الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يكن أَهلا أَن يكون هَؤُلَاءِ السادات فِي خدمته. وَقَالَ الْمُهلب: فِي هَذَا الحَدِيث منقبة لمعاوية لِأَنَّهُ أول من غزا الْبَحْر، ومنقبة لوَلَده يزِيد، لِأَنَّهُ أول من غزا مَدِينَة قَيْصر. انْتهى. قلت: أَي منقبة كَانَت ليزِيد وحاله مَشْهُور؟ فَإِن قلت: قَالَ، صلى الله عليه وسلم، فِي حق هَذَا الْجَيْش: مغْفُور لَهُم. قلت: لَا يلْزم، من دُخُوله فِي ذَلِك الْعُمُوم أَن لَا يخرج بِدَلِيل خَاص، إِذْ لَا يخْتَلف أهل الْعلم أَن قَوْله، صلى الله عليه وسلم: مغْفُور لَهُم، مَشْرُوط بِأَن يَكُونُوا من أهل الْمَغْفِرَة حَتَّى لَو ارْتَدَّ وَاحِد مِمَّن غَزَاهَا بعد ذَلِك لم يدْخل فِي ذَلِك الْعُمُوم، فَدلَّ على أَن المُرَاد مغْفُور لمن وجد شَرط الْمَغْفِرَة فِيهِ مِنْهُم، وَقَيْصَر لقب هِرقل ملك الرّوم، كَمَا أَن كسْرَى لقب من ملك الْفرس، وخاقان من ملك التّرْك، وَالنَّجَاشِي من ملك الْحَبَشَة.
49 -
(بابُ قِتالِ اليَهُودِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِخْبَار النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن قتال الْيَهُود فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان، وَهُوَ أَيْضا من معجزاته، صلى الله عليه وسلم، وَالْيَهُود
…
5292 -
حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيِّ قَالَ حدَّثنا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ تُقَاتِلُونَ اليَهُودَ حتَّى يَخْتَبِيءَ أحَدُهُمْ ورَاءَ الحَجَرِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ الله هذَا يَهُودِيٌّ ورَائِي فاقْتُلْهُ.
(الحَدِيث 5292 طرفه فِي: 3953) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تقاتلون الْيَهُود) وَإِسْحَاق بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فَرْوَة أَبُو يَعْقُوب الْفَروِي، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء، فنسبته إِلَى جده الْمَذْكُور، مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
قَوْله: (تقاتلون) ، خطاب للحاضرين، وَالْمرَاد غَيرهم من أمته فَإِن هَذَا إِنَّمَا يكون إِذا نزل عِيسَى بن مَرْيَم، عليهما السلام، فَإِن الْمُسلمين يكونُونَ مَعَه وَالْيَهُود مَعَ الدَّجَّال. .
وَفِيه: إِشَارَة إِلَى بَقَاء شَرِيعَة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فَإِن عِيسَى، عليه السلام، يكون على شَرِيعَة نَبينَا صلى الله عليه وسلم. وَفِيه: معْجزَة للنَّبِي صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أخبر بِمَا سيقع عِنْد نزُول عِيسَى، عليه السلام، من تكلم الجماد والإخبار وَالْأَمر بقتل الْيَهُود وإظهاره إيَّاهُم فِي مَوَاضِع اختفائهم. قَوْله:(فَيَقُول يَا عبد الله) أَي: يَقُول الْحجر: يَا عبد الله، بِأَن ينطقه الله بذلك، وَهُوَ على كل شَيْء قدير، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون مجَازًا، لِأَنَّهُ لَا يبْقى مِنْهُم أحد فِي ذَلِك الْوَقْت، وَالْأول أولى.
6292 -
حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ أخبرَنا جَرِيرٌ عنْ عُمَارَةَ بنِ القَعْقاع عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا اليَهُودَ حتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وَرَاءَهُ اليَهُودِيُّ يَا مُسْلِمُ هَذا يَهُودِيٌّ ورَائِي فاقْتُلْهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الَّذِي يعرف بِابْن رَاهَوَيْه، وَجَرِير بن عبد الحميد، وَعمارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع، وَقد مر فِي: بَاب الْجِهَاد من الْإِيمَان، وَأَبُو زرْعَة، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْعين الْمُهْملَة: ابْن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَفِي اسْمه أَقْوَال، وَقد مر أَيْضا فِي: بَاب الْجِهَاد من الْإِيمَان.
59 -
(بابُ قِتالِ التُّرْكِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قتال الْمُسلمين مَعَ التّرْك الَّذِي هُوَ من أَشْرَاط السَّاعَة. وَاخْتلفُوا فِي أصل التّرْك، فَقَالَ الْخطابِيّ: التّرْك هم بَنو قنطوراء، وَهِي اسْم جَارِيَة كَانَت لإِبْرَاهِيم، عليه السلام، ولدت أَوْلَادًا جَاءَت من نسلهم التّرْك. وَقَالَ كرَاع: التّرْك هم الَّذين يُقَال لَهُم: الديلم، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: التّرْك هم ولد يافث، وهم أَجنَاس كَثِيرَة أَصْحَاب مدن وحصون، وَمِنْهُم فِي رُؤُوس الْجبَال والبراري لَيْسَ لَهُم عمل سوى الصَّيْد، وَمن لم يصد ودج دَابَّته وصيره فِي مصران يَأْكُلهُ، ويأكلون الرخم والغربان
وَلَيْسَ لَهُم دين، وَمِنْهُم من يتدين بدين الْمَجُوسِيَّة، وهم الْأَكْثَرُونَ، وَمِنْهُم من يتهود وملكهم يلبس الْحَرِير وتاج الذَّهَب ويحتجب كثيرا وَفِيهِمْ سحرة. وَقَالَ وهب بن مُنَبّه: التّرْك بَنو عَم يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وَقيل: أصل التّرْك أَو بَعضهم من حمير، وَقيل: إِنَّهُم بقايا قوم تبع، وَمن هُنَاكَ يسمون أَوْلَادهم بأسماء الْعَرَب العاربة، فَهَؤُلَاءِ من كَانَ مثلهم يَزْعمُونَ أَنهم من الْعَرَب وألسنتهم عجمية وبلدانهم غير عَرَبِيَّة، دخلُوا إِلَى بِلَاد الْعَجم واستعجموا. وَقيل: التّرْك من ولد أفريدون بن سَام بن نوح، عليه السلام، وَسموا تركا لِأَن عبد شمس بن يشجب لما وطىء أَرض بابل أَتَى بِقوم من أحامرة ولد يافث، فاستنكر خلقهمْ وَلم يحب أَن يدخلهم فِي سبي بابل، فَقَالَ: اتركوهم، فسموا: التّرْك. وَقَالَ صاعد فِي (كتاب الطَّبَقَات) : أما التّرْك فأمة كَثِيرَة الْعدَد فخمة المملكة، ومساكنهم مَا بَين مَشَارِق خُرَاسَان من مملكة الْإِسْلَام وَبَين مغارب الصين وشمال الْهِنْد إِلَى أقْصَى الْمَعْمُور فِي الشمَال، وفضيلتهم الَّتِي برعوا فِيهَا واحرزوا خصالها الْحُرُوف ومعالجة آلاتها. قلت: التّرْك والصين والصقالبة ويأجوج وَمَأْجُوج من ولد يافث بن نوح، عليه الصلاة والسلام، بِاتِّفَاق النسابين، وَكَانَ ليافث سَبْعَة أَوْلَاد مِنْهُم ابْن يُسمى: كور، فالترك كلهم من بني كومر، وَيُقَال: التّرْك هُوَ ابْن يافث لصلبه وهم أَجنَاس كَثِيرَة ذَكَرْنَاهُمْ فِي (تاريخنا الْكَبِير) . وَقَالَ المَسْعُودِيّ فِي (مروج الذَّهَب) : فِي التّرْك استرخاء فِي المفاصل واعوجاج فِي سيقانهم ولين فِي عظامهم، حَتَّى إِن أحدهم ليرمي بالنشاب من خَلفه كرميه من قدامه، فَيصير قَفاهُ كوجهه وَوَجهه كقفاه.
7292 -
حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ قالَ سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُولُ حدَّثنا عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّ مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ أنْ تُقَاتِلُوا قَوْماً يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعْرِ وإنَّ مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ أَن تُقَاتِلُوا قَوْماً عَرَاضَ الوُجُوهِ كأنَّ وجُوهَهمُ المَجانُّ المُطْرَقَةُ.
(الحَدِيث 7292 طرفه فِي: 2953) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، لِأَن قَوْله:(رَاض الْوُجُوه) إِلَى آخِره صفة التّرْك.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَجَرِير بن حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَعَمْرو، بِالْفَتْح: ابْن تغلب، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة: الْعَبْدي، من عبد الْقَيْس، يُقَال: أَنه من النمر بن قاسط يعد فِي أهل الْبَصْرَة.
وَرِجَال الْإِسْنَاد كلهم بصريون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن سُلَيْمَان بن حَرْب. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن من أَشْرَاط السَّاعَة)، أَي: من عَلَامَات يَوْم الْقِيَامَة، والأشراط جمع شَرط، بِفَتْح الرَّاء. وَقَالَ أَبُو عبيد: وَبِه سميت شَرط اللِّسَان، لأَنهم جعلُوا لأَنْفُسِهِمْ عَلَامَات يعْرفُونَ بهَا. قَوْله:(ينتعلون بنعال الشّعْر)، مَعْنَاهُ: أَنهم يصنعون من الشّعْر حبلاً ويصنعون مِنْهَا نعالاً، وَيُقَال: مَعْنَاهُ أَن شُعُورهمْ كثيفة طَوِيلَة فَهِيَ إِذا أسدلوها كاللباس تصل إِلَى أَرجُلهم كالنعال، وَإِنَّمَا كَانَت نعَالهمْ من الشّعْر، أَو من جُلُود مشعرة لما فِي بِلَادهمْ من الثَّلج الْعَظِيم الَّذِي لَا يكون فِي غَيرهَا، وَيكون من جلد الذِّئْب وَغَيره، وَذكر الْبكْرِيّ فِي (أَخْبَار التّرْك) : كَانَ أَعينهم حدق الْجَرَاد يتخذون الدرق يربطون خيولهم بالحبل، وَفِي لفظ: حَتَّى يُقَاتل الْمُسلمُونَ التّرْك يلبسُونَ الشّعْر. انْتهى. وَهَذِه إِشَارَة إِلَى الشرابيش الَّتِي تدار عَلَيْهَا بالقندس، والقندس كلب المَاء، وَهُوَ من ذَوَات الشّعْر، وَالنعال جمع نعل، وَالشعر بِفَتْح الْعين وَكسرهَا، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي بعده ظَاهر فِي أَن الَّذين ينتعلون نعال الشّعْر غير التّرْك، وَقد وَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن عباد، قَالَ: بَلغنِي أَن أَصْحَاب بابك كَانَت نعَالهمْ الشّعْر. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه غير صَحِيح، وَلَا احتجاج بِهَذِهِ الرِّوَايَة، لِأَن كَون نعال أَصْحَاب بابك من الشّعْر لَا يُنَافِي كَونهَا للترك أَيْضا، وَلَا يفهم من ذَلِك الخصوصية بذلك لأَصْحَاب بابك، على أَنه يجوز أَن يكون أَصْحَاب بابك أَيْضا من التّرْك، لِأَن التّرْك أَجنَاس كَثِيرَة، وَخبر الْبكْرِيّ يُصَرح بِالرَّدِّ على هَذَا الْقَائِل، وأصرح من هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث بُرَيْدَة: يُقَاتِلكُمْ قوم صغَار الْأَعْين، يَعْنِي التّرْك
…
الحَدِيث، وَمَعَ هَذَا على مَا ذكره لَا تبقى مُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث أصلا، لِأَن التَّرْجَمَة بِلَفْظ التّرْك، وَإِذا كَانَ الَّذين ينتعلون نعال الشّعْر غير التّرْك يكون بَين التَّرْجَمَة
والْحَدِيث بون عَظِيم، على أَن الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة فِيهِ وَفِي الحَدِيث الَّذِي بعده كلهَا أَوْصَاف التّرْك، فَإِذا كَانَ التّرْك أجناساً كَثِيرَة لَا يلْزم أَن ينتعل كلهم نعال الشّعْر، وَأما بابك الَّذِي ذكره فَهُوَ بباءين موحدتين مفتوحتين، وَفِي آخِره كَاف يُقَال لَهُ بابك الخرمي، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة، وَكَانَ قد أظهر الزندقة وَتَبعهُ طَائِفَة فَقَوِيت شوكته فِي أَيَّام الْمَأْمُون وغلبوا على بِلَاد كَثِيرَة من بِلَاد الْعَجم إِلَى أَن قتل فِي أَيَّام المعتصم فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ خُرُوجه فِي سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ. قَوْله:(عراض الْوُجُوه)، قَالَ ابْن قرقول: أَي: سعتها. قَوْله: (المجان)، بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد النُّون جمع: مجن، بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الترس. قَوْله:(المطرقة)، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء. قَالَ الْخطابِيّ: هِيَ الَّتِي ألبست الأطرقة من الْجُلُود، وَهِي الأعشية مِنْهَا شبه عرض وُجُوههم ونتوء وجناتهم بِظُهُور الترس، والأطرقة جمع طراق، وَهُوَ جلدَة تقدر على قدر الدرقة وتلصق عَلَيْهَا. وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: شبه وُجُوههم بالترس لبسطها وتدويرها، وبالمطرقة لغلظها وَكَثْرَة لَحمهَا. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: المجان المطرقة هِيَ الَّتِي أطرقت بالعصب أَي ألبست بِهِ. وَقيل: المطرقة هِيَ الَّتِي ألبست الطراق وَهُوَ الْجلد الَّذِي يَغْشَاهُ وَيعْمل هَذَا حَتَّى يبْقى كَأَنَّهُ ترس على ترس، وَقَالَ ابْن قرقول: قَالَ بَعضهم الأصوب فِيهِ المطرقة، بتَشْديد الرَّاء، وَهُوَ مَا ركب بعضه فَوق بعض.
فَإِن قلت: هَذَا الْخَبَر من جملَة معجزات النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أخبر عَن أَمر سَيكون، فَهَل وَقع هَذَا أم سيقع؟ قلت: قد وَقع بضع ذَلِك على مَا أخبر بِهِ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فِي سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة، وَقد خرج جَيش عَظِيم من التّرْك فَقتلُوا أهل مَا وَرَاء النَّهر وَمَا دونه من جَمِيع بِلَاد خُرَاسَان، وَلم ينج مِنْهُم إلَاّ من اختفى فِي المغارات والكهوف، فهتكوا فِي بِلَاد الْإِسْلَام إِلَى أَن وصلوا إِلَى بِلَاد قهستان، فخربوا مَدِينَة الرّيّ وقزوين وأبهر وزنجان وأردبيل ومراغة كرْسِي بِلَاد إذربيجان واستأصلوا شأفة من فِي هَذِه الْبِلَاد من سَائِر الطوائف، واستباحوا النِّسَاء وذبحوا الْأَوْلَاد، ثمَّ وصلوا إِلَى الْعرَاق الثَّانِي، وَأعظم مدنه مَدِينَة أصفهان، وَقتلُوا فِيهَا من الْخَلَائق مَا لَا يُحْصى، وربطوا خيولهم إِلَى سواري الْمَسَاجِد والجوامع، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث.
وروى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: لينزلن طَائِفَة من أمتِي أَرضًا يُقَال لَهَا الْبَصْرَة، فَيَجِيء بَنو قنطوراء عراض الْوُجُوه صغَار الْعُيُون حَتَّى ينزلُوا على جسر لَهُم يُقَال لَهُ دجلة، فيفترق الْمُسلمُونَ ثَلَاث فرق: أما فرقة فتأخذ بأذناب الْإِبِل فتلحق بالبادية فَهَلَكت، وَأما فرقة فتأخذ على أَنْفسهَا فكفرت، فَهَذِهِ وَذَلِكَ سَوَاء، وَأما فرقة فيجعلون عيالاتهم خلف ظُهُورهمْ ويقاتلون، فقتلاهم شَهِيد، وَيفتح الله على بَقِيَّتهمْ.
وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث بُرَيْدَة: إِن أمتِي يَسُوقهَا قوم عراض الْوُجُوه، كَأَن وُجُوههم الجحف، ثَلَاث مَرَّات حَتَّى يلحقوهم بِجَزِيرَة الْعَرَب، قَالُوا: يَا نَبِي الله! من هم؟ قَالَ: التّرْك، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليربطن خيولهم إِلَى سواري مَسَاجِد الْمُسلمين.
8292 -
حدَّثنا سَعِيدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا يَعْقُوبُ قَالَ حدَّثنا أبي عَن صالِحٍ عنِ الأعْرَجِ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرة رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم لَا تقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا التُّرْكَ صغَارَ الأعْيُنِ حُمْرَ الوجُوهِ ذُلْفَ الأنُوفِ كأنَّ وُجُوهَهُمُ المَجانُّ المُطْرَقَةُ ولَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمَاً نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة أظهر من مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق، لِأَن فِيهِ التَّصْرِيح بِلَفْظ التّرْك.
وَسيد بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الْجرْمِي الْكُوفِي المتشيع، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَصله مدنِي سكن بالعراق، يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
قَوْله: (ذلف الأنوف)، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة جمع: الأذلف، وَهُوَ صغر الْأنف مستوى الأرنبة، وَهُوَ الفطس. وَقيل: قصر الْأنف وانبطاحه، وَرَوَاهُ بَعضهم بدال مُهْملَة، وَقَالَ ابْن قرقول: وقيدناه بِالْوَجْهَيْنِ، وبالمعجمة أَكثر. وَقيل: تشمير الْأنف عَن الشّفة، وَعَن ابْن فَارس: الذلف الأستواء فِي طرف الْأنف، وَالْعرْف تَقول: أَمْلَح النِّسَاء الذلف، والأنوف جمع أنف مثل: فلس وفلوس، وَيجمع على أنف وإناف. وَفِي (الْمُخَصّص) : هُوَ جمع المنخر، وَسمي أنفًا لتقدمه.