الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ الله الرحْمان الرَّحِيمِ
51 -
(بابُ الشُّرُوطِ فِي الجِهَادِ والمصالحَةِ مَعَ أهْلِ الحَرْبِ وكِتَابَةِ الشُّرُوطِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشُّرُوط فِي الْجِهَاد وَفِي بَيَان الْمُصَالحَة مَعَ أهل الْحَرْب، وَفِي بَيَان كِتَابَة الشُّرُوط، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي زِيَادَة وَهِي قَوْله بعد كِتَابَة الشُّرُوط: مَعَ النَّاس بالْقَوْل.
2372 -
حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ قَالَ أخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ أخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ ومَرْوَانَ يُصَدِّقُ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صاحِبِهِ قالَا خرَجَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ حتَّى إذَا كانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّ خالِدَ بنَ الوَلِيدِ بالغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعةً فَخُذُوا ذَاتَ اليَمِينِ فَوَالله مَا شَعَرَ بِهِمْ خالِدٌ حتَّى إذَا هُمْ بِقَتَرةِ الجَيْشِ فانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيراً لِقُرَيْشٍ وسارَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتَّى إذَا كانَ بالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ حَلْ حَلْ فألَحَّتْ فَقالُوا خلأتِ الْقَصْواءُ خَلأتِ الْقَصْوَاءُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَا خَلأتِ القَصْوَاءُ وَمَا ذاكَ لَهَا بِخُلُقٍ ولاكِنْ حبَسَهَا حابِسُ الفِيلِ ثُمَّ قَالَ والَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَا يَسْألُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ الله إلَاّ أعْطَيْتُهُمْ إيَّاهَا ثُمَّ زَجَرَهَا فوَثَبَتْ قَالَ فعدَلَ عنْهُمْ حتَّى نَزَلَ بأقْصاى الحُدَيْبِيِّةِ علَى ثَمَدٍ قَلِيل المَاءِ يتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبُرُّضاً فلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حتَّى نَزَحُوهُ وشُكِي إِلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم العَطَشُ فانْتَزَعَ سَهْماً مِنْ كِنانَتِهِ ثُمَّ إمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوهُ فيهِ فَوالله مَا زَالَ يَجيشُ لَهُمْ بالرِّيِّ حتَّى صَدَرُوا عنْهُ فَبَيْنَما هُمْ كَذَلِكَ إذْ جاءَ بُدَيْلُ بْنُ ورْقَاءَ الخُزَاعِيُّ فِي نَفَر منْ قَومِهِ منْ خُزَاعَةَ وكانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم منْ أهْلِ تِهَامَةَ فَقَالَ إنِّي تَرَكْتُ كعْبَ بنَ لُؤَيٍّ وعامِرَ بنَ لُؤيٍّ نَزَلُوا أعْدَادَ مِياهِ الحُدَيْبِيَةِ ومعَهُمُ العُوذُ المَطَافِيلُ وهُمْ مقَاتِلُوكَ وصادُّوكَ عنِ البَيْتِ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إنَّا لَمْ نَجيءْ لِقِتَالِ أحَد ولاكِنَّا جِئْنَا
مُعْتَمِرِينَ وإنَّ قُرَيْشاً قدْ نَهِكَتْهُمُ الحَرْبُ وأضَرَّتْ بِهِمْ فإنْ شاؤا مادَدْتُهُمْ مُدَّةً ويُخَلُّوا بَيْنِي وبيْن النَّاسِ فإنْ أظْهَرْ فإنْ شَاؤا أنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخلَ فيهِ النَّاسُ فَعلُوا وإلَاّ فَقَدْ جَمُّوا وَإِن هُمْ أبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأُقَاتِلَنَّهُمْ على أمْري هاذا حتَّى تَنْفَرِدَ سالِفَتِي ولَيُنْفِذَنَّ الله أمْرَهُ فَقَالَ بُدَيْلٌ سأُبَلِّغُهُمْ مَا تقُولُ قَالَ فانْطَلَقَ حتَّى أتاى قُرَيْشاً قَالَ إنَّا قدْ جِئْنَاكُمْ منْ هَذَا الرَّجُلِ وسَمِعْناهُ يَقُولُ قوْلاً فإنْ شِئْتُمْ أنْ نَعْرِضَهُ علَيْكُمْ فعَلْنا فَقَالَ سُفَهَاؤهُمْ لَا حاجَةَ لَنَا أنْ تُخْبِرَنَا عنْهُ بِشَيْءٍ وَقَالَ ذَوُو الرَّأي مِنْهُمْ هاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ سَمِعْتُهُ يقُول كَذَا وكذَا فحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقامَ عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ أيْ قَوْمِ ألَسْتُمْ بالوالِدِ قالُوا بلَى قَالَ أوَ لَسْتُ بالوَلدِ قالُوا بَلى قَالَ فَهَلْ تتَّهِمُوني قالُوا لَا قَالَ ألسْتُمْ تعْلَمُونَ أنِّي اسْتَنْفَرْتُ أهْلَ عُكَاظٍ فلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأهْلِي وَوَلَدِي ومَنْ أطَاعَنِي قالُوا بَلى قَالَ فإنَّ هذَا قدْ عرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشّدٍ اقْبَلُوهَا ودَعُونِي آتِيهِ قالوُا ائْتِهِ فأتاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نحْواً منْ قَوْلِهِ لِبُدَيْل فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ أيْ مُحَمَّدُ أرَأيْتَ إنِ اسْتَأصَلْتَ أمْرَ قَوْمِكَ هلْ سَمِعْتَ بِأحَدٍ مِنَ العَرَبِ اجْتَاحَ أهْلَهُ قَبْلَكَ وإنْ تَكُنِ الأُخْراى فإنِّي وَالله لأراى وُجُوهاً وإنِّي لأراى أشْواباً مِنَ النَّاسِ خَلِيقاً أنْ يَفِرُّوا ويَدَعُوكَ فَقَالَ لَهُ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ امْصَصْ بِبَظْرِ الْلَاّتِ أنَحْنُ نَفِرُّ عنْهُ ونَدَعُهُ فَقَالَ منْ ذَا قالُوا أبُو بَكْر قَالَ أمَّا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لوْلا يَدٌ كانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أجْزِكَ بِها لأجَبْتُكَ قَالَ وجعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ أخَذِ بِلِحْيَتِهِ والْمُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ قائِمٌ علَى رَأسِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومعَهُ السَّيْفُ وعَلَيْهِ المِغْفَرُ فَكُلَّمَا أهْواى عُرُوةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ يدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ وَقَالَ لهُ أخِّرْ يدَكَ عنْ لِحْيَةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فرَفَعَ عُرْوَةُ رَأسَهُ فَقَالَ منْ هَذا قالُوا المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ فَقَالَ أَي: غُدرُ ألَسْتُ أسْعَى فِي غَدْرَتِكَ وكانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْماً فِي الجَاهِلِيَّةِ فقَتَلَهُمْ وأخَذَ أمْوَالَهُمْ ثُمَّ جاءَ فأسْلَمَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أما الْإِسْلَام فَأقبل، وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء ثمَّ إِن عُرْوَة جعل يرمق أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِعَيْنَيْهِ قَالَ فَوَالله مَا تَنخَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إلَاّ وقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وجِلْدَهُ وَإِذا أمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أمْرَهُ وإذَا توَضَّأ كادُوا يَقْتَتِلُونَ على وَضُوئِهِ وإذَا تكَلَّمَ خَفَضُوا أصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ
وَمَا يُحِدُّونَ إليْهِ النَّظَرَ تعْظِيماً لَهُ فرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أصْحَابِهِ فَقَالَ أيْ قَوْم وَالله لَقدْ وفَدْتُ على الْمُلُوكِ ووفَدْتُ على قَيْصَرَ وكِسْراى والنَّجَاشِيِّ وَالله إنْ رأيْتُ مَلِكَاً قَطُّ يُعَظِّمُهُ أصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم إنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إلَاّ وقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِها وجْهَهُ وجِلْدَهُ وَإِذا أمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أمْرَهُ وإذَا تَوَضَّأ كادُوا يَقْتَتِلُونَ على وَضُوئِهِ وإذَا تَكَلَّمَ خفَضُوا أصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ ومَا يُحِدُّونَ إلَيْهِ النَّظَرَ تعْظِيماً لَهُ وإنَّهُ قدْ عرَضَ علَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فأقْبلُوها فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنانةَ دَعُونِي آتِيهِ فقالُوا ائْتِهِ فلَمَّا أشْرَف على النبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ قَالَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم هَذَا فُلَانٌ وهْوَ منْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فابْعَثُوهَا فبُعِثَتْ لَهُ واسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ فلَمَّا رأى ذالِكَ قَالَ سُبْحَانَ الله مَا يَنْبَغِي لِهاؤلَاءِ أَن يُصَدُّوا عنِ البَيْتِ فلَمَّا رجعَ إلَى أصْحَابِهِ قَالَ رأيْتُ البُدْنَ قد قُلِّدَتْ وأُشْعِرَتْ فمَا أراى أنْ يُصَدُّوا عنِ البَيْتِ فقَامَ رجُلٌ مِنْهُمْ يُقالُ لَهُ مِكرَزُ بنُ حَفْصً فَقَالَ دَعُونِي آتِيهِ فَقَالُوا ائْتِهِ فلَمَّا أشْرَفَ علَيْهِمْ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا مِكْرزٌ وهْوَ رجُلٌ فاجِرٌ فجَعَلَ يُكَلِّمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فبَيْنَما هُوَ يُكَلِّمُهُ إذْ جاءَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍ وَقَالَ مَعْمَرٌ فأخْبَرَنِي أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ أنَّهُ لَمَّا جاءَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍ وَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَقدْ سَهلَ لَكُمْ مِنْ أمْرِكُمْ قَالَ مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُ فِي حَدِيثِهِ فجَاءَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرو فَقَالَ هاتِ اكْتُبْ بَيْنَنا وبيْنَكُمْ كِتاباً فَدَعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم الْكاتِبَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم اكْتُبْ بسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ قَالَ سُهَيْلً أمَّا الرَّحْمانُ فَوالله مَا أدْرِي مَا هُوَ ولَكِنْ اكْتُبُ باسْمِكَ اللَّهُمَّ كَما كُنْتَ تَكْتُبُ فَقَالَ المُسْلِمُونَ وَالله لَا نَكْتُبُهَا إلَاّ بِسْم الله الرَّحْمانِ الرَّحِيم فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم اكْتُبْ باسْمِكَ اللَّهُمَّ ثُمَّ قالَ هَذَا مَا قاضاى علَيْهِ مُحَمَّدٌ رسولُ الله فَقَالَ سُهَيْلٌ وَالله لَوْ كُنَّا نعْلَمُ أنَّكَ رسولُ الله مَا صَدَدْنَاكَ عنِ البَيْتِ وَلَا قاتَلْنَاكَ ولاكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله فَقَالَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالله إنِّي لرَسولُ الله وإنْ كَذَّبْتُمُونِي اكْتُبْ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ الزُّهْرِيُّ وذَلِكَ لِقَوْلِهِ لَا يَسْألُوني خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ الله إلَاّ أعْطيْتُهُمْ إيَّاهَا فَقَالَ لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أنْ تُخَلُّوا بَيْنَنا وبَيْنَ البَيْتِ فنَطُوفَ بِهِ فَقَالَ سُهَيْلٌ وَالله لَا تتَحَدَّثُ العَرَبُ أنَّا اخِذْنَا ضُغْطَةً ولَكِنْ ذَلِكَ مِنَ العامِ الْمُقْبِلِ فَكَتَبَ فَقَالَ سُهَيْلٌ وعَلى أنَّهُ لَا يأتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وإنْ كانَ على دِينِكَ إلَاّ رَدَدْتَهُ إلَيْنَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ سُبْحَانَ الله كيْفَ يُرَدُّ إِلَى المُشْرِكِينَ وقدْ جاءَ مُسْلِماً فَبَيْنَمَا هُمْ كذَلِكَ إذْ دَخَلَ أبُو جَنْدَلِ بنُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ وقدْ خَرَجَ مِنْ أسْفَلِ مَكَّةَ حتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلٌ هَذَا يَا مُحَمَّدُ أوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ علَيْهِ أنْ ترُده إلَيَّ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّا لَمْ نَقْضِ الكِتَابَ بعْدُ قَالَ فَوالله إذَاً لَمْ أُصَالِحْكَ على شَيْءٍ أبدا قَالَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم فأجِزْهُ لي قالَ مَا أنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ قَالَ بَلى فافْعَلْ قَالَ مَا أنَا بِفاعِلٍ قَالَ مِكْرَزٌ بلَى قَدْ أجَزْنَاهُ لَكَ قَالَ أبُو جَنْدَلٍ أيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وقدْ جِئْتُ مُسْلِمَاً ألَا تَرَوْنَ مَا قدْ لَقِيتُ وكانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَاباً شَدِيداً فِي الله قَالَ فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فأتَيْتُ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فقلْتُ ألَسْتَ نَبِيَّ الله حَقَّاً قَالَ بَلى قُلْتُ ألَسْنَا على الحَقِّ وعَدُوُّنَا على الْبَاطِلِ قَالَ بَلَى قُلْتُ نُعْطِي الدَّنيَّةَ فِي دِينِنَا إِذا قَالَ إنِّي رسولُ الله ولَسْتُ أعْصِيهِ وهْوَ ناصِرِي قُلْتُ
أوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أنَّا سَنَأتِي البيْتَ فنَطُوفُ بِهِ قَالَ بَلى فأخْبَرْتُكَ أنَّا نأتِيهِ العامَ قالَ قُلْتُ لَا قَالَ فإنَّكَ آتِيهِ ومُطَّوِّفٌ بِهِ قَالَ فأتَيْتُ أبَا بكر فقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ ألَيْسَ هذَا نَبيَّ الله حقَّاً قَالَ بَلَى قلْتُ ألَسْنَا على الحَقِّ قَالَ بَلَى وعَدُوُّنَا على الباطِلِ قُلْتُ فلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إذَا قَالَ أيُّها الرَّجُل إنَّهُ لَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وليْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وهْوَ ناصِرُهُ فاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فَوَالله إنَّهُ على الحَقِّ قُلْتُ ألَيْسَ كَانَ يُحَدَّثُنَا أنَّا سَنَأتِي البَيْتَ ونَطُوفُ بهِ قَالَ بَلى أفَأخْبرَكَ أنَّكَ تأتِيهِ العامَ قلْتُ لَا قَالَ فإنَّكَ آتِيهِ ومُطَّوِّفٌ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ عُمَرُ فَعَمِلْتُ لذلكَ أعْمالاً قَالَ فلَمَّا فرَغَ منْ قَضِيَّةِ الكِتابِ قَالَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم لأِصْحَابِهِ قُوُمُوا فانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ فَوَالله مَا قامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حتَّى قَالَ ذَلِكَ ثلاثَ مرَّاتَ فلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أحَدٌ دَخَلَ على أُمِّ سلَمَةَ فَذَكَرَ لهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ فقالتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ الله أتُحِبّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أحَدَاً مِنْهُمْ كلِمَةً حتَّى تُنحَرَ بُدْنَكَ وتدْعُوَ حالقَكَ فيَحْلِقَك فخَرَجَ فلَمْ يُكَلَّمْ أحَداً مِنْهُمْ حتَّى فعَلَ ذلِكَ نحَرَ بُدْنَهُ ودَعا حالِقَهُ فحَلَقَهُ فلَمَّا رَأوْا ذَلِكَ قامُوا فَنحَرُوا وجعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضاً حتَّى كَاد بَعْضُهُم يَقْتُلْ بعْضاً غَمَّا ثُمَّ جاءَهُ نُسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فأنْزَلَ الله تَعالى:{يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فامْتَحِنُوهُنَّ} (الممتحنة: 01) . حتَّى بلَغَ {بِعِصَمِ الكَوَافِرَ} (الممتحنة: 01) . فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأتَيْنِ كانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ فتَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا مُعاوِيَةُ ابنُ أبِي سُفْيَانَ والأُخْرَى صَفْوَانُ بنُ أُمَيَّةَ ثُمَّ رَجَعَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى المَدِينَةِ فَجاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وهْوَ مُسْلِمُ فأرْسَلُوا فِي طَلَبهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا الْعَهْدُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حتَّى بَلَغَا ذَا الحُلَيْفَةِ فنَزَلُوا يأكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ فقَالَ أبُو بَصِيرٍ لأِحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَالله إنِّي لأرَى سَيْفَكَ هذَا يَا فُلَانُ جَيِّدَاً فاسْتَلَّهُ الآخَرُ فَقَالَ أجَلْ وَالله إنَّهُ لَجَيِّدٌ لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْهِ فأمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ حَتَّى بَردَ وفَرَّ الآخَرُ حتَّى أتَى المَدِينَةَ فدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ رسولُ لله صلى الله عليه وسلم حِينَ رآهُ لَقَدْ رأى هَذَا ذُعْرَاً فلَمَّا انْتَهى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ قُتِلَ وَالله صاحِبِي وإنِّي لَمَقْتُولٌ فَجاءَ أبُو بَصِيرٍ فَقَالَ يَا نَبِيَّ الله قَدْ وَالله أوْفَى الله ذِمَّتَكَ قدْ رَدَدْتَنِي إلَيْهِمْ ثُمَّ أنْجَانِي الله مِنْهُمْ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم {وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ لَو كانَ لَهُ أحَدٌ} فلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عرَفَ أنَّهُ سَيَرُدُّهُ إلَيْهِمْ فخَرَجَ حتَّى أتَى سِيفَ البَحْرِ قَالَ ويَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أبُو جَنْدَلٍ بنُ سُهَيْلٍ فلَحِقَ بِأبِي بَصِير فجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أسْلَمَ إلَاّ لَحِقَ بأبِي بَصِيرٍ حتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ فَوَالله مَا يَسْمَعُونَ بِعيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأمِ إلَاّ اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وأخَذُوا أمْوَالَهُمْ فأرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُنَاشِدُهُ بِاللَّه والرَّحِم لَمَّا أرْسَلَ فَمَنْ أتَاهُ فَهْوَ آمِنٌ فأرْسَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَيْهِمْ فأنْزَلَ الله تَعَالَى: {وهْوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وأيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أنْ
أظْفَرَكُمْ علَيْهِمْ} (الْفَتْح: 42، 62) . حتَّى بلَغَ {الحميَّة حَمِيَّةُ الجَاهِلِيَّةِ} (الْفَتْح: 42، 62) . وكانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أنَّهُ نَبيُّ الله ولَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ الله الرحْمانِ الرَّحِيمِ وحالُوا بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الْبَيْتِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ الْمُصَالحَة مَعَ أهل الْحَرْب وَكِتَابَة الشُّرُوط، وَذَلِكَ أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم صَالح مَعَ أهل مَكَّة فِي هَذِه السفرة، وهم أهل الْحَرْب لِأَن مَكَّة كَانَت دَار الْحَرْب حِينَئِذٍ، وَكتب بَينه وَبينهمْ شُرُوطًا.
وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ أَبُو جَعْفَر البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَعبد الرَّزَّاق بن همام الْيَمَانِيّ، وَمعمر بن رَاشد، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم قد مر ذكر الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم فِي أول كتاب الشُّرُوط فَإِنَّهُ أخرج عَنْهُمَا قِطْعَة من هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ، وَهَهُنَا ذكره مطولا، وَهَذَا الحَدِيث بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَرْوَان مُرْسل لِأَنَّهُ لَا صُحْبَة لَهُ، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمسور لِأَنَّهُ: وَإِن كَانَت لَهُ صُحْبَة، وَلكنه لم يحضر الْقِصَّة ولكنهما سمعا جمَاعَة من الصَّحَابَة شهدُوا هَذِه الْقِصَّة، كعمر وَعُثْمَان وَعلي والمغيرة بن شُعْبَة وَسَهل بن حنيف وَأم سَلمَة وَآخَرين، وَقد روى مَرْوَان والمسور عَن أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر: الحَدِيث الْمَرْوِيّ هُنَا مَعْلُول.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يصدق كل وَاحِد مِنْهُمَا) أَي: من الْمسور ومروان، وَالْجُمْلَة محلهَا النصب على الْحَال. قَوْله:(زمن الْحُدَيْبِيَة) ، قد مر ضَبطهَا فِي كتاب الْحَج، وَهِي: بِئْر سمي الْمَكَان بهَا، وَقيل: شَجَرَة حدباء صغرت، وَسمي المكن بهَا. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: الْحُدَيْبِيَة قَرْيَة قريبَة من مَكَّة أَكْثَرهَا فِي الْحرم، وَكَانَ خُرُوجه صلى الله عليه وسلم من الْمَدِينَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ لهِلَال ذِي الْقعدَة سنة سِتّ بِلَا خلاف، وَمِمَّنْ نَص على ذَلِك الزُّهْرِيّ وَنَافِع مولى ابْن عمر وَقَتَادَة ومُوسَى بن عقبَة وَمُحَمّد بن إِسْحَاق. وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن الْخَلِيل عَن عَليّ بن مسْهر أَخْبرنِي هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: خرج رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُدَيْبِيَة فِي رَمَضَان، وَكَانَت الْحُدَيْبِيَة فِي شَوَّال، وَهَذَا غَرِيب جدا عَن عُرْوَة. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: خرج فِي ذِي الْقعدَة مُعْتَمِرًا لَا يُرِيد حَربًا، قَالَ ابْن هِشَام: وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة نميلَة بن عبد الله اللَّيْثِيّ، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: واستنفر الْعَرَب وَمن حوله من أهل الْبَوَادِي من الْأَعْرَاب لِيخْرجُوا مَعَه، وَهُوَ يخْشَى من قُرَيْش أَن يعرضُوا لَهُ بِحَرب ويصدوه عَن الْبَيْت، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ كثير من الْأَعْرَاب وَخرج رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم بِمن مَعَه من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمن لحق بِهِ من الْعَرَب، وسَاق مَعَه الْهَدْي وَأحرم بِالْعُمْرَةِ ليأمن النَّاس من حربه، وليعلموا أَنه إِنَّمَا خرج زَائِرًا للبيت ومعظماً لَهُ. قَالَ: وَكَانَ الْهَدْي سبعين بَدَنَة وَالنَّاس سَبْعمِائة رجل، فَكَانَت كل بَدَنَة عَن عشرَة أنفس. وَقَالَ ابْن عقبَة، عَن جَابر: عَن كل سَبْعَة بَدَنَة، وَكَانَ جَابر يَقُول: فِيمَا بَلغنِي، كُنَّا أَصْحَاب الْحُدَيْبِيَة أَربع عشرَة مائَة، وَعَن الزُّهْرِيّ فِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: خرج فِي ألف وَثَمَانمِائَة. وَبعث عينا لَهُ من خُزَاعَة يدعى نَاجِية يَأْتِيهِ بِخَبَر قُرَيْش، كَذَا سَمَّاهُ نَاجِية، وَالْمَعْرُوف أَن نَاجِية اسْم الَّذِي بعث مَعَه الْهَدْي، نَص عَلَيْهِ ابْن إِسْحَاق وَغَيره، وَأما الَّذِي بَعثه عينا لخَبر قُرَيْش فاسمه بسر بن سُفْيَان، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: خرج رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذا كَانَ بعسفان لقِيه بسر بن سُفْيَان الكعبي، فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذِه قُرَيْش قد سَمِعت بمسيرك فَخَرجُوا وَقد نزلُوا بِذِي طوى. وَهَذَا خَالِد بن الْوَلِيد فِي خيلهم قدموها إِلَى كرَاع الغميم، وَهَذَا معنى قَوْله صلى الله عليه وسلم: إِن خَالِد بن الْوَلِيد بالغميم. والغميم، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم وبضم الْغَيْن وَفتح الْمِيم أَيْضا، قَالَه ابْن قرقول، ورد ذَلِك الْحِمْيَرِي فِي كِتَابه (تثقيف اللِّسَان) بقوله: يَقُولُونَ لموْضِع بِقرب مَكَّة: الغميم، على التصغير، وَالصَّوَاب: الغميم، يَعْنِي بِالْفَتْح وَهُوَ وَاد بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان، وَذكر الْحَازِمِي فِي (كتاب الْبلدَانِ) : أَن الَّذِي بِالضَّمِّ وادٍ فِي ديار حَنْظَلَة من بني تَمِيم. قَوْله: (طَلِيعَة)، نصب على الْحَال من قَوْله:(فِي خيل لقريش)، وَهِي مُقَدّمَة الْجَيْش. قَوْله:(فَخُذُوا ذَات الْيَمين)، وَهِي بَين ظَهْري الحمض فِي طَرِيق تخرجه على ثنية المرار مهبط الْحُدَيْبِيَة من أَسْفَل مَكَّة. قَالَ ابْن هِشَام: فسلك الْجَيْش ذَلِك الطَّرِيق، فَلَمَّا رَأَتْ خيل قُرَيْش قترة الْجَيْش قد خالفوا عَن طريقهم ركضوا رَاجِعين إِلَى قُرَيْش، وَهُوَ معنى قَوْله:(فوَاللَّه مَا شعر بهم خَالِد حَتَّى إِذا هم بقترة الْجَيْش) . القترة: بِفَتْح الْقَاف وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: الْغُبَار الْأسود. قَوْله: (فَانْطَلق)، أَي: خَالِد. قَوْله: (يرْكض) ، جملَة حَالية من خَالِد من الركض، وَهُوَ الضَّرْب بِالرجلِ على الدَّابَّة لأجل استعجاله فِي السّير. قَوْله:(نذيراً) نصب على الْحَال من
الْأَحْوَال المترادفة أَو المتداخلة، أَي: منذراً لقريش بمجيء رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، على ثنية المرار. الثَّنية، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهِي فِي الْجَبَل كالعقبة فِيهِ وَقيل: هُوَ الطَّرِيق التَّالِي فِيهِ، وَقيل: أَعلَى المسيل فِي رَأسه، والمرار، بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الرَّاء. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة من طَرِيق الْحُدَيْبِيَة، وَبَعْضهمْ يَقُوله بِفَتْح الْمِيم. وَيُقَال: هُوَ طَرِيق فِي الْجَبَل تشرف على الْحُدَيْبِيَة. وَقَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ الثَّنية الَّتِي أَسْفَل مَكَّة، ورد عَلَيْهِ ذَلِك، وَقَالَ ابْن سعد الَّذِي سلك بهم حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ. قَوْله:(بَركت رَاحِلَته) الرَّاحِلَة من الْإِبِل: الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال، وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَالْهَاء فِيهَا للْمُبَالَغَة، وَهِي الَّتِي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وَتَمام الْخلق وَحسن المنظر، فَإِذا كَانَت فِي جمَاعَة الْإِبِل عرفت. قَوْله:(حل حل) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام فيهمَا، وَهُوَ زجر للناقة إِذا حملهَا على السّير، وَقَالَ الْخطابِيّ: فَإِن قلت: حل، وَاحِدَة فبالسكون وَإِن أعدتها نونت فِي الأولى وسكنت فِي الثَّانِيَة، وَحكى غَيره السّكُون فيهمَا والتنوين كَقَوْلِهِم: بخ بخ وصه صه، وَقَالَ ابْن سَيّده: هُوَ زجر لإناث الْإِبِل خَاصَّة، وَيُقَال: حلا وحلى لَا حليت، وَقد اشتق مِنْهُ اسْم فَقيل: الحلحال. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: جوب زجر للبعير. قَوْله: (فألحت) بحاء مُهْملَة مُشَدّدَة، أَي: لَزِمت مَكَانهَا وَلم تنبعث، من الإلحاح. قَوْله:(خلأت) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، فَهُوَ كالحران فِي الْخَيل، يُقَال: خلأت خلاءً بِالْمدِّ، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لَا يكون الْخَلَاء إلَاّ للنوق خَاصَّة، وَقَالَ ابْن فَارس: لَا يُقَال للجمل خلاء، لَكِن ألح (والقصواء) بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وبالمد: اسْم نَاقَة رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم قيل: سميت بذلك لِأَنَّهُ كَانَ طرف أذنها مَقْطُوعًا من القصو، وَهُوَ: قطع طرف الْأذن. يُقَال: بعير أقْصَى، وناقة قصواء. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: وَلَا يُقَال: بعير أقْصَى، وَقيل: وَكَانَ الْقيَاس أَن يكون بِالْقصرِ، وَقد وَقع ذَلِك فِي بعض نسخ أبي ذَر. وَفِي (أدب الْكَاتِب) : القصوى، بِالضَّمِّ وَالْقصر، شَذَّ من بَين نَظَائِره، وَحقه أَن يكون بِالْيَاءِ مثل: الدُّنْيَا والعليا، لِأَن الدُّنْيَا من دَنَوْت، والعليا من عَلَوْت، وَقَالَ الدَّاودِيّ: سميت بذلك لِأَنَّهَا كَانَت لَا تكَاد أَن تسبق، فَقيل لَهَا: الْقَصْوَاء، لِأَنَّهَا بلغت من السَّبق أقصاه. وَهِي الَّتِي ابتاعها أَبُو بكر، وَأُخْرَى مَعهَا من بني قُشَيْر بثمانمائة دِرْهَم، وَهِي الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَكَانَت إِذْ ذَاك ربَاعِية، وَكَانَ لَا يحملهُ غَيرهَا إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي، وَهِي الَّتِي تسمى: العضباء، والجدعاء: وَهِي الَّتِي سبقت فشق ذَلِك على الْمُسلمين. فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(من قدر الله أَن لَا يرفع شَيْئا فِي هَذِه الدُّنْيَا إلَاّ وَضعه)، وَقيل: المسبوقة هِيَ العضباء، وَهِي غير الْقَصْوَاء. قَوْله:(وماذاك لَهَا بِخلق) أَي: لَيْسَ الْخَلَاء لَهَا بعادة، وَكَانُوا ظنُّوا أَن ذَلِك من خلقهَا. فَقَالَ: وَمَا ذَاك لَهَا بِخلق، بِضَم الْخَاء. قَوْله:(وَلَكِن حَبسهَا حَابِس الْفِيل عَن دُخُولهَا)، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق:(حَابِس الْفِيل عَن مَكَّة)، أَي: حَبسهَا الله عز وجل عَن دُخُول مَكَّة كَمَا حبس الْفِيل عَن دُخُولهَا حِين جِيءَ بِهِ لهدم الْكَعْبَة. قَالَ الْخطابِيّ: الْمَعْنى فِي ذَلِك، وَالله أعلم، أَنهم لَو استباحوا مَكَّة لأبي الْفِيل على قوم سبق فِي علم الله أَنهم سيسلمون وَيخرج من أصلابهم ذُرِّيَّة مُؤمنُونَ، فَهَذَا مَوضِع التَّشْبِيه لحبسها. وَقَالَ الدَّاودِيّ: لما رأى النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بروك الْقَصْوَاء، علم أَن الله عز وجل أَرَادَ صرفهم عَن الْقِتَال {ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا} (الْأَنْفَال: 24 و 44) . قَوْله: (خطة)، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء: أَي حَالَة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: خصْلَة. وَقَالَ ابْن قرقول: قَضِيَّة وأمراً. قَوْله: (يعظمون فِيهَا حرمات الله)، قَالَ ابْن التِّين: أَي: يكفون عَن الْقِتَال تَعْظِيمًا للحرم. وَقَالَ ابْن بطال يُرِيد بذلك مُوَافقَة الله عز وجل فِي تَعْظِيم الحرمات، لِأَنَّهُ فهم عَن الله عز وجل وإبلاغ الْأَعْذَار إِلَى أهل مَكَّة، فأبقى عَلَيْهِم لما سبق فِي علمه من دُخُولهمْ فِي دين الله أَفْوَاجًا. قَوْله:(إلَاّ أَعطيتهم إِيَّاهَا)، أَي: أَجَبْتهم إِلَيْهَا. قَالَ السُّهيْلي: لم يَقع فِي شَيْء من طرق الحَدِيث، إلَاّ أَنه قَالَ: إِن شَاءَ الله، مَعَ أَنه مَأْمُور بهَا فِي كل حَالَة. وَأجِيب: بِأَنَّهُ كَانَ أمرا وَاجِبا حتما، فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الِاسْتِثْنَاء، وَاعْترض فِيهِ بِأَن الله تَعَالَى قَالَ فِي هَذِه الْقِصَّة {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين} (الْفَتْح: 82) . فَقَالَ: إِن شَاءَ الله، مَعَ تحقق وُقُوع ذَلِك، تَعْلِيما وإرشاداً، فَالْأولى أَن يحمل على أَن الِاسْتِثْنَاء من الرَّاوِي، وَقيل: يحْتَمل أَن تكون الْقِصَّة قبل نزُول الْأَمر بذلك. فَإِن قلت: سُورَة الْكَهْف مَكِّيَّة؟ قلت: قيل: لَا مَانع أَن يتَأَخَّر نزُول بعض السُّورَة. قَوْله: (ثمَّ زجرها)، أَي: ثمَّ زجر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، النَّاقة فَوَثَبت أَي: انتهضت قَائِمَة. قَوْله: (فَعدل عَنْهُم)، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد:(فولى رَاجعا) . قَوْله: (على ثَمد)، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالْمِيم: أَي: حُفْرَة فِيهَا مَاء قَلِيل، وَيُقَال: الثمد المَاء الْقَلِيل الَّذِي لَا مَادَّة لَهُ. وَقيل
هُوَ مَا يظْهر من المَاء زمن الشتَاء وَيذْهب فِي الصَّيف، وَقيل: لَا يكون إلَاّ فِيمَا غلظ من الأَرْض. قَوْله: (قَلِيل المَاء) ، تَأْكِيد لَهُ، قَالَ بَعضهم، تَأْكِيد لدفع توهم أَن ترَاد لُغَة من يَقُول إِن الثمد المَاء الْكثير. قلت: إِنَّمَا يتَوَجَّه هَذَا الْكَلَام أَن لَو ثَبت فِي اللُّغَة: أَن الثمد المَاء الْكثير أَيْضا، فَإِذا ثَبت يكون من الأضداد، فَيحْتَاج إِلَى ثُبُوت هَذَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الثمد، ذكر مَعْنَاهُ فِيمَا بعده على سَبِيل التَّفْسِير. قَوْله:(يتبرضه النَّاس) ،، أَي: يأخذونه قَلِيلا قَلِيلا، ومادته بَاء مُوَحدَة وَرَاء وضاد مُعْجمَة، والبرض: هُوَ الْيَسِير من الْعَطاء. قَوْله: (تبرضاً) مصدر من بَاب التفعل الَّذِي يَجِيء للتكلف وانتصابه على أَنه مفعول مُطلق. قَوْله: (فَلم يلبثه) بِضَم الْيَاء وَسُكُون اللَّام من الْإِثْبَات، وَقَالَ ابْن التِّين، بِفَتْح اللَّام وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة المثقلة: من التلبيث أَي: لم يَتْرُكُوهُ يثبت أَي: يُقيم. قَوْله: (وشكى)، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(فَانْتزع سَهْما من كِنَانَته) أَي: أخرج نشابة من جعبته. قَوْله: (ثمَّ أَمرهم أَن يَجْعَلُوهُ فِيهِ) أَي: ثمَّ أَمرهم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم أَن يجْعَلُوا السهْم فِي الثمد الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ:(فَأخْرج سَهْما من كِنَانَته فَأعْطَاهُ رجلا من أَصْحَابه، فَنزل قليباً من تِلْكَ الْقلب فغرزه من جَوْفه، فَجَاشَ بِالرَّوَاءِ) . وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: إِن الَّذِي نزل فِي القليب بِسَهْم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم نَاجِية بن جُنْدُب سائق بدن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: قَالَ: وَقد زعم بعض أهل الْعلم: كَانَ الْبَراء بن عَازِب، يَقُول: أَنا الَّذِي نزلت بِسَهْم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم. وروى الْوَاقِدِيّ من طَرِيق خَالِد بن عبَادَة الْغِفَارِيّ، قَالَ:(أَنا الَّذِي نزلت بِالسَّهْمِ)، والتوفيق بَين هَذِه الرِّوَايَات أَن يُقَال: إِن هَؤُلَاءِ تعاونوا فِي النُّزُول فِي القليب. قَوْله: (يَجِيش لَهُم بِالريِّ)، أَي: يفور، ومادته: جِيم وياء آخر الْحُرُوف وشين مُعْجمَة، قَالَ ابْن سَيّده: جَاشَتْ تجيش جَيْشًا وجيوشاً وجيشاناً، وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول: جَاشَتْ بِغَيْر همزَة، فارت، وبهمزة: ارْتَفَعت، والري بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا، مَا يرويهم. فَإِن قلت: سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب فِي قصَّة الْحُدَيْبِيَة: أَنه، عليه الصلاة والسلام، جلس على الْبِئْر ثمَّ دَعَا بِإِنَاء فَتَمَضْمَض، ودعا وصبه فِيهَا، ثمَّ قَالَ: دَعُوهَا سَاعَة، ثمَّ إِنَّهُم ارتووا وَبعد ذَلِك قلت: لَا مَانع من كَون وُقُوع الْأَمريْنِ مَعًا، وَقد روى الْوَاقِدِيّ من طَرِيق أَوْس بن خولي أَنه، صلى الله عليه وسلم، تَوَضَّأ فِي الدَّلْو ثمَّ أفرغه فِيهَا وانتزع السهْم فَوَضعه فِيهَا، وَهَكَذَا ذكر أَبُو الْأسود فِي رِوَايَته عَن عُرْوَة أَنه صلى الله عليه وسلم تمضمض فِي دلو وصبه فِي الْبِئْر وَنزع سَهْما من كِنَانَته فَأَلْقَاهُ فِيهَا، ودعا ففارت، وَهَذِه الْقِصَّة غير الْقِصَّة الْآتِيَة فِي الْمَغَازِي أَيْضا من حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: عَطش النَّاس بِالْحُدَيْبِية وَبَين يَدي رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، ركوة، فَتَوَضَّأ مِنْهَا فَوضع يَده فِيهَا، فَجعل المَاء يفور من بَين أَصَابِعه
…
الحَدِيث، وَكَأن ذَلِك كَانَ قبل قصَّة الْبِئْر. قَوْله: فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَبينا هم كَذَلِك، بِدُونِ الْمِيم. قَوْله:(بديل بن وَرْقَاء) بديل، بِضَم الْبَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وورقاء بِالْقَافِ، مؤنث الأورق الْخُزَاعِيّ، قَالَ أَبُو عمر: أسلم يَوْم الْفَتْح بمر الظهْرَان وَشهد حنيناً والطائف وتبوك، وَكَانَ من كبار مسلمة الْفَتْح، وَقيل: أسلم قبل ذَلِك وَتُوفِّي فِي حَيَاة سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ ابْن حبَان: وَكَانَ سيد قومه، وَكَانَ من دهاة الْعَرَب. قَوْله:(فِي نفر من قومه)، ذكر الْوَاقِدِيّ مِنْهُم عَمْرو بن سَالم وخراش بن أُميَّة فِي رِوَايَة الْأسود عَن عُرْوَة مِنْهُم خَارِجَة بن كرز وَيزِيد بن أُميَّة. قَوْله:(وَكَانُوا عَيْبَة نصح رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم العيبة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهِي فِي الأَصْل مَا يوضع فِيهِ الثِّيَاب لحفظها، وَالْمرَاد بهَا هُنَا: مَوضِع سره وأمانته، شبه الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ مستودع سره بالعيبة الَّتِي هِيَ مستودع الثِّيَاب، أَي: مَحل نصحه وَمَوْضِع أسراره، والنصح بِضَم النُّون، وَحكى ابْن التِّين فتحهَا على أَنه مصدر من نصخ ينصح نصحاً بِالْفَتْح. قلت: هُوَ بِالضَّمِّ اسْم، وَأَصله فِي اللُّغَة الخلوص، يُقَال: نَصَحته وَنَصَحْت لَهُ ونصح رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، عبارَة عَن التَّصْدِيق بنبوته ورسالته والانقياد لما أَمر بِهِ وَنهى عَنهُ. قَوْله: (من أهل تهَامَة) لبَيَان الْجِنْس، لِأَن خُزَاعَة كَانُوا من جملَة أهل تهَامَة، وتهامة، بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: وَهِي مَكَّة وَمَا حولهَا من الْبلدَانِ. وحدَّها من جِهَة الْمَدِينَة، العرج، ومنتهاها إِلَى أقْصَى الْيمن، وَيُقَال: تهَامَة إسم لكل مَا نزل من نجد، واشتقاقه من التهم وَهُوَ شدَّة الْحر وركود الرّيح، يُقَال: أتهم إِذا أَتَى تهَامَة. كَمَا يُقَال: أنجد إِذا أَتَى نجداً. قَوْله: (كَعْب بن لؤَي وعامر بن لؤَي) بِضَم اللَّام وَفتح الْهمزَة وَشدَّة الْيَاء، إِنَّمَا اقْتصر على ذكر هذَيْن لكَون قُرَيْش الَّذين كَانُوا بِمَكَّة أجمع يرجع أنسابهم إِلَيْهِمَا، وَلم يكن بِمَكَّة مِنْهُم أحد، وَكَذَلِكَ قُرَيْش
الظَّوَاهِر الَّذين مِنْهُم بَنو تَمِيم بن غَالب ومحارب بن فهر. قَوْله: (على أعداد مياه الْحُدَيْبِيَة) الْأَعْدَاد، بِالْفَتْح جمع: عد، بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد، وَهُوَ المَاء الَّذِي لَا انْقِطَاع لَهُ، يُقَال: مَاء عد، ومياه أعداد، قَالَ ابْن قرقول مثل: ند وأنداد، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ مَوضِع بِمَكَّة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَهُوَ ذُهُول مِنْهُ. قَوْله:(وَمَعَهُمْ العوذ المطافيل) ، العوذ بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو، وَفِي آخِره ذال مُعْجمَة: جمع عَائِذ، وَهِي النَّاقة الَّتِي مَعهَا وَلَدهَا، والمطافيل: الْأُمَّهَات اللَّاتِي مَعهَا أطفالها. قَالَ السُّهيْلي: يُرِيد أَنهم خَرجُوا بذوات الألبان ويتزودون بألبانها وَلَا يرجعُونَ حَتَّى يناجزوا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فِي زعمهم، وَإِنَّمَا قيل للناقة: عَائِذ، وَإِن كَانَ الْوَلَد هُوَ الَّذِي يعوذ بهَا لِأَنَّهَا عاطف عَلَيْهِ، كَمَا قَالُوا: تِجَارَة رابحة، وَإِن كَانَت مربوحاً فِيهَا، لِأَنَّهَا فِي معنى نامية زاكية. وَقَالَ الْخطابِيّ: العوذ الحديثات النِّتَاج، وَقَالَ ابْن التِّين: يجمع أَيْضا على عيذان. مثل: رَاع ورعيان. قلت: هَذَا التَّمْثِيل غير صَحِيح لِأَن: عائذاً، أجوف واوي، و: الرَّاعِي، نَاقص يائي. وَقَالَ الدَّاودِيّ: العوذ: سراة الرِّجَال، قَالَ ابْن التِّين: وَهُوَ ذُهُول، وَقيل: هِيَ النَّاقة الَّتِي لَهَا سبع لَيَال مُنْذُ ولدت، وَقيل: عشرَة، وَقيل: خمس عشرَة ثمَّ هِيَ مطفل بعد ذَلِك، وَقيل: النِّسَاء مَعَ الْأَوْلَاد، وَقيل: النوق مَعَ فصلائها، وَهَذَا هُوَ أَصْلهَا وَقَالَ ابْن الْأَثِير: جاؤا بالعوذ المطافيل أَي: الْإِبِل مَعَ أَوْلَادهَا. المطفل: النَّاقة الْقَرِيبَة الْعَهْد بالنتاج مَعهَا طفلها، يُقَال: أطفلت فَهِيَ مطفل ومطفلة، وَالْجمع: مطافل ومطافيل، بالإشباع يُرِيد أَنهم جاؤا بأجمعهم كبارهم وصغارهم وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن سعد: مَعَهم العوذ المطافيل وَالنِّسَاء وَالصبيان. قَوْله: (وصادُّوكَ)، أَي: مانعوك، أَصله صادون: فَلَمَّا أضيف إِلَى كَاف الْخطاب حذفت النُّون، وَأَصله: صادٍ دُون، فأدغمت الدَّال فِي الدَّال. قَوْله:(قد نهكتهم الْحَرْب)، بِفَتْح النُّون وَكسر الْهَاء وَفتحهَا: أَي بلغت فيهم الْحَرْب وأضرت بهم وهزلتهم. قَوْله: (ماددتهم، أَي: ضربت مَعَهم مُدَّة للصلح. قَوْله: (ويخلوا بيني وَبَين النَّاس)، أَي: من كفار الْعَرَب وَغَيرهم. قَوْله: (فَإِن أظهر)، قَالَ ابْن التِّين وَقع فِي بعض الْكتب بِالْوَاو وَهُوَ بِالْجَزْمِ أَي: إِن غلبت عَلَيْهِم. قَوْله: (فَإِن شاؤا) ، شَرط مَعْطُوف على الشَّرْط الأول، وَجَوَاب الشَّرْطَيْنِ. قَوْله:(فعلوا) . قَوْله: (وإلَاّ)، أَي: وَإِن لم أظهر، أَي: وَإِن لم أغلب عَلَيْهِم (فقد جموا) بِالْجِيم الْمَفْتُوحَة وَضم الْمِيم الْمُشَدّدَة، أَي: استراحوا من جهد الْحَرْب، وَقد فسر بَعضهم هَذَا الْكَلَام: بقوله: إِن ظهر غَيرهم عَليّ كفاهم المؤونة، وَإِن أظهر أَنا فَإِن شاؤا أطاعوني وإلَاّ فَلَا تَنْقَضِي مُدَّة الصُّلْح إلَاّ وَقد جموا. انْتهى. قلت: من لَهُ إِدْرَاك فِي حل التراكيب ينظر فِيهِ: هَل هَذَا التَّفْسِير الَّذِي فسره يُطَابق هَذَا الْكَلَام أم لَا؟ فَإِن قلت: مَا معنى ترديده صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا مَعَ أَنه جازم بِأَن الله تَعَالَى سينصره ويظهره عَلَيْهِم. قلت: هَذَا على طَرِيق التنزل مَعَ الْخصم، وعَلى سَبِيل الْفَرْض، ولمجاراة مَعَهم بزعمهم. وَقَالَ بَعضهم: ولهذه النُّكْتَة حذف القسيم الأول وَهُوَ التَّصْرِيح بِظُهُور غَيره عَلَيْهِ. قلت: وَقع التَّصْرِيح بِهِ فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَلَفظه: فَإِن أصابوني كَانَ الَّذِي أَرَادوا. قَوْله: (حَتَّى تنفرد سالفتي) بِالسِّين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام أَي: حَتَّى ينْفَصل مقدم عنقِي، أَي: حَتَّى أقتل. وَقَالَ الْخطابِيّ: أَي: حَتَّى يبين عنقِي، والسالفة مقدم الْعُنُق، وَقيل: صفحة الْعُنُق. وَفِي (الْمُحكم) : السالفة أَعلَى الْعُنُق. وَقَالَ الدَّاودِيّ: المُرَاد الْمَوْت، أَي: حَتَّى أَمُوت وَأبقى مُنْفَردا فِي قَبْرِي. قَوْله: (ولينفذن الله) بِضَم الْيَاء وَكسر الْفَاء أَي: ليمضين الله أمره فِي نصر دينه ويظهره وَإِن كَرهُوا. قَوْله: (فَقَالَ سفهاؤهم)، سمى الْوَاقِدِيّ مِنْهُم: عِكْرِمَة بن أبي جهل وَالْحكم بن أبي الْعَاصِ. قَوْله: (فَقَامَ عُرْوَة بن مَسْعُود) أَي: ابْن معتب، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة الثَّقَفِيّ، أسلم بعد ذَلِك وَرجع إِلَى قومه ودعاهم إِلَى الْإِسْلَام فَقَتَلُوهُ، فَقَالَ وَمِنْهَا:: مثله كَمثل صَاحب يَس فِي قومه، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: إِن مَجِيء عُرْوَة قبل قصَّة مَجِيء سُهَيْل بن عَمْرو، وَالله أعلم. قَوْله:(أَي قوم) أَي: يَا قومِي. قَوْله: (ألستم بالوالد؟) أَي: بِمثل الْوَالِد فِي الشَّفَقَة والمحبة. قَوْله: (أَو لَسْتُم بِالْوَلَدِ؟) أَي: مثل الْوَلَد فِي النصح لوالده، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: ألستم بِالْوَلَدِ وألست بالوالد؟ (قَالُوا: بلَى) وَالصَّوَاب هُوَ الأول. وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَأحمد وَغَيرهمَا، وَزَاد إِبْنِ إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ: إِن أم عُرْوَة هِيَ سبيعة بنت عبد شمس بن عبد منَاف. قَوْله: (فَهَل تتهموني؟) أَي: قَالَ عُرْوَة: تنسبوني إِلَى التُّهْمَة؟ قَالُوا: لَا، لِأَنَّهُ كَانَ سيداً مُطَاعًا لَيْسَ بمتهم. قَوْله:(إِنِّي استنفرت أهل عكاظ)، أَي: دعوتهم إِلَى نصركم وعكاظ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْكَاف وبالظاء الْمُعْجَمَة: وَهُوَ اسْم سوق بِنَاحِيَة مَكَّة كَانَت الْعَرَب تَجْتَمِع بهَا فِي كل سنة مرّة. قَوْله: (فلمَّا بلَّحُوا عَليّ) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد اللَاّم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: عجزوا، يُقَال: بلَّح الْفرس إِذا أعيى ووقف، وَقَالَ ابْن قرقول: وَتَخْفِيف اللَّام، قَالَ لُغَة الأغشى، واشتكى الأوصال مِنْهُ وبلح. وَقَالَ الْخطابِيّ:
بلّحوا: امْتَنعُوا، يُقَال: بلَّح الْغَرِيم إِذا قَامَ عَلَيْك فَلم يؤد حَقك، وبلَّحْت الْبركَة إِذا انْقَطع مَاؤُهَا. قَوْله:(قد عرض لكم) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: قد عرض عَلَيْكُم. قَوْله: (خطة رشد) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة، والرشد، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَبِفَتْحِهَا أَي: خصْلَة خير وَصَلَاح، وإنصاف، وَيُقَال: خُذ خطة الْإِنْصَاف أَي: انتصف. قَوْله: (آتيه)، بِالْيَاءِ على الِاسْتِئْنَاف أَي: أَنا آتيه، وَيجوز: أته، بِالْجَزْمِ جَوَابا لِلْأَمْرِ. قَوْله:(قَالُوا: ائته) هَذَا أَمر من: أَتَى يَأْتِي، وَالْأَمر مِنْهُ يَأْتِي بهمزتين أحداهما همزَة الْكَلِمَة وَالْأُخْرَى همزَة الْوَصْل فحذفت همزَة الْكَلِمَة للتَّخْفِيف، وَقَالَ بَعضهم: قَالُوا: ائته، بِأَلف وصل بعْدهَا همزَة سَاكِنة ثمَّ مثناة مَكْسُورَة ثمَّ هَاء سَاكِنة، وَيجوز كسرهَا. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لَا يُقَال ألف الْوَصْل، وَإِنَّمَا يُقَال: همزَة الْوَصْل، لِأَن الْألف لَا تقبل الْحَرَكَة، وَلَا يجوز تسكين الْهَاء إلَاّ عِنْد الْوَقْف لِأَنَّهَا هَاء الضَّمِير وَلَيْسَت بهاء السكت حَتَّى تكون سَاكِنة، وَكَيف يَقُول: وَيجوز كسرهَا؟ بل كسرهَا مُتَعَيّن فِي الأَصْل. قَوْله: (نَحوا من قَوْله لبديل) . وَزَاد ابْن إِسْحَاق: وَأخْبرهُ أَنه لم يَأْتِ، يُرِيد حَربًا. قَوْله:(فَقَالَ عُرْوَة عِنْد ذَلِك) أَي: عِنْد قَوْله: لأقاتلنهم. قَوْله: (أَي مُحَمَّد) أَي: يَا مُحَمَّد. قَوْله: (أَرَأَيْت؟) أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: (إِن استأصلت أَمر قَوْمك) من الاستئصال وَهُوَ الِاسْتِهْلَاك بِالْكُلِّيَّةِ. قَوْله: (اجتاح) بجيم وَفِي آخِره حاء مُهْملَة، وَمَعْنَاهُ: استأصل. قَوْله: (وَإِن تكن الْأُخْرَى) جَزَاؤُهُ مَحْذُوف تَقْدِيره: وَإِن تكن الدولة لقَوْمك فَلَا يخفى مَا يَفْعَلُونَ بكم، وَفِيه رِعَايَة الْأَدَب مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، حَيْثُ لم يُصَرح إلَاّ بشق غالبيته، وَلَفظ، فَأَنِّي، كالتعليل لظُهُور شقّ المغلوبية. قَوْله:(وُجُوهًا)، أَي: أَعْيَان النَّاس. قَوْله: (أشواباً) بِتَقْدِيم الشين الْمُعْجَمَة على الْوَاو. قَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد الأخلاط من النَّاس. قَالَ: والشوب الْخَلْط، ويروى: أوشاباً، بِتَقْدِيم الْوَاو على الشين، وَهُوَ مثله يُقَال: هم أوشاب وأشابات: إِذا كَانُوا من قبائل شَتَّى مُخْتَلفين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: أوباشاً، وهم الأخلاط من السفلة. وَقَالَ الدَّاودِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى: الأوشاب: أرذل النَّاس، وَعَن الْقَزاز مثل الأوباش. قَوْله:(خليقاً) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْقَاف، أَي: حَقِيقا وزنا وَمعنى، يُقَال: خليق للْوَاحِد وَالْجمع، فَلذَلِك وَقع صفة لأشواب ويروى: خلقاء، بِالْجمعِ. قَوْله:(أَن يَفروا)، أَي: بِأَن يَفروا ويدعوك: أَي يتركوك، بِفَتْح الدَّال وَهُوَ من الْأَفْعَال الَّتِي أمات الْعَرَب ماضيها، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن الْعَادة جرت أَن الجيوش المجتمعة من أخلاط النَّاس لَا يُؤمن عَلَيْهِم الْفِرَار، بِخِلَاف من كَانَ من قَبيلَة وَاحِدَة، فَإِنَّهُم يأنفون الْفِرَار فِي الْعَادة، وَفَاتَ عُرْوَة الْعلم بِأَن مَوَدَّة الْإِسْلَام أعظم من مَوَدَّة الْقَرَابَة. قَوْله:(فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: وَأَبُو بكر الصّديق خلف رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، قَاعد، فَقَالَ لَهُ، أَي: لعروة: (امصص بظر اللات) ويروى عَن الزُّهْرِيّ: وَهِي طاغيته، أَي: اللات طاغية عُرْوَة الَّتِي تعبد، وامصص: بِفَتْح الصَّاد الأولى، أَمر من: مصص يمصص، من بَاب: علم يعلم، كَذَا قَيده الْأصيلِيّ، وَقَالَ ابْن قرقول: هُوَ الصَّوَاب من مص يمص، وَهُوَ أصل مطرد فِي المضاعف مَفْتُوح الثَّانِي، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: ضم الصَّاد الأولى حكى عَنهُ ابْن التِّين وخطأها. والبظر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الظَّاء الْمُعْجَمَة: قِطْعَة تبقى بعد الْخِتَان فِي فرج الْمَرْأَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ عنة عِنْد شفري الْفرج لم تخْفض. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هِيَ الهنة الَّتِي تقطعها الخافضة من فرج الْمَرْأَة عِنْد الْخِتَان. قلت: قَول الْكرْمَانِي: عِنْد شفري الْفرج، لَيْسَ كَذَلِك، بل البظر بَين شفريها، وَكَذَا قَالَ فِي (الْمغرب) : بظر الْمَرْأَة هنة بَين شفري رَحمهَا، وَقَالَ أَبُو عبيد: البظارة مَا بَين الأسكتين، وهما جانبا الْحيَاء، وَقَالَ أَبُو زيد: هُوَ البظر، وَقَالَ ابْن مَالك: هُوَ البنظر، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: البيظرة مَا تقطعه الخاتنة من الْجَارِيَة ذكره فِي (الْمُخَصّص) وَفِي (الْمُحكم) : البظر مَا بَين الأسكتين، وَالْجمع: بظور، وَهُوَ البيظر والبيظارة، وَامْرَأَة بظراء: طَوِيلَة البظر، وَالِاسْم: البظر، وَلَا فعل لَهُ، والبظر: الخاتن كَأَنَّهُ على السَّلب، وَرجل أبظر لم يختتن. وَقَالَ ابْن التِّين: هِيَ كلمة تَقُولهَا الْعَرَب عِنْد الذَّم والمشاتمة، لَكِن تَقول: بظر أمه، واستعار أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ذَلِك فِي اللات لتعظيمهم إِيَّاهَا، وَحمل أَبَا بكر على ذَلِك مَا أغضبهُ بِهِ من نِسْبَة الْمُسلمين إِلَى الْفِرَار. قَوْله:(أَنَحْنُ نفر؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار. قَوْله: (من ذَا؟) قَالُوا: أَبُو بكر. وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَقَالَ: من هَذَا يَا مُحَمَّد؟ قَالَ: ابْن أبي قُحَافَة. قَوْله: (إِمَّا هُوَ) حرف استفتاح. قَوْله: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ)، يدل على أَن الْقسم بِذَاكَ كَانَ عَادَة الْعَرَب. قَوْله:(لَوْلَا يَد)، أَي: نعْمَة ومنة. قَوْله: (لم أجزك بهَا) أَي: لم أكافِكَ، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: وَلَكِن هَذِه بهَا، أَي: جازاه بِعَدَمِ
إجَابَته عَن شَتمه بِيَدِهِ الَّتِي كَانَ أحسن إِلَيْهِ بهَا، وَجَاء عَن الزُّهْرِيّ بَيَان الْيَد الْمَذْكُورَة، وَهُوَ أَن عُرْوَة كَانَ تحمل بدية فأعانه فِيهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بعون حسن، وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: عشر قَلَائِص. قَوْله: (فَكلما تكلم)، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ والكشميهني: فَكلما كَلمه أَخذ بلحيته، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَجعل يتَنَاوَل لحية النَّبِي، صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يكلمهُ. قَوْله:(والمغيرة بن شُعْبَة قَائِم)، وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة: أَن الْمُغيرَة، لما رأى عُرْوَة بن مَسْعُود مُقبلا، لبس لأمته وَجعل على رَأسه المغفر ليستخفي من عُرْوَة عَمه. قَوْله:(بنعل السَّيْف)، وَهُوَ مَا يكون أَسْفَل القراب من فضَّة أَو غَيرهَا. قَوْله:(أخر) أَمر من التَّأْخِير، وَزَاد ابْن إِسْحَاق فِي رِوَايَته: قبل أَن لَا تصل إِلَيْك، وَفِي رِوَايَة عُرْوَة بن الزبير: فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُشْرِكٍ أَن يمسهُ، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق، فَيَقُول عُرْوَة: وَيحك مَا أفظك وأغلظك؟ وَكَانَت عَادَة الْعَرَب أَن يتَنَاوَل الرجل لحية من يكلمهُ، وَلَا سِيمَا عِنْد الملاطفة، وَيُقَال: عَادَة الْعَرَب أَنهم يستعملونه كثيرا، يُرِيدُونَ بذلك التحبب والتواصل، وَحكي عَن بعض الْعَجم فعل ذَلِك أَيْضا، وَأكْثر الْعَرَب فعلا لذَلِك أهل الْيمن، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُغيرَة يمنعهُ من ذَلِك إعظاماً لسيدنا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وإكباراً لقدره، إِذْ كَانَ إِنَّمَا يفعل ذَلِك الرجل بنظيره دون الرؤساء، وَكَانَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم لم يمنعهُ من ذَلِك تألفاً لَهُ واستمالة لِقَلْبِهِ وقلب أَصْحَابه. قَوْله:(فَقَالَ: من هَذَا؟ قَالُوا: الْمُغيرَة) وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة بن الزبير: فَلَمَّا أَكثر الْمُغيرَة مِمَّا يقرع يَده غضب، وَقَالَ:(لَيْت شعري من هَذَا الَّذِي قد آذَانِي من بَين أَصْحَابك، وَالله لَا أَحسب فِيكُم ألأم مِنْهُ وَلَا أشر منزلَة؟) وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَتَبَسَّمَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لَهُ عُرْوَة:(من هَذَا يَا مُحَمَّد؟) قَالَ: هَذَا ابْن أَخِيك الْمُغيرَة بن شُعْبَة. قَوْله: (فَقَالَ: أَي غدر) أَي: فَقَالَ عُرْوَة مُخَاطبا للْمُغِيرَة: يَا غدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة على وزن: عمر، معدول عَن: غادر، مُبَالغَة فِي وَصفه بالغدر. قَوْله:(أَلَسْت أسعى فِي غدرتك)، أَي: أَلَسْت أسعى فِي دفع شَرّ جنايتك ببذل المَال وَنَحْوه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَكَانَ بَينهمَا قرَابَة. قلت: قد ذكرنَا أَنه كَانَ ابْن أخي عُرْوَة، وَكَأن الْكرْمَانِي لم يطلع على هَذَا، فَلهَذَا أبهمه. وَفِي الْمَغَازِي: عُرْوَة؟ وَالله مَا غسلت يَدي من غدرتك، وَلَقَد أورثتنا الْعَدَاوَة فِي ثَقِيف. وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: وَهل غسلت سوأتك إلَاّ بالْأَمْس؟ قَوْله: (وَكَانَ الْمُغيرَة صحب قوما فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَتلهُمْ) . وَبَيَانه مَا ذكره ابْن هِشَام، وَهُوَ: أَنه خرج مَعَ ثَلَاثَة عشر نَفرا من ثَقِيف من بني مَالك، فغدر بهم فَقَتلهُمْ وَأخذ أَمْوَالهم، فتهايج الْفَرِيقَانِ: بَنو مَالك والأحلاف رَهْط الْمُغيرَة، فسعى عُرْوَة بن مَسْعُود عَم الْمُغيرَة حَتَّى أخذُوا مِنْهُ دِيَة ثَلَاثَة عشر نفسا واصطلحوا، وَذكر الْوَاقِدِيّ الْقِصَّة، وحاصلها: أَنهم كَانُوا خَرجُوا زائرين الْمُقَوْقس بِمصْر فَأحْسن إِلَيْهِم وَأَعْطَاهُمْ وَقصر بالمغيرة، فحصلت لَهُ الْغيرَة مِنْهُم، فَلَمَّا كَانُوا بِالطَّرِيقِ شربوا الْخمر، فَلَمَّا سَكِرُوا وناموا وثب الْمُغيرَة فَقَتلهُمْ وَلحق بِالْمَدِينَةِ فَأسلم. قَوْله:(أما الْإِسْلَام فَأقبل)، بِلَفْظ الْمُتَكَلّم أَي: أقبله. قَوْله: (وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء)، أَي: لَا أتعرض إِلَيْهِ لكَونه أَخذه غدراً، وَلما قدم الْمُغيرَة على رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَأسلم قَالَ لَهُ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(مَا فعل المالكيون الَّذين كَانُوا مَعَك؟) قَالَ: قَتلتهمْ وَجئْت بأسلابهم إِلَى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم ليخمس، أَو ليرى فِيهَا رَأْيه، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: أما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء، يُرِيد: فِي حل، لِأَنَّهُ علم أَن أَصله غصب، وأموال الْمُشْركين، وَإِن كَانَت مغنومة عِنْد الْقَهْر، فَلَا يحل أَخذهَا عِنْد الْأَمْن، فَإِذا كَانَ الْإِنْسَان مصاحباً لَهُم فقد أَمن كل وَاحِد مِنْهُم صَاحبه، فسفك الدِّمَاء وَأخذ الْأَمْوَال عِنْد ذَلِك غدر، والغدر بالكفار وَغَيرهم مَحْظُور. قَوْله:(فَجعل يرمق) بِضَم الْمِيم، أَي: يلحظ. قَوْله: (مَا تنخم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم نخامة) ويروى: إِن تنخم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم نخامة، وَهِي: أَن النافية مثل: مَا، و: النخامة، بِضَم النُّون الَّتِي تخرج من أقْصَى الْحلق وَمن مخرج الْخَاء الْمُعْجَمَة. قَوْله:(فدلك بهَا) أَي: بالنخامة (وَجهه وَجلده) وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق أَيْضا: وَلَا يسْقط من شعره شَيْء إلَاّ أَخَذُوهُ. قَوْله: (ابتدروا) أَمر من الإبتدار، فِي الْأَمر وَهُوَ الْإِسْرَاع فِيهِ. قَوْله:(وضوءه) بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ: المَاء الَّذِي يتوضؤ بِهِ. قَوْله: (وَمَا يحدون إِلَيْهِ النّظر) بِضَم الْيَاء وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة من: الْإِحْدَاد وَهُوَ شدَّة النّظر. قَوْله: (ووفدت على قَيْصر وكسرى وَالنَّجَاشِي) هَذَا من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام مثل قَوْله: (وفدت على الْمُلُوك) يتَنَاوَل هَؤُلَاءِ فقيصر، غير منصرف للعجمة والعلمية: وَهُوَ لقب لكل من ملك الرّوم، وكسرى، بِكَسْر الْكَاف وَفتحهَا: اسْم لكل من ملك الْفرس، وَالنَّجَاشِي: بتَخْفِيف الْجِيم وَتَشْديد الْيَاء وتخفيفها:
اسْم لكل من ملك الْحَبَشَة. قَوْله: (إِن رَأَيْت ملكا) أَي: مَا رَأَيْت ملكا، وَكلمَة: إِن، نَافِيَة. قَوْله:(فَقَالَ رجل من بني كنَانَة) وَهُوَ الْحُلَيْس، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن عَلْقَمَة الْحَارِثِيّ. قَالَ ابْن مَاكُولَا: رَئِيس الْأَحَابِيش يَوْم أحد، وَقَالَ الزبير بن بكار: سيد الْأَحَابِيش. قَوْله: (وَهُوَ من قوم يعظمون الْبدن) أَي: لَيْسُوا مِمَّن يستحلها، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{لَا تحلوا شَعَائِر الله} (الْمَائِدَة: 5) . وَكَانُوا يعظمون شَأْنهَا وَلَا يصدون من أم الْبَيْت الْحَرَام، فَأمر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم بإقامتها لَهُ من أجل علمه بتعظيمه لَهَا ليخبر بذلك قومه فيخلوا بَينه وَبَين الْبَيْت، وَالْبدن: بِضَم الْبَاء جمع بَدَنَة، وَهِي من الْإِبِل وَالْبَقر. قَوْله:(فابعثوها لَهُ) أَي: للرجل الَّذِي من كنَانَة. قَوْله: (فَبعثت) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فَاسْتَقْبلهُ النَّاس) أَي: اسْتقْبل الرجل الْكِنَانِي. قَوْله: (يلبون)، جملَة حَالية أَي: يَقُولُونَ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك إِلَى آخِره. قَوْله: (فَلَمَّا رأى ذَلِك) أَي: الْمَذْكُور من الْبدن، واستقبال النَّاس بِالتَّلْبِيَةِ قَالَ تَعَجبا: سُبْحَانَ الله. وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَلَمَّا رأى الْهَدْي يسيل عَلَيْهِ من عرض الْوَادي بقلائده قد حبس عَن مَحَله رَجَعَ وَلم يصل إِلَى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم: فَصَالح الْحُلَيْس، فَقَالَ: هَلَكت قُرَيْش وَرب الْكَعْبَة إِن الْقَوْم إِنَّمَا أَتَوا عماراً. فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم أجل يَا أَخا بني كنَانَة، فأعلمهم بذلك. فَإِن قلت: بَين هَذَا وَبَين مَا رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق مُنَافَاة؟ قلت: قيل: يحْتَمل أَن يكون خاطبه على بعد، وَالله أعلم. قَوْله:(أَن يصدوا) على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: يمنعوا. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَغَضب وَقَالَ: يَا معشر قُرَيْش! مَا على هَذَا عاقدناكم أيصد عَن بَيت الله من جَاءَ مُعظما لَهُ؟ فَقَالُوا: كف عَنَّا يَا حليس حَتَّى نَأْخُذ لأنفسنا مَا نرضى. قَوْله: (فَقَامَ رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ مكرز) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْكَاف وَفتح الرَّاء بعْدهَا زَاي: ابْن حَفْص، وَحَفْص بن الأخيف بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ الْفَاء، وَهُوَ من بني عَامر بن لؤَي. قَوْله:(وَهُوَ رجل فَاجر) وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: غادر، وَهَذَا أرجح لِأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورا بالغدر وَلم يصدر مِنْهُ فِي قصَّة الْحُدَيْبِيَة فجور ظَاهر، بل الَّذِي صدر مِنْهُ خلاف ذَلِك، يظْهر ذَلِك فِي قصَّة أبي جندل. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: أَرَادَ أَن يبيت المسلميين بِالْحُدَيْبِية فَخرج فِي خمسين رجلا، فَأَخذهُم مُحَمَّد بن مسلمة وَهُوَ على الحرس، فَانْقَلَبَ مِنْهُم مكرز. قَوْله:(فَبَيْنَمَا هُوَ يكلمهُ) أَي: بَيْنَمَا يكلم مكرز النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (إِذْ جَاءَ سُهَيْل بن عَمْرو) وَكلمَة: إِذْ، للمفاجأة، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق: دعت قُرَيْش سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالُوا: إذهب إِلَى هَذَا الرجل فَصَالحه. قَالَ: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: قد أَرَادَت قُرَيْش الصُّلْح حِين بعثت هَذَا. قَوْله: (قَالَ معمر: فَأَخْبرنِي أَيُّوب عَن عِكْرِمَة) إِلَى آخِره، هَذَا مَوْصُول إِلَى معمر بن رَاشد بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا، وَهُوَ مُرْسل، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس. قَوْله:(لقد سهل لكم من أَمركُم) ، تفاءل النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، باسم سُهَيْل بن عَمْرو على أَن أَمرهم قد سهل لَهُم. قَوْله:(قَالَ معمر: قَالَ الزُّهْرِيّ) هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَهُوَ أَيْضا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول إِلَى معمر، وَهُوَ بَقِيَّة الحَدِيث، وَإِنَّمَا اعْترض حَدِيث عِكْرِمَة فِي أَثْنَائِهِ. قَوْله:(هَات) أَمر للمفرد الْمُذكر تَقول: هاتِ يَا رجل بِكَسْر التَّاء أَي: أَعْطِنِي، وللأثنين: هاتيا، مثل: إتيا، وللجمع: هاتوا، وللمرأة: هَاتِي، بِالْيَاءِ وللمرأتين: هاتيا، وللنساء: هَاتين، مثل: عاطين. قَالَ الْخَلِيل: أصل هَات من: أَتَى يُؤْتِي، فقلبت الْألف: هَاء. قَوْله: (أكتب بَيْننَا وَبَيْنكُم كتابا) وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق: فَلَمَّا انْتهى، أَي: سُهَيْل، إِلَى النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، جرى بَينهمَا القَوْل حَتَّى وَقع بَينهمَا الصُّلْح على أَن تُوضَع الْحَرْب بَينهم عشر سِنِين، وَأَن يَأْمَن النَّاس بَعضهم بَعْضًا، وَأَن يرجع عَنْهُم عَامهمْ هَذَا، وَهَذَا الْقدر من مُدَّة الصُّلْح الَّتِي ذكرهَا ابْن إِسْحَاق هُوَ الْمُتَعَمد عَلَيْهَا، وَكَذَا جزم بِهِ ابْن سعد، وَأخرجه الْحَاكِم. فَإِن قلت: وَقع عِنْد مُوسَى بن عقبَة وَغَيره أَن الْمدَّة كَانَت سنتَيْن. قلت: قد وفْق بَينهمَا بِأَن الَّذِي قَالَه ابْن إِسْحَاق هِيَ الْمدَّة الَّتِي وَقع الصُّلْح علهيا، وَالَّذِي ذكره مُوسَى وَغَيره هِيَ الْمدَّة الَّتِي انْتهى أَمر الصُّلْح فِيهَا، حَتَّى وَقع نقضه على يَد قُرَيْش، كَمَا سَيَأْتِي بَيَان ذَلِك فِي غَزْوَة الْفَتْح، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فَإِن قلت: وَقع عِنْد ابْن عدي فِي (الْكَامِل) و (الْأَوْسَط) للطبراني من حَدِيث ابْن عمر: (أَن مُدَّة الصُّلْح كَانَت أَربع سِنِين) ؟ قلت: هَذَا ضَعِيف ومنكر ومخالف للصحيح، وَالله أعلم. قَوْله:(فَدَعَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْكَاتِب)، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: ثمَّ دَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (فَقَالَ:(أكتب: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) قَالَ سُهَيْل: (أما الرَّحْمَن فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا هُوَ) وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق: قَالَ سُهَيْل: (لَا أعرف هَذَا وَلَكِن أكتب بِاسْمِك أللهم) ، وَإِنَّمَا أنكر سُهَيْل الْبَسْمَلَة
لأَنهم كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة: بِاسْمِك أللهم، وَكَانَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فِي بَدْء الْإِسْلَام يكْتب كَذَلِك، وَهُوَ معنى قَوْله:(وَلَكِن أكتب بِاسْمِك اللَّهُمَّ) كَمَا كنت تكْتب، فَلَمَّا نزلت:{بِسم الله مجريها} (هود: 11) . كتب {بِسم الله} وَلما نزل: {ادعوا الرَّحْمَن} (الْإِسْرَاء: 71) . كتب {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} (النَّمْل: 03) . وَلما نزل {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} (النَّمْل: 03) . كتب كَذَلِك فأدركتهم حمية الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي أَوَائِل الصُّلْح فِي: بَاب كَيفَ يكْتب هَذَا مَا صَالح فلَان، وَكَذَلِكَ مضى الْكَلَام هُنَاكَ فِي سُهَيْل بن عَمْرو وَابْنه أبي جندل. قَوْله: (نطوف بِهِ) بتَشْديد الطَّاء وَالْوَاو وَأَصله نتطوف بِهِ. قَوْله: (فَقَالَ سُهَيْل (وَالله لَا) أَي: لَا يخلى بَيْنك وَبَين الْبَيْت. وَقَوله: (تَتَحَدَّث الْعَرَب) جملَة استثنافية وَلَيْسَت مدخولة: لَا، ومدخولة: لَا، محذوفة وَهِي الَّتِي قدرناها، وَبَعْضهمْ ظن أَن: لَا، دخلت على قَوْله:(تَتَحَدَّث الْعَرَب) حَتَّى قَالَ عِنْد شرح هَذَا: قَوْله: (لَا تَتَحَدَّث الْعَرَب) وَهَذَا ظن فَاسد، فَافْهَم، فَإِنَّهُ مَوضِع قَلِيل من يدْرك ذَلِك. قَوْله:(إِنَّا أَخذنَا ضغطة) أَي: قهرا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: مفاجأة، وَهُوَ مَنْصُوب على التَّمْيِيز، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال: ضغطه يضغطه ضغطاً: إِذا عصره وضيق عَلَيْهِ وقهره، وَمِنْه حَدِيث الْحُدَيْبِيَة:(إِنَّا أَخذنَا ضغطة) أَي: قهرا، يُقَال: أخذت فلَانا ضغضة، بِالضَّمِّ: إِذا ضيقت عَلَيْهِ لتكرهه على الشَّيْء. قَوْله: (فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ دخل أَبُو جندل) وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَإِن الصَّحِيفَة تكْتب إِذْ طلع أَبُو جندل، بِالْجِيم وَالنُّون على وزن جَعْفَر، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الصُّلْح وَله أَخ اسْمه: عبد الله أسلم قَدِيما وَحضر مَعَ الْمُشْركين بَدْرًا ففر مِنْهُم إِلَى الْمُسلمين، ثمَّ كَانَ مَعَهم بِالْحُدَيْبِية، وَقد اسْتشْهد بِالْيَمَامَةِ قبل أبي جندل بِمدَّة، وَوهم من جَعلهمَا وَاحِدًا. قَوْله:(يرسف فِي قيوده) أَي: يمشي مشياً بطيئاً بِسَبَب الْقَيْد، ومادته: رَاء وسين مُهْملَة وَفَاء. قَوْله: (إِنَّا لم نقض الْكتاب بعد) أَي: لم نفرغ من كِتَابَته بعد، وَهُوَ من: الْقَضَاء، بِمَعْنى: الْفَرَاغ، ويروى: لم نفض، بِالْفَاءِ وَالضَّاد من: فض ختم الْكتاب، وَهُوَ كَسره وفتحه. قَوْله:(فأجزه لي) بِصِيغَة الْأَمر من الْإِجَازَة أَي: أمض فعلي فِيهِ، وَلَا أرده إِلَيْك وَفِي (الْجمع) للحميدي: فأجزه، بالراء وَرجح ابْن الْجَوْزِيّ الزَّاي. قَوْله:(مَا أَنا بمجيزه لَك) من الْإِجَازَة أَيْضا ويروى: بمجيز ذَلِك. قَوْله: (قَالَ مكرز: بلَى قد أجزنا ذَلِك) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني بِلَفْظ: بلَى، وَفِي رِوَايَة غَيره: قَالَ مكرز بل بِحرف الإضراب. وَقَالَ بَعضهم: وَلَا يخفى مَا فِيهِ من النّظر، وَلم يذكر هُنَا مَا أجَاب بِهِ سُهَيْل مكرزاً فِي ذَلِك، قيل: لِأَن مكرزاً لم يكن مِمَّن جعل لَهُ أَمر عقد الصُّلْح، بِخِلَاف سُهَيْل، ورد على قَائِل هَذَا بِمَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيّ: أَن مكرزاً مِمَّن جَاءَ فِي الصُّلْح مَعَ سُهَيْل، وَكَانَ مَعَهُمَا حويطب بن عبد الْعُزَّى، وَذكر أَيْضا أَن مكرزاً وحويطباً أخذا أَبَا جندل فأدخلاه فسطاطاً وَكَفاهُ أَبَاهُ عَنهُ. قَوْله:(فَقَالَ أَبُو جندل: أَي معشر الْمُسلمين) أَي: يَا معشر الْمُسلمين. قَوْله: (وَقد جِئْت مُسلما) أَي: حَال كوني مُسلما، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق. فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا جندل: إصبر واحتسب فَأَنا لَا نغدر، وَإِن الله جَاعل لَك فرجا ومخرجاً. قَالَ: فَوَثَبَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَعَ أبي جندل يمشي إِلَى جنبه، وَيَقُول: اصبر فَإِنَّمَا هم الْمُشْركُونَ، وَإِنَّمَا دم أحدهم كَدم كلب. قَالَ: ويدني قَائِم السَّيْف مِنْهُ، يَقُول عمر: رَجَوْت أَن يَأْخُذهُ مني فَيضْرب بِهِ أَبَاهُ، فضن الرجل أَي: بخل بِأَبِيهِ ونفذت الْقَضِيَّة، وَقَالَ الْخطابِيّ: تَأَول الْعلمَاء مَا وَقع فِي قصَّة أبي جندل على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الله تَعَالَى قد أَبَاحَ التقية إِذا خَافَ الْهَلَاك، وَرخّص لَهُ أَن يتَكَلَّم بالْكفْر مَعَ إِضْمَار الْإِيمَان مَعَ وجود السَّبِيل إِلَى الْخَلَاص من الْمَوْت بالتقية. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه إِنَّمَا رده إِلَى أَبِيه، وَالْغَالِب أَن أَبَاهُ لَا يبلغ بِهِ للهلاك، وَإِن عذبه أَو سجنه فَلهُ مندوحة بالتقية أَيْضا، وَأما مَا يخَاف عَلَيْهِ من الْفِتْنَة فَإِن ذَلِك امتحان من الله يَبْتَلِي بِهِ صَبر عباده الْمُؤمنِينَ، وَقَالَت طَائِفَة: إِنَّمَا جَازَ رد الْمُسلمين إِلَيْهِم فِي الصُّلْح لقَوْله، صلى الله عليه وسلم: لَا تَدعُونِي قُرَيْش إِلَى خطة يعظمون بهَا الْحرم إِلَّا أَجَبْتهم، وَفِي رد الْمُسلم إِلَى مَكَّة عمَارَة للبيت وَزِيَادَة خير من صلَاته بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وطوافه بِالْبَيْتِ، فَكَانَ هَذَا من تَعْظِيم حرمات الله تَعَالَى، فعلى هَذَا يكون حكما مَخْصُوصًا بِمَكَّة وبسيدنا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَغير جَائِز لمن بعده، كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ. قَوْله:(فَقَالَ عمر بن الْخطاب: فَأتيت نَبِي الله) إِلَى آخر الْكَلَام، وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ من حَدِيث أبي سعيد، قَالَ: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لقد دخلني أَمر عَظِيم، وراجعت النَّبِي، صلى الله عليه وسلم مُرَاجعَة مَا راجعته مثلهَا قطّ، وَفِي سُورَة الْفَتْح، (فَقَالَ عمر: أَلسنا على الْحق وهم على الْبَاطِل؟ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وقتلاهم فِي النَّار؟ فعلى مَا نعطي الدنية فِي ديننَا وَنَرْجِع وَلم يحكم الله بَيْننَا؟) فَقَالَ: يَا ابْن الْخطاب
(إِنِّي رَسُول الله وَلنْ يضيعني الله، فَرجع متغيظاً وَلم يصبر جتى جَاءَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) وَأخرجه الْبَزَّار من حَدِيث عمر نَفسه مُخْتَصرا، وَلَفظه:(قَالَ عمر: اتهموا الرَّأْي على الدّين، فَلَقَد رَأَيْتنِي أرد أَمر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، برأيي وَمَا آلوت عَن الْحق) . وَفِيه: قَالَ: فَرضِي رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبيت حَتَّى قَالَ:(يَا عمر! تراني رضيت وتأبى؟) قَوْله: (فَلِمَ نعطي الدنية؟) بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَكسر النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهِي: النقيصة والخصلة الخسيسة. قَوْله: (إِذا) أَي: حِينَئِذٍ. قَوْله: (قَالَ: إِنِّي رَسُول الله وَلست أعصيه) تَنْبِيه لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَي: إِنَّمَا أفعل هَذَا من أجل مَا اطلعني الله عَلَيْهِ من حبس النَّاقة، وَإِنِّي لست أفعل ذَلِك برأيي وَإِنَّمَا هُوَ بِوَحْي. قَوْله:(قَالَ: أَيهَا الرجل) يُخَاطب بِهِ أَبَا بكر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَوْله:(إِنَّه لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي: إِن مُحَمَّدًا لَرَسول الله، ويروى: إِنَّه رَسُول الله، بِلَا لَام. قَوْله: (فَاسْتَمْسك بغرزه) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء، وبالزاي وَهُوَ فِي الأَصْل لِلْإِبِلِ بِمَنْزِلَة الركاب للسرج، أَي: صَاحبه، وَلَا تخَالفه. قَوْله:(قَالَ الزُّهْرِيّ) ، هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الرَّاوِي وَهُوَ مَوْصُول إِلَى الزُّهْرِيّ بالسند الْمَذْكُور، وَهُوَ مُنْقَطع بَين الزُّهْرِيّ وَعمر قَوْله:(فَعمِلت لذَلِك أعمالاً) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي من الْمَجِيء والذهاب وَالسُّؤَال وَالْجَوَاب، ورد عَلَيْهِ هَذَا التَّفْسِير، بل المُرَاد مِنْهُ الْأَعْمَال الصَّالِحَة ليكفر عَنهُ مَا مضى من التَّوَقُّف فِي الِامْتِثَال ابْتِدَاء، وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا مَا رُوِيَ عَنهُ التَّصْرِيح بمراده، بقوله: أعمالاً، فَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق (فَكَانَ عمر يَقُول: مَا زلت أَتصدق وَأَصُوم وأصلي وَأعْتق من الَّذِي صنعت يَوْمئِذٍ مَخَافَة كَلَامي الَّذِي تَكَلَّمت بِهِ) . وَرُوِيَ الْوَاقِدِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لقد أعتقت بِسَبَب ذَلِك رقاباً وَصمت دهراً. قَوْله: (فوَاللَّه مَا قَامَ مِنْهُم رجل) هَذَا لم يكن مِنْهُم مُخَالفَة لأَمره صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا كَانُوا ينتظرون إِحْدَاث الله تَعَالَى لرَسُوله صلى الله عليه وسلم خلاف ذَلِك، فَيتم لَهُم قَضَاء نسكهم، فَلَمَّا رَأَوْهُ جَازِمًا قد فعل النَّحْر وَالْحلق علمُوا أَنه لَيْسَ وَرَاء ذَلِك غَايَة تنْتَظر، فبادروا إِلَى الإيتمار بقوله والإيتساء بِفِعْلِهِ، وظنوا أَن أمره، عليه الصلاة والسلام، بذلك للنَّدْب. قَوْله:(فَقَالَت أم سَلمَة: يَا نَبِي الله أخرج فَلَا تكلم أحدا مِنْهُم)، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: قَالَت أم سَلمَة: يَا رَسُول الله: لَا تلمهم فَإِنَّهُم قد دخلهم أَمر عَظِيم مِمَّا أدخلت على نَفسك من الْمَشَقَّة فِي أَمر الصُّلْح، ورجوعهم بِغَيْر فتح، وَيحْتَمل أَنَّهَا فهمت عَن الصَّحَابَة أَنه احْتمل عِنْدهم أَن يكون النَّبِي، صلى الله عليه وسلم أَمرهم بالتحلل أخذا بِالرُّخْصَةِ فِي حَقهم، وَأَنه هُوَ يسْتَمر على الْإِحْرَام أخذا بالعزيمة فِي حق نَفسه، فَأَشَارَتْ عَلَيْهِ أَن يتَحَلَّل لينتفي عَنْهُم هَذَا الِاحْتِمَال، وَعرف النَّبِي، صلى الله عليه وسلم صَوَاب مَا أشارت بِهِ فَفعله، فَلَمَّا رأى الصَّحَابَة ذَلِك بَادرُوا إِلَى فعل مَا أَمرهم بِهِ، إِذْ لم يبْق بعد ذَلِك غَايَة تنْتَظر. قَوْله:(نحر بدنه)، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: هَدْيه، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ سبعين بَدَنَة، كَانَ فِيهَا جمل لأبي جهل فِي رَأسه برة من فضَّة، وليغيظ بِهِ الْمُشْركين، وَكَانَ غنمه فِي غَزْوَة بدر. قَوْله:(ودعا حالقه)، قَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: بَلغنِي أَن الَّذِي حلقه فِي ذَلِك الْيَوْم هُوَ خرَاش بن أُميَّة بن الْفضل الْخُزَاعِيّ، وخراش، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره شين مُعْجمَة. قَوْله:(غما) أَي: ازدحاماً. قَوْله: (ثمَّ جَاءَهُ نسْوَة مؤمنات)، قيل: ظَاهره أَنَّهُنَّ جئن إِلَيْهِ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا جئن إِلَيْهِ بعد فِي أثْنَاء مُدَّة الصُّلْح (فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات} (الممتحنة: 01) . قَالَ ابْن كثير: وَفِي سِيَاق البُخَارِيّ: ثمَّ جَاءَ نسْوَة مؤمنات، يَعْنِي: بعد أَن حلق رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَأنْزل الله عز وجل:{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} حَتَّى بلغ: {بعصم الكوافر} (الممتحنة: 01) . وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الصُّلْح فِي: بَاب مَا يجوز من الشُّرُوط فِي الْإِسْلَام. قَوْله: (فَجَاءَهُ أَبُو بَصِير)، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة. قَوْله:(رجل من قُرَيْش) يَعْنِي: هُوَ رجل من قُرَيْش، أَي: بِالْحلف، واسْمه: عتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقيل فِيهِ: عبيد مصغر عبد وَهُوَ وهم: ابْن أسيد، بِفَتْح الْهمزَة على الصَّحِيح: ابْن جَارِيَة، بِالْجِيم: الثَّقَفِيّ قَوْله: (وَهُوَ مُسلم) جملَة حَالية. قَوْله: (فأرسلوا فِي طلبه رجلَيْنِ) هما: خُنَيْس، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن جَابر، وَمولى لَهُ يُقَال لَهُ: كوثر، وَسَيَأْتِي فِي آخر الْبَاب أَن الْأَخْنَس بن شريق هُوَ الَّذِي أرسل فِي طلبه، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: كتب
الأحنس بن شريق والأزهر بن عبد عَوْف إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كتابا وبعثا بِهِ مَعَ مولى لَهما وَرجل من بني عَامر استأجراه ببكرين. قَوْله: (فاستله الآخر) أَي: صَاحب السَّيْف، أخرجه من غمده. قَوْله:(فأمكنه مِنْهُ) ، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فأمكنه بِهِ، أَي: بِيَدِهِ. قَوْله: (حَتَّى برد)، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء أَي: مَاتَ، وَهُوَ كِنَايَة لِأَن الْبُرُودَة لَازم الْمَوْت، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فعلاه حَتَّى قَتله. قَوْله: (وفر الآخر)، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: وَخرج الْمولى يشْتَد هرباً. قَوْله: (ذعراً)، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة أَي: فَزعًا وخوفاً. قَوْله: (قُتِلَ وَالله صَاحِبي) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق: قتل صَاحبكُم صَاحِبي. قَوْله: (وَإِنِّي لمقتول)، يَعْنِي: إِن لم تردوه عني. وَوَقع فِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة: فَرده رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمَا، فَأَوْثَقَاهُ حَتَّى إِذا كَانَا بِبَعْض الطَّرِيق نَامَا، فَتَنَاول السَّيْف بِفِيهِ، فأمَّره على الإسار فَقَطعه وَضرب أَحدهمَا بِالسَّيْفِ وَطلب الآخر فهرب. وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عِنْد ابْن عَائِذ فِي (الْمَغَازِي) : وجمز الآخر واتبَّعه أَبُو بَصِير حَتَّى دفع إِلَى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فِي أَصْحَابه وَهُوَ عاض على أَسْفَل ثَوْبه وَقد بدا طرف ذكره، والحصى يطن من تَحت قَدَمَيْهِ من شدَّة عدوه، وَأَبُو بَصِير يتبعهُ. قَوْله:(قد وَالله أوفى الله ذِمَّتك) أَي: لَيْسَ عَلَيْك عتاب مِنْهُم فِيمَا صنعت أَنا، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: وَالله قد أوفى الله، وَلَكِن الْقسم مَحْذُوف، وَالْمَذْكُور مُؤَكد لَهُ. قَوْله:(ويل أمه) ، بِضَم اللَّام وَقطع الْهمزَة وَكسر الْمِيم الْمُشَدّدَة، وَهِي كلمة: أَصْلهَا دُعَاء عَلَيْهِ، وَاسْتعْمل هُنَا للتعجب من إقدامه فِي الْحَرْب، والإيقاد لنارها وَسُرْعَة النهوض لَهَا) يرْوى:(ويلمه) ، بِحَذْف الْهمزَة تَخْفِيفًا، وَهُوَ مَنْصُوب على أَنه مفعول مُطلق، أَو هُوَ مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ ويل لأمه. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: إِذا أضفته فَلَيْسَ فِيهِ إلَاّ النصب، وَالْوَيْل يُطلق على الْعَذَاب وَالْحَرب والزجر. وَقَالَ الْفراء: وأصل قَوْلهم: ويل فلَان: وي لفُلَان، أَي: حزن لَهُ، فَكثر الإستعمال فألحقوا بهَا اللَّام فَصَارَت كَأَنَّهَا مِنْهَا، وأعربوها. وَقَالَ الْخَلِيل: إِن: وي، كلمة تعجب، وَهِي من أَسمَاء الْأَفْعَال، وَاللَّام بعْدهَا مَكْسُورَة، وَيجوز ضمهَا اتبَاعا للهمزة، وحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا. قَوْله:(مسعر حَرْب، بِكَسْر الْمِيم على لفظ الْآلَة، من الإسعار، وانتصابه على التَّمْيِيز، وَأَصله: من مسعر حَرْب، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: (محش حَرْب)، بحاء مُهْملَة وشين مُعْجمَة وَهُوَ بِمَعْنى: مسعر، وَهُوَ الْعود الَّذِي تحرّك بِهِ النَّار. قَوْله:(لَو كَانَ لَهُ أحد)، جَوَاب: لَو، مَحْذُوف أَي: لَو فرض لَهُ أحد ينصره ويعاضده. قَوْله: (سيف الْبَحْر)، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا فَاء أَي: ساحله وَعين ابْن إِسْحَاق الْمَكَان فَقَالَ: حَتَّى نزل الْعيص، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا صَاد مُهْملَة، وَكَانَ طَرِيق أهل مَكَّة إِذا قصدُوا الشَّام. قَوْله:(وينفلت مِنْهُم أَبُو جندل)، أَي: من أَبِيه وَأَهله، وَهُوَ من الإنفلات، بِالْفَاءِ وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: وَهُوَ التَّخَلُّص. فَإِن قلت: مَا النُّكْتَة فِي تَعْبِيره الْمُسْتَقْبل؟ قلت: إِرَادَة مُشَاهدَة الْحَال كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {الله الَّذِي أرسل الرِّيَاح فتثير سحاباً} (فاطر: 9) . وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة: (وانفلت أَبُو جندل فِي سبعين رَاكِبًا مُسلمين، فَلَحقُوا بِأبي بَصِير، فنزلوا قَرِيبا من ذِي الْمَرْوَة على طَرِيق عير قُرَيْش، فَقطعُوا مارَّتهم) . قَوْله: (حَتَّى اجْتمعت مِنْهُم عِصَابَة) أَي: جمَاعَة وَلَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا، وَهِي تطلق على أَرْبَعِينَ فَمَا دونهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: أَنهم بلغُوا نَحوا من سبعين نفسا، وَجزم عُرْوَة فِي (الْمَغَازِي) : بِأَنَّهُم بلغُوا سبعين، وَزعم السُّهيْلي: أَنهم بلغُوا ثَلَاثمِائَة رجل، وَزَاد عُرْوَة: فَلَحقُوا بِأبي بَصِير وكرهوا أَن يقدموا الْمَدِينَة فِي مُدَّة الْهُدْنَة خشيَة أَن يعادوا إِلَى الْمُشْركين، وسمى الْوَاقِدِيّ مِنْهُم: الْوَلِيد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَهَذَا كُله يدل على أَن الْعِصَابَة تطلق على أَكثر من أَرْبَعِينَ. قَوْله: (لَا يسمعُونَ بعير)، أَي: بِخَبَر عِير، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة: وَهِي الْقَافِلَة. قَوْله: (فَأرْسلت قُرَيْش) وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة: فأرسلوا أَبَا سُفْيَان بن حَرْب إِلَى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، يسألونه ويتضرعون إِلَيْهِ أَن يبْعَث إِلَى أبي جندل وَمن مَعَه، قَالُوا: وَمن خرج منا إِلَيْك فَهُوَ لَك. قَوْله: (يناشده) أَي: يناشد رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم (بِاللَّه وَالرحم) أَي: يسألونه بِاللَّه وبحق الْقَرَابَة. قَوْله: (لما أرسل) كلمة: لما، بتَشْديد الْمِيم هُنَا بِمَعْنى إلَاّ، أَي: إلَاّ أرسل، كَقَوْلِه تَعَالَى:{إِن كل نفس لمَّا عَلَيْهَا حَافظ} (الطارق: 4) . أَي: إلَاّ عَلَيْهَا حَافظ، وَالْمعْنَى هُنَا: لم تسْأَل قُرَيْش من رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم إلَاّ إرْسَاله إِلَى أبي بَصِير وَأَصْحَابه بالامتناع عَن إِيذَاء قُرَيْش. قَوْله: (فَمن
أَتَاهُ) أَي: من أَتَى الْكفَّار مُسلما إِلَى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم (فَهُوَ آمن) من الرَّد إِلَى قُرَيْش، فَكتب رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم إِلَى أبي بَصِير أَن يقدم عَلَيْهِ، فَقدم الْكتاب وَأَبُو بَصِير فِي النزع، فَمَاتَ وَكتاب رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فِي يَده: يَقْرَؤُهُ، فدفنه أَبُو جندل مَكَانَهُ، وَجعل عِنْد قَبره مَسْجِدا. قَوْله:(فَأنْزل الله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم بِبَطن مَكَّة بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} (الْفَتْح: 42) . حَتَّى بلغ: {الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة} (الْفَتْح: 62) . وَتَمام الْآيَة الْمَذْكُورَة {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرًا} (الْفَتْح: 42) . وَبعد هَذِه الْآيَة هُوَ قَوْله: {هم الَّذين كفرُوا وصدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْهَدْي معكوفاً أَن يبلغ مَحَله وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ وَنسَاء مؤمنات لم تعلموهم أَن تطؤهم فتصيبكم مِنْهُم معرة بِغَيْر علم ليدْخل الله فِي رَحمته من يَشَاء لَو تزيلوا لعذبنا الَّذين كفرُوا مِنْهُم عذَابا أَلِيمًا} (الْفَتْح: 52) . وَبعد هَذِه الْآيَة هُوَ قَوْله: {إِذْ جعل الَّذين كفرُوا فِي قُلُوبهم الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة} (الْفَتْح: 62) . وَهُوَ معنى قَوْله حَتَّى بلغ {الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة} (الْفَتْح: 62) . وَتَمام هَذِه الْآيَة هُوَ قَوْله: {فَأنْزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ وألزمهم كلمة التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا وَكَانَ الله بِكُل شَيْء عليماً} (الْفَتْح: 62) . قَوْله: {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم} أَي: أَيدي أهل مَكَّة، أَي: قضى بَينهم وَبَيْنكُم الْمُكَافَأَة والمحاجزة بعد مَا خولكم الظفر عَلَيْهِم وَالْغَلَبَة، وَظَاهره: أَنَّهَا نزلت فِي شَأْن أبي بَصِير، وَفِيه نظر، لِأَن نُزُولهَا فِي غَيرهَا، وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(أَن ثَمَانِينَ رجلا من أهل مَكَّة هَبَطُوا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم من جبل التَّنْعِيم متسلحين يُرِيدُونَ غرَّة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه، فَأَخذهُم واستحباهم، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة. وَعَن عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فِي الْحُدَيْبِيَة فِي أصل الشَّجَرَة الَّتِي ذكر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن، فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ خرج علينا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِم السِّلَاح، فثاروا فِي وُجُوهنَا، فَدَعَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فَأخذ الله بِأَبْصَارِهِمْ، فقمنا إِلَيْهِم فأخذناهم، فَقَالَ لَهُم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: (هَل كُنْتُم فِي عهد أحد؟ أَو جعل لكم أحد أَمَانًا؟) فَقَالُوا: (أللهم لَا) ، فخلى سبيلهم، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة. وَقيل:(كف أَيْدِيكُم) ، بِأَن أَمركُم أَن لَا تَحَارَبُوا الْمُشْركين، وكف أَيْديهم عَنْكُم بإلقاء الرعب فِي قُلُوبهم، وَقيل: بِالصُّلْحِ من الْجَانِبَيْنِ، وَعَن ابْن عَبَّاس: أظهر الله الْمُسلمين عَلَيْهِم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أدخلوهم الْبيُوت (بِبَطن مَكَّة من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} (الْفَتْح: 42) . أَي: كف أَيْدِيكُم عَن الْقِتَال بِبَطن مَكَّة فَهُوَ ظرف لِلْقِتَالِ، وبطن مَكَّة هُوَ الْحُدَيْبِيَة لِأَنَّهَا من أَرض الْحرم، وَقيل: إظفاره دُخُوله بِلَادهمْ بِغَيْر إذْنهمْ بِهِ، وَقيل: أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم بِفَتْح مَكَّة، وَقيل: بِقَضَاء الْعمرَة، وَقيل: نزلت هَذِه الْآيَة بعد فتح مَكَّة. قَوْله: {هم الَّذين كفرُوا} (الْفَتْح: 52) . يَعْنِي: قُريْشًا، وصدوكم عَام الْحُدَيْبِيَة عَن الْمَسْجِد الْحَرَام أَن تطوفوا بِهِ للْعُمْرَة. قَوْله:{وَالْهَدْي} (الْفَتْح: 52) . أَي: وصدوا الْهَدْي. قَوْله: {معكوفاً} (الْفَتْح: 52) . حَال أَي: مَمْنُوعًا: وَقيل: مَوْقُوفا {أَن يبلغ مَحَله} (الْفَتْح: 52) . أَي: منحره، وَهَذَا دَلِيل لأبي حنيفَة على أَن الْمحصر مَحل هَدْيه الْحرم. فَإِن قلت: كَيفَ حل لرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَمن مَعَه أَن ينحروا هديهم بِالْحُدَيْبِية؟ قلت: بعض الْحُدَيْبِيَة من الْحرم، وَرُوِيَ: أَن مضَارب رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم كَانَت فِي الْحل وَمُصَلَّاهُ فِي الْحرم. فَإِن قلت: قد نحر فِي الْحرم، فَلم قيل:{معكوفاً أَن يبلغ مَحَله} (الْفَتْح: 52) . قلت: المُرَاد: الْمحل الْمَعْهُود وَهُوَ منى. قَوْله: {لم تعلموهم} صفة للرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا، أَي: لم تعرفوهم بأعيانهم أَنهم مُؤمنُونَ. قَوْله: {أَن تطؤهم} بدل اشْتِمَال من الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَقيل: من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي {تعلموهم} أَي: أَن توقعوا بهم وتقتلوهم، وَالْوَطْء، والدوس عبارَة عَن الْإِيقَاع والإبادة. قَوْله:{معرة} (الْفَتْح: 52) . أَي: عيب، مفعلة من: عره إِذا دهاه مَا يكرههُ ويشق عَلَيْهِ، وَعَن ابْن زيد: إِثْم، وَعَن ابْن إِسْحَاق: غرم الدِّيَة، وَقيل: الْكَفَّارَة. قَوْله: {ليدْخل الله} (الْفَتْح: 52) . تَعْلِيل لما دلّت عَلَيْهِ الْآيَة من كف الْأَيْدِي عَن أهل مَكَّة وَالْمَنْع من قَتلهمْ صونا لمن بَين أظهرهم من الْمُؤمنِينَ. قَوْله: {لَو تزيلوا} (الْفَتْح: 52) . تميزوا أَي: تميز بَعضهم من بعض، من زاله يُزِيلهُ، وَقيل: تفَرقُوا: {لعذبنا الَّذين كفرُوا} (الْفَتْح: 52) . من أهل مَكَّة، فَيكون: من، للتَّبْعِيض وَقيل: هم الصادقون، فَيكون: من، زَائِدَة. قَوْله:{عذَابا أَلِيمًا} (الْفَتْح: 52) . أَي: بِالْقَتْلِ وَالسيف، وَيجوز: أَن يكون {لوتزيلوا} (الْفَتْح: 52) . كالتكرير: للولا رجال مُؤمنُونَ، لمرجعهما إِلَى معنى وَاحِد، وَيكون: لعذبنا، جَوَابا لَهما. قَوْله:{إِذْ جعل الَّذين كفرُوا} أَي: أذكر حِين {جعل الَّذين كفرُوا فِي قُلُوبهم الحمية} (الْفَتْح: 62) . أَي: الأنفة حمية الْجَاهِلِيَّة حِين صدوا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه عَن الْبَيْت، وَلم يقرُّوا {بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} وَلَا برسالة النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَالْحمية على وزن: فعيلة من قَول الْقَائِل: فلَان أَنَفَة يحمي حمية ومحمية، أَي: يمْتَنع. قَوْله: {فَأنْزل الله سكينته} (الْفَتْح: 62) . أَي: وقاره {على رَسُوله وعَلى
الْمُؤمنِينَ} (الْفَتْح: 52) . فتوقروا وصبروا. قَوْله: {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} (الْفَتْح: 52) . أَي: الْإِخْلَاص، وَقيل: كلمة التَّقْوَى: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، وَمُحَمّد رَسُول الله) . وَقيل:(لَا إِلَه إلَاّ الله، وَقيل: لَا إِلَه إلَاّ الله مُحَمَّد رَسُول الله) . وَعَن الْحسن: الْوَفَاء بالعهد، وَمعنى:(لَزِمَهُم: أوجب عَلَيْهِم)، وَقيل: ألزمهم الثَّبَات عَلَيْهَا، وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا من غَيرهم.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله مَعَرَّةٌ الْعُرُّ الجَرَبُ تَزَيَّلُوا إنْمازُوا الحَمِيَّةُ حَمَيْتُ أنْفي حَمِيَّةً ومَحْمِيَّةً وحَمَيْتُ المَرِيضَ حِمْيَةً وحَمَيْتُ القَوْمَ مَنَعْتُهُمْ حِمايَةً وأحْمَيْتُ الْحِمَى جَعَلْتُهُ حمى لَا يُدْخَلُ وأحْمَيْتُ الحَدِيدَ وأحْمَيْتُ الرَّجُلَ إذَا أغْضَبْتَهُ إحْمَاءً
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ، هَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَقد فسر هُنَا ثَلَاثَة أَلْفَاظ الَّتِي وَقعت فِي الْآيَات الْمَذْكُورَة، أَحدهَا: هُوَ قَوْله: (العر) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن لفظ: المعرة، الَّتِي فِي الْآيَة الْكَرِيمَة مُشْتَقَّة من: العر، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة. وَتَشْديد الرَّاء، ثمَّ فسر: العر، بالجرب، بِالْجِيم: وَقَالَ ابْن الْأَثِير: (المعرة الْأَمر الْقَبِيح الْمَكْرُوه، والأذى، وَهِي مفعلة من العر) . وَقَالَ الْجَوْهَرِي: (العر، بِالْفَتْح: الجرب، تَقول مِنْهُ: عرت الْإِبِل تعر فَهِيَ عارة، والعر، بِالضَّمِّ: قُرُوح مثل القوباء تخرج بِالْإِبِلِ مُتَفَرِّقَة فِي مشافرها وقوائمها، يسيل مِنْهَا مثل المَاء الْأَصْفَر، فتكوى الصِّحَاح لِئَلَّا تعديها المراض، تَقول مِنْهُ: عرَّت الْإِبِل فَهِيَ معرورة) . الثَّانِي: هُوَ قَوْله: (تزيلوا)، وَفَسرهُ بقوله: إنمازوا وَهُوَ من: الميز، يُقَال: مزت الشَّيْء من الشَّيْء: إِذا فرقت بَينهمَا فانماز، وامتاز وميزته فتميز. الثَّالِث: هُوَ قَوْله: (الحمية) إِلَى آخِره، وَقد ذكر فِيهِ سِتَّة مَعَاني. الأول: حميت أنفي حمية، وَهَذَا يسْتَعْمل فِي شَيْء تأنف مِنْهُ، وداخلك عَار ومصدره حمية ومحمية. فَالْأول بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، يُقَال: حمى من ذَلِك أنفًا أَي: أَخَذته الحمية، وَهِي الأنفة والغيرة. الثَّانِي: حميت الْمَرِيض أَي: الطَّعَام، ومصدره: حمية، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الْمِيم وَفتح الْيَاء وَجَاء: حموه، أَيْضا. وَالثَّالِث: حميت الْقَوْم: منعتهم من حُصُول الشَّرّ والأذى إِلَيْهِم، ومصدره: حماية، على وزن فعالة بِالْكَسْرِ. وَالرَّابِع: أحميت الْحمى، بِكَسْر الْحَاء وَفتح الْمِيم مَقْصُور لَا يدْخل فِيهِ وَلَا يقرب مِنْهُ، وَهَذَا حمى على وزن فعل، بِكَسْر الْفَاء وَفتح الْعين أَي: مَحْظُور لَا يقرب. وَالْخَامِس: أحميت الْحَدِيد فِي النَّار، فَهُوَ محمي وَلَا يُقَال: حميته. وَالسَّادِس: أحميت الرجل إِذا أغضبته، وحميت عَلَيْهِ غضِبت ومصدر الأول إحماء بِكَسْر الْهمزَة. وَله معنى سَابِع: حمى النَّهَار بِالْكَسْرِ، وَحمى التَّنور حمياً، فيهمَا أَي: اشْتَدَّ حره. وَحكى الْكسَائي: اشْتَدَّ حمى الشَّمْس وحموها بِمَعْنى. وَمعنى ثامن: حاميت على ضَيْفِي إِذا احتفلت لَهُ. وَمعنى تَاسِع: احتميت من الطَّعَام احتماء.
3372 -
وقالَ عُقَيْلٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ فأخْبَرَتْنِي عائِشَةُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَمْتَحِنُهُنَّ وبَلَغَنا أنَّهُ لَمَّا أنزَلَ الله تَعَالى {أنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أنفَقُوا عَلى منْ هاجَرَ مِنْ أزْواجِهِمْ} وحَكَمَ عَلى الْمُسْلِمِينَ أنْ لَا يُمَسِّكُوا بِعِصَم الْكَوَافِرِ أنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأتَيْنِ قَرِيبَةَ بِنْتَ أبي أُمَيَّةَ وابْنَةَ جَرْوَلٍ الخُزَاعِيِّ فتَزَوَّجَ قَرِيبَة مُعَاوِيَةُ وتَزَوَّجَ الأخْرَى أبُو جَهْمٍ فلَمَّا أبَى الكُفَّارُ أنْ يُقِرُّوا بِأدَاء مَا أنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أزْواجِهِمْ أنْزَلَ الله تَعَالَى {وإنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أزْوَاجِكُمْ إلَى الكُفَّارِ فَعاقَبْتُم} (الممتحنة: 11) . والعَقْبُ مَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ إِلَى منْ هاجَرَتِ امْرَأتُهُ مِنَ الكُفَّارِ فأمَرَ أنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنَ المُسْلِمِينَ مَا أنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِساءِ الْكُفَّارِ الَّلاتي هاجَرْنَ وَمَا نَعْلَمُ أحَداً مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إيمانِهَا وبَلَغَنا أنَّ أَبَا بَصِيرِ بنَ أسِيدٍ الثَّقَفِيَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنَاً مُهَاجِراً فِي الْمُدَّةِ فكَتَبَ الأخْنَسُ بنُ شرِيق إِلَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يَسْألُهُ أبَا بَصِيرٍ فذَكَرَ الحَدِيثَ..
قَوْله: قَالَ عقيل، بِضَم الْعين عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ
…
إِلَى آخِره تقدم مَوْصُولا بِتَمَامِهِ فِي أول الشُّرُوط، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى، وَإِنَّمَا أوردهُ هُنَا لبَيَان مَا وَقع فِي رِوَايَة معمر بن رَاشد من الإدراج. قَوْله:(كَانَ يمتحنهن) أَي: يختبرهن بِالْحلف وَالنَّظَر فِي الأمارات. قَوْله: (وبلغنا) هُوَ مقول الزُّهْرِيّ، وَكَذَا قَوْله:(وبلغنا أَن أَبَا بَصِير) إِلَى آخِره، وَالْمرَاد بِهِ: أَن قصَّة أبي بَصِير فِي رِوَايَة عقيل من مُرْسل الزُّهْرِيّ، وَفِي رِوَايَة معمر مَوْصُولَة إِلَى الْمسور، لَكِن قد تَابع معمراً على وَصلهَا ابْن إِسْحَاق، وتابع عقيلاً الْأَوْزَاعِيّ على إرسالها، وَالظَّاهِر أَن الزُّهْرِيّ كَانَ يرسلها تَارَة ويوصلها أُخْرَى. قَوْله:(من أَزوَاجهم) ويروى من أَزوَاجهنَّ، وتأويله: أَن الْإِضَافَة بَيَانِيَّة أَي: أَزوَاج هِيَ هن، وَفِيه تعسف. وَضبط (قريبَة) قد تقدم فِي الشُّرُوط، وَابْنَة جَرْوَل، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو وباللام الْخُزَاعِيّ أم عبد الله بن عمر، قيل: إسمها كُلْثُوم، وَأَبُو جهم، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْهَاء: عَامر بن حُذَيْفَة الْأمَوِي، وَقد تقدم أَن ابْنة جَرْوَل تزَوجهَا صَفْوَان بن أُميَّة، وَهنا يَقُول: تزَوجهَا أَبُو جهم، وَوَجهه: أَن الأول رِوَايَة عقيل عَن الزُّهْرِيّ، وَالثَّانِي رِوَايَة معمر عَنهُ. قَوْله:(وَإِن فاتكم) أَي: سبقكم. قَوْله: {فعاقبتم} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: من الْعقبَة وَهِي النّوبَة، شبه مَا حكم بِهِ على الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين من أَدَاء المهور بِأَمْر يتعاقبون فِيهِ، وَمَعْنَاهُ: فَجَاءَت عقبتكم من أَدَاء المهور. قَوْله: (أَن يعْطى) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقَوله:(من صدَاق) يتَعَلَّق بِهِ. وَقَوله: (وَمن ذهب) هُوَ مفعول مَا لم يسم فَاعله. وَقَوله: (وَمَا أنْفق) هُوَ الْمَفْعُول. قَوْله: (مُؤمنا) حَال، وَوَقع فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: قدم من منى، وَهُوَ تَصْحِيف، قَوْله:(مُهَاجرا) حَال، إِمَّا من الْأَحْوَال المترادفة أَو من المتداخلة. قَوْله:(فِي الْمدَّة)، أَي: فِي مُدَّة الْمُصَالحَة. قَوْله: (يسْأَله) جملَة وَقعت حَالا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث: الَّذِي مَا وَقع فِي البُخَارِيّ حَدِيث أطول مِنْهُ. فِيهِ: الْمُصَالحَة مَعَ أهل الْحَرْب على مُدَّة مُعينَة وَاخْتلفُوا فِي الْمدَّة. فَقيل: لَا تجَاوز عشر سِنِين، على مَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور، وَقيل: تجوز الزِّيَادَة، وَقيل: لَا تجَاوز أَربع سِنِين، وَقيل: ثَلَاث سِنِين، وَقيل: سنتَيْن. وَقَالَ أَصْحَابنَا يجوز الصُّلْح مَعَ الْكفَّار بِمَال يُؤْخَذ مِنْهُم أَو يدْفع إِلَيْهِم إِذا كَانَ الصُّلْح خيرا فِي حق الْمُسلمين، وَالَّذِي يُؤْخَذ مِنْهُم بِالصُّلْحِ يصرف مصارف الْجِزْيَة. وَفِيه: كِتَابَة الشُّرُوط الَّتِي تَنْعَقِد بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين وَالْإِشْهَاد عَلَيْهَا ليَكُون ذَلِك شَاهدا على من رام نقض ذَلِك وَالرُّجُوع مِنْهُ. وَفِيه: الاستتار عَن طلائع الْمُشْركين ومفاجأتهم بالجيش وَطلب غرتهم إِذا بلغتهم الدعْوَة. وَفِيه: جَوَاز التنكب عَن الطَّرِيق بالجيوش، وَإِن كَانَ فِي ذَلِك مشقة. وَفِيه: بركَة التَّيَامُن فِي الْأُمُور كلهَا. وَفِيه: أَن مَا عرض للسُّلْطَان وقواد الجيوش وَجَمِيع النَّاس مِمَّا هُوَ خَارج عَن الْعَادة يجب عَلَيْهِم أَن يتأملوه وينظروا السّنة فِي قَضَاء الله تَعَالَى فِي الْأُمَم الخالية، ويمتثلوا ويعلموا أَن ذَلِك مثل ضرب لَهُم، ونبهوا عَلَيْهِ، كَمَا امتثله الشَّارِع صلى الله عليه وسلم فِي أَمر نَاقَته وبروكها فِي قصَّة الْفِيل، لِأَنَّهَا كَانَت إِذا وجهت إِلَى مَكَّة بَركت، وَإِذا صرفت عَنْهَا مشت، كَمَا كَانَ دأب الْفِيل، وَهَذَا خَارج عَن الْعَادة، فَعلم أَن الله صرفهَا عَن مَكَّة كالفيل. وَفِيه: عَلَامَات النُّبُوَّة وبركته صلى الله عليه وسلم. وَفِيه: بركَة السِّلَاح المحمولة فِي سَبِيل الله. وَفِيه: التفاؤل من الِاسْم كَمَا سلف. وَفِيه: أَن أَصْحَاب السُّلْطَان يجب عَلَيْهِم مُرَاعَاة أمره وعونه. وَفِيه: أَن من صَالح أَو عَاقد على شَيْء بالْكلَام ثمَّ لم يوف لَهُ بِهِ أَنه بِالْخِيَارِ فِي النَّقْض. وَفِيه: جَوَاز الْمُعَارضَة فِي الْعلم حَتَّى تتبين الْمعَانِي. وَفِيه: أَن الْكَلَام مَحْمُول على الْعُمُوم حَتَّى يقوم عَلَيْهِ دَلِيل الْخُصُوص، أَلا يرى أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جمل كَلَامه على الْخُصُوص، لِأَنَّهُ طَالبه بِدُخُول الْبَيْت فِي ذَلِك الْعَام، فَأخْبرهُ أَنه لم يعده بذلك فِي ذَلِك الْعَام، بل وعده وَعدا مُطلقًا فِي الدَّهْر، حَتَّى وَقع ذَلِك، فَدلَّ على أَن الْكَلَام مَحْمُول على الْعُمُوم، حَتَّى يَأْتِي دَلِيل الْخُصُوص. وَفِيه: أَن من حلف على فعل وَلم يُوَقت وقتا أَن وقته أَيَّام حَيَاته. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: فَإِن حلف بِالطَّلَاق على فعل وَلم يُوَقت وقتا. أَن وقته أَيَّام حَيَاته، وَإِن حلف بِالطَّلَاق ليفعلن كَذَا إِلَى وَقت غير مَعْلُوم، فَقَالَت طَائِفَة: لَا يَطَأهَا حَتَّى يفعل الَّذِي حلف عَلَيْهِ، فَأَيّهمَا مَاتَ لم يَرِثهُ صَاحبه، هَذَا قَول سعيد بن الْمسيب وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَأبي عبيد. وَقَالَت طَائِفَة: إِن مَاتَ ورثته وَله وَطْؤُهَا، رُوِيَ هَذَا عَن عَطاء، وَقَالَ يحيى بن سعيد: تَرثه إِن مَاتَ، وَقَالَ مَالك: إِن مَاتَت امْرَأَته يَرِثهَا. وَقَالَ الثَّوْريّ: إِنَّمَا يَقع الْحِنْث بعد الْمَوْت، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر، وَقَالَ أَبُو ثَوْر أَيْضا: إِذا حلف وَلم يُوَقت فَهُوَ على يَمِينه حَتَّى يَمُوت، وَلَا يَقع حنث بعد الْمَوْت، فَإِذا مَاتَ لم يكن عَلَيْهِ شَيْء. وَقَالَت طَائِفَة: يضْرب لَهما أجل الْمولى: أَرْبَعَة أشهر، رُوِيَ هَذَا عَن الْقَاسِم وَسَالم، وَهُوَ قَول ربيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن قَالَ: أَنْت طَالِق إِن لم آتٍ الْبَصْرَة، فَمَاتَتْ امْرَأَته قبل أَن يَأْتِي الْبَصْرَة فَلهُ الْمِيرَاث، وَلَا يضرّهُ أَن لَا يَأْتِي الْبَصْرَة بعد، لِأَن