الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعند أهل اللُّغَة الثَّبَات الْجَمَاعَات فِي تَفْرِقَة، أَي: حَلقَة حَلقَة كل جمَاعَة ثبة، والثبة مُشْتَقَّة من قَوْلهم: ثبيت الرجل إِذا أثنيت عَلَيْهِ فِي حَيَاته، لِأَنَّك كَأَنَّك قد جمعت محاسنه. وَقَالَ أَبُو عمر: والتثبية: الثَّنَاء على الرجل فِي حَيَاته. قَوْله: (ثبات سَرَايَا مُتَفَرّقين) أَحْوَال، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْحسن الْقَابِسِيّ: ثباتاً، بِالنّصب، وَهُوَ غير صَحِيح، لِأَنَّهُ جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم مثل: الهندات، وَالنّصب والجر فِيهِ سَوَاء، والسرايا جمع: سَرِيَّة، وَهِي من يدْخل دَار الْحَرْب مستخفياً. قَوْله:(وَيُقَال وَاحِد الثَّبَات: ثبة) لَا طائل تَحْتَهُ، لِأَن هَذَا مَعْلُوم قطعا أَن ثبات جمع ثبة، وَأما الثبة الَّتِي بِمَعْنى وسط الْحَوْض فَلَيْسَ من بَاب ثبة الَّذِي بِمَعْنى الْجَمَاعَة، لِأَن أصل هَذِه: ثوب، وَهُوَ أجوف واوي، فَلَمَّا حذفت الْوَاو عوض عَنْهَا الْهَاء وَسمي: وسط الْحَوْض بذلك، لِأَن المَاء يثوب إِلَيْهِ أَي: يرجع.
5282 -
حدَّثنا عَمرُو بنُ عَلِيٍّ قَالَ حدَّثنا يَحْيى قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثني مَنْصُورٌ عنْ مُجَاهِدٍ عنْ طَاوُسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الفَتْحِ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولاكِنْ جِهادٌ ونِيَّة وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفُرُوا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة) ، وَعَمْرو بن عَليّ بَحر بن يحيى بن كثير أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، والْحَدِيث مضى فِي: بَاب فضل الْجِهَاد بِهَذَا الْإِسْنَاد، غير أَن شَيْخه هُنَاكَ: عَليّ بن عبد الله، وَهنا: عَمْرو بن عَليّ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
82 -
(بابُ الكَافِرِ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ ثُمَّ يُسْلِمُ فَيُسَدِّدُ بَعْدُ ويُقْتَلُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْكَافِر الَّذِي يقتل الْمُسلم ثمَّ يسلم، بِضَم الْيَاء أَي: الْقَاتِل. قَوْله: (فيسدد) بِالسِّين الْمُهْملَة أَي: يسدد دينه يَعْنِي: يَسْتَقِيم. قَوْله: (بعدُ) بِضَم الدَّال أَي: بعد قَتله الْمُسلم. قَوْله: (ويُقتل) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: أَو يقتل، وَعَلَيْهَا اقْتصر ابْن بطال والإسماعيلي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو ثمَّ يصير مقتولاً، وَالْجَوَاب فِيهِ يفهم من الحَدِيث، وَلم يذكرهُ اكْتِفَاء بِهِ.
6282 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبرنَا مالِكٌ عنْ أبِي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يَضْحِكُ الله إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أحدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلانِ الجَنَّةَ يُقَاتِلُ هذَا فِي سَبيلِ الله فيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ الله عَلى القَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة كالشرح لِمَعْنى الحَدِيث، وَذَلِكَ أَن الْمَذْكُور فِيهَا: فيسدد، وَفِي الحَدِيث (فيستشهد) وَالشَّهَادَة إِنَّمَا تعْتَبر على وَجه التسديد، وَهُوَ الاسْتقَامَة فِيهَا. وَقَالَ بَعضهم: يظْهر لي أَن البُخَارِيّ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة إِلَى مَا أخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم من طَرِيق أُخْرَى عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّار مُسلم قتل كَافِرًا ثمَّ سدد الْمُسلم وقارب
…
الحَدِيث. انْتهى. قلت: التَّرْجَمَة لَا تكون إلَاّ بِمَا يدل على شَيْء من الحَدِيث الَّذِي وضعت التَّرْجَمَة لَهُ، فَكيف تكون التَّرْجَمَة هُنَا والْحَدِيث فِي كتاب آخر أخرجه غَيره؟ والإسناد الْمَذْكُور بِعَين هَؤُلَاءِ الرِّجَال قد ذكر غير مرّة، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي النعوت عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يضْحك الله) ، الضحك وَأَمْثَاله إِذا أطلقت على الله يُرَاد بهَا لوازمها مجَازًا، ولازم الضحك الرِّضَا. وَقَالَ الْخطابِيّ: الضحك الَّذِي يعتري الْبشر عِنْدَمَا يستخفهم الْفَرح أَو يستفزهم الطَّرب غير جَائِز على الله، عز وجل وَإِنَّمَا هُوَ مثل ضربه لهَذَا الصنع الَّذِي هُوَ مَكَان التَّعَجُّب عِنْد الْبشر، وَفِي صفة الله تَعَالَى الْإِخْبَار عَن الرِّضَا بِفعل أحد هذَيْن وَالْقَبُول للْآخر، ومجازاتهما على صنيعهما الْجنَّة مَعَ اخْتِلَاف أحوالهما، وتباين مقاصدهما، وَمَعْلُوم أَن الضحك يدل على
الرِّضَا وَقبُول الْوَسِيلَة وإنجاح الطّلبَة، فَمَعْنَاه: أَن الله يجزل الْعَطاء لَهما لِأَنَّهُ هُوَ مُقْتَضى الضحك وموجبه، أَو يكون مَعْنَاهُ: تضحك مَلَائِكَة الله من صنيعهما، لِأَن الإيثار على النَّفس أَمر نَادِر فِي الْعَادة مستغرب فِي الطباع، وَقَالَ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : يُرِيد: أضْحك الله مَلَائكَته من وجود مَا قضى. وَقَالَ ابْن فورك: أَي: يُبْدِي الله من فَضله تَوْفِيقًا لهذين الرجلَيْن، كَمَا تَقول الْعَرَب: ضحِكت الأَرْض من النَّبَات إِذا ظهر فِيهَا، وَكَذَلِكَ قَالُوا للطلع إِذا انفتق عَنهُ: كفري الضحك، لأجل أَن ذَلِك يَبْدُو مِنْهُ الْبيَاض الظَّاهِر كبياض الثغر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَرَادَ قبُول أعمالهما ورحمتهما وَالرِّضَا عَنْهُمَا. قَوْله: (إِلَى رجلَيْنِ)، عدى: بإلى، لتَضَمّنه معنى الإقبال، يُقَال: ضحِكت إِلَى فلَان إِذا تَوَجَّهت إِلَيْهِ بِوَجْه طلق، وَأَنت عَنهُ راضٍ. قلت: هَذَا يدل على أَن المُرَاد بالضحك هُنَا الإقبال بِالْوَجْهِ. قَوْله: (يدخلَانِ الْجنَّة) فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة للرجلين، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق همام عَن أبي هُرَيْرَة، قَالُوا: كَيفَ يَا رَسُول الله؟ . قَوْله: (يُقَاتل هَذَا) ، جملَة مستأنفة، يدل عَلَيْهِ رِوَايَة مُسلم هَذِه، لِأَن الْمَعْنى: قَالُوا: يَا رَسُول الله! كَيفَ يدخلَانِ الْجنَّة؟ فَقَالَ: (يُقَاتل هَذَا فِي سَبِيل الله فَيقْتل) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَزَاد فِي رِوَايَة همام:(فيلج الْجنَّة، ثمَّ يَتُوب الله على الْقَاتِل)، أَي: فَيسلم. وَفِي رِوَايَة همام: (فيهديه الله إِلَى الْإِسْلَام، ثمَّ يُجَاهد فِي سَبِيل الله فيستشهد) .
وَقَالَ أَبُو عمر: يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث أَن كل من قتل فِي سَبِيل الله فَهُوَ فِي الْجنَّة. وَقَالَ أَيْضا: معنى هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم: أَن الْقَاتِل الأول كَانَ كَافِرًا. قيل: هُوَ الَّذِي استنبطه البُخَارِيّ فِي تَرْجَمته، وَلَكِن لَا مَانع أَن يكون مُسلما، لعُمُوم قَوْله:(ثمَّ يَتُوب الله على الْقَاتِل) كَمَا لَو قتل مُسلم مُسلما عمدا بِلَا شُبْهَة ثمَّ تَابَ الْقَاتِل وَاسْتشْهدَ فِي سَبِيل الله عز وجل.
7282 -
حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا الزُّهْرِيُّ قَالَ أخْبرني عَنْبَسَةُ بنُ سَعِيدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهْوَ بِخَيْبَرَ بَعْدَما افْتَتَحُوهَا فَقُلْتُ يَا رسولَ الله أسْهِمْ لِي فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بنِ العاصِ لَا تُسْهِمْ لَهُ يَا رسولَ الله فَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ هَذَا قاتِلُ ابنِ قَوْقَلٍ فَقَالَ ابنُ سَعَيدِ بنِ العَاصِ واعَجَبَاً لِوَبْرٍ تَدَلَّى عَلَيْنَا مِنْ قُدُومِ ضأنٍ يَنْعَى عَلَيَّ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ أكْرَمَهُ الله عَلَى يَدَيَّ ولَمْ يُهَنِّيءْ عَلَى يَدَيْهِ قَالَ فِلا أدْرِي أسْهَمَ لَهُ أمْ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ قَالَ سُفْيَانُ وحَدَّثَنِيهِ السَعِيديُّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أبُو عَبْدِ الله السَّعِيديُّ عَمْرُو ابنُ يَحْيَى بنِ سَعِيدِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعِيدِ بنِ الْعَاصِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَول ابْن سعيد بن الْعَاصِ، وَهُوَ أبان بن سعيد: أكْرمه الله بيَدي) ، وَأَرَادَ بذلك أَن ابْن قوقل وَهُوَ النُّعْمَان اسْتشْهد بيد أبان فَأكْرمه الله بِالشَّهَادَةِ، وَلم يقتل أبان على كفره فَيدْخل النَّار، بل عَاشَ حَتَّى تَابَ وَأسلم وَكَانَ إِسْلَامه قبل خَيْبَر وَبعد الْحُدَيْبِيَة، وَهَذَا هُوَ عين التَّرْجَمَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: الْحميدِي، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: هُوَ عبد الله بن الزبير أَبُو بكر، مَنْسُوب إِلَى أحد أجداده: حميد بن زُهَيْر وَهُوَ بطن من قُرَيْش. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: عَنْبَسَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة: ابْن سعيد الْأمَوِي. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.
وَفِيه: أَرْبَعَة أنفس أَيْضا. الأول: هُوَ قَوْله: بعض بني سعيد بن الْعَاصِ، هُوَ أبان بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي الْأمَوِي، قَالَ الزبير: تَأَخّر إِسْلَامه بعد إِسْلَام أَخَوَيْهِ: خَالِد وَعَمْرو، ثمَّ أسلم أبان وَحسن إِسْلَامه. قَالَ أَبُو عمر: وَكَانَ إِسْلَام أبان بن سعيد بَين الْحُدَيْبِيَة وخيبر، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: قتل أبان وَعَمْرو ابْنا سعيد بن الْعَاصِ يَوْم اليرموك، وَلم يُتَابع عَلَيْهِ ابْن إِسْحَاق، وَكَانَت اليرموك يَوْم الِاثْنَيْنِ لخمس مضين من رَجَب سنة خمس عشرَة فِي خلَافَة عمر، وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: قتل أبان يَوْم أجنادين، وَكَانَت وقْعَة أجنادين فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث عشرَة فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقيل: إِنَّه قتل أَيَّام مرج الصفر، وَكَانَ فِي صدر خلَافَة عمر سنة أَربع عشرَة، وَكَانَ الْأَمِير يَوْم مرج الصفر خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الثَّانِي: ابْن قوقل: هُوَ النُّعْمَان بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن أَصْرَم، بالصَّاد
الْمُهْملَة: ابْن فهم بن ثَعْلَبَة بن غنم، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون بعْدهَا مِيم: ابْن عَمْرو بن عَوْف الْأنْصَارِيّ الأوسي، وقوقل لقب ثَعْلَبَة. وَقيل: لقب أَصْرَم، وَقد ينْسب النُّعْمَان إِلَى جده، فَيُقَال لَهُ: النُّعْمَان بن قوقل، وقوقل بقافين على وزن: جَعْفَر، شهد بَدْرًا وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا، وروى الْبَغَوِيّ فِي (الصَّحَابَة) : أَن النُّعْمَان بن قوقل قَالَ يَوْم أحد: أَقْسَمت عَلَيْك يَا رب أَن لَا تغيب الشَّمْس حَتَّى أَطَأ بعرجتي فِي الْجنَّة، فاستشهد ذَلِك الْيَوْم، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم:(لقد رَأَيْته فِي الْجنَّة) الثَّالِث: السعيدي، وَهُوَ الَّذِي أوضحه البُخَارِيّ بقوله: هُوَ عَمْرو بن يحيى بن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ، يكنى أَبَا أُميَّة الْمَكِّيّ. قَالَ يحيى بن معِين: صَالح، وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات. الرَّابِع: سعيد بن عَمْرو بن سعيد الْقرشِي أَبُو عُثْمَان الْأمَوِي، روى عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، مُرْسلا، وَعَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، روى عَنهُ ابْن ابْنه عَمْرو بن يحيى الْمَذْكُور، وَقَالَ أَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ ثِقَة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَهُوَ بِخَيْبَر) جملَة حَالية، وَكَانَ افتتاحها فِي سنة
…
…
قَوْله: (أسْهم لي) ، السَّائِل بِهَذَا هُوَ أَبُو هُرَيْرَة، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بعث أبان بن سعيد ابْن الْعَاصِ على سَرِيَّة من الْمَدِينَة، قِبَل نَجْد، فَقدم أبان وَأَصْحَابه على رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بِخَيْبَر بعد أَن فتحهَا، فَقَالَ أبان: إقسم لنا يَا رَسُول الله، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَقلت: لَا تقسم لَهُ يَا رَسُول الله! فَقَالَ أبان: أَنْت هُنَا يَا وبر تحدر علينا من رَأس ضال؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: إجلس يَا أبان، وَلم يقسم لَهُم، وَفِي لفظ: فَقَالَ سعيد بن الْعَاصِ: يَا عجبا لوبر؟ قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: كَذَا عِنْد أبي دَاوُد، فَقَالَ سعيد: وَإِنَّمَا هُوَ ابْن سعيد، واسْمه أبان، قَالَ: وَالصَّحِيح أَن أَبَا هُرَيْرَة هُوَ السَّائِل، كَمَا هُوَ فِي البُخَارِيّ. انْتهى. قلت: على تَقْدِير صِحَة حَدِيث أبي دَاوُد ومقاومته لحَدِيث البُخَارِيّ يحْتَمل أَنَّهُمَا سَأَلَا جَمِيعًا، وَأَن أَحدهمَا جازى الآخر لما أسلفه من قَوْله: لَا تقسم لَهُ. قَوْله: (بعض بني سعيد بن الْعَاصِ)، هُوَ أبان بن سعيد كَمَا قُلْنَا. قَوْله:(قَاتل ابْن قوقل) ، هُوَ النُّعْمَان بن مَالك، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن. قَوْله:(وَاعجَبا) بِالتَّنْوِينِ، ويروى بِدُونِهِ، وَكلمَة: واهنا اسْم لأعجب، وانتصاب عجبا بِهِ. قَوْله:(لوبر) ، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا رَاء، قَالَ ابْن قرقول: كَذَا لأكْثر الروَاة بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهِي دويبة غبراء، وَيُقَال: بَيْضَاء على قدر السنور حَسَنَة الْعَينَيْنِ من دَوَاب الْجبَال، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِك احتقاراً، وضبطها بَعضهم بِفَتْح الْبَاء، وتأوله: جمع وبرة وَهُوَ شعر الْإِبِل أَي: إِن شَأْنه كشأن الْوَبرَة، لِأَنَّهُ لم يكن لأبي هُرَيْرَة عشيرة. وَقَالَ الْخطابِيّ: أَحسب أَنَّهَا تُؤْكَل، لِأَنِّي وجدت بعض السّلف يُوجب فِيهَا الْفِدْيَة. وَقَالَ الْقَزاز: هِيَ سَاكِنة الْبَاء: دويبة أَصْغَر من السنور، طحلاء اللَّوْن، يَعْنِي: تشبه الطحال لَا ذَنْب لَهَا، وَهِي من دَوَاب الْغَوْر، وَالْجمع: وبار، وَفِي (الْمُحكم (: على قدر السنور، وَالْأُنْثَى وبرة، وَالْجمع؛ وبر ووبور ووبار ووبار وابارة. وَفِي (الصِّحَاح) ؛ ترحن فِي الْبيُوت: أَي: تقيم بهَا وتألفها. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب (المغيث) : يجب على الْمحرم فِي قَتلهَا شَاة لِأَنَّهَا تجتز كالشاة، وَقيل؛ لِأَن لَهَا كرشاً كالشاة، وَفِي (مجمع الغرائب) عَن مُجَاهِد: فِي الْوَبر شَاة، فَذكر مثله. وَفِي (البارع) : لأبي عَليّ بن أبي حَاتِم: الطائيون يَقُولُونَ لما يكون فِي الْجبَال من الحشرات: الْوَبر، وَجَمعهَا: الوبارة، ولغة أُخْرَى الإبارة بِالْكَسْرِ والهمز، وَقَالَ ابْن بطال: وَإِنَّمَا سكت أَبُو هُرَيْرَة عَن أبان فِي قَوْله هَذَا لِأَنَّهُ لم يرمه بِشَيْء ينقص دينه، إِنَّمَا ينقصهُ بقلة الْعَشِيرَة وَالْعدَد أَو لضعف الْمِنَّة. قَوْله:(تدلى علينا)، أَي: انحدر، وَلَا يخبر بِهَذَا إلَاّ عَمَّن جَاءَ من مَكَان عَال. قَالَ الطَّبَرِيّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْعَرَب. قَوْله: (من قدوم ضان)، قَالَ ابْن قرقول: هُوَ بِفَتْح الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال: اسْم مَوضِع، وَضم الْمروزِي الْقَاف وَالْأول أَكثر، وتأوله بَعضهم قدوم ضان، أَي: الْمُتَقَدّم مِنْهَا، وَهِي رؤوسها، وَهُوَ وهم بيِّن. وَقَالَ ابْن بطال: يحْتَمل أَن يكون جمع: قادم مثل: رُكُوع وَرَاكِع، وَسُجُود وَسَاجِد، وَيكون الْمَعْنى: تدلى علينا من جملَة القادمين، أَقَامَ الصّفة مقَام الْمَوْصُوف، وَيكون: من، فِي قَوْله: من قدوم، تبيينا للْجِنْس، كَمَا لَو قَالَ: تدلى علينا من سَاكِني ضان، وَلَا تكون من مرتبطة بتدلي، كَمَا هِيَ مرتبطة بِالْفِعْلِ فِي قَوْلك تدليت من الْجَبَل لِاسْتِحَالَة تدليه من قوم، لِأَنَّهُ لَا يُقَال: تدليت من بني فلَان، قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون قدوم مصدرا وصف بِهِ