الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ شَاهِدٍ عَدْلٍ فَيَحْلِفُ وُلَاتُهُ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ دِيَتَهُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَرِثُ الْغُرَّةَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ.
(وَإِنْ نَكَلَ بُرِّئَ الْجَارِحُ إنْ حَلَفَ وَإِلَّا حُبِسَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جَرْحٍ عَمْدٍ فَلْيَحْلِفْ وَيَقْتَصُّ، فَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْجَارِحِ احْلِفْ وَابْرَأْ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ. الْجَلَّابُ: وَإِنْ طَالَ الْحَبْسُ أُطْلِقَ.
(فَلَوْ قَالَتْ دَمِي وَجَنِينِي عِنْدَ فُلَانٍ فَفِيهَا الْقَسَامَةُ وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَقَالَتْ: دَمِي وَجَنِينِي عِنْدَ فُلَانٍ وَمَاتَتْ كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْأُمِّ وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْأَمْرَانِ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ فَالْقَسَامَةُ فِي الْأُمِّ وَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنِينِ.
(وَلَوْ اسْتَهَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَخَرَجَ جَنِينُهَا حَيًّا فَاسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ فَفِي الْأُمِّ الْقَسَامَةُ وَلَا قَسَامَةَ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: قَتَلَنِي وَقَتَلَ فُلَانًا مَعِي لَمْ يَكُنْ فِي فُلَانٍ قَسَامَةٌ.
[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَاتِ]
[بَاب فِي الْبَغْيُ]
[صِفَاتُ الْبُغَاةِ وَأَحْكَامِهِمْ]
بَابٌ ابْنُ شَاسٍ كِتَابُ الْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَاتِ.
وَهِيَ سَبْعٌ: الْبَغْيُ، وَالرِّدَّةُ، وَالزِّنَا، وَالْقَذْفُ، وَالسَّرِقَةُ، وَالْحِرَابَةُ، وَالشُّرْبُ، وَالْجِنَايَةُ. الْأُولَى الْبَغْيُ وَالنَّظَرُ فِي صِفَاتِ الْبُغَاةِ وَأَحْكَامِهِمْ (الْبَاغِيَةُ فِرْقَةٌ خَالَفَتْ الْإِمَامَ لِمَنْعِ حَقٍّ أَوْ لِخَلْعِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْبَغْيُ
هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ بِمُغَالَبَةٍ وَلَوْ تَأَوُّلًا. قَالَ: وَحُكْمُ ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَالْحَدِيثِ. وَخَتَمَ أَبُو الْمَعَالِي كِتَابَ اللُّمَعِ بِمَا نَصُّهُ: فَصْلٌ شَرَائِطُ الْإِمَامَةِ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِ الْفَتْوَى.
الثَّانِي أَنْ يَكُونَ قُرَشِيَّ النَّسَبِ.
الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذَا نَخْوَةٍ وَكَفَاءَةٍ فِي الْمُعْضِلَاتِ وَنُزُولِ الدَّوَاهِي وَالْمُلِمَّاتِ.
فَهَذِهِ عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ تَلَقَّاهَا الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ أَمَّا فِيمَا تَكْمُلُ بِهِ هِدَايَةُ الْمُسْتَرْشِدِينَ وَيَقَعُ بِهِ الْإِقْنَاعُ فِي أُصُولِ الدِّينِ انْتَهَى الْفَصْلُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ: تُتَصَوَّرُ إمَامَةُ الْعَبْدِ اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا. وَقَالَ فِي إرْشَادِهِ: وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِمَامَةِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُهْتَدِيًا إلَى مَصَالِحِ الْأُمُورِ وَضَبْطِهَا، ذَا نَجْدَةٍ فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ وَسَدِّ الثُّغُورِ، ذَا رَأْيٍ مُصِيبٍ فِي النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ، لَا تُزَعْزِعُهُ هَوَاءَةُ نَفْسٍ وَلَا خَوْرُ طَبِيعَةٍ عَنْ ضَرْبِ الرِّقَابِ وَالتَّنْكِيلِ لِلْمُسْتَوْجِبَيْنِ الْحُدُودَ، وَيَجْمَعُ مَا ذَكَرْنَاهُ الْكَفَاءَةَ وَهِيَ مَشْرُوطَةٌ إجْمَاعًا.
قَالَ: وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِمَامَةِ الْوَرَعُ وَالْعَدَالَةُ وَكَيْفَ يَتَصَدَّرُ لَهَا مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: افْتَرَضَ اللَّهُ قِتَالَ الْخَوَارِجِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَإِنْ كَانُوا يَظْلِمُونَ الْوَالِيَ الظَّالِمَ فَلَا يَجُوزُ لَك الدَّفْعُ عَنْهُ وَلَا الْقِيَامُ عَلَيْهِ، وَلَا يَسَعُك الْوُقُوفُ عَنْ الْعَدْلِ كَانَ هُوَ الْقَائِمَ أَوْ الْمُقَامَ عَلَيْهِ.
قَالَ عِيَاضٌ: انْحَدَرَ الْمَأْمُونُ إلَى مُحَارَبَةِ بَعْضِ بِلَادِ مِصْرَ وَقَالَ لِلْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ: مَا تَقُولُ فِي خُرُوجِنَا هَذَا؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الرَّشِيدَ سَأَلَهُ عَنْ قِتَالِ أَهْلِ دَمِكَ فَقَالَ: إنْ كَانُوا خَرَجُوا عَنْ ظُلْمِ السُّلْطَانِ فَلَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ، وَمِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] لَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُسَارِعُوا إلَى نُصْرَةِ مُظْهِرِ الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَاسِقًا لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَطْلُبُ الْمُلْكَ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّلَاحَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ فَيَعُودَ بِخِلَافِ مَا أَظْهَرَ. وَسَأَلَ ابْنُ نَصْرٍ مَالِكًا عَنْ الْفِتَنِ بِالْأَنْدَلُسِ وَكَيْفِيَّةِ الْمَخْرَجِ مِنْهَا إذَا خَافَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا أَنَا فَمَا أَتَكَلَّمُ فِي هَذَا بِشَيْءٍ فَأَعَادَ الرَّجُلُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَقَالَ: إنِّي رَسُولُ مَنْ خَلْفِي إلَيْك فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: كُفَّ عَنْ الْكَلَامِ فِي هَذَا وَمِثْلِهِ وَأَنَا لَك نَاصِحٌ وَلَا تُجِبْ فِيهِ.
وَلِابْنِ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: مَنْ شَارَكَ فِي عَزْلِ إنْسَانٍ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَأْمَنْ سَفْكَ دَمِ مُسْلِمٍ فَقَدْ شَارَكَ فِي سَفْكِ دَمِهِ إنْ سُفِكَ، رَاجِعْهُ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ مِنْهُ.
وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُمَا: مَنْ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْلِهِ: " وَلَا تُنَازِعْ الْأَمْرَ أَهْلَهُ " يَعْنِي مَنْ مَلَكَهُ لَا مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيمَنْ يَمْلِكُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّهُ
وَالطَّاعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجَمِيعِ، فَالصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ التَّعَرُّضِ لِإِفْسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «اسْمَعْ وَأَطِعْ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا» قَالَ: تُتَصَوَّرُ إمَامَةُ الْعَبْدِ إذَا وَلَّاهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ وَتَغَلَّبَ عَلَى الْبِلَادِ بِشَوْكَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ فَيُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَعَامَّةِ الْخَوَارِجِ إلَى مُنَازَعَةِ الْجَائِرِ قَالَ: وَأَمَّا أَهْلُ الْحَقِّ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ فَقَالُوا: الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ الْجَائِرِ أَوْلَى. قَالَ: وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ وَالْعَقْلُ وَالدِّينُ أَنَّ أَعْظَمَ الْمَكْرُوهَيْنِ أَوْلَاهُمَا بِالتَّرْكِ. قَالَ: وَكَتَبَ ابْنُ مَرْوَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يُبَايِعَ الْحَجَّاجَ قَالَ: لِأَنَّ فِيك خِصَالًا لَا تَصِحُّ مَعَهَا الْخِلَافَةُ وَهِيَ الْبُخْلُ وَالْغَيْرَةُ وَالْعِيُّ.
فَجَاوَبَهُ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَك رَبَّنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ. اللَّهُمَّ إنَّ ابْنَ مَرْوَانَ يُعَيِّرُنِي بِالْبُخْلِ وَالْغَيْرَةِ وَالْعِيِّ، فَلَوْ وُلِّيتُ وَأَعْطَيْت النَّاسَ حُقُوقَهُمْ وَقَسَمْتُ بَيْنَهُمْ فَأَيُّ حَاجَةٍ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِي مَالِي يَعْنِي فَيُبْخِلُونِي، وَلَوْ جَلَسْت إلَيْهِمْ مَجَالِسَهُمْ فَقَضَيْت حَوَائِجَهُمْ لَمْ تَبْقَ لَهُمْ حَاجَةٌ فِي شَيْءٍ فَيَعْرِفُونَ غَيْرَتِي، وَمَا مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللَّهِ وَوُعِظَ بِهِ بِعِيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَعَادَ أَبَدًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ فَلَا يُعِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ صَلَاتِهِ سَكْرَانَ.
قَالَهُ مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَوْ قَاضٍ أَوْ خَلِيفَةٍ أَوْ صَاحِبِ شُرْطَةٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُمْ الْجُمُعَةَ أَوْ غَيْرَهَا إذْ مَنْعُ الصَّلَاةِ مَعَهُمْ دَاعِيَةٌ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِمْ. وَقَدْ صَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَنَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ وَقَالَ عِيَاضٌ فِي إكْمَالِهِ: أَحَادِيثُ مُسْلِمٍ كُلُّهَا حُجَّةٌ فِي مَنْعِ الْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّةِ الْجَوَرَةِ وَفِي لُزُومِ طَاعَتِهِمْ. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يُخْلَعُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ. وَلَا يَجِبُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْوِيفُهُ.
زَادَ أَبُو حَامِدٍ: وَتَضْيِيقُ صُدُورِهِمْ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ إلَيَّ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ» قَالَ: أَوْجَبُ مَا يَكُونُ هَذَا عَلَى مَنْ وَاكَلَهُمْ وَجَالَسَهُمْ وَكُلِّ مَنْ أَمْكَنَهُ نُصْحُ السُّلْطَانِ لَزِمَهُ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ إذَا رَجَا أَنْ يَسْمَعَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالدُّعَاءُ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ سَبِّ الْأُمَرَاءِ ثُمَّ نَقَلَ بِسَنَدِهِ: كَانَ الْأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَوْنَ عَنْ سَبِّ الْأُمَرَاءِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَزِيدَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ كَوْنُهُ قُرَشِيًّا ".
(فَلِلْعَدْلِ قِتَالُهُمْ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ قَامَ عَلَى إمَامٍ مَنْ أَرَادَ إزَالَةَ مَا بِيَدِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَبَ عَلَى النَّاسِ الذَّبُّ عَنْهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: دَعَا عَلِيٌّ رضي الله عنه بَعْضَهُمْ إلَى الْقِتَالِ مَعَهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا فَعَذَرَهُمْ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ لَا يَعِيبَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ. الْقَرَافِيُّ: الزَّوَاجِرُ مَشْرُوعَةٌ لِدَرْءِ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَقَّعَةِ وَقَدْ لَا يَكُونُ الْمَزْجُورُ آثِمًا كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ، وَكَذَلِكَ الْبُغَاةُ إنَّمَا قِتَالُهُمْ دَرْءٌ لِتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ مَعَ عَدَمِ التَّأْثِيمِ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ قَالَ: وَيَفْتَرِقُ قِتَالُهُمْ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا مِنْهَا: أَنَّهُ يَقْصِدُ بِالْقِتَالِ رَدْعَهُمْ لَا قَتْلَهُمْ، وَيَكُفُّ عَنْ مُدَبَّرِهِمْ وَلَا يُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا يَقْتُلُ أَسْرَاهُمْ وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ، وَلَا تُنْصَبُ عَلَيْهِمْ الرَّعَّادَاتُ، وَلَا تُحَرَّقُ مَسَاكِنُهُمْ وَلَا تُقْطَعُ أَشْجَارُهُمْ وَلَا يَدْعُهُمْ عَلَى مَالٍ، وَيَفْتَرِقُ أَيْضًا قِتَالُهُمْ مِنْ قِتَالِ الْمُحَارَبِينَ بِأَنَّ الْبُغَاةَ لَا يُطْلَبُونَ بِمَا اسْتَهْلَكُوهُ مِنْ دَمٍ وَمَالٍ وَمَا أَخَذُوهُ مِنْ خَرَاجٍ وَزَكَاةٍ وَسَقَطَتْ عَمَّنْ كَانَتْ عَلَيْهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ عِزُّ الدِّينِ مِثْلَ الزَّوَاجِرِ قَالَ مَا نَصُّهُ: الْمِثَالُ الثَّانِي الزَّجْرُ عَنْ مَفْسَدَةِ الْبَغْيِ، فَإِنْ رَجَعُوا إلَى الطَّاعَةِ كَفَفْنَا عَنْ قَتْلِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَهَذَا زَجْرٌ عَنْ مَفْسَدَةٍ لَا إثْمَ فِيهَا.
(وَإِنْ تَأَوَّلُوا) أَبُو عُمَرَ: رَأَى مَالِكٌ قِتَالَ الْخَوَارِجِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: يُسْتَتَابُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ.
قَالَ سَحْنُونَ: أَدَبًا لَهُمْ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى تَرْكِ قِتَالِهِمْ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْخَوَارِجِ إنْ كَانَ رَأْيُ الْقَوْمِ أَنْ
يَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ فَسَادٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَلَى قَطْعِ سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَذْهَبُوا حَيْثُ شَاءُوا، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا رَأْيُهُمْ الْقِتَالُ فَوَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ أَبْكَارِي خَرَجُوا رَغْمَةً عَنْ جَمَاعَةٍ الْمُسْلِمِينَ لَأَرَقْت دِمَاءَهُمْ أَلْتَمِسُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ. ابْنُ شَاسٍ: بِنَاءُ بَغَى لِلطَّلَبِ، وَوَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهَا هُنَا عَمَّنْ يَبْغِي مَا لَا يَنْبَغِي عَلَى عَادَةِ اللُّغَةِ فِي تَخْصِيصِ الِاسْمِ بِبَعْضِ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى الْإِمَامِ يَبْتَغِي خُلْفَهُ أَوْ يَمْتَنِعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ أَوْ يَمْنَعُ حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ قَاتَلَ الصِّدِّيقُ مَانِعِي الزَّكَاةِ بِالتَّأْوِيلِ وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ قَاتَلَ أَهْلَ الشَّامِ.
(كَالْكُفَّارِ) فِي النَّوَادِرِ: إذَا امْتَنَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَلَوْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ مِنْ الْإِمَامِ الْعَدْلِ فَلَهُ فِيهِمْ مَا لَهُ فِي الْكُفَّارِ وَلَا يَرْمِيهِمْ بِالنَّارِ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَلَا ذُرِّيَّةٌ (وَلَا يُسْتَرَقُّونَ) قَالَ سَحْنُونَ فِي الْخَوَارِجِ: سَمَّاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَارِقِينَ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ كُفَّارًا، وَسَنَّ عَلِيٌّ رضي الله عنه قِتَالَهُمْ فَلَمْ يُكَفِّرْهُمْ وَلَا سَبَاهُمْ وَلَا أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، فَمَوَارِيثُهُمْ قَائِمَةً وَلَهُمْ أَحْكَامُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُوتِلُوا بِالسُّنَّةِ وَبِمَا أَحْدَثُوا مِنْ الْبِدْعَةِ فَكَانَ ذَلِكَ كَحَدٍّ يُقَامُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُتْبَعُوا بِمَا سَفَكُوا مِنْ دَمٍ وَنَالُوا مِنْ فَرْجٍ لَا بِقَوَدٍ وَلَا بِدِيَةٍ وَلَا صَدَاقٍ وَلَا حَدٍّ (وَلَا تُحَرَّقُ أَشْجَارُهُمْ وَلَا تُرْفَعُ رُءُوسُهُمْ بِأَرْمَاحٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْقَرَافِيُّ: لَا تُحَرَّقُ مَسَاكِنُهُمْ وَلَا تُقْطَعُ أَشْجَارُهُمْ وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَى قِتَالِهِمْ بِمُشْرِكٍ وَلَا يُوَادِعُهُمْ عَلَى مَالٍ (وَلَا يَدْعُوهُمْ بِمَالٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْقَرَافِيُّ: لَا يُوَادِعُهُمْ عَلَى مَالٍ.
(وَاسْتُعِينَ بِمَالِهِمْ عَلَيْهِمْ إنْ اُحْتِيجَ لَهُ ثُمَّ رُدَّ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَصَابَ الْإِمَامُ مِنْ عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ كُرَاعٍ أَوْ سِلَاحٍ فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ قَائِمَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ الْإِمَامُ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى قِتَالِهِمْ إنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ، فَإِنْ زَالَتْ الْحَرْبُ رُدَّ لِأَهْلِهِ (كَغَيْرِهِ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَغَيْرُ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ تُوقَفُ حَتَّى تُرَدَّ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ قَائِمَةٌ رُدَّ ذَلِكَ مِنْ سِلَاحٍ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا فَعَلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه.
(وَإِنْ أُمِّنُوا لَمْ يُتَّبَعْ مُنْهَزِمُهُمْ وَلَمْ يُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحٍ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إنْ أُسِرَ مِنْ الْخَوَارِجِ أَسِيرٌ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْحَرْبُ فَلَا يُقْتَلُ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً إذَا خَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ ضَرَرٌ. وَعَلَى هَذَا يَجْرِي حُكْمُ التَّذْفِيفِ عَلَى الْجَرِيحِ وَاتِّبَاعِ الْمُنْهَزِمِ، وَقَالَهُ سَحْنُونَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَأُمِّنُوا فَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَمُنْهَزِمِهِمْ.
(وَكُرِهَ لِرَجُلٍ قَتْلُ أَبِيهِ) ابْنُ سَحْنُونٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ فِي قِتَالِهِمْ أَخَاهُ وَقَرَابَتَهُ، فَأَمَّا الْأَبُ وَحْدَهُ فَلَا أُحِبُّ قَتْلَهُ تَعَمُّدًا وَكَذَلِكَ الْأَبُ الْكَافِرُ (وَوَرِثَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ سَحْنُونٍ: مَوَارِيثُهُمْ قَائِمَةٌ.
(وَلَمْ يَضْمَنْ مُتَأَوِّلٌ أَتْلَفَ نَفْسًا وَمَالًا) .