الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَجُلٌ فَقالَ يَا رسولَ الله أوَ يَأتِي الخَيْرُ بالشَّرِّ فسَكَتَ عَنْهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قُلْنا يُوحاى إلَيْهِ وسَكَتَ النَّاسُ كأنَّ علَى رُؤوسِهِمِ الطَّيْرَ ثُمَّ إنَّهَ مَسَحَ عنْ وَجْهِهِ الرُحَضَاءَ فَقال أيْنَ السَّائِلُ آنِفَاً أوَ خَيْرٌ هُوَ ثَلاثَاً إِن الْخَيْر لَا يَأْتِي إلَاّ بالْخَيْرِ وإنَّهُ كلَّمَا يُنْبِتُ الرَّبِيعَ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أوْ يُلِمُّ إلَاّ آكِلَةَ الخُضَرِ كلَّمَا أكلَتْ حتَّى إذاا امْتَلأتْ خاصِرَتاها اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسُ فثَلَطَتْ وبالَتْ ثُمَّ رَتعَتْ وإنَّ هذَا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ونِعْمَ صاحِبُ الْمُسْلِمِ لِمَنْ أخَذَهُ بِحَقِّهِ يَجعَلَهُ فِي سَبِيلِ الله واليَتَامى والمَساكِينِ وابنِ السَّبِيلِ ومَنْ لَمْ يأخُذْهُ بِحَقِّهِ فَهْوَ كالآكِلِ الَّذِي لَا يَشْبَعُ ويَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيداً يَوْمَ القيَامَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَجعله فِي سَبِيل الله)، وَمُحَمّد بن سِنَان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون: أَبُو بكر الْعَوْفِيّ الْبَاهِلِيّ الْأَعْمَى، وَهُوَ من أَفْرَاده. وفليح بن سُلَيْمَان، وهلال بن أبي مَيْمُونَة، وَيُقَال: هِلَال بن أبي هِلَال، وَهُوَ هِلَال بن عَليّ الفِهري الْمَدِينِيّ والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي بَاب الصَّدَقَة على الْيَتَامَى وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ فلنذكر بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.
قَوْله: (فَبَدَأَ بِإِحْدَاهُمَا) أَي: بالبركات. قَوْله: (وثنى بِالْأُخْرَى) أَي: بزهرة الدُّنْيَا. قَوْله: (أوَ يَأْتِي الْخَيْر بِالشَّرِّ؟) أَي: تصير النِّعْمَة عُقُوبَة. قَوْله: (كَأَن على رؤوسهم الطير) قَالَ الدَّاودِيّ: يَعْنِي: أَن كل وَاحِد صَار كمن على رَأسه طَائِر يُرِيد صَيْده فَلَا يَتَحَرَّك كَيْلا يطير. قَوْله: (الرحضاء)، بِضَم الرَّاء وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وبالمد: الْعرَاق الَّذِي أدره عِنْد نزُول الْوَحْي عَلَيْهِ، يُقَال: رحض الرجل إِذا أضابه ذَلِك فَهُوَ مرحوض ورحيض. قَوْله: (أوَ خيرٌ هُوَ؟) أَي: المَال هُوَ خير؟ على سَبِيل الْإِنْكَار. قَوْله: (إِن الْخَيْر لَا يَأْتِي إلَاّ بِالْخَيرِ) أَي: الْخَيْر الْحَقِيقِيّ لَا يَأْتِي إلَاّ بِالْخَيرِ، لَكِن هَذَا لَيْسَ خيرا حَقِيقِيًّا لما فِيهِ من الْفِتْنَة والإشغال عَن كَمَال الإقبال إِلَى آخِره. قَوْله: ينْبت، بِضَم الْيَاء، من: الإنبات. قَوْله: (حَبطًا) وَقعت هَذِه اللَّفْظَة فِي الْأُصُول، وَذكر ابْن التِّين أَنه مَحْذُوف، وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة والطاء الْمُهْملَة، وَهُوَ انتفاخ الْبَطن من دَاء يُصِيب الْآكِل من أكله، وانتصابه على التَّمْيِيز. وَقَالَ ابْن قرقول: حبطت الدَّابَّة إِذا أكلت المرعى حَتَّى ينتفخ جوفها فتموت. قَوْله: (أويلم) ، بِضَم الْيَاء، من: الْإِلْمَام أَي: يقرب أَن يقتل: قَوْله: (إِلَّا آكِلَة الْخضر)، أَي: إلَاّ الدَّابَّة الَّتِي تَأْكُل الْخضر فَقَط. قَوْله: (فثلطت)، أَي: النَّاقة إِذا أَلْقَت بعرها رَقِيقا. قَوْله: (خضرَة) تأنيثه إِمَّا بِاعْتِبَار أَنْوَاعه، أَو التَّاء للْمُبَالَغَة: كالعلامة، أَو مَعْنَاهُ: أَن كَانَ المَال كالبقلة الخضرة. قَوْله: (وَنعم صَاحب الْمُسلم) الْمَخْصُوص بالمدح المَال. قَوْله: (وَيكون عَلَيْهِ شَهِيدا) ، وَذَلِكَ بِأَن يَأْتِيهِ فِي صُورَة من يشْهد عَلَيْهِ بالخيانة، كَمَا يَأْتِي على صُورَة شُجَاع أَقرع.
83 -
(بابُ فَضْلِ منْ جَهَّزَ غازِياً أوْ خَلَفَهُ بِخَيْرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من جهز غازياً بِأَن هيأ لَهُ أَسبَاب سَفَره. قَوْله: (أَو خَلفه) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام، يُقَال: خلف فلَان فلَانا إِذا كَانَ خَلِيفَته. وَيُقَال: خَلفه فِي قومه خلَافَة.
3482 -
حدَّثنا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عبدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا الحُسَيْنُ قَالَ حدَّثني يَحْيَى قَالَ حدَّثني أَبُو سلَمَةَ قَالَ حدَّثني بُسْرُ بنُ سعيدٍ قَالَ حدَّثني زَيْدُ بنُ خالِدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ منْ جَهَّزَ غازِياً فِي سَبيلِ الله فَقَدْ غَزَا ومَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي سَبِيلِ الله بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فَقَوله: (من جهز غازياً)، يُطَابق الْجُزْء الأول للتَّرْجَمَة. وَقَوله:(وَمن خلف غازياً) ، يُطَابق الْجُزْء الثَّانِي لَهَا، وَأَبُو معمر عبد الله بن عَمْرو المقعد، وَقد مر عَن قريب، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَقد مر مَعَه، وَالْحُسَيْن هُوَ ابْن ذكْوَان الْمعلم، وَهَؤُلَاء كلهم بصريون، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير اليمامي الطَّائِي، وَأَبُو سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَبسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: ابْن سعيد مولى الخضرمي من أهل الْمَدِينَة، مَاتَ سنة مائَة، وَزيد بن خَالِد أَبُو عبد الرَّحْمَن الْجُهَنِيّ.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين على الْوَلَاء، وهم: يحيى وَأَبُو سَلمَة وبسرة وَأَبُو سَلمَة روى هُنَا عَن زيد بن خَالِد بِوَاسِطَة، وروى
عَنهُ بِلَا وَاسِطَة أَيْضا عِنْد أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد أَيْضا عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي، وَعَن سعيد ابْن مَنْصُور وَأبي الطَّاهِر بن السَّرْح. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أبي معمر بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أبي زَكَرِيَّاء بن درست. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد والْحَارث بن مِسْكين وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
وَرُوِيَ فِي الْبَاب عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أخرجه ابْن مَاجَه من رِوَايَة الْوَلِيد عَن عُثْمَان بن عبد الله بن سراقَة عَن عمر بن الْخطاب، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم يَقُول:(من جهز غازياً حَتَّى يسْتَقلّ كَانَ لَهُ مثل أجره حَتَّى يَمُوت أَو يرجع) . وَعَن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة رجل لم يسم عَن معَاذ بن جبل، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(من جهز غازياً أَو خَلفه فِي أَهله بِخَير فَإِنَّهُ مَعنا) . وَعَن أبي هُرَيْرَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة دَاوُد بن الْجراح عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(من جهز غازياً فِي سَبِيل الله فَلهُ مثل أجره، وَمن خَلفه فِي أَهله بِخَير فقد غزا) . وَدَاوُد مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ. وَعَن زيد بن ثَابت، أخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث بسر بن سعيد عَن زيد بن ثَابت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(من جهز غازياً فِي سَبِيل الله فَلهُ مثل أجره، وَمن خلف غازياً فِي أَهله بِخَير أَو أنْفق على أَهله فَلهُ مثل أجره. وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِيهِ من حَدِيث سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي سعيد قَالَ، عَام بني لحيان: (ليخرج من كل إثنين مِنْكُم رجل، وليخلف الْغَازِي فِي أَهله وَمَاله وَله مثل نصف أجره) . وَفِيه ابْن لَهِيعَة وَتفرد بِهِ. وَعَن سهل بن حنيف: أخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن عبد الله بن سهل بن حنيف عَن أَبِيه: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم قَالَ:(من أعَان مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله، أَو غازياً فِي عسرته، أَو مكَاتبا فِي رقبته، أظلهُ الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إلَاّ ظله) . وَعَن جبلة بن حَارِثَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) و (الْأَوْسَط) من رِوَايَة شريك عَن أبي إِسْحَاق عَن جبلة بن حَارِثَة، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، (إِذا لم يغز أعْطى سلاحه عليا أَو أُسَامَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا؟ وَعَن أبي أُمَامَة أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من رِوَايَة الْحَارِث عَن الْقَاسِم أبي عبد الرَّحْمَن عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (من لم يغز أَو يُجهز غازياً فِي أَهله بِخَير أَصَابَهُ الله بقارعة)، زَاد فِي رِوَايَة:(قبل يَوْم الْقِيَامَة) . وَعَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة مَكْحُول عَن وَاثِلَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: (مَا من أهل بَيت لَا يَغْزُو مِنْهُم غازياً أَو يُجهز غازياً بسلك أَو بإبرة أَو مَا يعدلها من الْوَرق أَو يخلفه فِي أَهله بِخَير إلَاّ أَصَابَهُم الله بقارعة قبل يَوْم الْقِيَامَة، وَإِسْنَاده ضَعِيف.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من جهز)، بتَشْديد الْهَاء: من التَّجْهِيز، وَقد ذكرنَا أَن مَعْنَاهُ: من هيأ أَسبَاب سَفَره من شَيْء قَلِيل أَو كثير، أَلا يُرى فِي حَدِيث وَاثِلَة الْمَذْكُور آنِفا قَالَ: بسلك أَو بإبرة؟ فَإِن قلت: ذكر فِي حَدِيث ابْن مَاجَه الْمَذْكُور: (حَتَّى يسْتَقلّ)، والاستقلال لَا يكون إلَاّ بِتمَام التَّجْهِيز. قلت: حَدِيث وَاثِلَة ضَعِيف، كَمَا ذكرنَا، وَلَئِن سلمنَا صِحَّته فَإِنَّهُ وَعِيد فِي ترك التَّجْهِيز أصلا، وَلَا يُعَارض غَيره. قَوْله:(فقد غزا)، قَالَ ابْن حبَان: مَعْنَاهُ أَنه مثله فِي الْأجر، وَإِن لم يغز حَقِيقَة. ثمَّ أخرجه من وَجه آخر عَن بسر بن سعيد بِلَفْظ:(كتب لَهُ مثل أجره غير أَنه لَا ينقص من أجره شَيْء) . وَقَالَ الطَّبَرِيّ فِيهِ: إِن من أعَان مُؤمنا على عمل بر فللمعين عَلَيْهِ مثل أجر الْعَامِل، وَمثله المعونة على معاصي الله، عز وجل، للمعين عَلَيْهَا من الْوزر وَالْإِثْم مثل مَا على عاملها،، وَلذَلِك نهى عَن بيع السيوف فِي الْفِتْنَة، وَلعن عاصر الْخمر. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: ذهب بعض الْأَئِمَّة إِلَى أَن الْمثل الْمَذْكُور فِي الحَدِيث وَشبهه إِنَّمَا هُوَ بِغَيْر تَضْعِيف، قَالَ: لِأَنَّهُ يجْتَمع فِي تِلْكَ الْأَشْيَاء أَفعَال أخر وأعمال من الْبر كَثِيرَة لَا يَفْعَلهَا الدَّال الَّذِي لَيْسَ عِنْده إلَاّ مُجَرّد النِّيَّة الْحَسَنَة. وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: (أَيّكُم خلف الْخَارِج فِي أَهله وَمَاله بِخَير فَلهُ مثل نصف أجر الْخَارِج) . وَقَالَ: (لينبعث من كل رجلَيْنِ أَحدهمَا وَالْأَجْر بَينهمَا) . قلت: هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَا حجَّة فِي هَذَا الحَدِيث لوَجْهَيْنِ. أَحدهمَا: أَنا نقُول بِمُوجبِه، وَذَلِكَ أَنه لم يتَنَاوَل مَحل النزاع، فَإِن الْمَطْلُوب إِنَّمَا هُوَ أَن الناوي للخير المعوق عَنهُ، هَل لَهُ مثل أجر الْفَاعِل من غير تَضْعِيف؟ وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا اقْتضى مُشَاركَة ومشاطرة فِي المضاعف فانفصلا. وَثَانِيهمَا: أَن الْقَائِم على مَال الْغَازِي