَهُ لِلتَّأْوِيلِ فِي لَفْظٍ صُرَاحٍ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ امْتِهَانٌ وَهُوَ غَيْرُ مَعْزُوٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا مُوَقِّرٌ لَهُ. وَأَفْتَى فُقَهَاءُ الْأَنْدَلُسِ بِقَتْلِ ابْنِ حَاتِمٍ وَصَلْبِهِ بِمَا شُهِدَ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِخْفَافِهِ بِحَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ زُهْدَهُ لَمْ يَكُنْ قَصْدًا. عِيَاضٌ: مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ لَهُ وَالْإِزْرَاءِ عَلَيْهِ أَوْ التَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِ أَوْ الْغَضِّ مِنْهُ أَوْ الْعَيْبِ لَهُ، فَهُوَ سَابٌّ لَهُ وَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ السَّابِّ يُقْتَلُ كَمَا نُبَيِّنُهُ، وَلَا نَسْتَثْنِي فَصْلًا مِنْ فُصُولِ هَذَا الْبَابِ عَلَى هَذَا الْمَقْصِدِ وَلَا نَمْتَرِي فِيهِ تَصْرِيحًا كَانَ أَوْ تَلْوِيحًا،
وَكَذَلِكَ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ.
وَمَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا لَا كُفْرًا لِهَذَا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا تَنْفَعُهُ اسْتِقَالَتُهُ وَفَيْئَتُهُ (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ) عِيَاضٌ: الذِّمِّيُّ إذَا صَرَّحَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَرَّضَ أَوْ اسْتَخَفَّ بِقَدْرِهِ أَوْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ، فَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي قَتْلِهِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.
وَعَنْ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَابَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا قُتِلَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا قُتِلَ صَاغِرًا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. وَلَيْسَ يُقَالُ لَهُ أَسْلِمْ وَلَكِنْ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ طَائِعًا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
(وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ بِجَهْلٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ تَهَوُّرٍ) عِيَاضٌ: إنْ كَانَ الْقَائِلُ لِمَا قَالَهُ فِي جِهَتِهِ عليه الصلاة والسلام غَيْرَ قَاصِدٍ السَّبَّ وَالِازْدِرَاءَ وَلَا مُعْتَقِدًا لَهُ وَلَكِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مِنْ لَعْنِهِ أَوْ سَبِّهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ وَظَهَرَ بِدَلِيلِ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَمَّهُ وَلَمْ يَقْصِدْ سَبَّهُ إمَّا بِجَهَالَةٍ حَمَلَتْهُ عَلَى مَا قَالَهُ أَوْ ضَجَرٍ أَوْ سُكْرٍ اضْطَرَّهُ إلَيْهِ أَوْ قِلَّةِ مُرَاقَبَةٍ أَوْ ضَبْطٍ لِلِسَانِهِ وَعَجْرَفَةٍ وَتَهَوُّرٍ فِي كَلَامِهِ، فَحُكْمُ هَذَا الْوَجْهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ دُونَ تَلَعْثُمٍ.
(وَفِيمَنْ قَالَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ جَوَابًا لِصَلِّ أَوْ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ جَوَابًا لِتَتَّهِمنِي أَوْ جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَانِ) عِيَاضٌ: إنَّ لَفَظَ بِكَلَامٍ مُشْكِلٍ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ غَيْرِهِ
فَهَاهُنَا مَظِنَّةُ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ. اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي رَجُلٍ أَغْضَبَهُ غَرِيمُهُ فَقَالَ: صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ. فَذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ. اُنْظُرْ الْوَجْهَ الرَّابِعَ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ. وَقَالَ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا: اخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِيمَنْ قَالَ لِمَنْ قَالَ: تَتَّهِمُنِي فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ فَكَيْفَ أَنْتَ؟ اُنْظُرْهُ.
وَقَالَ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ: اسْتَفْسَرَ شَيْخُنَا ابْنُ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ تَنَقَّصَهُ آخَرُ بِشَيْءٍ فَقَالَ لَهُ: إنَّمَا تُرِيدُ نَقْصِي بِقَوْلِك وَأَنَا بَشَرٌ جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفْتَى بِإِطَالَةِ سِجْنِهِ وَإِيجَاعِهِ ضَرْبًا وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِقَتْلِهِ.
(وَالتَّثْبِيتُ فِي هُزِمَ) ابْنُ الْمُرَابِطِ: مَنْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هُزِمَ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ لِأَنَّهُ تَنَقُّصٌ.
(أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ أَوْ تَنَبَّأَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُسْلِمِ يُعْلِنُ بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّهُ كَالْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ تَنَبَّأَ وَزَعَمَ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ.
وَقَالَ سَحْنُونَ (إلَّا أَنْ يُسِرَّ عَلَى الْأَظْهَرِ وَأُدِّبَ اجْتِهَادًا فِي أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ وَلَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ لَسَبَبْته) كَتَبَ قَاضِي كُورَةَ بِيَاسَةَ يَسْأَلُ عَنْ نَازِلَةٍ نَزَلَتْ بِغَرْنَاطَةَ فِي سَبِّ رَجُلٍ رَجُلًا فَقَالَ لَهُ يَشُقُّ عَلَيْك إنْ رَاجَعْتُك بِاَللَّهِ لَوْ أَرَى نَبِيًّا سَبَّنِي أَوْ مَلَكًا لَرَدَدْت عَلَيْهِ، وَفِي رَجُلٍ عَشَّارٍ فَهِمَ مِنْ الْغَرِيمِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَكِيَ بِهِ فَقَالَ: اغْرَمْ وَاشْتَكِ لِلنَّبِيِّ فَرَاجِعْهُ. ابْنُ رُشْدٍ: يُقَالُ الْحَالِفُ بِاَللَّهِ لَوْ أَنَّ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا سَبَّهُ
مُتَهَاوَنٌ بِحُرْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ عليهم السلام يَجِبُ أَنْ يُؤَدَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْأَدَبَ الْمُوجِعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فِي اعْتِقَادِهِ فَيُتَجَافَى عَنْ عُقُوبَتِهِ وَيُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِمَّا قَالَ وَلَا كَفَّارَةَ لِيَمِينِهِ بِحَالٍ. وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَيُؤَدَّبُ الْأَدَبَ الْمُوجِعَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِّ بِنَحْوِ هَذَا وَقَالَ فِي الْحَالِفِ: أَبْعَدَهُ اللَّهُ وَنَحَّاهُ يُضْرَبُ الضَّرْبَ الْمُبَرِّحَ وَكَذَلِكَ الْعَشَّارُ الْفَاسِقُ أَسْحَقَهُ اللَّهُ وَمَقَتَهُ.
(أَوْ يَا ابْنَ أَلْفِ كَلْبٍ) وَمِثْلُ هَذَا مَا يَجْرِي فِي كَلَامِ السُّفَهَاءِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: يَا ابْنَ أَلْفِ خِنْزِيرٍ وَيَا ابْنَ مِائَةِ كَلْبٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذَيْنِ الْعَدَدُ مِنْ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَعَلَّ هَذَا الْعَدَدَ يَقَعُ إلَى آدَمَ فَيَنْبَغِي الزَّجْرُ عَنْهُ وَشِدَّةُ الْأَدَبِ فِيهِ.
(أَوْ عُيِّرَ بِالْفَقْرِ فَقَالَ تُعَيِّرُنِي بِهِ وَالنَّبِيُّ قَدْ رَعَى الْغَنَمَ) قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ عَيَّرَهُ رَجُلٌ بِالْفَقْرِ فَقَالَ: أَتُعَيِّرُنِي بِالْفَقْرِ وَقَدْ رَعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْغَنَمَ فَقَالَ مَالِكٌ: عَرَّضَ بِذِكْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَرَى أَنْ يُؤَدَّبَ.
(أَوْ قَالَ لِغَضْبَانَ كَأَنَّهُ وَجْهُ مُنْكَرٍ أَوْ مَالِكٍ) سُئِلَ الْقَابِسِيُّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ قَبِيحٍ كَأَنَّهُ وَجْهُ نَكِيرٍ وَلِرَجُلٍ عَبُوسٍ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَالِكٍ الْغَضْبَانِ فَقَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: هَذَا شَدِيدٌ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى التَّحْقِيرِ وَالتَّهْوِينِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالسَّبِّ لِلْمَلَكِ وَإِنَّمَا السَّبُّ وَاقِعٌ عَلَى الْمُخَاطَبِ، وَفِي الْأَدَبِ بِالسَّوْطِ وَالسَّجْنِ نَكَالٌ لِلسُّفَهَاءِ، وَأَمَّا ذِكْرُ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ فَقَدْ جَفَا الَّذِي ذَكَرَهُ عِنْدَمَا أَنْكَرَهُ مِنْ عُبُوسِ الْآخَرِ. اُنْظُرْ الْوَجْهَ الْخَامِسَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقَسَمِ الرَّابِعِ مِنْ الشِّفَاءِ.
(أَوْ اسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِبَعْضِ جَائِزٍ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حُجَّةَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ سَبَّهُ لِنَقْصٍ لَحِقَهُ لَا عَلَى التَّأَسِّي كَإِنْ كَذَبْت فَقَدْ كَذَبُوا) عِيَاضٌ: الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا وَلَا سَبًّا لَكِنَّهُ يَسْتَشْهِدُ بِبَعْضِ أَحْوَالِهِ الْجَائِزَةِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالْحُجَّةُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِ أَوْ عِنْدَ هَضِيمَةٍ نَالَتْهُ أَوْ عِضَاضَةٍ لَحِقَتْهُ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّأَسِّي وَطَرِيقِ التَّحْقِيقِ بَلْ عَلَى مَقْصِدِ التَّرْفِيعِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَسَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَعَدَمِ التَّوْقِيرِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم كَقَوْلِ الْقَائِلِ:
إنْ قِيلَ فِي السُّوءِ فَقَدْ قِيلَ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كُذِّبَتْ فَقَدْ كُذِّبَ الْأَنْبِيَاءُ، وَأَنَا أَسْلَمُ مِنْ النَّاسِ وَلَيْسَ يَسْلَمُ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ وَكَقَوْلِ الْمُتَنَبِّي:
أَنَا فِي أُمَّةٍ تَدَارَكَهَا اللَّهُ
…
غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِ
ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ كُلُّهَا وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ سَبًّا وَلَا إضَافَةً إلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ نَقْصًا وَلَا قَصَدَ قَائِلُهَا ازْدِرَاءً وَلَا غَضًّا فَمَا وَقَرَّ النُّبُوَّةَ ثُمَّ قَالَ: فَحَقُّ هَذَا إنْ دُرِئَ عَنْهُ الْقَتْلُ الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ وَقُوَّةُ تَعْزِيرِهِ بِحَسَبِ شُنْعَةِ مُغَالَبَتِهِ. اُنْظُرْ الْوَجْهَ الْخَامِسَ مِنْ الْبَابِ الْمَذْكُورِ.
(أَوْ لَعَنَ الْعَرَبَ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ: أَرَدْت الظَّالِمِينَ) حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْعَرَبَ أَوْ لَعَنَ بَنِي هَاشِمٍ أَوْ لَعَنَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْأَنْبِيَاءَ وَإِنَّمَا أَرَادَ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِ الْأَدَبَ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ السُّلْطَانِ. عِيَاضٌ: وَقَدْ يَضِيقُ الْقَوْلُ فِي نَحْوِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ هَاشِمِيٍّ: لَعَنَ اللَّهُ بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ: أَرَدْت الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ. اُنْظُرْ الْوَجْهَ الرَّابِعَ مِنْ الْبَابِ الْمَذْكُورِ.
(وَشُدِّدَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانِ وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا) تَوَقَّفَ الْقَابِسِيُّ فِي قَتْلِ رَجُلٍ قَالَ كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانِ وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا مُرْسَلًا، فَأُمِرَ بِشَدِّهِ بِالْقُيُودِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ حَتَّى تَسْتَفْهِمَ الْبَيِّنَةُ عَنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِهِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى مَقْصِدِهِ هَلْ أَرَادَ أَصْحَابَ الْفَنَادِقِ الْآنَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ فَيَكُونُ أَمْرُهُ أَخَفَّ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ أَمْرِهِ الْعُمُومُ لِكُلِّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَقَدْ كَانَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مَنْ اكْتَسَبَ الْمَالَ وَذَمُّ الْمُسْلِمَ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ.
(وَفِي قَبِيحٍ لِأَحَدِ ذُرِّيَّتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي آبَائِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ كَأَنْ انْتَسَبَ لَهُ) لَمَّا ذَكَرَ عِيَاضٌ حُكْمَ مَنْ لَعَنَ الْعَرَبَ وَقَالَ أَرَدْت الظَّالِمِينَ قَالَ: وَقَدْ يَضِيقُ الْقَوْلُ فِي نَحْوِ هَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلًا قَبِيحًا فِي آبَائِهِ أَوْ مِنْ نَسْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَانْظُرْ آخِرَ فَصْلٍ مِنْ كِتَابِ الشِّفَا حُكْمُ مَنْ نَالَ مِنْ آلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ أَوْ انْتَقَصَهُمْ. وَلَمَّا نَالَ جَعْفَرٌ مِنْ مَالِكٍ مَا نَالَ حَتَّى حُمِلَ مَالِكٌ رضي الله عنه إلَى دَارِهِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ دَخَلَ النَّاسُ عَلَى مَالِكٍ فَأَفَاقَ وَقَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَعَلْت جَعْفَرًا فِي حِلٍّ. فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: خِفْت أَنْ أَمُوتَ فَأَلْقَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْتَحِي مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ بَعْضُ آلِهِ النَّارَ بِسَبَبِي. وَقِيلَ: إنَّ الْمَنْصُورَ أَقَادَهُ مِنْ جَعْفَرٍ فَقَالَ مَالِكٌ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ وَاَللَّهِ مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا سَوْطٌ مِنْ جِسْمِي إلَّا وَقَدْ جَعَلْته فِي حِلٍّ لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَوْ احْتَمَلَ قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ أَوْ لَفِيفٌ فَعَاصٍ عَنْ الْقَتْلِ) عِيَاضٌ: إنْ ثَبَتَ قَوْلُهُ لَكِنْ اُحْتُمِلَ وَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا أَوْ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ إنَّمَا شَهِدَ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ أَوْ اللَّفِيفُ مِنْ النَّاسِ، فَهَذَا يَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدِّ وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ اجْتِهَادًا فَمَنْ قَوِيَ أَمْرُهُ أَذَاقَهُ مِنْ شَدِيدِ النَّكَالِ إلَى الْغَايَةِ (أَوْ سَبَّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نُبُوَّتِهِ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" أَوْ سَبَّ نَبِيًّا "(أَوْ صَحَابِيًّا) عِيَاضٌ سَبُّ آلِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَنَقُّصُهُمْ حَرَامٌ مَلْعُونٌ فَاعِلُهُ، مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذَا الِاجْتِهَادُ وَالْأَدَبُ الْمُوجِعُ.
(وَسَبُّ اللَّهِ كَذَلِكَ وَفِي اسْتِتَابَةِ الْمُسْلِمِ خِلَافٌ) ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ شَتَمَ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كَفَرَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ.
قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. وَفِي التَّفْرِيعِ: مَنْ سَبَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ.
وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ: لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالسَّبِّ حَتَّى يُسْتَتَابَ، وَكَذَلِكَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَإِنَّ مَنْ عَابَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ وَمِيرَاثُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ بِلِسَانِهِ وَيُرَاجَعُ ذَلِكَ فِي سَرِيرَتِهِ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ صَاغِرًا. وَسُئِلَ أَصْبَغُ عَنْ رَجُلٍ أَيْقَنَ بِرَجُلٍ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ فَاغْتَالَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ: هُوَ مُحْسِنٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَكِنْ يُعَزِّرُهُ السُّلْطَانُ لِلْعَجَلَةِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ لِلسُّلْطَانِ، وَلَكِنَّهُ مُحْسِنٌ إذْ لَعَلَّ الْوُلَاةَ تُضَيِّعُ مِثْلَ هَذَا وَلَا تُصَحِّحُهُ وَقَالَ عِيسَى فِيمَنْ سَمِعَ نَصْرَانِيًّا يَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاغْتَاظَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ.
(كَمَنْ قَالَ لَقِيت فِي مَرَضِي مَا لَوْ قَتَلْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ) اُنْظُرْ هَذَا الْفَرْعَ لَعَلَّهُ كَانَ مُخَرَّجًا فِي الطُّرَّةِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَسَبُّ اللَّهِ كَذَلِكَ " فَأَدْخَلَهُ الْمُخَرِّجُ هُنَا عِيَاضٌ: اخْتَلَفَ أَهْلُ قُرْطُبَةَ فِي مَسْأَلَةِ هَارُونَ أَخِي ابْنِ حَبِيبٍ وَكَانَ ضَيِّقَ الصَّدْرِ كَثِيرَ التَّبَرُّمِ قَالَ عِنْدَ اسْتِقْلَالِهِ مِنْ مَرَضٍ قَدْ لَقِيتُ فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ أَسْتَوْجِبْ هَذَا كُلَّهُ. فَأَفْتَى ابْنُ حَبِيبٍ بِمُوَافَقَةِ الْقَاضِي بِتَنْكِيلِهِ وَتَثْقِيلِ