الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الْمُسْنَدِ، فَإِذَا هُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ حَدِيثٍ، ثُمَّ نَظَرْت، فَإِذَا مَدَارُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا» ، وَحَدِيثُهُ «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» . هَكَذَا رَوَى ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنْهُ وَرَوَى ابْنُ دَاسَةَ عَنْهُ نَحْوَهُ إلَّا أَنَّهُ أَبْدَلَ حَدِيثَ إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ بِحَدِيثِ «لَا يَكُونُ الْمَرْءُ مُؤْمِنًا حَتَّى لَا يَرْضَى لِأَخِيهِ إلَّا مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ» .
وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مَكَانَ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي تَرَدَّدَ كَلَامُ أَبِي دَاوُد فِيهِ حَدِيثَ «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبّكَ اللَّهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبّكَ النَّاسُ» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُد أَيْضًا الْفِقْهُ يَدُورُ عَلَى خَمْسَةِ أَحَادِيثَ الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَلَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ.
[فَائِدَة مَدْلُول كَلِمَة إنَّمَا فِي حَدِيث إنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ]
1
(السَّابِعَةُ) كَلِمَةُ " إنَّمَا " لِلْحَصْرِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَمَعْنَى الْحَصْرِ فِيهَا إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ وَنَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] وَلَكِنْ دَلَالَتُهَا عَلَى النَّفْيِ فِيمَا عَدَاهُ هَلْ هُوَ بِمُقْتَضَى مَوْضُوعِ اللَّفْظِ أَوْ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ؟ فِيهِ كَلَامٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاسْتَدَلَّ عَلَى وِفَاقِهِمْ أَنَّهَا لِلْحَصْرِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» فَاعْتَرَضَهُ الْمُخَالِفُونَ لَهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ وَلَمْ يُعَارِضُوهُ فِيمَا فَهِمَهُ مِنْ الْحَصْرِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ.
وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَلَى إثْبَاتِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ دُونَ لَفْظِ إنَّمَا، وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَيْضًا، وَإِسْنَادُهَا جَيِّدٌ إلَّا أَنَّ أَبَا مُوسَى الْمَدِينِيَّ قَالَ: لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ يَعْنِي بِدُونِ إنَّمَا.
(الثَّامِنَةُ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا لِلْحَصْرِ فَتَارَةً تَقْتَضِي الْحَصْرَ الْمُطْلَقَ، وَهُوَ الْأَغْلَبُ الْأَكْثَرُ وَتَارَةً تَقْتَضِي حَصْرًا مَخْصُوصًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: 7] وَقَوْلِهِ {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد: 36] فَالْمُرَادُ حَصْرُهُ فِي النِّذَارَةِ لِمَنْ لَا يُؤْمِنُ وَنَفْيُ قُدْرَتِهِ عَلَى مَا طَلَبُوا مِنْ الْآيَاتِ وَأَرَادَ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْحَصْرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ آثَرَهَا أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ تَغْلِيبِ الْغَالِبِ عَلَى النَّادِرِ. وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ» أَرَادَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى بَوَاطِنِ الْخُصُومِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِ النِّسْيَانِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ، وَالسِّيَاقِ.
[فَائِدَة الْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ فِي حَدِيث إنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ]
1
(التَّاسِعَةُ) الْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ هُنَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ كُلِّهَا حَتَّى تَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْأَقْوَالُ، فَإِنَّهَا عَمَلُ اللِّسَانِ، وَهُوَ مِنْ الْجَوَارِحِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَرَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِلَافِ خَصَّصَ الْأَعْمَالَ بِمَا لَا يَكُونُ قَوْلًا وَأَخْرَجَ الْأَقْوَالَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: وَفِي هَذَا عِنْدِي بُعْدٌ وَلَا تَرَدُّدَ عِنْدِي فِي أَنَّ الْحَدِيثَ يَتَنَاوَلُ الْأَقْوَالَ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْعَاشِرَةُ) النِّيَّاتُ جَمْعُ نِيَّةٍ، وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ تَشْدِيدُ الْيَاءِ فِي الْجَمْعِ وَحَكَى فِيهِ النَّوَوِيُّ التَّخْفِيفَ، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ أَيْضًا فِي النِّيَّةِ وَفِي الْعَمَلِ أَيْضًا وَكُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ وَاخْتُلِفَ فِي حَقِيقَةِ النِّيَّةِ فَقِيلَ هِيَ الطَّلَبُ وَقِيلَ الْجِدُّ فِي الطَّلَبِ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: مِنْ يَنْوِ الدُّنْيَا تُعْجِزُهُ أَيْ مَنْ يَجِدُّ فِي طَلَبِهَا وَقِيلَ الْقَصْدُ لِلشَّيْءِ بِالْقَلْبِ وَقِيلَ عَزِيمَةُ الْقَلْبِ، وَقِيلَ هِيَ مِنْ النَّوَى بِمَعْنَى الْبُعْدِ فَكَأَنَّ النَّاوِيَ لِلشَّيْءِ يَطْلُبُ بِقَصْدِهِ وَعَزْمِهِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِجَوَارِحِهِ وَحَرَكَاتِهِ الظَّاهِرَةِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ فَجُعِلَتْ النِّيَّةُ وَسِيلَةً إلَى بُلُوغِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيرِهِ فَاَلَّذِينَ اشْتَرَطُوا النِّيَّةَ قَدَّرُوا صِحَّةَ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوهَا قَدَّرُوا كَمَالَ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ، وَقَدْ رُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْكَمَالِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهَا أَوْلَى، قَالَ: وَقَدْ يُقَدِّرُونَهُ إنَّمَا اعْتِبَارُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسُ الدِّينِ السُّرُوجِيُّ أَنَّ التَّقْدِيرَ ثَوَابُهَا لَا صِحَّتُهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَطَّرِدُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَعْمَالِ يُوجَدُ وَيُعْتَبَرُ شَرْعًا بِدُونِهَا، وَلِأَنَّ إضْمَارَ الثَّوَابِ مُنْفَقٌ عَلَى إرَادَتِهِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ انْتِفَاءُ الثَّوَابِ دُونَ الْعَكْسِ فَكَانَ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَقَلَّ إضْمَارًا فَهُوَ أَوْلَى وَلِأَنَّ إضْمَارَ الْجَوَازِ، وَالصِّحَّةِ يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَلِأَنَّ الْعَامِلَ فِي قَوْلِهِ بِالنِّيَّةِ مُقَدَّرٌ بِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ فَيَبْقَى بِلَا خَبَرٍ فَلَا يَجُوزُ فَالْمُقَدَّرُ إمَّا مُجْزِئَةٌ أَوْ صَحِيحَةٌ أَوْ مُثِيبَةٌ (فَمُثِيبَةٌ) أَوْلَى بِالتَّقْدِيرِ لِوَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الْعَمَلِ وَعَلَى إضْمَارِ الصِّحَّةِ، وَالْإِجْزَاءِ يَبْطُلُ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ.
(الثَّانِي) أَنَّ قَوْلَهُ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى يَدُلُّ عَلَى الثَّوَابِ، وَالْأَجْرِ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ إنَّمَا هُوَ الثَّوَابُ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَعَلَيْهِ انْتَهَى.
وَفِيهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ:
(أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إضْمَارِ مَحْذُوفٍ مِنْ الصِّحَّةِ أَوْ الْكَمَالِ أَوْ الثَّوَابِ إذْ الْإِضْمَارُ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ حَقِيقَةُ الْعَمَلِ الشَّرْعِيِّ فَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى إضْمَارٍ وَأَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ إضْمَارِ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ فَلَا حَاجَةَ لِإِضْمَارِ مُضَافٍ؛ لِأَنَّ تَقْلِيلَ الْإِضْمَارِ أَوْلَى فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنَّمَا الْأَعْمَالُ وُجُودُهَا بِالنِّيَّةِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْأَعْمَالَ الشَّرْعِيَّةَ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ تَقْدِيرَ الثَّوَابِ أَقَلُّ إضْمَارًا لِكَوْنِهِ يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ انْتِفَاءُ الثَّوَابِ دُونَ الْعَكْسِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِيهِ تَقْلِيلَ الْإِضْمَارِ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ وَاحِدٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ تَقْدِيرُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَفْيِهَا مِنْ نَفْيِ الثَّوَابِ وَوُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا نَحْتَاجُ إلَى أَنْ نُقَدِّرَ إنَّمَا صِحَّةُ الْأَعْمَالِ، وَالثَّوَابِ وَسُقُوطِ الْقَضَاءِ مَثَلًا بِالنِّيَّةِ بَلْ الْمُقَدَّرُ وَاحِدٌ، وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْوَاحِدِ شَيْءٌ آخَرُ فَلَا يَلْزَمُ تَقْدِيرُهُ.
(وَالثَّالِثُ) أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ تَقْدِيرَ الصِّحَّةِ يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْكِتَابَ دَالٌّ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِكَوْنِ النِّيَّةِ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ فَهَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ وَأَيْضًا فَالثَّوَابُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ عَلَى الْعَمَلِ وَلَمْ تُذْكَرْ النِّيَّةُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ ذُكِرَتْ فِيهِ نِيَّةُ الْعَمَلِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] فَهَذَا هُوَ الْقَصْدُ، وَالنِّيَّةُ، وَلَوْ سَلِمَ لَهُ أَنَّ فِيهِ نَسْخَ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأُصُولِ.
(وَالرَّابِعُ) أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ تَقْدِيرَ الصِّحَّةِ يُبْطِلُ الْعَمَلَ وَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ إذَا تَيَقَّنَّا شَغْلَ الذِّمَّةِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ لَمْ نُسْقِطْهُ بِالشَّكِّ وَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ إلَّا بِيَقِينٍ فَحَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى لِتَيَقُّنِ الْبَرَاءَةِ بِهِ.
(وَالْخَامِسُ) أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ الَّذِي لَهُ إنَّمَا هُوَ الثَّوَابُ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَعَلَيْهِ، وَالْأَحْسَنُ فِي التَّقْدِيرِ أَنْ لَا يُقَدَّرَ حَذْفُ مُضَافٍ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَكِنْ يُقَدَّرُ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا الْأَعْمَالُ وُجُودُهَا بِالنِّيَّةِ، وَنَفْيُ الْحَقِيقَةِ أَوْلَى، وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْعَمَلِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ وَجَدَ صُورَةَ الْفِعْلِ فِي الظَّاهِرِ فَلَيْسَ بِشَرْعِيٍّ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِيَةَ عَشَرَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، أَنَّ مَنْ لَمْ يَنْوِ الشَّيْءَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ نَوَى شَيْئًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَيْرُهُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ انْتَهَى.
وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنَّ التَّشْرِيكَ فِي النِّيَّةِ مُفْسِدٌ لَهَا، وَقَدْ وَرَدَ لِكُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ مَا يُؤَكِّدُهُ فَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: رَأَيْت رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ، وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا شَيْءَ لَهُ» الْحَدِيثَ، وَفِيهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتَغَى بِهِ وَجْهَهُ.
وَيَدُلُّ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَنْوِ إلَّا عِقَالًا فَلَهُ مَا نَوَاهُ» . فَإِتْيَانُهُ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا نَوَى مَعَ الْعِقَالِ شَيْئًا آخَرَ كَانَ لَهُ مَا نَوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ أَصْحَابِنَا فِي مَوَاضِعَ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ مَنْ نَوَى مَعَ الْفَرْضِ مَا هُوَ حَاصِلٌ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ.
(فَمِنْهَا) لَوْ نَوَى الْإِمَامُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَإِعْلَامَ الْقَوْمِ لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ.
(وَمِنْهَا) إذَا قَصَدَ الْمَسْبُوقُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ التَّحَرُّمَ، وَالْهَوَى لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَا يَحْصُلُ بِهَا تَكْبِيرَةُ الْهَوَى.
(وَمِنْهَا) لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ، وَالتَّبَرُّدَ لَمْ يَضُرَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِحُصُولِ التَّبَرُّدِ بِدُونِ النِّيَّةِ، وَهَذَا إذَا نَوَاهُمَا مَعًا، فَإِنْ طَرَأَتْ نِيَّةُ التَّبَرُّدِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ النِّيَّةِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لَهَا لَمْ يَصِحَّ مَا بَعْدَ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ نَوَى الْجُنُبُ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، وَالْجُمُعَةِ مَعًا فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى حُصُولِهِمَا، وَهَذَا يَقْتَضِي حُصُولَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَخَالَفَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فَقَالَ يَحْصُلُ الْمَنْوِيُّ فَقَطْ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى هَذَا فِي سَائِرِ كُتُبِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ إذَا نَوَاهُمَا وَقُلْنَا: إنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَنَابَةِ لَمْ تَحْصُلْ الْجُمُعَةُ فَقَضَيْته أَنْ لَا يَصِحَّ الْغُسْلُ أَصْلًا وَرُدَّ كَلَامُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ.
وَمِنْهَا لَوْ نَوَى بِفَرْضِهِ الْفَرْضَ، وَالرَّاتِبَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ دُخُولِ الرَّاتِبَةِ مَعَ الْفَرْضِ لَوْ لَمْ يَنْوِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ نَوَى الْفَرْضَ، وَالتَّحِيَّةَ حَصَلَا لِحُصُولِ التَّحِيَّةِ بِدُونِهَا.
(وَمِنْهَا) لَوْ نَوَى بِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ الْجُمُعَةَ، وَالْكُسُوفَ لَمْ يَصِحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ.
(وَمِنْهَا) مَا إذَا نَوَى بِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ حُصُولُ الْفَائِتَةِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَنْوِيَ