الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَمنا الَّذِي قد سنَّ فِي الْخَيل سنَّة
…
وَكَانَت سَوَاء قبل ذَاك سهامها)
وَعَن محكول فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (الْمَرَاسِيل) : (أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، هجّن الهجين يَوْم خَيْبَر وعرَّب الْعَرَبِيّ، للعربي سَهْمَان وللهجين سهم) . وَقَالَ الإشبيلي: وَرُوِيَ مَوْصُولا عَن مَكْحُول عَن زِيَاد بن حَارِثَة عَن حبيب بن سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، والمرسل أصح، وَقَالَ ابْن المناصف، وَرُوِيَ أَيْضا عَن الْحسن وَبِه قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ مَكْحُول: وَلَا شَيْء للبراذين، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ ابْن حزم: للراجل وراكب الْبَغْل وَالْحمار والجمل سهم وَاحِد فَقَط، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي سُلَيْمَان، وَقَالَ أَحْمد: للفارس ثَلَاثَة أسْهم ولراكب الْبَعِير سَهْمَان.
ولَا يُسْهَمُ لأِكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ
هُوَ من بَقِيَّة كَلَام مَالك، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمّد بن الْحسن وَأهل الظَّاهِر. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَإِسْحَاق: يُسهم لفرسين، وَهُوَ قَول ابْن وهب وَابْن الجهم من الْمَالِكِيَّة، وَقَالَ ابْن أبي عَاصِم: وَهُوَ قَول الْحسن وَمَكْحُول وَسَعِيد بن عُثْمَان، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لم يقل أحد أَنه يُسهم لأكْثر من فرسين إلَاّ شَيْئا رُوِيَ عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى الْأَشْدَق، قَالَ: يُسهم لمن عِنْده أَفْرَاس: لكل فرس سَهْمَان وَهُوَ شَاذ. وَعَن مَالك، فِيمَا ذكره ابْن المناصف: إِذا كَانَ الْمُسلمُونَ فِي سفن فَلَقوا الْعَدو فغنموا أَنه يضْرب للخيل الَّتِي مَعَهم فِي السفن بسهمهم، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر، وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء: الْقيَاس أَن لَا يُسهم لَهَا.
وَاخْتلف فِي فرس يَمُوت قبل حُضُور الْقِتَال، فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق: يُسهم، وَأَبُو ثَوْر: لَا يُسهم لَهُ إلَاّ إِذا حضر الْقِتَال. وَقَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَعبد الْملك بن الْمَاجشون: بالإدراب يسْتَحق الْفرس الإسهام، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن حبيب، قَالَ: وَمن حطم فرسه أَو كسر بعد الإيجاف أسْهم لَهُ. وَقَالَ مَالك: ويسهم للرهيص من الْخَيل وَإِن لم يزل رهيصاً من حِين دخل إِلَى حِين خرج بِمَنْزِلَة الْإِنْسَان الْمَرِيض. قَالَه ابْن الْمَاجشون وَأَشْهَب وَأصبغ، وَقَالَ اللَّخْمِيّ، وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه: لَا يُسهم للْمَرِيض من الْخَيل. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل دخل دَار الْحَرْب بفرسه ثمَّ بَاعه من رجل دخل دَار الْحَرْب رَاجِلا، وَقد غنم الْمُسلمُونَ غَنَائِم قبل شِرَائِهِ وَبعده: أَنه يُسهم للْفرس، فَمَا غنموا قبل الشِّرَاء للْبَائِع، وَمَا غنموا بعد الشِّرَاء فسهمه للْمُشْتَرِي، فَمَا اشْتبهَ من ذَلِك قسم بَينهمَا، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وعَلى هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي إلَاّ فِيمَا اشْتبهَ، فمذهبه أَنه يُوقف الَّذِي أشكل من ذَلِك بَينهمَا حَتَّى يصطلحا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا دخل أَرض الْعَدو غازياً رَاجِلا، ثمَّ ابْتَاعَ فرسا يُقَاتل عَلَيْهِ وأحرزت الْغَنِيمَة وَهُوَ فَارس أَنه لَا يضْرب لَهُ إلَاّ بِسَهْم راجل.
25 -
(بابُ منْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الحَرْبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من قاد
…
إِلَى آخِره.
4682 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا سَهْلُ بنُ يُوسُفَ عنْ شُعْبَةَ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ رَجلٌ لِلْبَرَاءِ بنِ عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أفرَرْتُمْ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ لاكِنَّ رسولَ الله لَمْ يَفِرَّ إنَّ هَوَازِنَ كانُوا قَوْمَاً رُماةً وإنَّا لَمَّا لَقِيناهُمْ حَمَلْنَا علَيْهِمْ فانْهَزَمُوا فأقْبَلَ المُسْلِمُونَ علَى الغَنَائِمِ واسْتَقْبَلُونَا بالسِّهَامِ فأمَّا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلَمْ يَفِرَّ فَلَقَدْ رَأيْتُهُ وإنَّهُ لَعَلَى بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ وإنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِهَا والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
(أَنا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ
…
أنَا ابنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَبُو سُفْيَان آخذ بِلِجَامِهَا) . وَسَهل بن يُوسُف الْأنمَاطِي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله
السبيعِي. وَأخرجه مُسلم أَيْضا.
قَوْله: (رجل للبراء) وَفِي رِوَايَة قَالَ للبراء رجل من قيس. قَوْله: (أَفَرَرْتُم؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على وَجه الاستخبار. قَوْله: (يَوْم حنين)، قَالَ الْوَاقِدِيّ: حنين وادٍ بَينه وَبَين مَكَّة ثَلَاث لَيَال قرب الطَّائِف، وَقَالَ الْبكْرِيّ: بضعَة عشر ميلًا، والأغلب فِيهِ التَّذْكِير لِأَنَّهُ اسْم مَاء، وَرُبمَا أنثت الْعَرَب جعلته إسماً للبقعة، وَهُوَ وَرَاء عَرَفَات سمي بحنين بن قانية بن مهلايل. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ إِلَى جنب ذِي الْمجَاز، وَكَانَت سنة ثَمَان، وسببها أَنه لما أجمع، صلى الله عليه وسلم، على الْخُرُوج إِلَى مَكَّة لنصرة خُزَاعَة، أَتَى الْخَبَر إِلَى هوَازن أَنه يريدهم، فَاسْتَعدوا للحرب حَتَّى أَتَوا سوق ذِي الْمجَاز، فَسَار صلى الله عليه وسلم حَتَّى أشرف على وَادي حنين مسَاء لَيْلَة الْأَحَد، ثمَّ صَالحهمْ يَوْم الْأَحَد نصف شَوَّال. قَوْله:(لَكِن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم لم يفر) ، هَذَا هُوَ الْمَعْلُوم من حَاله وَحَال الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، لإقدامهم وشجاعتهم وثقتهم بوعد الله، عز وجل، ورغبتهم فِي الشَّهَادَة، وَفِي لِقَاء الله، عز وجل، وَلم يثبت عَن وَاحِد مِنْهُم وَالْعِيَاذ بِاللَّه أَنه فر، وَمن قَالَ ذَلِك قتل وَلم يستتب لِأَنَّهُ صَار بِمَنْزِلَة من قَالَ: إِنَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ أسوداً وأعجمياً، لإنكاره مَا علم من وَصفه قطعا، وَذَلِكَ كفر. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَحكي عَن بعض أَصْحَابنَا الْإِجْمَاع على قتل من أضَاف إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم نقصا أَو عَيْبا، وَقيل: يُسْتَتَاب، فَإِن تَابَ وإلَاّ قتل. قَالَ ابْن بطال: لِأَنَّهُ كَافِر إِن لم يتَأَوَّل ويعذر بتأويله. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَالَّذين فروا يَوْمئِذٍ إِنَّمَا فَتحه عَلَيْهِ من كَانَ فِي قلبه مرض من مسلمة الْفَتْح الْمُؤَلّفَة ومشركيها الَّذين لم يَكُونُوا أَسْلمُوا، وَالَّذين خَرجُوا الْأَجَل الْغَنِيمَة، وَإِنَّمَا كَانَت هزيمتهم فجاءة. قَوْله:(إِن هوَازن) ، هم قَبيلَة من قيس، فَإِن قلت: هَذَا الِاسْتِدْرَاك مماذا؟ قلت: تَقْدِيره: نَحن فَرَرْنَا، وَلَكِن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم لم يفر، وَحذف لقصدهم عدم التَّصْرِيح بفرارهم، وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي قَوْله: فَأَما رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَلم يفر، تَقْدِيره: أما نَحن فقد فَرَرْنَا، وَأما رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَلم يفر. قَوْله:(رُمَاة)، جمع رام. قَوْله:(واستقبلونا) ويروى: فاستقبلونا، بِالْفَاءِ. قَوْله:(على بغلته الْبَيْضَاء) ، وَاخْتلف فِي هَذِه البغلة، فَفِي مُسلم: كَانَت بَيْضَاء أهداها لَهُ فَرْوَة ابْن نفاثة. وَفِي لفظ: كَانَت شهباء، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد: كَانَ رَاكِبًا دُلْدُل الَّتِي أهداها لَهُ الْمُقَوْقس، فَيحْتَمل أَن يكون ركبهما يَوْمئِذٍ، نزل عَن وَاحِدَة وَركب الْأُخْرَى، وركوبه يَوْمئِذٍ البغلة هُوَ النِّهَايَة فِي الشجَاعَة والثبات، لَا سِيمَا فِي نُزُوله عَنْهَا، وَمِمَّا يدل على شجاعته تقدمه يرْكض على البغلة إِلَى جمع الْمُشْركين حِين فر النَّاس، وَلَيْسَ مَعَه غير اثْنَي عشر نَفرا، وَكَانَ الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان آخذين بلجام البغلة يكفانها عَن الْإِسْرَاع بِهِ إِلَى الْعَدو، وَأَبُو سُفْيَان هُوَ ابْن الْحَارِث بن عبد الْمطلب ابْن عَم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَأَخُوهُ من الرضَاعَة، قيل: اسْمه كنيته، وَقيل: اسْمه الْمُغيرَة، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة عشْرين. قَوْله:(وَالنَّبِيّ يَقُول)، الْوَاو فِيهِ للْحَال. وَقَوله:(أَنا النَّبِي لَا كذب)، زعم ابْن التِّين أَن بعض أهل الْعلم كَانَ يرويهِ: لَا كذب، بِنصب الْبَاء ليخرجه عَن أَن يكون مَوْزُونا، وَفِيه إِثْبَات لنبوته صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهُ قَالَ: أَنا لَيْسَ بكاذب فِيمَا أَقُول، فَيجوز على الانهزام، وانتسابه إِلَى جده لرؤيا كَانَ عبد الْمطلب رَآهَا دَالَّة على نبوته مَشْهُورَة عِنْد الْعَرَب وعبررها لَهُ سيف ابْن ذِي يزن، فِيمَا ذكره ابْن ظفر. قلت: قصَّته أَن عبد الْمطلب لما وَفد على سيف بن ذِي يزن فِي جمَاعَة من قُرَيْش أخبر سيف أَن يكون فِي وَلَده نَبِي، وَكَانَ ذَلِك مِمَّا يناقله أهل الْيمن كَابِرًا عَن كَابر إِلَى أَن بلغ سَيْفا. وَقيل: لِأَن شهرة جده كَانَت أَكثر من شهرة أَبِيه، لِأَنَّهُ توفّي شَابًّا فِي حَيَاة أَبِيه.
وَفِيه: جَوَاز الانتماء فِي الْحَرْب، وَإِنَّمَا كره من ذَلِك مَا كَانَ على وَجه الافتخار فِي غير الْحَرْب، لِأَنَّهُ رخص فِي الْخُيَلَاء فِي الْحَرْب مَعَ نَهْيه عَنْهَا فِي غَيرهَا. فَإِن قلت: الْفِرَار من الزَّحْف كَبِيرَة، فَكيف بِمن انهزم هُنَا؟ قلت: قَالَ الطَّبَرِيّ: الْفِرَار المتوعد عَلَيْهِ هُوَ أَن يَنْوِي أَن لَا يعود إِذا وجد قُوَّة وَأما من تحيز إِلَى فِئَة أَو كَانَ فراره لِكَثْرَة عدد الْعَدو، وَنوى الْعود إِذا أمكنه، لَيْسَ دَاخِلا فِي الْوَعيد، وَلِهَذَا قَالَ، عز وجل، فِي حق هَؤُلَاءِ {ثمَّ أنزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ} (التَّوْبَة: 66) . وَفِيه: جَوَاز الْأَخْذ بالشدة والتعرض للهلكة فِي سَبِيل الله، لِأَن النَّاس فروا عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم. وَلم يبْق إلَاّ اثْنَي عشر رجلا، وهم: عتبَة ومعتب ابْني أبي لَهب وجعفر بن أبي سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب، وَأَبُو بكر وَعمر وَعلي وَالْفضل بن عَبَّاس وَأُسَامَة وَقثم بن الْعَبَّاس وأيمن بن أم أَيمن وَقتل يَوْمئِذٍ، وَرَبِيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَعقيل بن أبي طَالب وَأم سليم أم أنس بن مَالك من النِّسَاء. وَفِيه: ركُوب البغال فِي الْحَرْب للْإِمَام ليَكُون أثبت لَهُ، وَلِئَلَّا يظنّ بِهِ الاستعداد للفرار والتولي، وَهُوَ من بَاب السياسة لنفوس الِاتِّبَاع لِأَنَّهُ إِذا ثَبت أَتْبَاعه، وَإِذا ريىء مِنْهُ الْعَزْم على الثَّبَات عزم عَلَيْهِ.