الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَده عمر بن سعد على الْجَيْش الَّذين قتلوا الْحُسَيْن بن عَليّ وَمن مَعَه، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مَرْدُود لتكلفه بِغَيْر ضَرُورَة تحمل على إِرَادَة الضَّرَر الصَّادِر من وَلَده. قلت: لَا ينظر فِيهِ من هَذَا الْوَجْه، بل فِيهِ معْجزَة من معجزات النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أخبر بذلك بِالْإِشَارَةِ قبل وُقُوعه. وَعَن الطَّحَاوِيّ فِي ذَلِك وَجه آخر، وَهُوَ أَنه روى من طَرِيق بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَن أَبِيه: أَنه سَأَلَ عَامر بن سعد عَن معنى قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَذَا، فَقَالَ: لما أَمر سعدٌ على الْعرَاق أَتَى بِقوم ارْتَدُّوا فاستتابهم، فَتَابَ بَعضهم وَامْتنع بَعضهم، فَانْتَفع بِهِ من تَابَ وَحصل الضَّرَر للآخرين. قَوْله:(وَلم يكن لَهُ يَوْمئِذٍ إلَاّ ابْنة)، وَفِي رِوَايَة عَائِشَة بنت سعد أَن سَعْدا قَالَ:(وَلَا يَرِثنِي إلَاّ ابْنة وَاحِدَة) . قَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ لَا يَرِثنِي من الْوَلَد. أَو من خَواص الْوَرَثَة أَو من النِّسَاء، وإلَاّ فقد كَانَ لسعد عصبات، لِأَنَّهُ من بني زهرَة وَكَانُوا كثيرين. وَقيل: مَعْنَاهُ لَا يَرِثنِي من أَصْحَاب الْفُرُوض. وَقيل: خصها بِالذكر على تَقْدِير: لَا يَرِثنِي مِمَّن أَخَاف عَلَيْهِ الضّيَاع وَالْعجز إلَاّ هِيَ. وَقيل: ظن أَنَّهَا تَرث جَمِيع المَال، وَقيل: استكثر لَهَا نصف التَّرِكَة. فَإِن قلت: هَل ذكر أحد من الشُّرَّاح اسْم هَذِه الْبِنْت؟ قلت: ذكر بَعضهم عَن بعض الْمُتَأَخِّرين أَن اسْمهَا: عَائِشَة، ثمَّ قَالَ: فَإِن كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا فَهِيَ غير عَائِشَة بنت سعد الَّتِي رَوَت هَذَا الحَدِيث عِنْد البُخَارِيّ، فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ، وَفِي الطِّبّ وَهِي تابعية عمرت حَتَّى أدْركهَا مَالك، وروى عَنْهَا، وَمَاتَتْ سنة سبع عشرَة وَمِائَة، لَكِن لم يذكر أحد من النسابين لسعد بِنْتا تسمى عَائِشَة غير هَذِه، وَذكروا أَن أكبر بَنَاته: أم الحكم الْكُبْرَى، وَأمّهَا بنت شهَاب بن عبد الله بن الْحَارِث بن زهرَة، وَذكروا لَهُ بَنَات أُخْرَى أمهاتهن متأخرات الْإِسْلَام بعد الْوَفَاة النَّبَوِيَّة، فَالظَّاهِر أَن الْبِنْت الْمَذْكُورَة هِيَ: أم الحكم، الْمَذْكُورَة لتقدم تَزْوِيج سعد بأمها. انْتهى، وَهَذَا أَيْضا تخمين، وَالله أعلم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قد ذكرنَا أَكثر ذَلِك فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب رثاء النَّبِي، صلى الله عليه وسلم سعد بن خَوْلَة، ولنذكر بعض شَيْء. وَفِيه: زِيَارَة الْمَرِيض للْإِمَام فَمن دونه. وَفِيه: دُعَاء الزائر للْمَرِيض بطول الْعُمر. وَفِيه: الْحَث على صلَة الرَّحِم وَالْإِحْسَان إِلَى الْأَقَارِب، وَأَن صلَة الْأَقْرَب أفضل من صلَة الْأَبْعَد. وَفِيه: الْإِنْفَاق فِي وُجُوه الْخَيْر، لِأَن الْمُبَاح إِذا قصد بِهِ وَجه الله، صَار طَاعَة، وَقد نبه على ذَلِك بِأَقَلّ الحظوظ الدُّنْيَوِيَّة العادية، وَهُوَ وضع اللُّقْمَة فِي فَم الزَّوْجَة إِذْ لَا يكون ذَلِك غَالِبا إلَاّ عِنْد الملاعبة والممازحة، وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ يُؤجر عَلَيْهِ إِذا قصد بِهِ قصدا صَحِيحا، فَكيف بِمَا هُوَ فَوق ذَلِك؟ وَفِيه: أَن من لَا وَارِث لَهُ يجوز لَهُ الْوَصِيَّة بِأَكْثَرَ من الثُّلُث، لقَوْله صلى الله عليه وسلم:(أَن تذر وَرثتك أَغْنِيَاء)، فمفهومه أَن من لَا وَارِث لَهُ لَا يُبَالِي بِالْوَصِيَّةِ بِمَا زَاد على الثُّلُث) . وَفِيه: اسْتِدْلَال من يرى بِالرَّدِّ بقوله: وَلَا يَرِثنِي إلَاّ ابْنة لي، للحصر. وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بِأَن المُرَاد من ذَوي الْفُرُوض، وَمن قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَقُول بِظَاهِرِهِ، لأَنهم يعطونها فَرضهَا ثمَّ يردون عَلَيْهَا الْبَاقِي. وَظَاهر الحَدِيث: أَنَّهَا تَرث الْجَمِيع ابْتِدَاء. انْتهى. قلت: هَذَا عِنْد ظَنّه أَنَّهَا تَرث الْجَمِيع، وَالْبِنْت الْوَاحِدَة لَيْسَ لَهَا إلَاّ النّصْف وَالْبَاقِي يكون بِالرَّدِّ بِنَصّ آخر، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} (الْأَنْفَال: 57) . يَعْنِي: بَعضهم أولى بِالْمِيرَاثِ بِسَبَب الرَّحِم، وَالله أعلم.
3 -
(بابُ الوَصِيَّةِ بالثُّلْثِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ.
وقالَ الحَسَنُ لَا يَجُوزُ للذِّمِّيِّ وصِيَّةٌ إلَاّ الثُّلُثَ
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ أَرَادَ أَن الذِّمِّيّ إِذا أوصى بِأَكْثَرَ من ثلث مَاله لَا يجوز، وَأما الْمُسلم إِذا أوصى بِأَكْثَرَ من ثلث مَاله، فَإِن لم يكن لَهُ وَرَثَة جَازَ، وَإِن كَانَت لَهُ وَرَثَة فَإِن جازوا جَازَت الْوَصِيَّة، وَإِن ردوا بطلت الْوَصِيَّة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز إلَاّ فِي الثُّلُث. وَيُوضَع الثُّلُثَانِ لبيت المَال. وَقَالَ ابْن بطال: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الرَّد على من قَالَ كالحنفية بِجَوَاز الْوَصِيَّة بِالزِّيَادَةِ على الثُّلُث لمن لَا وَارِث لَهُ، وَلذَلِك احْتج بقوله تَعَالَى:{وَأَن أحكم بَينهم بِمَا أنزل الله} (الْمَائِدَة: 94) . وَالَّذِي حكم بِهِ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم من الثُّلُث هُوَ الحكم بِمَا أنزل الله، فَمن تجَاوز مَا حَده فقد أَتَى مَا نهى عَنهُ، ورد عَلَيْهِ بِأَن البُخَارِيّ لم يرد هَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الاستشهاد بِالْآيَةِ على أَن الذِّمِّيّ إِذا تحاكم إِلَيْنَا ورثته لَا تنفذ من وَصيته إلَاّ الثُّلُث، لأَنا لَا نحكم فيهم إلَاّ بِحكم
الْإِسْلَام، لقَوْله تَعَالَى: {وَإِن أحكم بَينهم بِمَا أنزل الله
…
} (الْمَائِدَة: 94) . الْآيَة. قلت: الْعجب من البُخَارِيّ أَنه ذكر عَن الْحسن أَنه لَا يرى للذِّمِّيّ بِالْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ من الثُّلُث، فليت شعري مَا وَجه ذكر هَذَا، وَالْحَال أَن حكم الْمُسلم كَذَلِك عِنْده، وَعند غير الْحَنَفِيَّة. وأعجب مِنْهُ كَلَام ابْن بطال الَّذِي تمحل فِي كَلَامه بالمحال وَاسْتحق الرَّد على كل حَال، وَأبْعد من هَذَا وَأكْثر استحقاقاً بِالرَّدِّ هُوَ صَاحب (التَّوْضِيح) حَيْثُ يَقُول: وعَلى قَول ابْن حنيفَة رد البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب، وَلذَلِك صدر بقول الْحسن، ثمَّ بِالْآيَةِ، فسبحان الله كَيفَ يرد على أبي حنيفَة بقول الْحسن، فَمَا وَجه ذَلِك؟ لَا يُدرى.
وَقَالَ الله تعَالى {وأنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أنْزَلَ الله} (الْمَائِدَة: 94) .
4472 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حدَّثنا زَكَرِيَّاءُ بنُ عَدِيٍّ قَالَ حدَّثنا مَرْوَانُ عنْ هاشِمِ بنِ هاشِمٍ عنْ عامِرِ بنِ سعْدٍ عنْ أبيِهِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مَرِضْتُ فعَادَنِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقُلْتُ يَا رسولَ الله ادْعُ الله (أنْ لَا يَرُدَّنِي علَى عَقِبي قَالَ لعَلَّ الله أنْ يرْفَعَكَ ويَنْفَعَ بِكَ نَاسا قُلْتُ أُرِيدُ أنْ أُوصِي وإنَّمَا لي ابْنَةٌ قُلْتُ أُوصِي بالنِّصْفِ قَالَ النِّصفُ كَثيرٌ قلْتُ فالثُّلْثُ قَالَ الثُّلْثُ والثُّلْثُ كَثير أوْ كَبِيرٌ قَالَ فأوْصاى النَّاسُ بالثُّلْثِ وجازَ ذالِكَ لَهُمْ.
.