الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْآخِرَة، وفتنة الْمَمَات أَن يخَاف عَلَيْهِ من سوء الخاتمة عِنْد الْمَوْت، وَعَذَاب الْقَبْر مِمَّا يعرض لَهُ عِنْد مساءلة الْملكَيْنِ ومشاهدة أَعماله السَّيئَة فِي أقبح الصُّور، أعاذنا الله مِنْهُ بمنه وَكَرمه.
62 -
(بابُ منْ حَدَّثَ بِمَشَاهِدِهِ فِي الحَرْبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من حدث بمشاهده، وَهُوَ جمع: مشْهد، مَوضِع الشُّهُود، أَي: الْحُضُور فِي الْحَرْب، أَرَادَ بِهَذَا أَن للرجل أَن يحدث بِمَا تقدم لَهُ من العناء فِي إِظْهَار الْإِسْلَام وإعلاء كَلمته ليتأسى بذلك المتأسي، ويقتدي بِهِ، وليرغب النَّاس فِي ذَلِك. وَأما الَّذِي يحدث لإِظْهَار شجاعته والافتخار بِمَا صنع فَذَلِك لَا يجوز.
قالَهُ أبُو عُثْمَانَ عَنْ سَعْدٍ
أَي: قَالَ ذَلِك أَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن النَّهْدِيّ، بِفَتْح النُّون عَن سعد بن أبي وَقاص، وَهَذَا تَعْلِيق ذكره مَوْصُولا فِي الْمَغَازِي.
4282 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدثنَا حاتِمٌ عنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوسُفَ عنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ قَالَ صَحِبْتُ طَلْحَةَ بنَ عُبَيْدِ الله وسَعْدَاً والمقْدَادَ بنَ الأسْوَدِ وعبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم فَمَا سَمِعْتُ أحَدَاً مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا أنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عنْ يَوْمِ أُحُدٍ.
(الحَدِيث 4282 طرفه فِي: 2604) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (سَمِعت طَلْحَة يحدث عَن يَوْم أحد) .
وحاتم هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، سكن الْمَدِينَة وَمر فِي الْوضُوء، وَمُحَمّد بن يُوسُف بن عبد الله ابْن أُخْت نمر، وَأمه ابْنة السَّائِب بن يزِيد، سمع جده السَّائِب بن يزِيد، والسائب هَذَا صَحَابِيّ صَغِير ابْن صحابيين حج بِهِ أَبوهُ وَأمه مَعَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم فِي حجَّة الْوَدَاع، وَهُوَ ابْن سبع سِنِين، وَيُقَال: ابْن عشر سِنِين، مر فِي جَزَاء الصَّيْد وَفِيه سِتَّة من الصَّحَابَة.
قَوْله: (وسعداً) أَي: وصحبت سَعْدا، وَهُوَ سعد بن أبي وَقاص. قَوْله:(فَمَا سَمِعت أحدا مِنْهُم)، أَي: هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة الْمَذْكُورين (يحدث عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْن بطال وَغَيره: كَانَ كثير من كبار الصَّحَابَة لَا يحدثُونَ عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم خشيَة الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان لِئَلَّا يدخلُوا فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: من نقل عني مَا لم أقل فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار، فاحتاطوا على أنفسهم أخذا بقول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أقلوا الحَدِيث عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَأَنا شريككم. قَوْله: (إِلَّا أَنِّي سَمِعت طَلْحَة يحدث عَن يَوْم أحد) يَعْنِي: مَا سَمِعت طَلْحَة يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا كَانَ يحدث عَن مشاهده يَوْم أحد، لِأَنَّهُ كَانَ من أهل النجدة وثبات الْقدَم فِي الْحَرْب، وَعَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ: أَنه لم يبْق مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْأَيَّام غير طَلْحَة وَسعد، وَلِهَذَا حدث طَلْحَة عَن مشاهده يَوْم أحد ليقتدي بِهِ، ويرغب النَّاس فِي مثل فعله.
72 -
(بابُ وُجُوبِ النَّفِيرِ وَمَا يَجِبُ مِنَ الجِهَادِ والنِّيَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب النفير، بِفَتْح النُّون وَكسر الْفَاء، أَي: الْخُرُوج إِلَى قتال الْكفَّار، وأصل النفير مُفَارقَة مَكَان إِلَى مَكَان لأمر حرك ذَلِك. قَوْله:(وَمَا يجب من الْجِهَاد)، أَي: وَفِي بَيَان الْقدر الْوَاجِب من الْجِهَاد. قَوْله: (وَالنِّيَّة)، أَي: وَفِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة النِّيَّة فِي ذَلِك.
وقَوْلِهِ {انْفِرُوا خِفافاً وثِقالاً وجاهِدُوا بأمْوالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله ذالِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لوْ كانَ عَرَضَاً قَرِيباً وسَفَراً قاصِدَاً لاتَّبَعُوكَ ولَكِنْ بَعُدَتْ علَيْهِمُ الشُّقَّةُ وسَيَحْلِفُونَ بِاللَّه} (التَّوْبَة: 14) الْآيَة.
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله:(وجوب النفير)، أَي: وَقَول الله تَعَالَى، وَفِي بعض النّسخ: وَقَول الله، عز وجل. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أَبِيه عَن أبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح: هَذِه الْآيَة: {انفروا خفافاً وثقالاً} (التَّوْبَة: 14) . أول مَا نزل من سُورَة بَرَاءَة، وَقَالَ
أَبُو مَالك الْغِفَارِيّ وَابْن الضَّحَّاك: هَذِه أول آيَة نزلت من بَرَاءَة، ثمَّ نزل أَولهَا وَآخِرهَا، وَفِي التَّفْسِير، قَالَ جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: لما نزلت آيَة الْجِهَاد منا الثقيل وَذُو الْحَاجة والضيعة والشغل، فَنزل قَوْله تَعَالَى:{انفروا خفافاً ثقالاً} (التَّوْبَة: 14) . وَيُقَال: كَانَ الْمِقْدَاد عَظِيما سميناً، جَاءَ إِلَى النَّبِي، صلى الله عليه وسلم وشكى إِلَيْهِ، وَسَأَلَ أَن يَأْذَن لَهُ، فَنزلت انفروا
…
الْآيَة، أَمر الله بالنفير الْعَام مَعَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم عَام غَزْوَة تَبُوك لقِتَال أَعدَاء الله من الرّوم الْكَفَرَة من أهل الْكتاب، وحتَّم على الْمُؤمنِينَ فِي الْخُرُوج مَعَه على كل حَال فِي المنشط وَالْمكْره والعسر واليسر، فَقَالَ:{انفروا خفافاً وثقالاً} (التَّوْبَة: 14) . وَعَن أبي طَلْحَة: كهولاً وشباناً، مَا سمع الله عذر أحد، ثمَّ خرج إِلَى الشَّام فقاتل حَتَّى قتل، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالشعْبِيّ وَمُقَاتِل ابْن حَيَّان وَزيد بن أسلم. وَقَالَ مُجَاهِد: شباناً وشيوخاً وأغنياء ومساكين. وَقَالَ الحكم بن عتيبة: مشاغيل وَغير مشاغيل. وَعَن ابْن عَبَّاس: انفروا نشاطاً وَغير نشاط. وَكَذَا قَالَ قَتَادَة، وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: فِي الْعسر واليسر، وَقيل: الْخفاف أهل اليسرة، والثقال أهل الْعسرَة. وَقيل: أصحاء ومرضى، وَقيل: مقلين من السِّلَاح ومكثرين. وَقيل: رجَالًا وركباناً، وَقيل: عزباناً ومتأهلين. وَقَالَ السّديّ: لما نزلت هَذِه الْآيَة اشْتَدَّ على النَّاس شَأْنهَا، فنسخها الله تَعَالَى فَقَالَ:{لَيْسَ على الضُّعَفَاء وَلَا على المرضى وَلَا على الَّذين لَا يَجدونَ مَا يُنْفقُونَ حرج إِذا نصحوا الله وَرَسُوله} (التَّوْبَة: 19) . وخفافاً، جمع خَفِيف، و: ثقالاً، جمع ثقيل وانتصابهما على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: انفروا. قَوْله: {جاهدوا بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ} (التَّوْبَة: 14) . إِيجَاب للْجِهَاد بهما إِن إمكن، أَو بِأَحَدِهِمَا على حسب الْحَال. قَوْله:{ذَلِكُم خير لكم} (التَّوْبَة: 14) . يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، لأنكم تغرمون فِي النَّفَقَة قَلِيلا فيغنمكم أَمْوَال عَدوكُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يدّخر لكم من الْكَرَامَة فِي الْآخِرَة إِن كُنْتُم تَعْمَلُونَ أَن الله يُرِيد الْخَيْر. قَوْله: {لَو كَانَ عرضا قَرِيبا
…
} (التَّوْبَة: 14) . الْآيَة نزلت فِي الْمُنَافِقين فِي غَزْوَة تَبُوك، وَالْمعْنَى: لَو كَانَ مَا دعوا إِلَيْهِ غنيمَة قريبَة وسفراً قَاصِدا، أَي: سهلاً قَرِيبا لاتبعوك طَمَعا فِي المَال، وَلَكِن بَعدت عَلَيْهِم الشقة أَي: السّفر الْبعيد. وَقَرَأَ ابْن عُمَيْر عبيد، بِكَسْر الشين، وَهِي لُغَة قيس قَوْله: وسيحلفون بِاللَّه، أَي: يحلفُونَ بِاللَّه لكم إِذا رجعتم إِلَيْهِم: لَو استطعنا لخرجنا مَعكُمْ أَي: لَو قَدرنَا، وَكَانَ لنا سَعَة من المَال لخرجنا مَعكُمْ، وَذَلِكَ كذب مِنْهُم ونفاق لأَنهم كَانُوا مياسير ذَوي أَمْوَال. قَالَ الله تَعَالَى:{يهْلكُونَ أنفسهم وَالله يعلم أَنهم لَكَاذِبُونَ} (التَّوْبَة: 24) . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: يهْلكُونَ أنفسهم إِمَّا أَن يكون بَدَلا من سيحلفون، أَو حَالا بِمَعْنى مهلكين، وَالْمعْنَى: أَنهم يوقعونها فِي الْهَلَاك بحلفهم الْكَاذِب، وَبِمَا يحلفُونَ عَلَيْهِ من التَّخَلُّف.
وقَوْلِهِ {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مالَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفُرُوا فِي سَبِيلِ لله أثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ أرَضِيتُمْ بالحياةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} إِلَى قَوْلِهِ {علَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التَّوْبَة: 83) .
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله الأول. هَذَا شُرُوع فِي عتاب من تخلف عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَة تَبُوك حِين طابت الثِّمَار والظلال فِي شدَّة الْحر وحمارة القيظ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
…
} (التَّوْبَة: 83) . الْآيَة، قَوْله: إثَّاقلتم، أَصله تثاقلتم، ادغمت التَّاء فِي الثَّاء فسكنت الأولى، فَأتى بِأَلف الْوَصْل ليتوصل بهَا إِلَى النُّطْق بالساكن، مَعْنَاهُ: تكاسلتم وملتم إِلَى الْمقَام فِي الدعة والخفض وَطيب الثِّمَار. قَوْله: {أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة} (التَّوْبَة: 83) . أَي: بدل الْآخِرَة، ثمَّ قَالَ تَعَالَى:{فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} (التَّوْبَة: 83) . هَذَا تزهيد من الله فِي الدُّنْيَا وترغيب فِي الْآخِرَة بِأَن مَتَاع الدُّنْيَا قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجنَّة، لانْقِطَاع ذَلِك ودوام هَذَا، ثمَّ توعد على ترك الْخُرُوج فَقَالَ: أَلا تنفرُوا: أَي: أَلا تخْرجُوا مَعَ نَبِيكُم إِلَى الْجِهَاد يعذبكم عذَابا أَلِيمًا ويستبدل قوما غَيْركُمْ لنصرة نبيه وَإِقَامَة دينه. قَوْله: {وَلَا تضروه شَيْئا} أَي: وَلَا تضروا الله تَعَالَى بتوليتكم عَن الْجِهَاد ونكولكم وتثاقلكم عَنهُ، وَالله على كل شَيْء قدير أَي: قَادر على الِانْتِصَار من الْأَعْدَاء بدونكم.
ويُذْكَرُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ انْفِرُوا ثُبَاتٍ سَرَايا مُتَفَرِّقِينَ يُقالُ أحَدُ الثُّبَاتِ ثُبَةٌ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَذكره إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد الشَّامي فِي تَفْسِيره عَنهُ، وَمَعْنَاهُ: أخرجُوا ثبات، يَعْنِي سَرِيَّة بعد سَرِيَّة، أَو انفروا مُجْتَمعين. قَوْله:(ثبات) ، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ جمع: ثبة، وَهِي الْجَمَاعَة، وَجَاء جمعهَا أَيْضا: ثبون وثبون وأثابي، وأصل: ثبة، ثبي، على وزن: فعل، بِضَم الْفَاء وَفتح الْعين. وَفِي (التَّوْضِيح) :