الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمقر فِي حَالَة يرد فِيهَا على الله، فَهِيَ الْحَالة الَّتِي يجْتَنب فِيهَا الْمعْصِيَة وَالظُّلم، قلت: هَذَا أَمر مبطن وَنحن لَا نحكم إلَاّ بِالظَّاهِرِ، وَأما الحَدِيث الَّذِي علقه فَهُوَ طرف من حَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {إنَّ الله يأمُرُكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الأماناتِ إِلَى أهْلِهَا} (النِّسَاء: 85) . فلَمْ يَخُصَّ وَارِثاً ولَا غَيْرَهُ
هَذَا احتجاج آخر فِيمَا ذهب إِلَيْهِ وَهُوَ بعيد جدا، وَجهه الْكرْمَانِي بقوله: فَلم يخص، أَي: لم يفرق بَين الْوَارِث وَغَيره فِي ترك الْخِيَانَة وَوُجُوب أَدَاء الْأَمَانَة إِلَيْهِ فَيصح الْإِقْرَار سَوَاء كَانَ للْوَارِث أَو لغيره. أما وَجه الْبعد. فَهُوَ أَن يُقَال: من أَيْن علم أَن ذمَّة الْمقر للْوَارِث كَانَت مَشْغُولَة حَتَّى إِذا لم يقر كَانَ خائناً؟ فَإِن قيل: إِقْرَاره عِنْد توجهه إِلَى الْآخِرَة يدل على ذَلِك، يُقَال: مَعَ هَذَا يحْتَمل تَخْصِيصه بذلك بعض الْوَرَثَة أَنه فعل ذَلِك قصدا لنفعه، وَفِي ذَلِك ضَرَر لغيره، وَالضَّرَر مَدْفُوع شرعا، وَلَئِن سلمنَا اشْتِغَال ذمَّته فِي نفس الْأَمر بِمَا أقرّ بِهِ فَهَذَا لَا يكون إلَاّ دينا مَضْمُونا فَلَا يُطلق عَلَيْهِ الْأَمَانَة، فَلَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ الْكَرِيمَة على ذَلِك، على أَن كَون الدّين فِي ذمَّته مظنون بِحَسب الظَّاهِر، وَالضَّرَر لباقي الْوَرَثَة عِنْد ذَلِك مُحَقّق، فَكيف يتْرك الْعَمَل بالمحقق وَيعْمل بالمظنون؟ .
فِيهِ عبْدُ الله بنُ عَمْرُو عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
أَي: فِي قَوْله: (آيَة الْمُنَافِق إِذا اؤتمن خَان) ، روى عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَقد ذكره فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب عَلامَة الْمُنَافِق، أخرجه عَن قبيصَة عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن عبد الله بن مرّة عَن مَسْرُوق عَن عَمْرو بن الْعَاصِ.
9472 -
حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ حدَّثنا نافِعُ بنُ مالِكِ بنِ أبِي عامِرِ أَبُو سُهَيْلٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ آيةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذا حدَّثَ كَذَبَ وإذَا ائْتُمِنَ خانَ وإذَا وعَدَ أخْلَفَ..
ذكر هَذَا الحَدِيث بطرِيق التّبعِيَّة وَالْبَيَان لقَوْله: (آيَة الْمُنَافِق إِذا اؤتمن خَان)، وَلقَوْله: فِيهِ عبد الله بن عَمْرو، وإلَاّ لَيْسَ لذكره وَجه فِي هَذَا الْبَاب، وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه إِسْنَادًا ومتناً قد مر فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب عَلامَة الْمُنَافِق.
9 -
(بابُ تَأْوِيلِ قَوْلِ الله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أوْ دَيْنٍ} (النِّسَاء:
21) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَأْوِيل قَول الله، عز وجل، فِي أَنه قدم الْوَصِيَّة فِي الذّكر على الدّين، مَعَ أَن الدّين مقدم على الْوَصِيَّة وَغَيرهَا، هَكَذَا قَالُوا، حَتَّى قَالَ بَعضهم: وَبِهَذَا يظْهر السِّرّ فِي تكْرَار هَذِه التَّرْجَمَة. قلت: قدم الله تَعَالَى الْوَصِيَّة على الدّين فِي قَوْله: {وَلكم نصف مَا ترك أزواجكم} (النِّسَاء: 21) . الْآيَة فِي موضِعين، وقدمها أَيْضا فِي الْآيَة الَّتِي قبلهَا وَهُوَ قَوْله:{يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} (النِّسَاء: 11) . وَيَنْبَغِي أَن يسْأَل عَن وَجه تَقْدِيم الْوَصِيَّة على الدّين فِي هَذِه الْمَوَاضِع، وَلَا يتَّجه هَذَا إلَاّ بترجمة غير هَذَا، وَلَا وَجه لذكر التَّأْوِيل هُنَا، لِأَن حد التَّأْوِيل لَا يصدق عَلَيْهِ، لِأَن التَّأْوِيل مَا يسْتَخْرج بِحَسب الْقَوَاعِد الْعَرَبيَّة، وَبَعض الْآيَة الَّتِي هِيَ تَرْجَمَة مفسرة، وَهَذَا ظَاهر لَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه يسْأَل عَمَّا ذَكرْنَاهُ الْآن وَذكروا فِيهِ وُجُوهًا، فَقَالَ السُّهيْلي: قدمت الْوَصِيَّة على الدّين فِي الذّكر لِأَنَّهَا إِنَّمَا تقع على سَبِيل الْبر والصلة، بِخِلَاف الدّين، لِأَنَّهُ يَقع قهرا فَكَانَت الْوَصِيَّة أفضل، فاستحقت الْبِدَايَة. وَقيل: الْوَصِيَّة تُؤْخَذ بِغَيْر عوض، بِخِلَاف الدّين فَكَانَت أشق على الْوَرَثَة من الدّين، وفيهَا مَظَنَّة التَّفْرِيط، فَكَانَت أهم فقدَّمت. وَقيل: هِيَ إنْشَاء الْمُوصي من قبل نَفسه، فَقدمت تحريضاً على الْعَمَل بهَا. وَقيل: هِيَ حَظّ فَقير ومسكين غَالِبا، وَالدّين حَظّ غَرِيم يَطْلُبهُ بِقُوَّة، وَله مقَال.
ويُذْكَرُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالدَّيْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ
هَذَا الَّذِي ذكره بِصِيغَة التمريض طرف من حَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن
أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي عَن الْحَارِث عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم:(قضى بِالدّينِ قبل الْوَصِيَّة وَأَنْتُم تقرأون الْوَصِيَّة قبل الدّين)، وَأخرجه أَحْمد أَيْضا وَلَفظه: عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قضى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم (أَن الدّين قبل الْوَصِيَّة) الحَدِيث، وَهَذَا إِسْنَاده ضَعِيف لِأَن الْحَارِث هُوَ ابْن عبد الله الْأَعْوَر، قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: سَمِعت أبي يَقُول: الْحَارِث الْأَعْوَر كَذَّاب، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يحْتَج بحَديثه، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: الْحَارِث كَذَّاب. فَإِن قلت: لَيست من عَادَة البُخَارِيّ أَن يُورد الضَّعِيف فِي مقَام الِاحْتِجَاج بِهِ. قلت: بلَى، وَلَكِن لما رأى أَن الْعلمَاء عمِلُوا بِهِ، كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم، اعْتمد عَلَيْهِ لاعتضاده بالِاتِّفَاقِ على مُقْتَضَاهُ.
وقَوْلِهِ {إنَّ الله يأمُرُكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الأماناتِ إِلَى أهْلِهَا} (النِّسَاء: 85) . فأدَاءُ الأمانَةِ أحَقُّ مِنْ تَطَوُّعِ الوَصِيَّةِ
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطفا على: قَول الله تَعَالَى، الْمَجْرُور بِإِضَافَة التَّأْوِيل إِلَيْهِ، وَذكر هَذِه الْآيَة فِي معرض الِاحْتِجَاج فِي جَوَاز إِقْرَار الْمَرِيض للْوَارِث، وَهَذَا بمعزل عَن ذَلِك على مَا لَا يخفى على أحد، وَالْآيَة نزلت فِي عُثْمَان بن طَلْحَة، قبض النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، مِفْتَاح الْكَعْبَة فَدخل الْكَعْبَة يَوْم الْفَتْح، فَخرج وَهُوَ يَتْلُو هَذِه الْآيَة، فَدفع إِلَيْهِ الْمِفْتَاح. ذكره الواحدي فِي (أَسبَاب النُّزُول) عَن مُجَاهِد.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَا صَدَقَةَ إلَاّ عنْ ظَهْرِ غِنًى
أورد هَذَا أَيْضا فِي معرض الِاحْتِجَاج فِي جَوَاز الْإِقْرَار للْوَارِث. قَالَ الْكرْمَانِي: والمديون لَيْسَ بغني فَالْوَصِيَّة الَّتِي لَهَا حكم الصَّدَقَة تعْتَبر بعد الدّين، وَأَرَادَ بِتَأْوِيل الْآيَة مثله. انْتهى. قلت: قَوْله: الْمَدْيُون لَيْسَ بغني، على إِطْلَاقه لَا يَصح، والمديون الَّذِي لَيْسَ بغني هُوَ الْمَدْيُون الْمُسْتَغْرق، وَجعل مُطلق الْمَدْيُون أصلا، ثمَّ بِنَاء الحكم عَلَيْهِ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ غير صَحِيح، وَهَذَا التَّعْلِيق مضى مُسْندًا فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب لَا صَدَقَة إلَاّ عَن ظهر غنى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: لَا يُوصِي العَبْدُ إلأ بإذْنِ أهْلِهِ
ذكر هَذَا أَيْضا فِي معرض الِاحْتِجَاج، وَفِيه نظر. قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (بِإِذن أَهله وَأَدَاء الدّين الْوَاجِب عَلَيْهِ)، قلت: يَنْبَغِي أَن تكون هَذِه الْمَسْأَلَة على التَّفْصِيل، وَهُوَ أَن العَبْد لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون مَأْذُونا لَهُ فِي التَّصَرُّفَات أَو لَا، فَإِن لم يكن فَلَا تصح وَصيته بِلَا خلاف، لِأَنَّهُ لَا يملك شَيْئا، فبماذا يُوصي؟ وَإِن كَانَ مَأْذُونا لَهُ تصح وَصيته بِإِذن الْوَلِيّ إِذا لم يكن مُسْتَغْرقا بِالدّينِ وعَلى كل حَال الِاسْتِدْلَال بأثر ابْن عَبَّاس فِيمَا ذهب إِلَيْهِ لَا يتم، وَفِيه نظر لَا يخفى، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْأَحْوَص عَن شبيب بن فرقد عَن جُنْدُب، قَالَ: سَأَلَ طهْمَان ابْن عَبَّاس: أيوصي العَبْد؟ قَالَ: لَا، إلَاّ بِإِذن أَهله.
وَقَالَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم العَبْدُ رَاعٍ فِي مالِ سَيِّدِهِ
قيل: لما تعَارض فِي مَال العَبْد حَقه وَحقّ سَيّده قدم الْأَقْوَى، وَهُوَ حق السَّيِّد، وَجعل العَبْد مولى عَنهُ، وَهُوَ أحد الْحفظَة فِيهِ، فَكَذَلِك حق الدّين لما عَارضه حق الْوَصِيَّة وَالدّين وَاجِب وَالْوَصِيَّة تطوع وَجب تَقْدِيم الدّين فَهَذَا وَجه مُنَاسبَة هَذَا الْأَثر، والْحَدِيث للتَّرْجَمَة. انْتهى. قلت: العَبْد لَا يملك شَيْئا أصلا فَكيف يثبت لَهُ المَال؟ ثمَّ كَيفَ تثبت الْمُعَارضَة بَين حَقه وَحقّ سَيّده وَلَا ثمَّة حق للْعَبد؟ وَقَوله: فَكَذَلِك حق الدّين لما عَارضه حق الْوَصِيَّة
…
إِلَى آخِره، مَمْنُوع لِأَنَّهُ هُوَ يمْنَع كَلَامه بقوله: وَالدّين وَاجِب وَالْوَصِيَّة تطوع فَكيف تتَوَجَّه الْمُعَارضَة بَين الْوَاجِب والتطوع؟ وَمَعَ هَذَا فَإِن كَانَ مُرَاد البُخَارِيّ بِهَذَا وجوب تَقْدِيم الدّين على الْوَصِيَّة فَهَذَا لَا نزاع فِيهِ، وَإِن كَانَ مُرَاده جَوَاز إِقْرَار الْمَرِيض للْوَارِث فَلَا يساعده شَيْء مِمَّا ذكره فِي هَذَا الْبَاب، والْحَدِيث الَّذِي علقه ذكره مُسْندًا فِي كتاب الْعتْق فِي: بَاب كَرَاهِيَة التطاول على الرَّقِيق.
0572 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا الأوزَاعِيُّ عنِ الزُّهْرِيَّ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ وعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ أنَّ حَكِيمَ بنَ حِزَامٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سألْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأعْطَانِي