الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَوْقَاتِ الْإِتْيَانِ إلَى الصَّلَاةِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا آخَرَ فَقَالَ «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» فَحَصَلَ بِهِ تَنْبِيهٌ وَتَأْكِيدٌ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ بَعْضِ الصَّلَاةِ فَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ وَإِنْ فَاتَ مِنْ الصَّلَاةِ مَا فَاتَ انْتَهَى.
وَهُوَ حَسَنٌ وَقَالَ وَالِدِي فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ خَافَ الْفَوْتَ.
فَأَمَّا مَنْ بَادَرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِوُثُوقِهِ بِإِدْرَاكِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ بِالسَّكِينَةِ إنَّمَا هِيَ لِمَنْ غَفَلَ عَنْ الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى سَمِعَ الْإِقَامَةَ أَوْ لِمَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ وَكِلَاهُمَا سَوَاءٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَاعِ انْتَهَى.
وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ فُهِمَ أَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ هُنَا مُعْتَبَرٌ وَأَنَّهُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَلَا يُنْهَى عَنْ الْإِسْرَاعِ مَنْ قَصَدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ.
وَهَذَا مَرْدُودٌ يَنْفِرُ عَنْ الْقَوْلِ بِهِ بِبَادِي الرَّأْيِ وَآخِرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا خَصَّ النَّهْيَ عَنْ الْإِسْرَاعِ بِمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ مُنْبَهِرًا فَيَمْنَعُهُ ذَلِكَ الْخُشُوعَ وَإِقَامَةَ الْأَرْكَانِ عَلَى وَجْهِهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تُقَمْ فَيَسْتَرِيحُ وَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا بِهِ مِنْ الْبَهْرِ وَالتَّعَبِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُقَمْ فَقَدْ تُقَامُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ إلَى الْمَسْجِدِ فَيَقَعُ فِي الْمَحْذُورِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ لِتَرَدُّدٍ فِي أَنَّ هَذَا مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ أَوْ الْمُخَالَفَةِ أَوْ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة نَهْيِ قَاصِدِ الصَّلَاةِ عَنْ الْإِسْرَاعِ وَأَمْرِهِ بِالْمَشْيِ بِسَكِينَةٍ]
1
{الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ» ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ يَنْصِبُ السَّكِينَةَ عَلَى الْأَغْرَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ الْزَمُوا السَّكِينَةَ وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ رَفْعُ السَّكِينَةِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ انْتَهَى وَالسَّكِينَةُ هِيَ الْوَقَارُ كَمَا فَسَّرَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ لَكِنْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ» فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ كَرَّرَ فِيهِ الْوَقَارَ لِلتَّأْكِيدِ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ إسْمَانُ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ لِأَنَّ السَّكِينَةَ مِنْ السُّكُونِ وَالْوَقَارَ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ وَالتَّثَاقُلِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَأَنْكَرَ وَالِدِي رحمه الله عَلَى الْقُرْطُبِيِّ قَوْلَهُ أَنَّ الْوَقَارَ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ لِأَنَّ الْوَقَارَ مُعْتَلُّ الْفَاءِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الْوَقَارُ الْحِلْمُ وَالرَّزَانَةُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَأَنَّ السَّكِينَةَ فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابِ الْعَبَثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْوَقَارَ فِي الْهَيْئَةِ وَغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى طَرِيقِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى.
{الرَّابِعَةُ} الْمَعْنَى فِي نَهْيِ قَاصِدِ الصَّلَاةِ عَنْ الْإِسْرَاعِ وَأَمْرِهِ بِالْمَشْيِ بِسَكِينَةٍ أُمُورٌ:
(أَحَدُهَا) قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» فَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّبَ بِآدَابِ الصَّلَاةِ مِنْ تَرْكِ الْعَجَلَةِ وَالْخُشُوعِ وَسُكُونِ الْأَعْضَاءِ وَمِنْ هَذَا أَمْرُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يُشَبِّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ فِي صَلَاةٍ وَحَكَى النَّوَوِيُّ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ الْعُلَمَاءِ.
(الثَّانِي) تَكْثِيرُ الْخُطَا فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْت أَمْشِي مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَارَبَ فِي الْخُطَّا فَقَالَ أَتَدْرِي لِمَ مَشَيْت بِك هَذِهِ الْمِشْيَةَ؟ فَقُلْت لَا، فَقَالَ لِتَكْثُرَ خُطَانَا فِي الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنهما.
(الثَّالِثُ) ذَكَرَ الْمُهَلَّبِ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَبْهَرَ الْإِنْسَانَ نَفْسَهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَرْتِيلِ الْقُرْآنِ وَلَا مِنْ الْوَقَارِ اللَّازِمِ لَهُ فِي الْخُشُوعِ انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا قَالَ وَالِدِي رحمه الله يَنْبَنِي عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَيْ الْأَوَّلَيْنِ عَوْدُ الْمُصَلِّي مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بَيْتِهِ فَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَقَدْ زَالَ فِي رُجُوعِهِ إلَى بَيْتِهِ كَوْنُهُ فِي صَلَاةٍ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا الْمَشْيُ وَمُقَارَبَةُ الْخُطَا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «مَنْ رَاحَ إلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ فَخُطْوَةٌ تَمْحُو سَيِّئَةً وَخُطْوَةٌ تَكْتُبُ حَسَنَةً ذَاهِبًا وَرَاجِعًا» وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
{قُلْت} وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ فِي الرُّجُوعِ كَمَا قُلْنَا عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ {الْخَامِسَةُ} هَذَا الْحَدِيثُ نَاسِخٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا إذَا سُبِقُوا بِبَعْضِ الصَّلَاةِ صَلَّوْا مِقْدَارَ مَا فَاتَهُمْ مُنْفَرِدِينَ ثُمَّ دَخَلُوا مَعَ الْإِمَامِ فَصَلَّوْا مَعَهُ بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي أَبْوَابِ الْأَذَانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا قَالَ «كَانَ الرَّجُلُ إذَا جَاءَ يَسْأَلُ فَيُخْبَرُ بِمَا سَبَقَ مِنْ