الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لاستنقذت بَقِيَّة السَّرْح وَأخذت بأعناق الْقَوْم، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: الْآن ليغبقون فِي غطفان، وَقسم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فِي كل مائَة رجل جزوراً، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا ثمَّ رَجَعَ قَافِلًا حَتَّى قدم الْمَدِينَة. انْتهى. وَقيل: كَانَت غيبَة رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم خمس لَيَال انْتهى.
وَفِي الحَدِيث: جَوَاز الْأَخْذ بالشدة، ولقاء الْوَاحِد أَكثر من المثلين، لِأَن سَلمَة كَانَ وَحده وَألقى، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِنَفسِهِ إِلَى التَّهْلُكَة. وَفِيه: تَعْرِيف الْإِنْسَان بِنَفسِهِ فِي الْحَرْب بشجاعته وتقدمه. وَفِيه: فضل الرَّمْي، على مَا لَا يخفى.
761 -
(بابُ مَنْ قالَ: خُذْهَا وَأَنا ابنُ فُلانٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر من قَالَ عِنْد ملاقاته الْعَدو وَهُوَ يَرْمِي: خُذْهَا، أَي: الرَّمية، وتنوه باسمه، بقوله: وَأَنا ابْن فلَان، وَقَالَ ابْن التِّين: وَهِي كلمة يَقُولهَا الرَّامِي عِنْدَمَا يُصِيب فَرحا، وَكَانَ ابْن عمر إِذا رمى فَأصَاب يَقُول: خُذْهَا وَأَنا أَبُو عبد الرَّحْمَن. وَرمى بَين الهدفين. وَقَالَ: أَنا بهَا، وَكَانَ رامياً يَرْمِي الطير على سَنَام الْبَعِير فَلَا يخْشَى أَن يُصِيب السنام، وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَنا ابْن العواتك.
وقالَ سلَمَةُ خُذْها وَأَنا ابنُ الأكْوَعِ
هَذَا مُطَابق للتَّرْجَمَة، وَبَيَان لَهَا وَقطعَة من الحَدِيث الْمَذْكُور قبله من حَيْثُ الْمَعْنى، وَقيل: موقع هَذَا من الْأَحْكَام أَنه خَارج عَن الافتخار الْمنْهِي عَنهُ، لِأَن الْحَال يَقْتَضِي ذَلِك، وَقَالَ ابْن بطال: معنى خُذْهَا وَأَنا ابْن الْأَكْوَع، أَنا ابْن الْأَكْوَع الْمَشْهُور فِي الرَّمْي بالإصابة عَن الْقوس، وَهَذَا على سَبِيل الْفَخر، لِأَن الْعَرَب تَقول: أَنا ابْن نجدتها، أَي: الْقَائِم بِالْأَمر، وَأَنا ابْن جلا، يُرِيد: المنكشف الْأَمر الْوَاضِح الْجَلِيّ، وَلَا يَقُول مثل هَذَا إلَاّ الشجاع البطل، وَالْعَادَة عِنْد الْعَرَب أَن يعلم الشجاع نَفسه بعلامة فِي الْحَرْب يتَمَيَّز بهَا من غَيره ليقصده من يَدعِي الشجَاعَة.
2403 -
حدَّثنا عُبَيْدُ الله عنْ إسْرَائيلَ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سألَ رَجُلٌ البرَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فقالَ يَا أَبَا عُمَارَةَ أوَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ البَرَاءُ وأنَا أسْمَعُ أمَّا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يُوَلِّ يَوْمَئِذٍ كانَ أبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ آخِذاً بِعِنَانِ بَغْلَتِهِ فلَمَّا غَشِيَهُ الْمُشْرِكُونَ نَزَلَ فجَعَلَ يَقُولُ:
(أَنا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ
…
أنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ)
قالَ فَما رُئِيَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ أشَدُّ مِنْهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَنا النَّبِي لَا كذب) لِأَن فِيهِ تنويهاً بشجاعته وثباته فِي الْحَرْب، وَهَذَا أقوى من قَول الْقَائِل: خُذْهَا وَأَنا ابْن فلَان.
وَعبيد الله هُوَ ابْن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ عَمْرو بن عبد الله السبيعِي جد إِسْرَائِيل الْمَذْكُور.
والْحَدِيث مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من قاد دَابَّة غَيره فِي الْحَرْب، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (يابا عمَارَة)، هُوَ كنية الْبَراء. قَوْله:(وَأَنا أسمع) من كَلَام أبي إِسْحَاق وَالْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (لم يول)، ويروى: فَلم يول، على الأَصْل بِالْفَاءِ، وَقَالَ ابْن مَالك: حذف الْفَاء جَائِز نظماً ونثراً، يَعْنِي: لَا يخْتَص بِالضَّرُورَةِ. قَوْله: (فَلَمَّا غشيه الْمُشْركُونَ)، أَي: أحاطوا بِهِ (نزل) عَن بغلته. قَوْله: (فَمَا رئي)، بِضَم الرَّاء وَكسر الْهمزَة وَفتح الْيَاء. قَوْله:(مِنْهُ) أَي: من الرَّسُول.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ: إختلف السّلف: هَل يعلم الرجل الشجاع نَفسه عِنْد لِقَاء الْعَدو؟ فَقَالَ بَعضهم: ذَلِك جَائِز على مَا دلّ عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث، وَقد أعلم حَمْزَة بن عبد الْمطلب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نَفسه يَوْم بدر بريشة نعَامَة فِي صَدره، وَأعلم نَفسه أَبُو دُجَانَة بعصابة بِمحضر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَوْم بدر معمماً بعمامة صفراء، فَنزلت الْمَلَائِكَة معتمين بعمائم صفر. وَقَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي قَوْله تَعَالَى:{بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين} . انهم أَتَوا مُحَمَّدًا، صلى الله عليه وسلم، مسومين بالصوف، فسوم مُحَمَّد وَأَصْحَابه أنفسهم وخيلهم على سِيمَاهُمْ بالصوف.
وَكره آخَرُونَ التسويم والأعلام فِي الْحَرْب، وَقَالُوا: فعلُ ذَلِك من الشُّهْرَة، وَلَا يَنْبَغِي