الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ الْحَدِيثَ وَقَالَ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ فَمَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إلَى التَّرْجِيحِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ الَّتِي شُغِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْعَصْرُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ وَقْعَةَ الْخَنْدَقِ بَقِيَتْ أَيَّامًا فَكَانَ هَذَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، وَهَذَا فِي بَعْضِهَا.
(الْخَامِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا تَأْخِيرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخَّرَهَا نَسِيَانَا لَا عَمْدًا وَكَانَ السَّبَبُ فِي النِّسْيَانِ الِاشْتِغَالَ بِأَمْرِ الْعَدُوِّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخَّرَهَا عَمْدًا لِلِاشْتِغَالِ بِالْعَدُوِّ وَكَانَ هَذَا عُذْرًا فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ.
وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا بِسَبَبِ الْعَدُوِّ، وَالْقِتَالِ بَلْ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ، وَلَهَا أَنْوَاعٌ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَذَهَبَ مَكْحُولٌ إلَى تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَدَاؤُهَا مَعَهُ إلَى وَقْتِ الْأَمْنِ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ صَلَاتُهَا عَلَى سُنَّتِهَا إذَا أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِحَسَبِ قُدْرَتِهِ وَلَا يُؤَخِّرُهَا، ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ تَرْكُ مَا هُمْ فِيهِ لِلْوُضُوءِ، وَالتَّيَمُّمِ وَلَا الصَّلَاةُ دُونَ طَهَارَةٍ وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ التَّأْخِيرَ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَكْحُولٍ، وَالشَّامِيِّينَ.
(السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى كَذَا الرِّوَايَةُ، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: 44] وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ جَوَازُهُ وَمَنَعَهُ الْبَصْرِيُّونَ وَأَوَّلُوا مَا كَانَ نَحْوَ هَذَا بِأَنْ قَدَّرُوا فِيهِ مَوْصُوفًا مَحْذُوفًا فَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ فِي الْآيَةِ {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: 44] وَفِي الْحَدِيثِ حَبَسُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَيْ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى.
[فَائِدَةٌ حكمة تَسْمِيَة الْعَصْر بِالْوُسْطَى]
1
(السَّابِعَةُ) الْوُسْطَى فَعَلَى وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ فَعَلَى مِنْ الْعَدَدِ الْمُتَوَسِّطِ، وَهُوَ مُسَاوٍ فِي الْبُعْدِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَيْ إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ مُتَوَسِّطَةٌ فِي الْعَدَدِ بَيْنَ شَيْءٍ قَبْلَهَا وَشَيْءٍ بَعْدَهَا أَوْ مِنْ الْوَسَطِ، وَهُوَ الْفَاضِلُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] فَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا وُسْطَى أَيْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فُضْلَى قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ احْتِمَالَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] .
أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ يَدُلُّ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إذْ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ، وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى يَدُلُّ عَلَى صَلَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ جَوْهَرِ اللَّفْظِ إذْ الْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَالْأُخْرَى مِنْ لَازِمِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَمِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا وَسَطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا حَتَّى تَصِيرَ خَمْسَةً فَيَكُونُ لَهَا وَسَطٌ.
(ثَانِيهِمَا) أَنَّ قَوْلَهُ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ يَتَنَاوَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَقَوْلَهُ: وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى شَرَفِهِ، وَالِاهْتِمَامِ بِهِ، وَهَذَا الثَّانِي أَرْجَحُ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ ذَكَرَهَا الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ وَالِدِهِ، وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ إذَا عُقِّبَ بِذِكْرِ مَنْ كَانَ مِنْ حَقِّ الْعُمُومِ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ هَلْ يَدُلُّ هَذَا التَّخْصِيصُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ إذَا لَوْ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِفْرَادِ فَائِدَةٌ أَوْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْعُمُومِ وَفَائِدَتُهُ التَّأْكِيدُ وَمَثَّلَ لَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ قَوْمٌ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَقَالَ آخَرُونَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ قَالَ: «إنَّ آدَمَ عليه السلام لَمَّا تُلِيَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفَجْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَصَارَتْ الصُّبْحَ وَفُدِيَ إِسْحَاقُ عِنْدَ الظُّهْرِ فَصَلَّى إبْرَاهِيمُ عليه السلام أَرْبَعًا فَصَارَتْ الظُّهْرَ وَبُعِثَ عُزَيْرٌ فَقِيلَ كَمْ لَبِثْت فَقَالَ يَوْمًا فَرَأَى الشَّمْسَ فَقَالَ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَصَلَّى أَرْبَعًا فَصَارَتْ الْعَصْرَ وَغُفِرَ لِدَاوُدَ عليه السلام عِنْدَ الْمَغْرِبِ فَقَامَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَجُهِدَ فَجَلَسَ فِي الثَّالِثَةِ فَصَارَتْ الْمَغْرِبُ ثَلَاثًا وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم» فَلِذَلِكَ قَالُوا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ فَهَذَا عِنْدَنَا مَعْنًى صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ أُولَى الصَّلَوَاتِ إنْ كَانَتْ الصُّبْحُ وَآخِرَهَا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ فَالْوُسْطَى فِيمَا بَيْنَ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةِ، وَهِيَ الْعَصْرُ انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذِكْرُ الْوُسْطَى إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّوَسُّطُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الزَّمَانِ فَأَمَّا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، فَإِنَّ حُكْمَ الصَّلَوَاتِ فِيهَا وَاحِدٌ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُرَاعَى لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ، فَإِنْ رَاعَيْنَا الْعَدَدَ أَدَّى إلَى
وَفِي طَرِيقِ لِلْبُخَارِيِّ «وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ» وَلِمُسْلِمٍ «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ»
ــ
[طرح التثريب]
مَذْهَبِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّهَا الْمَغْرِبُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَأَقَلَّهَا اثْنَتَانِ، وَالْوَسَطُ ثَلَاثٌ فَهِيَ الْمَغْرِبُ، وَإِنْ رَاعَيْنَا الْأَوْسَطَ فِي الزَّمَانِ كَانَ الْأَبْيَنُ أَنَّ الصَّحِيحَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ إمَّا الصُّبْحُ وَإِمَّا الْعَصْرُ فَأَمَّا الصُّبْحُ، فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ مِنْ النَّهَارِ وَلَا مِنْ اللَّيْلِ كَانَتْ هِيَ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مِنْ النَّهَارِ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ مِنْ اللَّيْلِ وَبَقِيَ وَقْتُ الصُّبْحِ مُشْتَرَكًا فَهُوَ وَسَطٌ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ النَّهَارِ يَكُونُ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْوُسْطَى الْعَصْرُ؛ لِأَنَّ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ سَابِقَتَانِ لِلْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ مُتَأَخِّرَانِ عَنْ الْعَصْرِ فَهِيَ إذًا وَسَطٌ بَيْنَهُمَا انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ لَا يَصْلُحُ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْخِلَافِ فِيهَا إذْ لَا مُنَاسَبَةَ لِمَا ذُكِرَ لِكَوْنِ هَذِهِ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ وَأَوْكَدَ مِنْ غَيْرِهَا أَمَّا أَعْدَادُ الرَّكَعَاتِ فَالْمُنَاسِبُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّبَاعِيَةُ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ رَكَعَاتٍ وَأَكْثَرُ عَمَلًا، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا كَثُرَ عَمَلُهُ كَثُرَ ثَوَابُهُ.
وَأَمَّا مُرَاعَاةُ أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ صَلَاةٍ هِيَ الْوُسْطَى، وَهُوَ الَّذِي أَبْطَلْنَاهُ وَأَيْضًا فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَكْثَرِيَّةِ الثَّوَابِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُهَا مِنْ حَيْثُ الْأَزْمَانِ فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الصَّلَاةِ إلَى الزَّمَانِ كُلِّهَا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِيَّةُ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ فُرِضَ شَيْءٌ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ أَفْضَلَ فَذَلِكَ لِأَمْرٍ خَارِجِ الْأَزْمَانِ قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ السَّبَبَ فِي خِلَافِهِمْ فِيهَا اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ وَسَاقَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيُّ فِي الْمُرَادِ بِالْوُسْطَى ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَوْسَطُ الصَّلَوَاتِ مِقْدَارًا، وَالثَّانِي أَنَّهَا أَوْسَطُهَا مَحَلًّا وَالثَّالِثُ أَنَّهَا أَفْضَلُهَا وَأَوْسَطُ كُلِّ شَيْءٍ أَفْضَلُهُ فَمَنْ قَالَ الْوُسْطَى الْفُضْلَى جَازَ لِكُلِّ مَذْهَبٍ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَمَنْ قَالَ مِقْدَارًا فَهِيَ الْمَغْرِبُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرَهَا أَرْبَعٌ وَمَنْ قَالَ مَحَلًّا ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مُنَاسَبَةً تَوَجَّهَ بِهَا قَوْلُهُ، ثُمَّ حَكَى مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي.
(الثَّامِنَةُ) فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَهِيَ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَعَزَاهُ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَقَتَادَةَ وَالْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي إنَّهَا الصُّبْحُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَعِكْرِمَةَ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْمَكِّيِّينَ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ نَعَمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا الْعَصْرُ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ قَالَ: وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الْعَصْرِ وَمَذْهَبُهُ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا نَقْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَقُولُ: إنَّهَا الْعَصْرُ فَهُوَ وَهْمٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَحَكَى الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا الصُّبْحُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْهُ ذَكَرَهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقُولَانِ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ رَأْيِي وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ أَنَّهَا الْعَصْرُ.
قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةَ الصُّبْحِ قَالَ: وَحُسَيْنٌ هَذَا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ مَدِينِيٌّ وَلَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: وَقَالَ قَوْمٌ إنَّ مَا أَرْسَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَلِيٍّ أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ ضُمَيْرَةَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ عَنْ عَلِيٍّ إلَّا مِنْ حَدِيثِهِ وَالصَّحِيحُ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى صِحَاحُ أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةَ الْعَصْرِ.
(الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا صَلَاةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الظُّهْرِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
(الرَّابِعُ) أَنَّهَا الْمَغْرِبُ قَالَهُ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ قَتَادَةَ.
(الْخَامِسُ) أَنَّهَا الْعِشَاءُ حَكَاهَا أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ.
(السَّادِسُ) أَنَّهَا إحْدَى الْخَمْسِ مُبْهَمَةٌ وَاسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَنَافِعٍ وَشُرَيْحٍ، وَمَالَ إلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْمَقْدِسِيَّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَرَبِيٍّ قَالَ: لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي سَاقَهَا التِّرْمِذِيُّ لَمْ يُصَحِّحْهَا وَيُعَارِضُهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ (قُلْت) قَدْ صَحَّحَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ عَلِيٍّ.
(السَّابِعُ) أَنَّهَا جَمِيعُ الْخَمْسِ حَكَاهُ النَّقَّاشُ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ وَحَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُعَاذٍ وَقَالَ: لِأَنَّهَا أَوْسَطُ الدِّينِ وَضَعَّفَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَذْكُرُ الشَّيْءَ مُفَصَّلًا، ثُمَّ تَحْمِلُهُ، وَإِنَّمَا تَذْكُرُهُ مُجْمَلًا، ثُمَّ تُفَصِّلُهُ أَوْ تُفَصِّلُ بَعْضَهُ تَنْبِيهًا عَنْ فَضِيلَتِهِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّهُ أَضْعَفُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ عَادَةِ الْفَصَاحَةِ مِنْ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ.
(ثَانِيهَا) أَنَّ الْفُصَحَاءَ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْجَمْعِ وَيَعْطِفُونَ عَلَيْهِ أَحَدَ مُفْرَدَاتِهِ وَيُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْمُفْرَدِ ذَلِكَ الْجَمْعَ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْعِيِّ وَالْإِلْبَاسِ.
(ثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى الصَّلَوَاتِ لَكَانَ كَأَنَّهُ قَالَ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَالصَّلَاةِ وَيُرِيدُ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ فَصِيحَا فِي لَفْظِهِ وَلَا صَحِيحًا فِي مَعْنَاهُ إذَا لَا يَحْصُلُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَلَا يُفِيدُ مَعْنًى آخَرَ فَيَكُونُ حَشْوًا وَحَمْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ مَسُوغٍ وَلَا جَائِزٌ انْتَهَى.
وَمَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخَمْسِ وُسْطَى؛ لِأَنَّ قَبْلَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صَلَاتَيْنِ وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى جَمِيعِهِنَّ وَاجِبٌ.
(الثَّامِنُ) أَنَّهَا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْإِيصَاءِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلضَّيَاعِ، وَهَذَا لَا يَلِيقُ