الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيصيبون الْغَنِيمَة إلَاّ تعجلوا ثُلثي أجرهم من الْأُجْرَة، وَيبقى لَهُم الثُّلُث، فَإِن لم يُصِيبُوا غنيمَة تمّ لَهُم أجرهم) . فَبِهَذَا يدل على أَنه لَا يرجع أصلا بِدُونِ الْأجر، وَلكنه ينقص عِنْد الْغَنِيمَة. فَإِن قلت: ضعف هَذَا الحَدِيث لِأَن فِيهِ حميد بن هانىء وَهُوَ غير مَشْهُور. قلت: هَذَا كَلَام لَا يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَنَّهُ ثِقَة مُحْتَج بِهِ عِنْد مُسلم، وَقد وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَابْن يُونُس وَغَيرهمَا، وَلَا يعرف فِيهِ تجريح لأحد.
3 -
(بابُ الدُّعَاءِ بالجِهَادِ والشَّهَادَةِ لِلرِّجَالِ والنِّساءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء بِالْجِهَادِ بِأَن يَقُول: أللهم ارزقني الْجِهَاد، أَو أللهم اجْعَلنِي من الْمُجَاهدين. قَوْله:(وَالشَّهَادَة)، أَي: الدُّعَاء بِالشَّهَادَةِ، بِأَن يَقُول: أللهم ارزقني الشَّهَادَة فِي سَبِيلك. قَوْله: (للرِّجَال وَالنِّسَاء) ، مُتَعَلق بِالدُّعَاءِ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن هَذَا غير مَخْصُوص بِالرِّجَالِ، وَإِنَّمَا هم وَالنِّسَاء فِي ذَلِك سَوَاء.
وَقَالَ عُمَرُ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي بَلَدِ رسولِكَ
هَذَا التَّعْلِيق مُطَابق للدُّعَاء بِالشَّهَادَةِ فِي التَّرْجَمَة، وَقد مضى هَذَا مَوْصُولا فِي آخر الْحَج بأتم مِنْهُ، رَوَاهُ عَن يحيى ابْن بكير عَن اللَّيْث عَن خَالِد بن يزِيد عَن سعيد بن أبي هِلَال عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أللهم ارزقني شَهَادَة فِي سَبِيلك وَاجعَل موتِي فِي بلد رَسُولك. وَأخرجه ابْن سعد فِي (الطَّبَقَات الْكَبِير) عَن حَفْصَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا سَمِعت أَبَاهَا يَقُول: أللهم ارزقني قتلا فِي سَبِيلك، ووفاةً فِي بَلْدَة نبيك، قَالَت: قلت: وأنَّى ذَاك؟ قَالَ: إِن الله يَأْتِي بأَمْره أنَّى شَاءَ.
9872 -
حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ عنْ مالِكٍ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله ابنِ أبي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ ابنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ سَمِعَهُ يَقولُ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحانَ فَتُطْعِمُهُ وكانَتْ أُمُّ حَرامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ علَيْهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأطْعَمَتْهُ وجَعَلَتْ تَفْلِي رَأسَهُ فَنامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وهْوَ يَضْحَكُ قالَتْ فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رسولَ الله قَالَ ناسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ الله يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ مُلُوكاً علَى الأسِرَّةِ أَو مِثْلَ الْمُلُوكِ على الأسِرَّةِ شَكَّ إسْحَاقُ قالَتْ فَقُلْتُ يَا رسولَ الله ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فدَعَ لَهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وضَعَ رأسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وهْوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رسولَ الله قَالَ ناسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عليَّ غُزاةً فِي سَبِيلِ الله كَمَا قَالَ فِي الأوَّلِ قالَتْ فَقُلْتُ يَا رسولَ الله ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ أنْتِ مِنَ الأوَّلِينَ فرَكِبَتِ البَحْرَ فِي زَمانِ مُعَاوِيَةَ بنِ أبِي سُفْيَانَ فَصُرِعَتْ عنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ فَهَلَكَتْ.
. .
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة، لِأَن الحَدِيث لَيْسَ فِيهِ تمني الشَّهَادَة، وَإِنَّمَا فِيهِ تمني الْغَزْو. وَأجِيب: بِأَن الثَّمَرَة الْعُظْمَى من الْغَزْو هِيَ الشَّهَادَة، وَقيل: حَاصِل الدُّعَاء بِالشَّهَادَةِ أَن يَدْعُو الله أَن يُمكن مِنْهُ كَافِرًا يعْصى الله فيقتله، وَاعْترض بِأَن تمني مَعْصِيّة الله لَا تجوز إلَاّ لَهُ وَلَا لغيره، ووجَّه بَعضهم بِأَن الْقَصْد من الدُّعَاء نيل الدرجَة المرفوعة الْمعدة. للشهداء، وَأما قتل الْكَافِر فَلَيْسَ مَقْصُود الدَّاعِي، وَإِنَّمَا هُوَ من ضروريات الْوُجُود، لِأَن الله تَعَالَى أجْرى حكمه أَن لَا ينَال تِلْكَ الدرجَة إلَاّ شَهِيد.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرُّؤْيَا عَن عبد الله بن يُوسُف أَيْضا وَفِي الاسْتِئْذَان عَن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي، وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم ستتهم عَن مَالك بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَأخرج التِّرْمِذِيّ أَيْضا هَذَا الحَدِيث من مُسْند أم حرَام من رِوَايَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن أبي طوالة عَن أنس عَن أم حرم، وَقد اخْتلف فِيهِ على أنس فَقيل: عَنهُ عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم وَقيل: عَن أنس عَن أم حرَام، وَاخْتلف فِيهِ أَيْضا على أبي طوالة، فَقَالَ زَائِدَة بن قدامَة: عَن أبي طوالة عَن أنس عَن أم حرَام عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر: عَن أبي طوالة عَن أنس عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَطاء بن يسَار عَن أُخْت أم سليم الرميصاء قَالَت: نَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
…
ثمَّ ذكر مَعْنَاهُ، وَالْحَاصِل أَن الْأَئِمَّة السِّتَّة، مَا خلا التِّرْمِذِيّ، أخرجُوا هَذَا الحَدِيث عَن أم حرَام من رِوَايَة مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن أنس بن مَالك عَن أم حرَام، وَهِي خَالَة أنس، قَالَت: أَتَانَا النَّبِي، صلى الله عليه وسلم يَوْمًا
…
الحَدِيث.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يدْخل على أم حرَام) ، حرَام ضد حَلَال بنت ملْحَان، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون اللَّام وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَفِي آخِره نون: ابْن خَالِد بن زيد بن حرَام بن جُنْدُب بن عَامر بن غنم بن عدي بن النجار، زوج عبَادَة بن الصَّامِت وَأُخْت أم سليم، وَخَالَة أنس بن مَالك، وَقَالَ أَبُو عمر: وَلَا أَقف لَهَا على اسْم صَحِيح، وأظنها أرضعت النَّبِي، صلى الله عليه وسلم وَأم سليم أَرْضَعَتْه أَيْضا، إِذْ لَا يشك مُسلم أَنَّهَا كَانَت مِنْهُ بِمحرم، وَقد أَنبأَنَا غير وَاحِد من شُيُوخنَا عَن أبي مُحَمَّد بن فطيس عَن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن مزبن قَالَ: إِنَّمَا استجاز رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن تفلي أم حرَام رَأسه لِأَنَّهَا كَانَت مِنْهُ ذَات محرم من قبل خالاته، لِأَن أم عبد الْمطلب كَانَت من بني النجار، وَقَالَ يُونُس بن عبد الْأَعْلَى: قَالَ لنا وهب: أم حرَام إِحْدَى خالات النَّبِي صلى الله عليه وسلم من الرضَاعَة، قَالَ أَبُو عمر: فَأَي ذَلِك كَانَ فَأم حرم محرم مِنْهُ. وَقَالَ ابْن بطال: قَالَ غَيره: إِنَّمَا كَانَت خَالَة لِأَبِيهِ أَو لجده، وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ عَن بعض الْعلمَاء أَن هَذَا مَخْصُوص بسيدنا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم أَو يحمل دُخُوله عَلَيْهَا: أَنه كَانَ قبل الْحجاب، إلَاّ أَن قَوْله: تفلي رَأسه، يضعف هَذَا. وَزعم ابْن الْجَوْزِيّ أَنه سمع بعض الْحفاظ يَقُول: كَانَت أم سليم أُخْت آمِنَة من الرضَاعَة وَقَالَ الْحَافِظ الدمياطي: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على الْخلْوَة بهَا، فَلَعَلَّ ذَاك كَانَ مَعَ ولد أَو خَادِم أَو زوج أَو تَابع، وَالْعَادَة تَقْتَضِي المخالطة بَين المخدوم وَأهل الْخَادِم، سِيمَا إِذا كنَّ مسنَّات، مَعَ مَا ثَبت لَهُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم من الْعِصْمَة، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ قبل الْحجاب، لِأَنَّهُ كَانَ فِي سنة خمس، وَقتل أَخِيهَا حرَام الَّذِي كَانَ رَحمهَا لأَجله كَانَ سنة أَربع. وَقَالَ أَبُو عمر: حرَام ابْن ملْحَان قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة، قَتله عَامر بن الطُّفَيْل. قَوْله:(تَحت عبَادَة بن الصَّامِت) أَي: كَانَت امْرَأَته، والصامت ابْن قيس بن أَصْرَم بن فهر بن ثَعْلَبَة بن غنم بن سَالم بن عَوْف بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ السالمي، يكنى: أَبَا الْوَلِيد، قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: أول من ولي قَضَاء فلسطين عبَادَة بن الصَّامِت، مَاتَ عبَادَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ بالرملة، وَقيل: بِبَيْت الْمُقَدّس، وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة. قَوْله:(تفلي رَأسه) ، بِفَتْح التَّاء وَإِسْكَان الْفَاء وَكسر اللَّام، يَعْنِي: تفتش الْقمل من رَأسه وتقتله، من: فلى يفلي من بَاب ضرب يضْرب، فلياً مصدرة، والفلي أَخذ الْقمل من الرَّأْس. قَوْله:(وَهُوَ يضْحك) ، جملَة وَقعت حَالا، وَكَذَا قَوْله:(غزَاة) ، وَهُوَ جمع غَازِي، كقضاة جمع قَاضِي. قَوْله:(ثبج هَذَا الْبَحْر) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا جِيم، قَالَ الْخطابِيّ: ثبج الْبَحْر: مَتنه ومعظمه، وثبج كل شَيْء وَسطه، وَقيل: ثبج الْبَحْر ظَهره، يُوضحهُ بعض مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَات: يركبون ظهر هَذَا الْبَحْر، وَقيل: ثبج الْبَحْر: هوله، والثبج مَا بَين الْكَتِفَيْنِ. قَوْله:(ملوكاً)، نصب بِنَزْع الْخَافِض أَي: مثل مُلُوك على الأسرة، وَهُوَ جمع سَرِير، قَالَ أَبُو عمر: أَرَادَ أَنه رأى الْغُزَاة فِي الْبَحْر على الأسرة فِي الْجنَّة، ورؤيا الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَحي يشْهد لَهُ قَوْله تَعَالَى:{على الأرائك متكئون} (ي س: 65) . وَبِه جزم ابْن بطال حَيْثُ قَالَ: إِنَّمَا رَآهُمْ ملوكاً على الأسرة فِي الْجنَّة فِي رُؤْيَاهُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَن يكون خَبرا عَن حَالهم فِي غزوهم أَيْضا. قَوْله: {شكّ إِسْحَاق} ، وَهُوَ إِسْحَاق بن عبد الله الرَّاوِي عَن أنس. قَوْله:(ثمَّ وضع رَأسه ثمَّ اسْتَيْقَظَ)، قيل: رُؤْيَاهُ الثَّانِيَة كَانَت فِي شُهَدَاء الْبر، فوصف حَال الْبر وَالْبَحْر بِأَنَّهُم مُلُوك على الأسرة، حَكَاهُ ابْن التِّين وَغَيره، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون حالتهم فِي الدُّنْيَا كالملوك على الأسرة، وَلَا يبالون بِأحد. قَوْله:(أَنْت من الْأَوَّلين) ، خطاب لأم حرَام، وَأَرَادَ بالأولين: هم الَّذين عرضوا أَولا، وهم الَّذين يركبون ثبج الْبَحْر. قَوْله:(فِي زمن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان) ، وَكَانَت غزت مَعَ زَوجهَا فِي أول غَزْوَة كَانَت إِلَى الرّوم فِي الْبَحْر مَعَ مُعَاوِيَة زمن عُثْمَان بن عَفَّان
سنة ثَمَان وَعشْرين، وَقَالَ ابْن زيد: سنة سبع وَعشْرين، وَقيل: بل كَانَ ذَلِك فِي خلَافَة مُعَاوِيَة على ظَاهره، وَالْأول أشهر، وَهُوَ مَا ذكره أهل السّير، وَفِيه: هَلَكت، وَقَالَ الْكرْمَانِي، رَحمَه الله تَعَالَى، وَاخْتلفُوا فِي أَنه مَتى جرت الْغَزْوَة الَّتِي توفيت فِيهَا أم حرَام؟ فَقَالَ البُخَارِيّ وَمُسلم: فِي زمن مُعَاوِيَة، وَقَالَ القَاضِي: أَكثر أهل السّير أَن ذَلِك كَانَ فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فعلى هَذَا يكون معنى قَوْلهَا: فِي زمن مُعَاوِيَة، زمَان، غَزْوَة مُعَاوِيَة فِي الْبَحْر، لَا زمَان خِلَافَته، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: إِن مُعَاوِيَة غزا تِلْكَ الْغَزْوَة بِنَفسِهِ. انْتهى. قلت: كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد منع الْمُسلمين من الْغَزْو فِي الْبَحْر شَفَقَة عَلَيْهِم، واستأذنه مُعَاوِيَة فِي ذَلِك فَلم يَأْذَن لَهُ، فَلَمَّا ولي عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، استأذنه فَأذن لَهُ. وَقَالَ: لَا تكره أحدا، من غزاه طَائِعا فاحمله، فَسَار فِي جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو ذَر وَعبادَة بن الصَّامِت وَمَعَهُ زَوجته أم حرَام بنت ملْحَان وَشَدَّاد بن أَوْس وَأَبُو الدَّرْدَاء فِي آخَرين، وَهُوَ أول من غزا الجزائر فِي الْبَحْر، وَصَالَحَهُ أهل قبرس على مَال، وَالأَصَح أَنَّهَا فتحت عنْوَة، وَلما أَرَادوا الْخُرُوج مِنْهَا قدمت لأم حرَام بغلة لتركبها فَسَقَطت عَنْهَا، فَمَاتَتْ. هُنَالك، فقبرها هُنَالك يعظمونه ويستسقون بِهِ، وَيَقُولُونَ: قبر الْمَرْأَة الصَّالِحَة. قَوْله: (حِين خرجت من الْبَحْر) ، أَرَادَ بِهِ حِين خُرُوجهَا من الْبَحْر إِلَى نَاحيَة الجزيرة، لِأَنَّهَا دفنت هُنَاكَ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز دُخُول الرجل على محرمه وملامسته إِيَّاهَا وَالْخلْوَة بهَا، وَالنَّوْم عِنْدهَا. وَفِيه: إِبَاحَة مَا قَدمته الْمَرْأَة إِلَى ضيفها من مَال زَوجهَا، لِأَن الْأَغْلَب أَن مَا فِي الْبَيْت من الطَّعَام هُوَ للرجل، قَالَ ابْن بطال: وَمن الْمَعْلُوم أَن عبَادَة وكل الْمُسلمين يسرهم وجود سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فِي بَيته، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك من مَال زَوجهَا لعلمه أَنه كَانَ يسر بذلك، وَيحْتَمل أَن يكون من مَالهَا، وَاعْتَرضهُ الْقُرْطُبِيّ فَقَالَ: حِين دُخُوله صلى الله عليه وسلم على أم حرَام لم تكن زوجا لعبادة، كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر اللَّفْظ، إِنَّمَا تزوجته بعد ذَلِك بِمدَّة، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة عِنْد مُسلم: فَتَزَوجهَا عبَادَة بعد. وَفِيه: جَوَاز فلي الرَّأْس وَقتل الْقمل، وَيُقَال قتل الْقمل وَغَيره من المؤذيات مُسْتَحبّ. وَفِيه: نوم القائلة، لِأَنَّهُ يعين الْبدن لقِيَام اللَّيْل. وَفِيه: جَوَاز الضحك عِنْد الْفَرح، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ضحك فَرحا وسروراً بِكَوْن أمته تبقى بعده متظاهرين، وَأُمُور الْإِسْلَام قَائِمَة بِالْجِهَادِ حَتَّى فِي الْبَحْر. وَفِيه: دلَالَة على ركُوب الْبَحْر للغزو، وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي، صلى الله عليه وسلم يتجرون فِي الْبَحْر، مِنْهُم: طَلْحَة وَسَعِيد بن زيد، وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء إلَاّ عمر بن الْخطاب وَعمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَإِنَّهُمَا منعا من ركُوبه مُطلقًا. وَمِنْهُم من حمله على ركُوبه لطلب الدُّنْيَا لَا للآخرة، وَكره مَالك ركُوبه للنِّسَاء مُطلقًا، لما يخَاف عَلَيْهِنَّ من أَن يطلع مِنْهُنَّ أم يطلعن على عَورَة، وَخَصه بَعضهم بالسفن الصغار دون الْكِبَار، والْحَدِيث يخدش فِيهِ. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(لَا يركب الْبَحْر إلَاّ حَاجا أَو مُعْتَمِرًا أَو غازياً، فَإِن تَحت الْبَحْر نَارا، وَتَحْت النَّار بحراً) . قلت: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَلما رَوَاهُ الْخلال فِي (علله) من حَدِيث لَيْث عَن مُجَاهِد عَن عبد الله بن عمر يرفعهُ، قَالَ: قَالَ ابْن معِين: هَذَا عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، مُنكر. وَفِيه: إِبَاحَة الْجِهَاد للنِّسَاء فِي الْبَحْر، وَقد ترْجم البُخَارِيّ لذَلِك، على مَا سَيَأْتِي. وَفِيه: أَن الْوَكِيل أَو المؤتمن إِذا علم أَنه يسر صَاحب الْمنزل فِيمَا يَفْعَله فِي مَاله جَازَ لَهُ فعل ذَلِك، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي عَطِيَّة الْمَرْأَة من مَال زَوجهَا بِغَيْر إِذْنه، وَقد مر هَذَا فِي الْوكَالَة. وَفِيه: أَن الْجِهَاد تَحت راية كل إِمَام جَائِز ماضٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَفِيه: تمني الْغَزْو وَالشَّهَادَة حَيْثُ قَالَت أم حرَام: أُدْعُ الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. وَفِيه: أَنه من أَعْلَام نبوته وَذَلِكَ أَنه أخبر فِيهِ بضروب الْغَيْب قبل وُقُوعهَا، مِنْهَا: جِهَاد أمته فِي الْبَحْر، وضحكه دَال على أَن الله تَعَالَى يفتح لَهُم ويغنمهم. وَمِنْهَا الْإِخْبَار بِصفة أَحْوَالهم فِي جهادهم، وَهُوَ قَوْله:(يركبون ثبج هَذَا الْبَحْر)، وَمِنْهَا قَوْله لأم حرَام: أَنْت من الْأَوَّلين، فَكَانَ كَذَلِك. وَمِنْهَا: الْإِخْبَار بِبَقَاء أمته من بعده، وَأَن يكون لَهُم شَوْكَة، وَأَن أم حرَام تبقى إِلَى ذَلِك الْوَقْت، وكل ذَلِك لَا يعلم إلَاّ بِوَحْي عَليّ أُوحِي بِهِ إِلَيْهِ فِي نَومه. وَفِيه: أَن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، حق. وَفِيه: الضحك المبشر إِذا بشر بِمَا يسر، كَمَا فعل الشَّارِع. قَالَ الْمُهلب: وَفِيه: فضل لمعاوية وَأَن الله قد بشر بِهِ نبيه صلى الله عليه وسلم فِي النّوم، لِأَنَّهُ أول من غزا فِي الْبَحْر وَجعل من غزا تَحت رايته من الْأَوَّلين. وَفِيه: أَن الْمَوْت فِي سَبِيل الله شَهَادَة، وَقَالَ ابْن أبي (شيبَة) : حَدثنَا يزِيد