الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
تُصَلَّى الصُّبْحُ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَسَنَحْكِي الرَّابِعَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَكَذَا فَعَلَ الدَّارِمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي إفْرَادِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فَعَدَّهَا سَبْعَةً الْخَمْسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَهَذِهِ الصُّورَةُ، وَالسَّابِعَةُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى وَجْهٍ عِنْدَنَا وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ الْكَرَاهَةِ فِيمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ اسْتِدْرَاكَ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ نَامَ عَنْ عَادَتِهِ فَقَالُوا يَفْعَلُهُ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ وِرْدِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ يُصَلِّي، وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَالَ يَقْرَأُ بَقِيَّةَ وِرْدِهِ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ إنَّ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَجُزْءًا حَسَنًا مِنْ اللَّيْلِ وَكَانَ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَجْرِ بِالْبَقَرَةِ.
[فَائِدَةٌ الصَّلَاة بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ]
1
(الثَّامِنَةُ) زَادَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَقْتًا آخَرَ، وَهُوَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِالدَّلِيلِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ الَّتِي وَعَدْت بِحِكَايَتِهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَقْتًا آخَرَ، وَهُوَ بَعْدَ الْغُرُوبِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَنَا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَرُدُّهُ الْأَمْرُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ الْمُرَادُ بِحَصْرِ الْكَرَاهَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوْقَاتِ الْأَصْلِيَّةِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ وَقْتَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَوَقْتَ صُعُودِ الْإِمَامِ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ.
[فَائِدَةٌ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ]
(التَّاسِعَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ وَلِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ فَاَلَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ لَا تُصَلُّوا، وَالنَّفْيِ فِي قَوْلِهِ لَا صَلَاةَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مَعْنَاهُ النَّهْيُ.
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى هَذَا فِي الرِّسَالَةِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَهَلْ تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ لَوْ فَعَلَهَا أَوْ هِيَ بَاطِلَةٌ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بُطْلَانَهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَاسْتَشْكَلَهُ شَيْخُنَا الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَى مَا لَا يَنْعَقِدُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَهُوَ تَلَاعُبٌ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَهْيَ التَّنْزِيهِ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصِّحَّةَ كَنَهْيِ التَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَطْلُوبًا مَنْهِيًّا وَلَا يَصِحُّ إلَّا مَا كَانَ مَطْلُوبًا.
(الْعَاشِرَةُ) حَمَلَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا النَّهْيَ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي صُورَةِ الِاسْتِوَاءِ عَلَى عُمُومِهِ فَطُرِدَ النَّهْيُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَوْ كَانَتْ فَرِيضَةً فَائِتَةً، وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ سَبَبٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَلَوْ صَبَّحَ يَوْمَهُ فَلَوْ أَخَّرَ صَلَاةَ الصُّبْحِ حَتَّى شَرَعَتْ الشَّمْسُ فِي الطُّلُوعِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْتَدِئَهَا حَتَّى يَتِمَّ طُلُوعُهَا وَتَرْتَفِعَ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُسْتَثْنَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عَصْرُ يَوْمِهِ فَقَالُوا لَهُ فِعْلُهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا، أَتَمَّ وَقَالُوا إنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَيْنِك الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ وَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ حَقُّ الْفَرْضِ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ لَا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الْمُقَدَّمَةِ.
وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْفَرَائِضِ الْمُؤَدَّاةِ فِيهَا مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ مَنَعُوا الصُّبْحَ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَمُنِعَ الْعَصْرُ أَيْضًا ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَامَ فِي بُسْتَانٍ عَنْ الْعَصْرِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى.
وَذَهَبَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فَأَمَّا مَا لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ أَوْ مُقَارِنٌ لَهُ فَيَجُوزُ فِعْلُهُ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ، وَهَذَا كَالْفَائِتَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ أَوْ مِنْ النَّوَافِلِ الَّتِي اتَّخَذَهَا الْإِنْسَانُ وِرْدًا لَهُ وَكَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالشُّكْرِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِيهَا فِي بَابِهَا، وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ إذَا دَخَلَ لِغَرَضٍ غَيْرِ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ فَلَوْ دَخَلَ لَا لِحَاجَةٍ بَلْ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ فَقَطْ فَفِيهِ وَجْهَانِ.
ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّ أَقْيَسَهُمَا الْكَرَاهَةُ وَشَبَّهَا ذَلِكَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
بِمَا لَوْ أَخَّرَ الْفَائِتَةَ لِيُصَلِّيَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ نَقُلْ بِكَرَاهَةِ فِعْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَالْمَكْرُوهُ هُوَ التَّأْخِيرُ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْمَكْرُوهُ هُنَا دُخُولَهُ الْمَسْجِدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ لَا فِعْلَ التَّحِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ " وَقَوْلِي أَوَّلًا " مَا لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ أَوْ مُقَارِنٌ خَرَجَ بِهِ مَا لَهُ سَبَبٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ فَيُكْرَهُ فِعْلُهُمَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّ مُقَابِلَهُ قَوِيٌّ فَهَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَوَافَقَنَا الْحَنَابِلَةُ عَلَى قَضَاءِ الْفَائِتَةِ إذَا كَانَتْ فَرِيضَةً وَفِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَفَصَلُوا فِي قَضَاءِ النَّافِلَةِ فَقَالُوا فِي الْوِتْرِ: إنَّ لَهُ فِعْلَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا حَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لَهُ قَضَاءَ صَلَاةِ اللَّيْلِ قَبْلَ فِعْلِ الصُّبْحِ قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ وَجَوَّزُوا أَيْضًا قَضَاءَ سُنَّةِ الْفَجْرِ بَعْدَهَا، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُمْ تَأْخِيرَ ذَلِكَ إلَى الضُّحَى.
وَأَمَّا بَقِيَّةُ الرَّوَاتِبِ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ جَوَازُ قَضَائِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ خَاصَّةً دُونَ بَقِيَّةِ أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا كُلُّ صَلَاةٍ لَهَا سَبَبٌ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ مَنْعُهَا فِي كُلِّ أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَقِيلَ بِجَوَازِهَا مُطْلَقًا، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَجَوَّزُوهَا فِيمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ.
وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمَنَعُوهَا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ فَأَشْبَهُوا فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةَ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِجَوَازِهَا فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَاسْتَثْنَوْا مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ عُمُومًا أَيْ الْفَرَائِضُ، فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ قَضَاءَ الْفَوَائِتِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَتْ رَوَاتِبَ وَاسْتَثْنَوْا أَيْضًا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَاسْتِدْرَاكَ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ نَامَ عَنْ عَادَتِهِ قَبْلَ فِعْلِ الصُّبْحِ فِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ فَمَنَعُوهُمَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا كَمَا فَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَضَابِطُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ وَقْتِ الْإِسْفَارِ، وَالِاصْفِرَارِ.
وَأَمَّا فِعْلُهُمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقَبْلَ الْإِسْفَارِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَقَبْلَ الِاصْفِرَارِ.
فَفِيهِ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْمَنْعُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُوَطَّإِ، وَهُوَ قَادِحٌ فِي نَقْلِ ابْنِ الْمُنْذِرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الْإِجْمَاعَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْجَوَازُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَتَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ دُونَ مَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ فِي النَّظَرِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ خَبَرٍ ثَابِتٍ وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ انْتَهَى، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ خِيفَ ذَلِكَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ أَرْبَابَ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ جَوَّزُوا فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ مَا لَهُ سَبَبٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ جَوَّزُوا ذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَهُمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ.
وَجَوَّزَ ابْنُ حَزْمٍ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ مَا لَهُ سَبَبٌ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْهُ إلَّا فِيهَا، فَإِنْ تَذَكَّرَهُ قَبْلَهَا فَتَعَمَّدَ تَأْخِيرَهُ إلَيْهَا لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ فِيهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ» وَتَمَسَّكَ فِي ذَلِكَ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَبِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِي سَأَلْتِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنْ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَهَذَا مُخْتَصَرٌ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ «مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْدُ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ حَدِيثَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ نُقِلَ نَقْلَ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَعْضِ ذَوَاتِ السَّبَبِ وَبَعْضِهَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَكَذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ بَعْضِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَبَعْضِهَا فَالْوَاجِبُ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّا فَهِمْنَا مِنْ نَفْسِ الشَّرْعِ تَخْصِيصَ النَّهْيِ بِغَيْرِ ذَاتِ السَّبَبِ فَطَرَدْنَا الْحُكْمَ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَتَحَرَّى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهِ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْمَرْءُ صَلَاةَ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا صَلَاةَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِهَا، ثُمَّ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
قَاصِدًا لِذَلِكَ مُفَرِّطًا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ فَانْتَبَهَ أَوْ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُتَحَرٍّ لِلصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي هَذَا الْبَابِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ الطُّلُوعِ أَوْ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَقَدْ صَلَّى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَدَلِيلٌ آخَرُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَهَذَا كُلُّهُ يُوَضِّحُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ التَّطَوُّعُ وَالتَّعَمُّدُ لِتَرْكِ الْفَرَائِضِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ النَّهْيِ وَحَدِيثِ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا إنَّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ فَحَدِيثُ النَّهْيِ خَاصٌّ فِي الْوَقْتِ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَحَدِيثُ النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ خَاصٌّ فِي الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ عَامٌّ فِي الْوَقْتِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ وَخَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ، يَعْنِي وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِعَدَمِ الْمُرَجَّحِ لَكِنَّ حَدِيثَ صَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ لَا يَأْتِي فِيهِ هَذَا الْبَحْثُ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَقْصُودِ وَحُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ وَقَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَسْمَعُك تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَاك تُصَلِّيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَامْتَنَعَ أَنْ يُقَالَ إنَّ فِعْلَهُ لَهُمَا مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ فَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ.
وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ أَقْضِيهِمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا فَاتَتَا قَالَ لَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا أَوْضَحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَلَّذِي اخْتَصَّ بِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي بِالرَّكْعَتَيْنِ دَائِمًا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنْ لَمْ تَفُوتَاهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وَلِهَذَا كَانَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ قَضَى فَائِتَةً فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُوَاظَبَةُ