الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأنْزَلَ الله تبارك وتعالى على رسولِهِ صلى الله عليه وسلم وفَخِذُهُ علَى فَخِذِي فثَقُلَتْ علَيَّ حَتَّى خِفْتُ أنْ تُرَضَّ فَخِذِي ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فأنْزَلَ الله عز وجل {غَيْرُ أُولِى الضَّرَرِ} (النِّسَاء: 59) .
(الحَدِيث طرفه فِي: 2954) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، ومروان هُوَ ابْن الحكم، كَانَ أَمِير الْمَدِينَة زمن مُعَاوِيَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده. وَمن لطائف إِسْنَاده أَن سهل بن سعد الصَّحَابِيّ يروي عَن مَرْوَان وَهُوَ تَابِعِيّ.
قَوْله: (يملها)، بِضَم الْيَاء وَكسر الْمِيم وَتَشْديد اللَاّم أَي: يُمْلِيهَا، وَالظَّاهِر أَن ياءه منقلبة عَن إِحْدَى اللامين، قَوْله: لَو استطيع الْجِهَاد، أَصله: لَو اسْتَطَعْت، عدل إِلَى الْمُضَارع إِمَّا لقصد الِاسْتِمْرَار، أَو لغَرَض الِاسْتِمْرَار. قَوْله:(وَكَانَ رجلا أعمى)، أَي: كَانَ ابْن أم مَكْتُوم. قَوْله: (وَفَخذه) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (أَن ترضَّ) من الرضِّ، بتَشْديد الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَهُوَ الدق الجرش. قَوْله:(ثمَّ سري عَنهُ)، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد أَي: كشف وأزيل، قيل: إِن جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، صعد وَهَبَطَ فِي مِقْدَار ألف سنة، قبل أَن يجِف الْقَلَم، أَي: بِسَبَب أولى الضَّرَر، حَكَاهُ ابْن التِّين، قَالَ: وَهَذَا يحْتَاج أَن يكون جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، يتَنَاوَل ذَلِك من السَّمَاء، وَالْأَمر كَذَلِك، لِأَن الْقُرْآن نزل جملَة وَاحِدَة لَيْلَة الْقدر إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا، ثمَّ نزل بعد ذَلِك مُتَفَرقًا بِحَسب الْحَال.
وَفِيه: أَن من حَبسه الْعذر وَغَيره عَن الْجِهَاد وَغَيره من أَعمال الْبر مَعَ نِيَّة فِيهِ فَلهُ أجر الْمُجَاهِد وَالْعَامِل، لِأَن نَص الْآيَة على المفاضلة بَين الْمُجَاهِد والقاعد، ثمَّ اسْتثْنى من المفضولين أولي الضَّرَر، وَإِذا استثناهم مِنْهَا فقد ألحقهم بالفاضلين، وَقد بَين الشَّارِع هَذَا الْمَعْنى، فَقَالَ: إِن بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سلكنا وَاديا أَو شعبًا إلَاّ وهم مَعنا، حَبسهم الْعذر، وَكَذَا جَاءَ فِيمَن كَانَ يعْمل، وَهُوَ صَحِيح، وَكَذَا من نَام عَن حزبه نوماً غَالِبا كتب لَهُ أجر حزبه، وَكَانَ نَومه صَدَقَة عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمُسَافِر يكْتب لَهُ مَا كَانَ يعْمل فِي الْإِقَامَة، وَهَذَا معنى قَوْله عز وجل:{إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فَلهم أجر غير ممنون} (النِّسَاء: 59) . أَي: غير مَقْطُوع بزمانة، أَو كبرٍ أَو ضعفٍ إِذْ الْإِنْسَان يبلغ بنيته أجر الْعَامِل إِذا كَانَ لَا يَسْتَطِيع الْعَمَل الَّذِي ينويه.
23 -
(بابُ الصَّبْرِ عِنْدَ القِتَالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الصَّبْر عِنْد الْقِتَال مَعَ الْكفَّار.
3382 -
حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا مُعَاوِيَةُ بنُ عمْرٍ وَقَالَ حدَّثنا أَبُو إسْحَاقَ عنْ مُوساى بنِ عُقْبَةَ عنْ سالِمِ أبِي النَّضْرِ أنَّ عبدَ الله بنَ أبِي أوْفَى كتَبَ فَقَرَأْتُهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إذَا لَقِيتُمُوهُمْ فاصْبِرُوا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَاصْبِرُوا) يَعْنِي عِنْد ملاقاة الْكفَّار، وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَمُعَاوِيَة بن عَمْرو بن الْمُهلب الْأَزْدِيّ الْبَغْدَادِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ الْفَزارِيّ واسْمه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، والْحَدِيث مضى بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد فِي: بَاب الْجنَّة تَحت بارقة السيوف، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:(فَاصْبِرُوا) ، يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الصَّبْر عِنْد إِرَادَة الْقِتَال. والشروع فِيهِ، أَو الصَّبْر حَال الْمُقَاتلَة والثبات عَلَيْهِ.
(بابُ التَّحْرِيضِ علَى القِتَالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التحريض، أَي: الْحَث على الْقِتَال.
وقَوْلِهِ تَعالى {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ علَى القِتَالِ} (الْأَنْفَال: 56) .
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: التحريض، وَفِي بعض النّسخ: وَقَول الله تَعَالَى، وأوله قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيهَا النَّبِي حرض الْمُؤمنِينَ على الْقِتَال إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ وَإِن يكن مِنْكُم مائَة يغلبوا ألفا من الَّذين كفرُوا بِأَنَّهُم قوم لَا يفقهُونَ} (الْأَنْفَال: 56) . قَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى أخبرنَا سُفْيَان عَن ابْن شَوْذَب عَن الشّعبِيّ عَن قَوْله: {يَا أَيهَا النبيِّ حرض الْمُؤمنِينَ على الْقِتَال} (الْأَنْفَال: 56) . أَي: حثهم عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم يحرض على الْقِتَال عِنْد صفهم
ومواجهة الْعَدو، كَمَا قَالَ لأَصْحَابه يَوْم بدر حِين أقبل الْمُشْركُونَ فِي عَددهمْ وعددهم: قومُوا إِلَى جنَّة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض. الحَدِيث، وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنِي ابْن أبي نجيح عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة أَعنِي قَوْله: {يَا أَيهَا النبيِّ حرض الْمُؤمنِينَ} (الْأَنْفَال: 56) . الْآيَة، ثقلت على الْمُسلمين وأعظموا أَن يُقَاتل عشرُون مِائَتَيْنِ، وَمِائَة ألفا، فَخفف الله عَنْهُم، فنسخها بِالْآيَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ: {الْآن خفف الله عَنْكُم وَعلم أَن فِيكُم ضعفا
…
} (الْأَنْفَال: 66) . الْآيَة فَكَانُوا إِذا كَانُوا على الشّطْر من عدوهم لم يَنْبَغِي لَهُم أَن يَفروا من عدوهم، وَإِذا كَانُوا دون ذَلِك لم يجب عَلَيْهِم، وَجَائِز لَهُم أَن يتحوزوا. وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس، نَحْو ذَلِك، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَالْحسن وَزيد بن أسلم وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي وَالضَّحَّاك نَحْو ذَلِك.
4382 -
حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا مُعاوِيةُ بنُ عَمْرٍ وَقَالَ حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ عنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أنَساً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ خَرَجَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم إِلَى الخَنْدَقِ فإذَا المهاجِرُونَ والأنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بارِدَةٍ فلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ فلَمَّا رَأى مَا بِهِمْ مِنَ النَّبَبِ والجوُعِ قَالَ:
(أللهُمَّ إنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةَ
…
فاغْفِرْ لِلأنْصَارِ والمهاجِرَة)
فقالُوا مُجِيبينَ لَهُ:
(نَحْنُ الَّذِينَ بايَعُوا مُحَمَّدَاً
…
علَى الجِهَادِ مَا بَقِينا أبَدَاً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم:
(اللَّهُمَّ إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة)
تحريضهم على مَا هم فِيهِ لكَونه من الْجِهَاد، وَرِجَاله قد ذكرُوا فِي إِسْنَاد الحَدِيث السَّابِق فِي الْبَاب الَّذِي قبله.
قَوْله: (خرج رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم إِلَى الخَنْدَق) ، وَكَانَ فِي شَوَّال سنة خمس من الْهِجْرَة، نَص على ذَلِك ابْن إِسْحَاق وَعُرْوَة بن الزبير وَقَتَادَة. وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ: أَنه قَالَ: كَانَت الْأَحْزَاب فِي شَوَّال سنة أَربع، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك بن أنس، وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَنه، صلى الله عليه وسلم، لما بلغه اجْتِمَاع الْأَحْزَاب وَهِي الْقَبَائِل واتفاقهم على محاربته صلى الله عليه وسلم، ضرب الخَنْدَق على الْمَدِينَة. قَالَ ابْن هِشَام: يُقَال إِن الَّذِي أَشَارَ بِهِ سلمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ الطَّبَرِيّ والسهيلي: أول من حفر الْخَنَادِق منوجهر بن أيرج، وَكَانَ فِي زمن مُوسَى، عليه الصلاة والسلام. قَوْله (فَإِذا) كلمة إِذْ المفاجأة قَوْله:(مَا بهم)، أَي: الْأَمر الملتبس بهم. قَوْله: (من النصب)، أَي: التَّعَب. قَوْله: (والجوع)
. قَوْله: (قَالَ) أَي: النَّبِي، صلى الله عليه وسلم:(اللَّهُمَّ لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة. .) إِلَى آخِره، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِنَّمَا قَالَ ابْن رَوَاحَة: لَا هم، بِلَا ألف، وَلَا لَام، فَأتى بِهِ بعض الروَاة على الْمَعْنى، وَهَذَا مَوْزُون. وَقَالَ ابْن التِّين: بِالْألف وَاللَّام
…
إِلَى آخِره، فَلَيْسَ بموزون، وَلَا هُوَ رجز. وَقَالَ ابْن بطال: لَيْسَ هُوَ من قَول رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بل هُوَ من قَول ابْن رَوَاحَة، وَلَو كَانَ من لَفظه لم يكن بذلك شَاعِرًا، وَلَا مِمَّن يَنْبَغِي لَهُ الشّعْر، وَإِنَّمَا يُسَمِّي بِهِ من قصد صناعته وَعلم السَّبَب والوتد والشطر وَجَمِيع مَعَانِيه من الزحاف والخرم وَالْقَبْض وَنَحْو ذَلِك. قلت: فِيهِ نظر، لِأَن شعراء الْعَرَب لم يَكُونُوا يعلمُونَ مَا ذكره من ذَلِك. قَوْله:(إِن الْعَيْش)، أَي: الْعَيْش الْمُعْتَبر، أَو الْعَيْش الْبَاقِي. قَوْله:(فَاغْفِر للْأَنْصَار) ويروى (للْأَنْصَار)، وَيخرج بِهِ عَن الْوَزْن. قَوْله:(بَايعُوا)، ويروى:(بَايعنَا) .
وَفِيه من الْفَوَائِد: أَن للحفر فِي سَبِيل الله وتحصين الديار وسد الثغور مِنْهَا أجر، كَأَجر الْقِتَال، وَالنَّفقَة فِيهِ محسوبة فِي نفقات الْمُجَاهدين إِلَى سَبْعمِائة ضعف. وَفِيه: اسْتِعْمَال الرجز وَالشعر إِذا كَانَت فِيهِ إِقَامَة النُّفُوس وإثارة الأنفة والمعرة.