الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(بَاب هَل يلْتَفت لأمر ينزل بِهِ أَو يرى شَيْئا أَو بصاقا فِي الْقبْلَة)
-
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: هَل يلْتَفت
…
إِلَى آخِره، أَي: هَل يلْتَفت الْمُصَلِّي فِي صلَاته لأمر ينزل بِهِ مثل مَا إِذا خَافَ من سُقُوط جِدَار أَو قصد حَيَّة أَو سبع لَهُ؟ قَوْله: (أَو يرى شَيْئا) قدامه أَو من جِهَة يَمِينه أَو من جِهَة يسَاره، وَلَيْسَ هُوَ بمقيد أَن يكون من جِهَة الْقبْلَة فَقَط، لِأَنَّهُ لَا يلْزم تَقْيِيد الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بِمَا هُوَ قيد فِي الْمَعْطُوف. قَوْله:(أَو بصاقا) عطف على: شَيْئا، تَقْدِيره: أَو رأى بصاقا فِي جِهَة الْقبْلَة فَالْتَفت إِلَيْهِ، وَجَوَاب: هَل، مَحْذُوف تَقْدِيره: يلْتَفت، لدلَالَة مَا فِي الْبَاب عَلَيْهِ.
وَقَالَ سَهْلٌ التَفَتَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَرَأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم
مطابقته لقَوْله فِي التَّرْجَمَة: (أَو يرى شَيْئا) فَإِن أَبَا بكر الْتفت لما رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَسَهل هُوَ: ابْن سعد بن مَالك الْأنْصَارِيّ الخزرجي، هُوَ وَأَبوهُ صحابيان. وَهَذَا أخرجه البُخَارِيّ فِي: بَاب من دخل ليؤم النَّاس، من رِوَايَة أبي حَازِم عَنهُ فِي إِمَامَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
753 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ نَافِعٍ عَن ابْن عُمَرَ أنَّهُ قَالَ رَأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَهْوَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيِّ النَّاسِ فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ انْصَرَفَ إنَّ أحَدُكُمْ إذَا كانَ فِي الصَّلَاةِ فإنَّ الله قَبِلَ وَجْهَهُ فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ أحَدٌ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الْجُزْء الثَّالِث مِنْهَا، وَهُوَ قَوْله:(أَو بصاقا) . فَإِن قلت: الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة البصاق، وَفِي الحَدِيث النخامة، وَأَيْنَ التطابق؟ قلت: الْمَقْصُود مُطَابقَة أصل الحَدِيث، فَإِنَّهُ أخرج حَدِيث نَافِع عَن ابْن عمر هَذَا أَيْضا فِي: بَاب حك البزاق بِالْيَدِ من الْمَسْجِد، وَلَفظه: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر: (أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا فِي جِدَار الْقبْلَة فحكه) . الحَدِيث، وَلِأَن حكم البصاق والنخامة وَاحِد من حيثية تعين إزالتهما على أَن الصَّحِيح أَن النخامة هِيَ الفضلة الْخَارِجَة من الصَّدْر، وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِي الْأَبْوَاب الَّتِي فِيهَا حك البزاق بِالْيَدِ، وحك النخامة بالحصى، فَقَوله:(وَهُوَ يُصَلِّي) جملَة حَالية. قَوْله: (بَين يَدي النَّاس)، قَالَ بَعضهم: هَذَا يحْتَمل أَن يكون مُتَعَلقا بقوله: (وَهُوَ يُصَلِّي) أَو بقوله: (رأى نخامة) . قلت: ظَاهر التَّرْكِيب يَقْتَضِي تعلقه بقوله: (وَهُوَ يُصَلِّي) لِأَن الْعَامِل فِي الظّرْف هُوَ قَوْله: (يُصَلِّي) قَوْله: فحتها) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: حكها وأزالها. قَوْله: (ثمَّ قَالَ حِين انْصَرف) ظَاهر التَّرْكِيب يَقْتَضِي أَن يكون الحت وَقع مِنْهُ صلى الله عليه وسلم دَاخل الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر الْمَذْكُور آنِفا غير مُقَيّد بِحَال الصَّلَاة، وَكَذَلِكَ هُوَ أخرج هُنَاكَ أَحَادِيث عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد وَأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلَيْسَ فِي وَاحِد مِنْهَا قيد بِحَال الصَّلَاة. فَإِن قلت: مَا وَجه هَذِه الرِّوَايَة الْمقيدَة بِحَال الصَّلَاة؟ أَو لَيْسَ هَذَا عمل يفْسد الصَّلَاة؟ قلت: الْعَمَل الْيَسِير لَا يفْسد
الصَّلَاة، وَهُوَ كبصاقه فِي ثَوْبه فِي الصَّلَاة، ورد بعضه على بعض، وَنَظِيره مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت:(جِئْت وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي الْبَيْت وَالْبَاب عَلَيْهِ مغلق، فَمشى حَتَّى فتح لي ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانَهُ)، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَهُوَ مَحْمُول على أَنه مَشى أقل من ثَلَاث خطوَات لقربة من الْبَاب، وفتحه الْبَاب أَيْضا مَحْمُول على أَنه فَتحه بِيَدِهِ الْوَاحِدَة، وَذَلِكَ لِأَن الْفَتْح باليدين عمل كثير فتفسد بِهِ الصَّلَاة، وَعَن هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا: لَو غلق الْمُصَلِّي الْبَاب لَا تفْسد صلَاته، وَلَو فتحهَا فَسدتْ، لِأَن الْفَتْح يحْتَاج غَالِبا إِلَى المعالجة باليدين، وَهُوَ عمل كثير، بِخِلَاف الغلق، حَتَّى لَو فتحهَا بِيَدِهِ الْوَاحِدَة لَا تفْسد. قَوْله:(قبل وَجهه) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ على سَبِيل التَّشْبِيه أَي: كَأَنَّهُ قبل وَجهه، فَيكون التنخم قبل الْوَجْه سوء أدب. قَوْله:(فَلَا يتنخمن) ، بالنُّون الْمُؤَكّدَة الثَّقِيلَة، أَي: فَلَا يرمين النخامة قبل وَجهه وَهُوَ فِي الصَّلَاة.
ورَوَاهُ مُوسَى بنُ عُقْبَةَ وَابنُ أبِي رَوَّادٍ عنْ نافِعٍ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمَدِينِيّ، وَوَصله مُسلم عَن هَارُون بن عبد الله: حَدثنَا حجاج قَالَ: قَالَ ابْن جريج: عَن مُوسَى بن عقبَة وَابْن أبي رواد عَن نَافِع قَوْله: (وَابْن أبي رواد) أَي: رَوَاهُ أَيْضا ابْن أبي رواد، واسْمه: عبد الْعَزِيز، وَاسم ابي رواد، بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْوَاو وَفِي آخِره دَال مُهْملَة: مَيْمُون مولى آل الْمُهلب بن أبي صفرَة الْعَتكِي، وَوَصله أَحْمد فِي (مُسْنده) : عَن عبد الرَّزَّاق عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد الْمَذْكُور عَن نَافِع أَيْضا.
754 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ عنْ عُقَيلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ قَالَ بَيْنَمَا المُسْلِمُونَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إلَاّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عائِشَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ ونَكَصَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ علَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ فظَنَّ أنَّهُ يُرِيدُ الخُرُوجَ وهِمَّ الْمُسْلِمُونَ أنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فأشَارَ إلَيْهِمْ أتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فأرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ اليَوْمِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الصَّحَابَة لما كشف عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم السّتْر التفتوا إِلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَن الْحُجْرَة كَانَت عَن يسَار الْقبْلَة، فالناظر إِلَى إِشَارَة من هُوَ فِيهَا يحْتَاج إِلَى أَن يلْتَفت، وَلَوْلَا التفاتهم مَا رَأَوْا إِشَارَته، فَصدق عَلَيْهِ الْجُزْء الثَّانِي من التَّرْجَمَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَيحيى بن بكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وَاللَّيْث هُوَ ابْن سعد الْمصْرِيّ، وَعقيل، بِضَم الْعين: هُوَ ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي أَيْضا: عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث بِهِ، وَقد مر الْكَلَام مُسْتَوفى فِي هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب أهل الْعلم وَالْفضل أَحَق بِالْإِمَامَةِ.
قَوْله: (لم يفجأهم) هُوَ عَامل فِي قَوْله: (بَيْنَمَا) قَوْله: (كشف) حَال بِتَقْدِير: قد، وَكَذَا قَوْله:(نظر إِلَيْهِم) . قَوْله: (وهم صُفُوف)، جملَة إسمية حَالية. قَوْله:(يضْحك) حَال مُؤَكدَة أَي غير منتقلة، وَمثلهَا لَا يلْزم أَن تكون مقررة لمضمون جملَة، وَيجوز أَن تكون حَالا مقدرَة. قَوْله:(ونكص) أَي: وَرجع. قَوْله: (ليصل لَهُ) ، من الْوُصُول لَا من الْوَصْل، و: الصَّفّ، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: إِلَى الصَّفّ. قَوْله: (فَظن)، بِالْفَاءِ السَّبَبِيَّة أَي: نكص بِسَبَب ظَنّه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُرِيد الْخُرُوج إِلَى الْمَسْجِد. قَوْله: (وهم الْمُسلمُونَ) أَي: قصدُوا إِن يفتتنوا أَي: يقعوا فِي الْفِتْنَة، أَي: فِي فَسَاد صلَاتهم وذهابها فَرحا بِصِحَّة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وسرورا بِرُؤْيَتِهِ. قَوْله: (وَتُوفِّي من آخر ذَلِك الْيَوْم)، ويروى: فَتوفي، بِالْفَاءِ، وَفِي رِوَايَة هُنَاكَ: وَتُوفِّي من يَوْمه) . وَقَالَ ابْن سعد: توفّي حِين زاغت الشَّمْس. فَإِن قلت: كَيفَ يلتئم هَذَا؟ قلت: قَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ من بعد أَن رَأَوْهُ، لِأَنَّهُ توفّي قبل انتصاف النَّهَار.