الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحَرْبُ سِجَالٌ
مناسبته لِلْآيَةِ ظَاهِرَة لِأَنَّهَا تَتَضَمَّن مَعْنَاهُ كَمَا ذَكرْنَاهُ، وسجال، بِكَسْر السِّين، يَعْنِي: تَارَة لنا وَتارَة علينا، فَفِي غلبتنا يكون الْفَتْح، وَفِي غلبتهم تكون الشَّهَادَة، وَهَذَا مُطَابق لِمَعْنى الْآيَة، وكل فتح يَقع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَو غنيمَة فَإِنَّهُ من إِحْدَى الحسنيين، وكل قَتِيل يقتل فِي سَبِيل الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ من إِحْدَى الحسنيين، وَإِنَّمَا يَبْتَلِي الله الْأَنْبِيَاء، عليهم السلام، ليعظم لَهُم الْأجر وَالثَّوَاب، وَلمن مَعَهم، وَلِئَلَّا تخرق الْعَادة الْجَارِيَة بَين الْخلق وَلَو أَرَادَ الله خرقها لأهْلك الْكفَّار كلهم بِغَيْر حَرْب، والسجال جمع: سجل، فِي الأَصْل وَهُوَ الدَّلْو إِذا كَانَ ملآن مَاء، وَلَا تكون الفارغة سجلاً، وسجال هُنَا من المساجلة، وَهِي: المناولة فِي الْأَمر، وَهُوَ أَن يفعل كل من المتساجلين مثل صَاحبه، فَتَارَة لَهُ وَتارَة لصَاحبه.
4082 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله ابنِ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنَّ أَبَا سُفْيانَ أخْبَرَهُ أنَّ هِرِقْلَ قَالَ لَهُ سألْتُكَ كَيْفَ كانَ قِتَالُكُمْ إيَّاهُ فزَعَمْتَ أنَّ الحَرْبَ سِجَالٌ ودُوَلٌ فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونِ لَهُمُ العَاقِبَةُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَزَعَمت أَن الْحَرْب بَيْنكُم سِجَال)، وَقد ذكرنَا أَن فِي معنى: إِحْدَى الحسنيين معنى: الْحَرْب سِجَال، وكل وَاحِد مِنْهُمَا يتَضَمَّن معنى الآخر، فَتحصل الْمُطَابقَة، وَلَا يحْتَاج هَهُنَا إِلَى تَطْوِيل الشُّرَّاح الَّذِي يشوش على ذهن النَّاظر فِيهِ، وَهَذَا الَّذِي ذكره قِطْعَة من حَدِيث أبي سُفْيَان فِي قصَّة هِرقل، وَقد مر فِي أول الْكتاب مطولا، وَمر الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا. قَوْله:(ودول) ، جمع دولة، وَمَعْنَاهُ: رُجُوع الشَّيْء إِلَيْك مرّة وَإِلَى صَاحبك أُخْرَى تتداولانه، وَقَالَ أَبُو عمر: وَهِي بِالْفَتْح الظفر فِي الْحَرْب، وبالضم: مَا يتداوله النَّاس من المَال، وَعَن الْكسَائي بِالضَّمِّ مثل الْعَارِية، يُقَال: اتخذوه دولة يتداولونه، وبالفتح من دَال عَلَيْهِم الدَّهْر دولة، ودالت الْحَرْب بهم، وَقيل: الدولة، بِالضَّمِّ: الإسم، وبالفتح: الْمصدر. وَقَالَ الْقَزاز: الْعَرَب تَقول: الْأَيَّام دوَل ودول ودول، ثَلَاث لُغَات، وَفِي (الباهر) لِابْنِ عديس عَن الْأَحْمَر: جَاءَ بالدولة والتؤلة، تهمز وَلَا تهمز، وَفِي (البارع) عَن أبي زيد: دولة، بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْوَاو، و: دوَل، بِفَتْح الدَّال، وَالْوَاو، وَبَعض الْعَرَب يَقُول: دوَل. قَوْله: (فَكَذَلِك تبتلى) أَي: تختبر. قَوْله: (ثمَّ تكون لَهُم الْعَاقِبَة) ، عَاقِبَة الشَّيْء آخر أمره.
21 -
(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (الْأَحْزَاب:
32) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وجل، وَإِنَّمَا ذكر هَذِه الْآيَة لِأَن الْمَذْكُور فِي الحَدِيث:(رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ وَمَا بدلُوا تبديلاً) . وَالْآيَة الْمَذْكُورَة نزلت فيهم على مَا نذكرهُ عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله:{من الْمُؤمنِينَ رجال} (الْأَحْزَاب: 32) . جملَة إسمية من الْمُبْتَدَأ، أَعنِي: رجال وَالْخَبَر أَعنِي من المؤمينين، وَذكر الواحدي من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن يحيى الْبَغْدَادِيّ عَن أبي سِنَان عَن الضَّحَّاك عَن النزال بن سُبْرَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالُوا لَهُ: حَدثنَا عَن طَلْحَة، فَقَالَ: ذَاك امْرُؤ نزلت فِيهِ آيَة من كتاب الله تَعَالَى: {فَمنهمْ من قضى نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر} (الْأَحْزَاب: 32) . طَلْحَة مِمَّن قضى نحبه لَا حِسَاب عَلَيْهِ فِيمَا يسْتَقْبل. وَمن حَدِيث عِيسَى بن طَلْحَة: أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، مر عَلَيْهِ طَلْحَة فَقَالَ: هَذَا مِمَّن قضى نحبه، وَقَالَ مقَاتل فِي تَفْسِيره:{رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} (الْأَحْزَاب: 32) . لَيْلَة الْعقبَة، بِمَكَّة {فَمنهمْ من قضى نحبه} (الْأَحْزَاب: 32) . يَعْنِي: أَجله فَمَاتَ على الْوَفَاء يَعْنِي: حَمْزَة وَأَصْحَابه، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، المقتولين بِأحد {وَمِنْهُم من ينْتَظر} يَعْنِي: من الْمُؤمنِينَ من ينْتَظر أَجله، يَعْنِي: على الْوَفَاء بالعهد {وَمَا بدلُوا} (الْأَحْزَاب: 32) . كَمَا بدل المُنَافِقُونَ. وَفِي (تَفْسِير النَّفْسِيّ) : والنحب يَأْتِي على وُجُوه: النّذر، أَي: قضى نَذره، والخطر إِي: فرغ من خطر الْحَيَاة، لِأَن الْحَيّ على خطر مَا عَاشَ، وَالسير السَّرِيع أَي: سَار بِسُرْعَة إِلَى أَجله، والنوبة، أَي: قضى نوبَته، و: النَّفس، أَي: فرغ من أنفاسه، وَالنّصب أَي: فرغ من نصب الْعَيْش وجهده، وَهَذَا كُله يعود إِلَى مَعَاني الْمَوْت وانقضاء
الْحَيَاة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قَضَاء النحب عبارَة عَن الْمَوْت، لِأَن كل حَيّ لَا بُد لَهُ أَن يَمُوت، فَكَأَنَّهُ نذر لَازم فِي رقبته، فَإِذا مَاتَ فقد قضى نحبه، أَي: نَذره.
5082 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيدٍ الخُزَاعِيُّ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الأعْلى عنْ حُمَيْدٍ قَالَ سألتُ أنَساً حَدثنَا عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ قَالَ حدَّثنا زِيادٌ قَالَ حدَّثني حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ غابَ عَمِّي أنَسُ ابنُ النَّضْرِ عنْ قِتَالٍ بدر فَقَالَ يَا رَسُول الله غبت عَن أول قتال قاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ لَئِنِ الله أشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ الله مَا أصْنَعُ فَلَمَّا كانَ يَوْمُ أُحُدَ وانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ أللَّهُمَّ إنِّي أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هاؤُلاءِ يَعْنِي أصْحَابَهُ وأبْرَأُ إليْكَ مِمَّا صَنَعَ هاؤلاءِ يَعْنِي المُشْرِكِينَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فاسْتَقْبَلَهُ سعدُ بنُ مُعاذٍ فَقَالَ يَا سَعْدُ بنَ مُعَاذٍ الجَنِّةَ ورَبِّ النَّضْرِ إنِّي أجِدُ رِيحَها مِنْ دُونِ أُحُدٍ قَالَ سَعْدٌ فَما اسْتَطَعْتُ يَا رسولَ الله مَا صنَعَ قَالَ أنَسٌ فوَجَدْنا بِهِ بِضْعاً وثَمانِينَ ضَرْبَةً بالسَّيْفِ أوْ طَعْنَةً بِرِمْحٍ أوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ ووَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَما عَرَفَهُ أحَدٌ إلَاّ اخْتُهُ بِبِنَانهِ قَالَ أنَسٌ كُنَّا نُرَى أوْ نَظُنُّ أنَّ هاذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أشْبَاهِهِ مِنَ الْمؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا الله علَيْهِ إِلَى آخِرِ الْآيَة. وقالَ إنَّ أُخْتَهُ وهِيَ تُسَمَّى الرُّبَيِّعَ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ امْرَأةٍ فأمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالقِصَاصِ فَقَالَ أنَسٌ يَا رسولَ الله والَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيّتُها فرَضُوا بالأرَشِ وتَرَكُوا القِصَاص فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إنَّ مِنْ عِبادِ الله مَنْ لَوْ أقْسَمَ علَى الله لأبَرَّهُ..
مطابقته لِلْآيَةِ الَّتِي هِيَ تَرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا نزلت فِي الْمَذْكُورين فِيهِ، وَهُوَ ظَاهر.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد ابْن سعيد بن الْوَلِيد أَبُو بكر الْخُزَاعِيّ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الزَّاي وبالعين. الثَّانِي: عبد الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى السَّامِي، بِالسِّين الْمُهْملَة. الثَّالِث: حميد الطَّوِيل. الرَّابِع: عَمْرو بن زُرَارَة، بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الراءين بَينهمَا ألف: ابْن وَاقد الْهِلَالِي. الْخَامِس: زِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن عبد الله العامري البكائي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْكَاف وبالهمزة بعد الْألف. قَالَ ابْن معِين: لَا بَأْس بِهِ فِي الْمَغَازِي خَاصَّة، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة. السَّادِس: أنس بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَفِيه: أَن شَيْخه مُحَمَّد بن سعيد يلقب بمردويه وَأَنه من أَفْرَاده وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر فِي غَزْوَة خَيْبَر، وَهُوَ وَمُحَمّد بن سعيد وَحميد وَعبد الْأَعْلَى بصريون، وَزِيَاد كُوفِي وَعَمْرو بن زُرَارَة نيسابوري. وَفِيه: أَن زياداً لم يذكر مَنْسُوبا فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَهُوَ صَاحب ابْن إِسْحَاق وراوي الْمَغَازِي عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ ذكر فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الْموضع. وَفِيه: طَرِيقَانِ. الأول: فِيهِ رِوَايَة عبد الْأَعْلَى: بتصريح حميد لَهُ بِالسَّمَاعِ من أنس، فأمن من التَّدْلِيس. الثَّانِي: فِيهِ سِيَاق الحَدِيث. والْحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة ثَابت عَن أنس قَالَ أنس: غَابَ عمي الَّذِي سُميت بِهِ لم يشْهد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بَدْرًا. قَالَ: فشق عَلَيْهِ، قَالَ: أول مشْهد شهده رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، غبت عَنهُ؟ وَإِن أَرَانِي الله مشهداً بعد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، ليريني الله مَا أصنع. قَالَ: فهاب أَن يَقُول غَيرهَا قَالَ: فَشهد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم،
يَوْم أحد. قَالَ: فَاسْتقْبل سعد بن معَاذ، فَقَالَ لَهُ أنس: يَا أَبَا عَمْرو أَيْن؟ واها لريح الْجنَّة أَجِدهُ دون أحد. قَالَ: فَقَاتلهُمْ حَتَّى قتل، قَالَ: فَوجدَ فِي جسده بضع وَثَمَانُونَ من بَين ضَرْبَة وطعنة ورمية. قَالَ: فَقَالَت أُخْته، عَمَّتي الرّبيع بنت النَّضر، فَمَا عرفت أخي إلَاّ ببنانه، وَنزلت هَذِه الْآيَة {رجال صدقُوا} (الْأَحْزَاب: 32) . الْآيَة. قَالَ: وَكَانُوا يرَوْنَ أَنَّهَا نزلت فِيهِ وَفِي أَصْحَابه.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ أَيْضا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (غَابَ عمي أنس بن النَّضر)، قد مر فِي رِوَايَة مُسلم: قَالَ أنس: غَابَ عمي الَّذِي سميت بِهِ، وَالنضْر بالنُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة. قَوْله:(أول قتال) ، لِأَن غَزْوَة بدر هِيَ أول غَزْوَة غزا فِيهَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم بِنَفسِهِ، وَهِي فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة. قَوْله:(لَئِن الله أشهدني) أَي: أحضرني، وَاللَّام فِي: لَئِن، مَفْتُوحَة دخلت على أَن الشّرطِيَّة لَا جَزَاء لَهُ، لفظا، وَحذف فعل الشَّرْط فِيهِ من الْوَاجِبَات، وَالتَّقْدِير: لَئِن أشهدني الله
…
قَوْله: (قتال الْمُشْركين)، مَنْصُوب بقوله: أشهدني، قَوْله:(ليرين الله) ، جَوَاب الْقسم الْمُقدر، لِأَن اللَّام للقسم وَنون التَّأْكِيد فِيهِ ثَقيلَة وَمَا قبلهَا مَفْتُوحَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(ليريني الله) كَمَا مر، وَفِي رِوَايَة: ليراني الله، بِالْألف. وَفِي (التلويج) : وَضبط أَيْضا بِضَم الْيَاء وَكسر الرَّاء، وَمَعْنَاهُ: ليرين الله النَّاس مَا أصنع ويبرزه لَهُم. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: كَأَنَّهُ ألزم نَفسه إلزاماً مؤكداً، وَلم يظهره مَخَافَة مَا يتَوَقَّع من التَّقْصِير فِي ذَلِك، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي مُسلم فهاب أَن يَقُول غَيره، وَلذَلِك سَمَّاهُ الله عهدا، بقوله:{صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} (الْأَحْزَاب: 32) . وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ كَرِوَايَة البُخَارِيّ. قَوْله: (مَا أصنع)، قَالَ بَعضهم: أعربه النَّوَوِيّ: بَدَلا من ضمير الْمُتَكَلّم. قلت: هَذَا لَا يَصح إلَاّ فِي رِوَايَة مُسلم، وَأما فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فَهُوَ مَنْصُوب على المفعولية، وَهَذَا الْقَائِل لم يُمَيّز بَين الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْإِعْرَاب، فَرُبمَا يضان النَّاظر فِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَن مَا قَالَه النَّوَوِيّ فِيهَا، وَلَيْسَ ذَلِك إلَاّ فِي رِوَايَة مُسلم. فَافْهَم. قَوْله:(وانكشف الْمُسلمُونَ)، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَانْهَزَمَ النَّاس. قَوْله: (أعْتَذر) أَي: من فرار الْمُسلمين. قَوْله: (وَأَبْرَأ)، أَي: عَن قتال الْمُشْركين مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(فَاسْتَقْبلهُ)، أَي: فَاسْتقْبل أنس بن النَّضر سعد بن معَاذ سيد الْأَوْس، وَكَانَ ثَبت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم يَوْم أحد. قَوْله:(الْجنَّة) ، بِالنّصب، أَي: أُرِيد الْجنَّة، وبالرفع على تَقْدِير هِيَ مطلوبي. قَوْله:(وَرب النَّضر) ، أَرَادَ بِهِ وَالِده النَّضر، قيل: يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ ابْنه، فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ ابْن يُسمى النَّضر، وَكَانَ إِذْ ذَاك صَغِيرا، وَفِي رِوَايَة عبد الْوَهَّاب: فوَاللَّه، وَفِي رِوَايَة عبد الله بن بكر عَن حميد عِنْد الْحَارِث ابْن أبي أُسَامَة عَنهُ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ. قَوْله: (رِيحهَا)، أَي: ريح الْجنَّة. قَوْله: (من دون أحد) أَي: عِنْد أحد. قَالَ ابْن بطال وَغَيره: يحْتَمل أَن يكون على الْحَقِيقَة، وَأَنه وجد ريح الْجنَّة حَقِيقَة، أَو وجد ريحًا طيبَة ذكره طيبها بِطيب الْجنَّة، وَيجوز أَن يكون أَرَادَ أَنه استحضر الْجنَّة الَّتِي أعدت للشهيد، فتصور أَنَّهَا فِي ذَلِك الْموضع الَّذِي يُقَاتل فِيهِ، فَيكون الْمَعْنى: إِنِّي لأعْلم أَن الْجنَّة تكتسب فِي هَذَا الْموضع فاشتاق لَهَا. قَوْله: (قَالَ سعد: فَمَا اسْتَطَعْت يَا رَسُول الله مَا صنع) قَالَ ابْن بطال: يُرِيد مَا اسْتَطَعْت أَن أصف مَا صنع من كَثْرَة مَا أبلى فِي الْمُشْركين. قَوْله: (فَوَجَدنَا بِهِ) وَفِي رِوَايَة عبد الله بن بكر، قَالَ أنس: فوجدناه بَين الْقَتْلَى وَبِه. قَوْله: (أَو طعنة) كلمة أَو فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتنويع. قَوْله: (وَقد مثل) بتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة، من الْمثلَة وَهُوَ قطع الْأَعْضَاء من أنف وَأذن وَغَيرهمَا. قَوْله:(ببنانه) البنان الإصبع، وَقيل: طرف الإصبع، وَهُوَ الْأَشْهر. وَوَقع فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن طَلْحَة بِالشَّكِّ: ببنانه أَو بشامته، بالشين الْمُعْجَمَة وَالْأولَى أَكثر، وَالثَّانيَِة أوجه. قَوْله:(كُنَّا نرى)، بِضَم النُّون وَفتح الرَّاء. قَوْله:(أَو نظن) من الرَّاوِي وهما بِمَعْنى وَاحِد. وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن يزِيد بن هَارُون عَن حميد: فَكُنَّا نقُول، وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن سِنَان عَن يزِيد: فَكَانُوا يَقُولُونَ، والتردد فِيهِ من حميد، وَوَقع فِي رِوَايَة ثَابت: وأنزلت هَذِه الْآيَة بِالْجَزْمِ دون الشَّك. قَوْله: وَقَالَ: إِن أُخْته، أَي: أُخْت أنس بن النَّضر، وَهِي عمَّة أنس بن مَالك. قَوْله:(الرّبيع) بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وقصة الرّبيع هَذِه مَضَت فِي كتاب الصُّلْح فِي: بَاب الصُّلْح فِي الدِّيَة. قَوْله: (لَأَبَره) أَي: لأبر قسمه، وَهُوَ ضد الْحِنْث.
وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفَوَائِد: جَوَاز بذل النَّفس فِي الْجِهَاد وَفضل الْوَفَاء بالعهد وَلَو شقّ على النَّفس حَتَّى يصل إِلَى إهلاكها، وَإِن طلب الشَّهَادَة لَا يتَنَاوَلهُ النَّهْي عَن الْإِلْقَاء إِلَى التَّهْلُكَة. وَفِيه: فَضِيلَة ظَاهِرَة لأنس بن النَّضر، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من صِحَة الْإِيمَان وَكَثْرَة التوقي والتورع، وَقُوَّة الْيَقِين.