الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
541 -
(بابُ فَضْلِ مَنْ أسْلَمَ مِنْ أهْلِ الكِتَابَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من أسلم من أهل الكتابينِ وهما: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وأهلهما: الْيَهُود والنصاري.
1103 -
حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حدَّثنا صالِحُ بنُ حَيٍّ أبُو حَسَنٍ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ حدَّثني أبُو بُرْدَةَ أنَّهُ سَمِعَ أبَاهُ عنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ثلاثَةٌ يُؤْتُونَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ الرجُلُ تكُونُ لَهُ الأمَةُ فيُعَلِّمُهَا فيُحْسِنُ تَعْلِيمَها ويُؤدِّيهَا فيُحْسِنُ أدَبَها ثُمَّ يُعْتِقُها فيَتَزَوَّجُها فلَهُ أجْرَانِ ومُؤمِنُ أهْلِ الكِتَابِ الَّذِي كانَ مُؤْمِناً ثُمَّ آمَنُ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فلَهُ أجْرَانِ والعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ الله ويَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ فلَهُ أجْرَانِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَمُؤمن من أهل الْكتاب) إِلَى قَوْله: (فَلهُ أَجْرَانِ) فَإِذا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ فَلهُ الْفضل، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر، وَأَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: اسْمه الْحَارِث، وَيُقَال: عَامر، وَيُقَال: اسْمه كنيته، وَقد مر غير مرّة، وَأَبوهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله ابْن قيس. والْحَدِيث مر فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب تَعْلِيم الرجل أمته وَأَهله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن الْمحَاربي عَن صَالح بن حَيَّان عَن عَامر الشّعبِيّ عَن أبي بردة عَن أَبِيه، وَحي لقب حَيَّان، فَلذَلِك ذكر هُنَا بِصَالح بن حَيَّان وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.
ثُمَّ قالَ الشَّعْبِيُّ وأعْطَيْتكَها بِغَيْرِ شَيْءٍ وقَدح كانَ الرَّجُلُ يرْحَلُ فِي أهْوَنَ مِنْهَا إِلَى المَدِينَةِ
أَي: قَالَ عَامر الشّعبِيّ يُخَاطب صَالحا: أَعطيتك هَذِه الْمَسْأَلَة أَو الْمقَالة، ويروي: أعطيكها، بِلَفْظ الْمُسْتَقْبل. قَوْله:(بِغَيْر شَيْء)، أَي: بِغَيْر أَخذ مَال مِنْك على جِهَة الْأُجْرَة عَلَيْهِ. قَوْله: (وَقد كَانَ الرجل يرحل)، أَي: يُسَافر فِي أَهْون مِنْهَا، أَي: من هَذِه الْمَسْأَلَة (إِلَى الْمَدِينَة) أَي: مَدِينَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَاللَّام فِيهَا للْعهد، وَفِي: بَاب تَعْلِيم الرجل أمته، قد كَانَ يركب فِيمَا دونهَا، وَمُرَاد الشّعبِيّ من هَذَا الْكَلَام الْحَث على طلب الْعلم، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ الْمعلم حَاضرا، فَافْهَم.
641 -
(بابُ أهْلِ الدَّارِ يُبَيِّتُونَ فَيُصَابُ الوِلْدَانُ والذَّرَارِيُّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي حكم أهل الدَّار، أَي: أهل دَار الْحَرْب. قَوْله: (يبيتُونَ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من التبييت، يُقَال: بَيت الْعَدو أَي: أوقع بهم لَيْلًا. قَوْله: (فيصاب الْولدَان)، أَي: بِسَبَب التبييت، والولدان جمع: الْوَلِيد، وَهِي الصَّبِي. قَوْله:(والذراري)، بِالرَّفْع وَالتَّشْدِيد عطفا على: الْولدَان، وَيجوز بِالسُّكُونِ وَالتَّخْفِيف، وَهُوَ جمع: ذُرِّيَّة، وَجَوَاب الْمَسْأَلَة مَحْذُوف تَقْدِيره: هَل يجوز ذَلِك أم لَا
…
؟ وحكمهما يعلم من الحَدِيث.
بَيانَاً لَيْلاً
لَيْسَ من التَّرْجَمَة، بل هُوَ من الْقُرْآن، وَقد جرت عَادَته أَنه إِذا وَقع فِي الْخَبَر لَفْظَة توَافق مَا وَقع فِي الْقُرْآن أورد تَفْسِيرا للفظ الْوَاقِع فِي الْقُرْآن، وَهَذِه اللَّفْظَة فِي آيَة فِي سُورَة الْأَعْرَاف وَهِي قَوْله تَعَالَى:{وَكم من قَرْيَة أهلكناها فجاءنا بأسنا بياتاً أَو هم قَائِلُونَ} (الْأَعْرَاف: 4) . أهلكناها أَي: أهلكنا أَهلهَا بمخالفتهم رسلنَا وتكذيبهم. قَوْله: {بأسنا} أَي: نقمتنا. قَوْله: {بياتاً} أَي: لَيْلًا {أَو هم قَائِلُونَ} من القيلولة وَهِي الاسْتِرَاحَة وسط النَّهَار. وَقَالَ بعض الشُّرَّاح، مَوضِع بياتاً، نياماً، بنُون وَمِيم، من النّوم، وَجعل هَذِه اللَّفْظَة من التَّرْجَمَة، فَقَالَ: وَالْعجب لزيادته فِي التَّرْجَمَة نياماً، وَمَا هُوَ فِي الحَدِيث إلَاّ ضمنا، لِأَن الْغَالِب أَنهم إِذا أوقع بهم فِي اللَّيْل لم يخلوا من نَائِم، وَمَا الْحَاجة إِلَى كَونهم نياماً أَو أيقاظاً وهما سَوَاء؟ إلَاّ أَن قَتلهمْ نياماً أَدخل فِي الغيلة، فنبه على جَوَازهَا مثل هَذَا. انْتهى. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا من قَول البُخَارِيّ مَا لم يقلهُ، وَالَّذِي رَأَيْت فِي عَامَّة مَا رَأَيْت من نسخ (كتاب الصَّحِيح) : بياتاً بباء مُوَحدَة وَبعد الْألف تَاء مثناة من فَوق، وَكَأن هَذَا الْقَائِل وَقعت لَهُ نُسْخَة مصحفة أَو تصحف عَلَيْهِ: بياتاً،
بنياماً. انْتهى. قلت: هَذَا الْقَائِل لَا يسْتَحق هَذَا الْمِقْدَار من الْحَط عَلَيْهِ، وَله أَن يَقُول: رَأَيْت عَامَّة مَا رَأَيْت من نسخ كتاب (الصَّحِيح) : نياماً بالنُّون وَالْمِيم، وَهَذَا مَحل نظر وَتَأمل، مَعَ أَنا وَافَقنَا صَاحب (التَّلْوِيح) فِيمَا قَالَه حَيْثُ قُلْنَا آنِفا، إِن لفظ بياتاً لَيْسَ من التَّرْجَمَة بل هُوَ من الْقُرْآن.
لَيُبَيِّتَنَّهُ لَيْلاً يُبَيِّتُ لَيْلاً
أكد صَاحب (التَّلْوِيح) كَلَامه الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن بِهَاتَيْنِ اللفظتين حَيْثُ قَالَ: يُوضحهُ، أَي: يُوضح مَا ذكره فِي بعض النّسخ من قَول البُخَارِيّ: لبيتنه لَيْلًا يبيت لَيْلًا، وَقَالَ بَعضهم: هَذِه الزِّيَادَة وَقعت عِنْد غير أبي ذَر. قلت: هَذَا كُله لَيْسَ بِوَجْه قوي فِي الرَّد على ذَلِك الْقَائِل، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من ذكر هَاتين اللفظتين فِي بعض النّسخ أَن يكون لفظ: بياتاً، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَيجوز أَن يكون بالنُّون وَالْمِيم، وَيكون من التَّرْجَمَة، ثمَّ ذكر هَاتين اللفظتين لِكَوْنِهِمَا من الْقُرْآن أما الأولى فَفِي سُورَة النَّمْل فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا تقاسموا بِاللَّه لنبيتنه وَأَهله
…
} (النَّمْل: 94) . الْآيَة يَعْنِي: قَالُوا متقاسمين بِاللَّه لنبيتنه، قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ بِضَم التَّاء على الْخطاب، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالنُّون، وَهُوَ من البيات وَهُوَ مباغتة الْعَدو لَيْلًا. وَأما الثَّانِيَة فَفِي سُورَة النِّسَاء فِي قَوْله تَعَالَى {بيَّت طَائِفَة مِنْهُم غير الَّذِي تَقول} (النِّسَاء: 18) . وَهِي فِي السَّبْعَة، وَهُوَ من التبييت فِي اللَّيْل لِأَنَّهُ وَقت البيتوتة، فَإِن ذَلِك الْوَقْت أخلى للفكر. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كل شَيْء قدر بلَيْل تبييت.
2103 -
حدَّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا الزُّهْرِيُّ عنْ عُبَيْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ الصَّعْبِ بنِ جَثَّامَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم قَالَ مَرَّ بِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بالأبْوَاءِ أوْ بِوَدَّانَ وسُئِلَ عنْ أهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وذَرَارِيِّهِمْ قالَ هُمْ مِنْهُمْ وسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا حِمَى إلَاّ لله ولِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ حدَّثنا الصَّعْبُ فِي الذَّرَارِيِّ كانَ عَمْرٌ ويُحَدِّثُنَا عنِ ابنِ شِهَابٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرنِي عُبَيْدُ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ الصَّعْبِ قالَ هُمْ مِنْهُمْ وَلَمْ يقُلْ كَمًّ قَالَ عَمْرٌ وهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ.
(انْظُر الحَدِيث 0732) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَسُئِلَ عَن أهل الدَّار) إِلَى قَوْله: (وسمعته) . وَرِجَاله كلهم قد ذكرُوا، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله ابْن عتبَة بن مَسْعُود، والصعب ضد السهل ابْن جثامة، بِفَتْح وَتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة: ابْن قيس بن ربيعَة اللَّيْثِيّ، مر فِي جَزَاء الصَّيْد.
والْحَدِيث أخرجه بَقِيَّة السِّتَّة، فَمُسلم أخرجه فِي الْمَغَازِي، وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد، وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي السّير.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بالأبواء)، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد: من عمل الْفَرْع من الْمَدِينَة، بَينهَا وَبَين الْجحْفَة مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة ثَلَاثَة وَعشْرين ميلًا، سميت بذلك لتبوء السُّيُول بهَا، وَبِه توفيت أم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(أَو بودان) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهِي: بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة وَبعد الْألف نون، وَهِي قَرْيَة جَامِعَة بَينهَا وَبَين الْأَبْوَاء ثَمَانِيَة أَمْيَال قريب من الْجحْفَة، وَهِي أَيْضا من عمل الْفَرْع. قَوْله:(وَسُئِلَ) على صِيغَة الْمَجْهُول وَالْوَاو فِيهِ للْحَال، ويروى: فَسئلَ، بِالْفَاءِ. قَوْله:(عَن أهل الدَّار)، أَي: عَن أهل دَار الْحَرْب، وَفِي رِوَايَة مُسلم: سُئِلَ عَن الذَّرَارِي من الْمُشْركين يبيتُونَ من نِسَائِهِم وذراريهم، فَقَالَ: هم مِنْهُم، رَوَاهُ عَن يحيى بن يحيى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن الصعب بن جثامة، وَفِي لفظ لَهُ عَن الصعب، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله! إِنَّا نصيب فِي البيات من ذَرَارِي الْمُشْركين. قَالَ: هم مِنْهُم، وَفِي لفظ لَهُ: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قيل لَهُ: لَو أَن خيلاً غارت من اللَّيْل فأصابت من أَبنَاء الْمُشْركين؟ قَالَ: هم من آبَائِهِم، وَترْجم مُسلم على هَذَا: بَاب مَا أُصِيب من ذَرَارِي الْعَدو فِي البيات، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَكَذَا هُوَ فِي أَكثر نسخ بِلَادنَا: سُئِلَ
عَن الذَّرَارِي، وَفِي بَعْضهَا: سُئِلَ عَن ذَرَارِي الْمُشْركين، وَنقل القَاضِي هَذِه عَن رِوَايَة جُمْهُور رُوَاة (صَحِيح مُسلم) قَالَ: وَهِي الصَّوَاب، فَأَما الرِّوَايَة الأولى فَقَالَ: لَيست بِشَيْء، بل هِيَ تَصْحِيف. قَالَ: وَمَا بعده يبين غلطه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَلَيْسَت بَاطِلَة كَمَا ادّعى القَاضِي، بل لَهَا وَجه، وَتَقْدِيره: سُئِلَ عَن حكم صبيان الْمُشْركين الَّذين يبيتُونَ فيصاب من نِسَائِهِم وصبيانهم بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: هم من آبَائِهِم، أَي: لَا بَأْس بذلك، لِأَن أحكاما الْبَلَد جَارِيَة عَلَيْهِم فِي الْمِيرَاث وَفِي النِّكَاح وَفِي الْقصاص والديات وَغير ذَلِك، وَالْمرَاد إِذا لم يتَعَمَّد من غير ضَرُورَة. قَوْله:(يبيتُونَ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقعت حَالا عَن أهل الدَّار من التبييت، وَهُوَ أَن يغار عَلَيْهِم بِاللَّيْلِ بِحَيْثُ لَا يعرف رجل من امْرَأَة. قَوْله:(من الْمُشْركين)، بَيَان الدَّار. قَوْله:(فيصاب من نِسَائِهِم وذراريهم)، وَفِي رِوَايَة مُسلم: إِنَّا نصيب فِي البيات من ذَرَارِي الْمُشْركين، كَمَا مر، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمرَاد بِالذَّرَارِيِّ هُنَا النِّسَاء وَالصبيان. قلت: كَيفَ يُرَاد من الذَّرَارِي النِّسَاء، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت فِي رِوَايَة البُخَارِيّ عطف الذَّرَارِي على النِّسَاء؟ قَوْله:(هم مِنْهُم) أَي: النِّسَاء والذراري من أهل الدَّار من الْمُشْركين.
فَإِن قلت: هَذَا يُخَالف مَا ذكره البُخَارِيّ فِيمَا بعد عَن ابْن عمر: نهى عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان، وَمَا رَوَاهُ مُسلم عَن بُرَيْدَة: اغزوا فَلَا تقتلُوا وليداً، وسيروا وَلَا تمثلوا. وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن سَمُرَة: اقْتُلُوا شُيُوخ الْمُشْركين واستبقوا شرخهم. وَقَالَ: حسن صَحِيح غَرِيب، وَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم لم يقتلهُمْ فَلَا يقتلهُمْ بقوله لنجدة الحروري، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث ريَاح بِكَسْر الرَّاء وبالياء آخر الْحُرُوف: ابْن الرّبيع، وَفِيه: فَقَالَ الخالد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا تقتلن امْرَأَة وَلَا عسيفاً. وَمَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث الْأسود بن سريع، وَفِيه ألَا لَا تقتلُوا ذُرِّيَّة أَلا لَا تقتلُوا ذُرِّيَّة، وَمَا رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِيه: وَلَا تقتلُوا الْولدَان وَلَا أَصْحَاب الصوامع، وَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: نهى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان، وَقَالَ: هما لمن غلب. وَمَا رَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي، قَالَ: نهى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم عَن قتل النِّسَاء والولدان. وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أنس وَفِيه: لَا تقتلُوا شَيخا فانياً وَلَا طفْلا وَلَا صَغِيرا وَلَا امْرَأَة، وَمَا رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي من حَدِيث جرير بن عبد الله، وَفِيه: وَلَا تقتلُوا الْولدَان. وَمَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي (مُسْنده) من حَدِيث ابْن عمر، وَفِيه: لَا تقتلُوا وليداً. وَمَا رَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث عَوْف ابْن مَالك، وَفِيه: لَا تقتلُوا النِّسَاء. وَمَا رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث ثَوْبَان مولى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم أَنه سمع رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم يَقُول: من قتل صَغِيرا أَو كَبِيرا أَو أحرق نخلا أَو قطع شَجَرَة مثمرة أَو ذبح شَاة لأَهْلهَا لم يرجع كفافاً. وَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث كَعْب: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن قتل النِّسَاء والولدان.
قلت: قَالَ الْخطابِيّ: قَوْله: (هم مِنْهُم) يُرِيد فِي حكم الدّين، فَإِن ولد الْكَافِر مَحْكُوم لَهُ بالْكفْر، وَلم يرد بِهَذَا القَوْل إِبَاحَة دِمَائِهِمْ تعمداً لَهَا، وقصداً إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ إِذا لم يُمكن الْوُصُول إِلَى الْآبَاء إلَاّ بهم، فَإِذا أصيبوا لاختلاطهم بِالْآبَاءِ لم يكن عَلَيْهِم فِي قَتلهمْ شَيْء، وَقد نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان، فَكَانَ ذَلِك على الْقَصْد لَا قتال فِيهِنَّ، فَإِذا قاتلهن فقد ارْتَفع الْحَظْر وَأحل دِمَاء الْكفَّار إلَاّ بِشَرْط الحقن. وَلما روى التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عمر الَّذِي فِيهِ: نهى عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان، على مَا يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، قَالَ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَغَيرهم، كَرهُوا قتل النِّسَاء والولدان، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ. وَرخّص بعض أهل الْعلم فِي البيات، وَقتل النِّسَاء فيهم والولدان، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ شَيخنَا: وَمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ من كَرَاهَة قتل النِّسَاء وَالصبيان ظَاهر فِي ترك الْقَتْل مُطلقًا فِي البيات وَغَيره، وَلَيْسَ كَذَلِك. أما قَتلهمْ فِي غير البيات فَأَجْمعُوا على تَحْرِيمه إِذا لم يقاتلوا، كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم)، فَإِن قَاتلُوا فَقَالَ فِي (شرح مُسلم) حِكَايَة عَن جَمَاهِير الْعلمَاء: يقتلُون، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى: بَاب مَا نهى عَن قَتله من النِّسَاء والولدان فِي دَار الْحَرْب، ثمَّ أخرج عَن تِسْعَة أنفس من الصَّحَابَة فِي النَّهْي عَن قتل الْولدَان والنسوان، وَقد مرت أَحَادِيث أَكْثَرهم عَن قريب، ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى أَنه لَا يجوز قتل النِّسَاء والولدان فِي دَار الْحَرْب على كل حَال، وَأَنه لَا يحل أَن يقْصد إِلَى قتل غَيرهم إِذا كَانَ لَا يُؤمن فِي ذَلِك تلفهم، من ذَلِك أَن أهل الْحَرْب إِذا تترسوا بصبيانهم وَكَانَ الْمُسلمُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ رميهم إلَاّ بِإِصَابَة صبيانهم فَحَرَام عَلَيْهِم رميهم فِي قَول هَؤُلَاءِ، وَكَذَلِكَ إِن تحَصَّنُوا بحصن وَجعلُوا فِيهِ الْولدَان، فَحَرَام عَلَيْهِم رمي ذَلِك الْحصن عَلَيْهِم إِذا كُنَّا نَخَاف فِي ذَلِك تلف نِسَائِهِم
وولدانهم، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي رويناها. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: الْأَوْزَاعِيّ ومالكاً وَالشَّافِعِيّ، فِي قَول وَأحمد فِي رِوَايَة.
وَقَالَ أَبُو عمر: اخْتلفُوا فِي رمي الْحُصُون بالمنجنيق إِذا كَانَ فِيهَا أَطْفَال الْمُشْركين أَو أُسَارَى الْمُسلمين، فَقَالَ مَالك: لَا يرْمى الْحصن وَلَا تحرق سفينة الْكفَّار إِذا كَانَ فِيهَا أُسَارَى الْمُسلمين: قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِذا تترس الْكفَّار بأطفال الْمُسلمين لم يرموا وَلَا تحرق الْمركب الَّذِي فِيهِ أُسَارَى الْمُسلمين. وَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ فِي (الصَّحِيح) وَأحمد وَإِسْحَاق: إِذا كَانَ لَا يُوصل إِلَى قَتلهمْ إلَاّ بِتَلف الصّبيان وَالنِّسَاء فَلَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري: لَا بَأْس برمي حصون الْمُشْركين وَإِن كَانَ فِيهَا أُسَارَى من الْمُسلمين وأطفالهم، أَو أَطْفَال الْمُشْركين، وَلَا بَأْس أَن تحرق السفن ويقصد بِهِ الْمُشْركُونَ، فَإِن أَصَابُوا وَاحِدًا من الْمُسلمين بذلك فَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة. وَقَالَ الثَّوْريّ: إِن أَصَابُوهُ فَفِيهِ الْكَفَّارَة وَلَا دِيَة. قَوْله: (وسمعته يَقُول)، أَي: قَالَ الصعب بن جثامة: سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم، يَقُول. . ويروى: فَيَقُول، وَهِي رِوَايَة أبي ذَر، وبالواو أظهر. قَوْله:(لَا حمى إلَاّ لله وَلِرَسُولِهِ)، هَذَا حَدِيث مُسْتَقل مضى فِي كتاب الْمُسَاقَاة فِي: بَاب لَا حمى إلَاّ لله وَلِرَسُولِهِ، أخرجه عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة ابْن مَسْعُود عَن ابْن عَبَّاس: أَن الصعب بن جثامة، قَالَ: إِن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم (لَا حمى إلَاّ لله وَلِرَسُولِهِ) وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. فَإِن قلت: مَا وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث فِي أثْنَاء حَدِيث الْبَاب؟ قلت: كَانُوا يحدثُونَ بالأحاديث على نَحْو مَا كَانُوا يسمعونها، وَقيل: هَذَا يشبه أَن يكون شَبِيها بِمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ)، ثمَّ وَصله بِحَدِيث آخر لَيْسَ فِيهِ شَيْء من مَعْنَاهُ كَمَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله:(وَعَن الزُّهْرِيّ)، مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول: حَدثنَا الصعب فِي الذَّرَارِي
…
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن فِي هَذِه الرِّوَايَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: (حَدثنَا الصعب فِي الذَّرَارِي)، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن فِي هَذِه الرِّوَايَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس: حَدثنَا الصعب فِي الذَّرَارِي أَي: سُئِلَ صلى الله عليه وسلم، عَن الذَّرَارِي، وَكَذَا وَقع فِي بعض النّسخ لمُسلم: سُئِلَ عَن الذَّرَارِي، وَقد ذكرنَا عَن قريب عَن النَّوَوِيّ أَنه قَالَ: المُرَاد بِالذَّرَارِيِّ هُنَا النِّسَاء وَالصبيان. قَوْله: (كَانَ عَمْرو)، يحدثنا أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: كَانَ عَمْرو بن دِينَار يحدثنا عَن ابْن شهَاب، وَهُوَ الزُّهْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، مُرْسلا، وَقَالَ بَعضهم فِي سِيَاق هَذَا الْبَاب عَن الزُّهْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: يُوهم أَن رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَن الزُّهْرِيّ هَكَذَا بطرِيق الْإِرْسَال، وَبِذَلِك جزم بعض الشُّرَّاح، وَلَيْسَ كَذَلِك، فقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق الْعَبَّاس بن يزِيد حَدثنَا سُفْيَان، قَالَ: كَانَ عَمْرو يحدثنا قبل أَن يقدم الزُّهْرِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن الصعب بن جثامة، قَالَ: فَقدم علينا الزُّهْرِيّ فَسَمعته يُعِيدهُ ويبديه، فَذكر الحَدِيث. انْتهى. قلت: أَرَادَ بِبَعْض الشُّرَّاح الْكرْمَانِي، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّه مُرْسل، وَالصَّوَاب مَعَه، فَإِن صُورَة مَا وَقع هُنَا صُورَة الْإِرْسَال، وَلَا نزاع فِي ذَلِك بِحَسب الظَّاهِر، وَلَا ينْدَفع صُورَة الْإِرْسَال هُنَا بِإِخْرَاج الْإِسْمَاعِيلِيّ كَمَا ذكره. قَوْله:(وَلم يقل كَمَا قَالَ عَمْرو: هم من آبَائِهِم)، بَيَان هَذَا الْموضع هُوَ: أَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: كَانَ عَمْرو بن دِينَار يحدثنا بِهَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: هم من آبَائِهِم، فسمعناه بعد ذَلِك من الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: أَخْبرنِي عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس، عَن الصعب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: هم مِنْهُم، وَلم يقل كَمَا قَالَ عَمْرو: من آبَائِهِم. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا نصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله ابْن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: أَخْبرنِي الصعب بن جثامة، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله! إِن خَيْلنَا وطِئت من نسَاء الْمُشْركين وَأَوْلَادهمْ؟ قَالَ: (هم من آبَائِهِم) ، هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَقد أخرج ابْن حبَان فِي حَدِيث الصعب زِيَادَة فِي آخِره، ثمَّ نهى عَنهُ يَوْم حنين، وَأَشَارَ الزُّهْرِيّ إِلَى نسخ حَدِيث الصعب، وَحكي الْحَازِمِي قولا بِجَوَاز قتل النِّسَاء وَالصبيان على ظَاهر حَدِيث الصعب، وَزعم أَنه نَاسخ لأحاديث النَّهْي وَهُوَ غَرِيب. قلت: حَدِيث ريَاح بن الرّبيع، الَّذِي مر عَن قريب، يدل على أَن النَّهْي كَانَ مُتَأَخِّرًا عَن حَدِيث الصعب، لِأَن خَالِدا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِنَّمَا كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، مُقَاتِلًا سنة ثَمَان. وَالله تَعَالَى أعلم.