الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
916 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بنَ يَزِيدَ يَقُولُ إنَّ الأذَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ كانَ أوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإمامُ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ فِي عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فلَمَّا كانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكَثَرُوا أمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِالأذَانِ الثَّالِثِ فَأذِنَ بهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ فثَبَتَ الأمرُ علَى ذالِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حِين يجلس الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة على الْمِنْبَر) ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَيُونُس ابْن يزِيد. قَوْله:(كَانَ أَوله)، أَي: أول الْأَذَان أَي: قبل أَمر عُثْمَان بِهِ. قَوْله: (وكثروا) أَي: النَّاس. قَوْله: (أَمر) جَوَاب: (فَلَمَّا) . قَوْله: (بِالْأَذَانِ الثَّالِث) قد مر وَجه ذَلِك، وتسميته بالثالث. قَوْله:(فَأذن بِهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول من التأذين. قَوْله: (فَثَبت الْأَمر) أَي: أَمر الْأَذَان على ذَلِك، أَي: على أذانين وَإِقَامَة كَمَا أَن الْيَوْم الْعَمَل عَلَيْهِ فِي جَمِيع الْأَمْصَار اتبَاعا للخلف وَالسَّلَف.
26 -
(بابُ الخُطْبَةِ عَلَى المِنْبَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْخطْبَة على الْمِنْبَر، يَعْنِي مشروعيتها عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لم يقل يَوْم الْجُمُعَة ليتناول الْجُمُعَة وَغَيرهَا.
وَقَالَ أنسٌ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خطَبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلى المِنْبَرِ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الِاعْتِصَام، وَفِي الْفِتَن مطولا، وَفِيه قصَّة عبد الله بن حذافة، وَحَدِيث أنس أَيْضا فِي الاسْتِسْقَاء فِي قصَّة الَّذِي قَالَ: هلك المَال، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
917 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ القَارِيُّ القُرَشِيُّ اْلإسْكَنْدَرَانِيُّ قَالَ حدَّثنا أبُو حازِمِ بنُ دِينارٍ أنَّ رِجالاً أتَوْا سَهْلَ بنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وقَدِ امْتَرَوْا فِي المِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ فَسَألُوهُ عنْ ذالِكَ فقالَ وَالله إِنِّي لَاعْرِفُ مِمَّا هُوَ ولَقَدْ رَأَيْتُهُ أوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ يَوْمَ جَلَسَ عَلَيْهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أرْسَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى فُلَانَةَ امْرَأةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ أنْ يَعْمَلَ لِي أعْوَادا أجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفاءِ الغَابَةِ ثُمَّ جاءَ بِهَا إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هاهُنا ثُمَّ رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَيْهَا وكَبَّرَ وَهْوَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَكعَ وَهْوَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَزَلَ القَهْقَرَى فَسَجدَ فِي أصْلِ المِنْبَرِ ثُمَّ عادَ فَلَمَّا فَرَغَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فقالَ أيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا صَنَعْتُ هذَا لتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتِي. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِذا كلمت النَّاس) إِذْ الْعَادة أَن الْخَطِيب لَا يتَكَلَّم على الْمِنْبَر، إِلَّا بِالْخطْبَةِ.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: قُتَيْبَة بن سعيد، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن هُوَ الْقَارِي، بِالْقَافِ وبالراء المخففة وبياء النِّسْبَة إِلَى القارة، وَهِي قَبيلَة. وَإِنَّمَا قيل لَهُ: الْقرشِي، لِأَنَّهُ حَلِيف بني زهرَة، و: الْمدنِي، لِأَن أَصله من الْمَدِينَة، و: الاسكندراني لِأَنَّهُ سكن فِيهَا وَمَات بهَا سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة. الثَّالِث: أَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي، واسْمه سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج. الرَّابِع: سهل بن سعد السَّاعِدِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ بلخي، والإثنان مدنيان، والْحَدِيث أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، جَمِيعهم عَن قُتَيْبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي: بَاب الصَّلَاة فِي الْمِنْبَر والسطوح والخشب، وَلَكِن نذْكر هَهُنَا مَا لم نذْكر هُنَاكَ زِيَادَة للْبَيَان وَإِن وَقع فِيهِ بعض تكْرَار، فَنَقُول: قَوْله: (إِن رجَالًا) لم يسموا من هم. قَوْله: (وَقد امتروا) جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال من: الامتراء. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ الشَّك، وَقَالَ بَعضهم: من المماراة: وَهِي المجادلة، وَالَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي هُوَ الأصوب. قَوْله:(وَالله إِنِّي لَا أعرف مِمَّا هُوَ) أَي: من أَي شَيْء هُوَ، أَي: عوده، وَإِنَّمَا أَتَى بالقسم مؤكدا بِالْجُمْلَةِ الإسمية وبكلمة: أَن، الَّتِي للتحقيق، وبلام التَّأْكِيد فِي الْخَبَر لإِرَادَة التَّأْكِيد فِيمَا قَالَه للسامع. قَوْله:(وَلَقَد رَأَيْته أول يَوْم وضع) أَي: لقد رَأَيْت الْمِنْبَر فِي أول يَوْم وضع فِي مَوْضِعه، وَهُوَ زِيَادَة على السُّؤَال، وَكَذَا قَوْله:(وَأول يَوْم جلس عَلَيْهِ)، أَي: أول يَوْم جلس النَّبِي صلى الله عليه وسلم على الْمِنْبَر، وَفَائِدَة هَذِه الزِّيَادَة الْمُؤَكّدَة بِاللَّامِ وَكلمَة: قد للإعلام بِقُوَّة مَعْرفَته بِمَا سَأَلُوهُ. قَوْله: (ارسل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الى آخِره شرح جَوَابه لَهُم وَبَيَانه فَلذَلِك فَصله عَمَّا قبله وَلم يذكرهُ بعطف قَوْله (إِلَى فُلَانَة) ، فلَان للمذكر وفلانة للمؤنث، كِنَايَة عَن اسْم سمي بِهِ الْمُحدث عَنهُ خَاص غاالب، وَيُقَال فِي غير النَّاس الفلان والفلانة، وَالْمَانِع من صرفه، وجود العلتين: العلمية والتأنيث. وَقد ذكرنَا فِي: بَاب الصَّلَاة على الْمِنْبَر، مَا قَالُوا فِي إسمها، وَكَذَلِكَ ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِي صانع الْمِنْبَر على أَقْوَال كَثِيرَة مستقصاة، وَفِي حَدِيث سهل الْمَذْكُور وَهُنَاكَ: عمله فلَان مولى فُلَانَة، وَهَهُنَا قَوْله:(مري غلامك) تَقْدِيره: أرسل إِلَيْهَا، وَقَالَ لَهَا: مري غلامك، وَهُوَ أَمر من: أَمر يَأْمر، وَأَصله: أؤمري، على وزن افعلي، فاجتمعت همزتان فنقلتا فحذفت الثَّانِيَة واستغنيت عَن همزَة الْوَصْل فَصَارَ مري على وزن: عَليّ، لِأَن الْمَحْذُوف فَاء الْفِعْل. قَوْله:(غلامك النجار) بِنصب النجار لِأَنَّهُ صفة للغلام، وَقد سَمَّاهُ عَبَّاس بن سهل بِأَن اسْمه مَيْمُون، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ من رَوَاهُ، وَيُقَال اسْمه: مينا، ذكره إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَبِيه، قَالَ: عمل الْمِنْبَر غُلَام لامْرَأَة من الْأَنْصَار من بني سَلمَة أَو بني سَاعِدَة أَو امْرَأَة لرجل مِنْهُم يُقَال لَهُ مينا. وأشبه الْأَقْوَال الَّتِي ذكرت فِي صانع الْمِنْبَر بِالصَّوَابِ قَول من قَالَ: هُوَ مَيْمُون، لكَون الْإِسْنَاد فِيهِ من طَرِيق سهل بن سعد، وَبَقِيَّة الْأَقْوَال بأسانيد ضَعِيفَة بل فِيهَا شَيْء واه.
فَإِن قلت: كَيفَ يكون طَرِيق الْجمع بَين هَذِه الْأَقْوَال وَهِي سَبْعَة على مَا ذكرنَا فِي: بَاب الصَّلَاة على الْمِنْبَر؟ قلت: لَا طَرِيق فِي هَذَا إِلَّا أَن يحمل على وَاحِد بِعَيْنِه مَا هُوَ فِي صَنعته والبقية أعوانه. فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون الْكل قد اشْتَركُوا فِي الْعَمَل؟ قلت: جَاءَ فِي رِوَايَات كَثِيرَة أَنه لم يكن بِالْمَدِينَةِ إلاّ نجار وَاحِد. فَإِن قلت: مَتى كَانَ عمل هَذَا الْمِنْبَر؟ قلت: ذكر ابْن سعد أَنه كَانَ فِي السّنة السَّابِعَة، لَكِن يردهُ ذكر الْعَبَّاس وَتَمِيم فِيهِ، وَكَانَ قدوم الْعَبَّاس بعد الْفَتْح فِي آخر سنة ثَمَان، وقدوم تَمِيم سنة تسع، وَذكر ابْن النجار بِأَنَّهُ كَانَ فِي سنة ثَمَان، وَيَردهُ أَيْضا مَا ورد فِي حَدِيث الْإِفْك فِي (الصَّحِيحَيْنِ) :(عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: فثار الْحَيَّانِ الْأَوْس والخزرج حَتَّى كَادُوا أَن يقتتلوا، وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم على الْمِنْبَر، فحفضهم حَتَّى سكتوا) . وَعَن الطُّفَيْل بن أبي ابْن كَعْب عَن أَبِيه قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَى جذع إِذْ كَانَ الْمَسْجِد عَرِيشًا، وَكَانَ يخْطب إِلَى ذَلِك الْجذع. فَقَالَ رجل من أَصْحَابه: يَا رَسُول الله! هَل لَك أَن نجْعَل لَك منبرا تقوم عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة وَتسمع النَّاس يَوْم الْجُمُعَة خطبتك؟ قَالَ: نعم، فَصنعَ لَهُ ثَلَاث دَرَجَات هِيَ على الْمِنْبَر، فَلَمَّا صنع الْمِنْبَر وضع مَوْضِعه الَّذِي وَضعه فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَبَدَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يقوم فيخطب عَلَيْهِ، فَمر إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَازَ الْجذع الَّذِي كَانَ يخْطب إِلَيْهِ خار حَتَّى تصدع وَانْشَقَّ، فَنزل النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما سمع صَوت الْجذع فمسحه بِيَدِهِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَر) . وَعَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا:(لما وضع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَده على الْجذع وسكنه غَار الْجذع فَذهب) . وَقيل: لما سكن لم يزل على حَاله، فَلَمَّا هدم الْمَسْجِد أَخذ ذَلِك أبي بن كَعْب فَكَانَ عِنْده إِلَى أَن بلي وأكلته الأَرْض، فَعَاد رفاتا، رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد وَابْن مَاجَه. وَفِي رِوَايَة: لما وضع يَده على الْجذع سكن حنينه، وَجَاء فِي رِوَايَة أُخْرَى:(لَو لم أفعل ذَلِك لحن إِلَى قيام السَّاعَة) . فَإِن قلت: حكى بعض أهل السّير أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يخْطب على مِنْبَر من طين قبل أَن يتَّخذ الْمِنْبَر الَّذِي من خشب. قلت: يردهُ الحَدِيث الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يسْتَند إِلَى الْجذع إِذا خطب.
ثمَّ إعلم أَن الْمِنْبَر لم يزل على حَاله ثَلَاث دَرَجَات حَتَّى زَاده مَرْوَان فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سِتّ دَرَجَات من أَسْفَله، وَكَانَ سَبَب ذَلِك مَا حَكَاهُ الزبير بن بكار فِي (أَخْبَار الْمَدِينَة) بِإِسْنَادِهِ إِلَى حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: بعث مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان وَهُوَ عَامله على الْمَدِينَة أَن يحمل الْمِنْبَر إِلَيْهِ فَأمر بِهِ فَقلع: فأظلمت الْمَدِينَة، فَخرج مَرْوَان فَخَطب فَقَالَ:
إنماأمرني أَمِير المأمنين أَن أرفعه، فَدَعَا نجارا وَكَانَ ثَلَاث دَرَجَات فَزَاد فِيهِ الزِّيَادَة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْيَوْم. وَرَوَاهُ من وَجه آخر، قَالَ: فكسفت الشَّمْس حَتَّى رَأينَا النُّجُوم، قَالَ: وَزَاد فِيهِ سِتّ دَرَجَات، وَقَالَ: إِنَّمَا زِدْت فِيهِ حِين كثر النَّاس. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، لما بدن قَالَ لَهُ تَمِيم الدَّارِيّ:(أَلا اتخذ لَك منبرا يَا رَسُول الله يجمع أَو يحمل عظامك؟ قَالَ: بلَى، فَاتخذ لَهُ منبرا مرقاتين) أَي: اتخذ لَهُ منبرا دَرَجَتَيْنِ، فبينه وَبَين مَا ثَبت فِي الصَّحِيح أَنه ثَلَاث دَرَجَات مُنَافَاة. قلت: الَّذِي قَالَ: مرقاتين، لم يعْتَبر الدرجَة الَّتِي كَانَ يجلس عَلَيْهَا صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ ابْن النجار وَغَيره: اسْتمرّ على ذَلِك إِلَّا مَا أصلح مِنْهُ إِلَى أَن أحترق مَسْجِد الْمَدِينَة سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة، فَاحْتَرَقَ ثمَّ جدد المظفر صَاحب الْيمن سنة سِتّ وَخمسين منبرا ثمَّ أرسل الظَّاهِر بيبرس رحمه الله بعد عشر سِنِين منبرا، فأزيل مِنْبَر المظفر فَلم يزل ذَلِك إِلَى هَذَا الْعَصْر، فَأرْسل الْملك الْمُؤَيد شيخ، رحمه الله، فِي سنة عشْرين وثمان مائَة منبرا جَدِيدا، وَكَانَ أرسل فِي سنة ثَمَانِي عشرَة منبرا جَدِيدا إِلَى مَكَّة أَيْضا.
قَوْله: (وأجلس) ، بِالرَّفْع والجزم، قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: أما الرّفْع فعلى تَقْدِير: وَأَنا أَجْلِس، وَأما الْجَزْم فَلِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر، قَوْله:(من طرفاء الغابة)، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان عَن أبي حَازِم: من أثل الغابة. الطرفاء، بِفَتْح الطَّاء وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبعد الرَّاء فَاء ممدودة، وَهُوَ شجر من شجر الْبَادِيَة، وَاحِدهَا طرفَة، بِفَتْح الْفَاء مثل قَصَبَة وقصباء، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: الطرفاء وَأحمد وَجمع. والأثل بِسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة، قَالَ الْقَزاز: هُوَ ضرب من الشّجر يشبه الطرفاء، وَقَالَ الْخطابِيّ، هُوَ الشَّجَرَة الطرفاء. قلت: فعلى هَذَا لَا مُنَافَاة بَين الرِّوَايَتَيْنِ، والغاية، بالغين الْمُعْجَمَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة: وَهِي أَرض على تِسْعَة أَمْيَال من الْمَدِينَة كَانَت إبل النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُقِيمَة بهَا للمرعى، وَبهَا وَقعت قصَّة العرنيين الَّذِي أَغَارُوا على سرحه، وَقَالَ ياقوت: بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة أَرْبَعَة أَمْيَال. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الغابة بريد من الْمَدِينَة من طَرِيق الشَّام. وَفِي (الْجَامِع) : كل شجر ملتف فَهُوَ غابة. وَفِي (الْمُحكم) : الغابة الأجمة الَّتِي طَالَتْ وَلها أَطْرَاف مُرْتَفعَة باسقة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ أجمة الْقصب. قَالَ: وَقد جعلت جمَاعَة الشّجر غابا مأخوذا من الغيابة، وَالْجمع غابات وَغَابَ. قَوْله:(فَأرْسلت) أَي: الْمَرْأَة تعلم النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ فرغ. قَوْله: (فَأمر بهَا فَوضعت) أنث الضَّمِير فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِاعْتِبَار الأعواد والدرجات. قَوْله: (عَلَيْهَا) أَي: على الأعواد. قَوْله: (وَهُوَ عَلَيْهَا)، جملَة حَالية. قَوْله:(ثمَّ نزل الْقَهْقَرَى)، وَهُوَ الرُّجُوع إِلَى خلف. قيل: يُقَال رَجَعَ الْقَهْقَرَى، وَلَا يُقَال: نزل الْقَهْقَرَى، لِأَنَّهُ نوع من الرُّجُوع لَا من النُّزُول. وَأجِيب: بِأَنَّهُ لما كَانَ النُّزُول رُجُوعا من فَوق إِلَى تَحت صَحَّ ذَلِك، وَكَانَ الْحَامِل على ذَلِك الْمُحَافظَة على اسْتِقْبَال الْقبْلَة، وَلم يذكر فِي هَذِه الرِّوَايَة الْقيام بعد الرُّكُوع وَلَا الْقِرَاءَة بعد التَّكْبِير، وَقد بَين ذَلِك فِي رِوَايَة سُفْيَان عَن أبي حَازِم، وَلَفظه:(كبر فَقَرَأَ وَركع ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى)، وَفِي رِوَايَة هِشَام بن سعد عَن أبي حَازِم عِنْد الطَّبَرَانِيّ:(فَخَطب النَّاس عَلَيْهِ ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فَكبر وَهُوَ على الْمِنْبَر) . قَوْله: (فِي أصل الْمِنْبَر) أَي: على الأَرْض إِلَى جنب الدرجَة السُّفْلى مِنْهُ. قَوْله: (ثمَّ عَاد)، وَزَاد مُسلم من رِوَايَة عبد الْعَزِيز:(حَتَّى فرغ من آخر صلَاته) . قَوْله: (ولتعلموا) ، بِكَسْر اللَّام وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد اللَّام، وَأَصله: لتتعلموا، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَعرف مِنْهُ أَن الْحِكْمَة فِي صلَاته فِي أَعلَى الْمِنْبَر ليراه من قد يخفى عَلَيْهِ رُؤْيَته إِذا صلى على الأَرْض. وَقَالَ ابْن حزم، وبكيفية هَذِه الصَّلَاة قَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث وَأهل الظَّاهِر. وَمَالك وَأَبُو حنيفَة لَا يجيزانها، وَقَالَ ابْن التِّين: الْأَشْبَه أَن ذَلِك كَانَ لَهُ خَاصَّة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن من فعل شَيْئا يُخَالف الْعَادة بَين حكمته لأَصْحَابه، فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى هَذِه الصَّلَاة بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّة وَكَانَ ذَلِك لمصْلحَة بيناها، فَنَقُول: إِذا كَانَ مثل ذَلِك لمصْلحَة يَنْبَغِي أَن لَا تفْسد صلَاته وَلَا تكره أَيْضا، كَمَا فِي مَسْأَلَة من انْفَرد خلف الصَّفّ وَحده، فَإِن لَهُ أَن يجذب وَاحِدًا من الصَّفّ إِلَيْهِ ويصطفان، فَإِن المجذوب لَا تبطل صلَاته وَلَو مَشى خطْوَة أَو خطوتين، وَبِه صرح أَصْحَابنَا فِي الْفِقْه. وَفِيه: دَلِيل على أَن الْفِعْل الْكثير بالخطوات وَغَيرهَا إِذا تفرق لَا يبطل الصَّلَاة، لِأَن النُّزُول عَن الْمِنْبَر والصعود تكَرر، وَجُمْلَته كَثِيرَة، وَلَكِن أَفْرَاده المتفرقة كل وَاحِد مِنْهَا قَلِيل. وَفِيه: اسْتِحْبَاب اتِّخَاذ الْمِنْبَر لكَونه أبلغ فِي مُشَاهدَة الْخَطِيب وَالسَّمَاع مِنْهُ، وَيسْتَحب أَن يكون الْمِنْبَر على يَمِين الْمِحْرَاب مُسْتَقْبل الْقبْلَة فَإِن لم يكن مِنْبَر فموضع عَال، وإلاّ فَإلَى خَشَبَة لِلِاتِّبَاعِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يخْطب إِلَى جذع قبل اتِّخَاذ الْمِنْبَر، فَلَمَّا صنع تحول إِلَيْهِ، وَيكرهُ الْمِنْبَر الْكَبِير جدا الَّذِي يضيق على الْمُصَلِّين إِذا لم يكن الْمَسْجِد متسعا. وَفِيه: اسْتِحْبَاب الِافْتِتَاح بِالصَّلَاةِ فِي كل شَيْء جَدِيد، إِمَّا شكرا وَإِمَّا تبركا.
918 -
حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبرنِي يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ أنَسٍ أنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله قَالَ كانَ جِذْعٌ يَقُومُ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فلَمَّا وُضِعَ لَهُ المنْبَرُ سَمِعْنَا لَلْجِذْعِ مِثْلَ أصْواتِ العِشَارِ حَتَّى نزَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من قَوْله: (حَتَّى نزل النَّبِي، صلى الله عليه وسلم ، لِأَن نزُول كَانَ بعد صعودة إِلَى الْمِنْبَر.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: سعيد بن أبي مَرْيَم، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير ضد قَلِيل الْأنْصَارِيّ. الثَّالِث: يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ. الرَّابِع: ابْن أنس، هُوَ حَفْص بن عبيد الله بن أنس، وَقد بَينه باسمه فِي الرِّوَايَة الْمُعَلقَة الَّتِي تَأتي عَن قريب. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ مَجْهُول، فَصَارَ الْإِسْنَاد بِهِ من بَاب الرِّوَايَة عَن المجاهيل، ثمَّ أجَاب عَنهُ بِأَن يحيى لما كَانَ لَا يروي إلاّ عَن الْعدْل الضَّابِط فَلَا بَأْس بِهِ، أَو لما علم من الطَّرِيق الَّذِي بعده أَنه حَفْص بن عبيد الله بن أنس، فَاكْتفى بِهِ. وَقَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي (الْأَطْرَاف) : إِنَّمَا أبهم البُخَارِيّ حفصا لِأَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير يَقُول: عبيد الله بن حَفْص فيقبله، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق مُحَمَّد بن مِسْكين عَن ابْن أبي مَرْيَم شيخ البُخَارِيّ فِيهِ، وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عبد الله بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق عَن يحيى بن سعيد، وَلَكِن أخرجه من طَرِيق أبي الْأَحْوَص مُحَمَّد بن الْهَيْثَم عَن ابْن أبي مَرْيَم، فَقَالَ: عَن حَفْص بن عبيد الله على الصَّوَاب. وَقَالَ: الصَّوَاب فِيهِ حَفْص بن عبيد الله. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) : قَالَ بَعضهم: عبد الله بن حَفْص، وَلَا يَصح. وَفِي نُسْخَة أبي ذَر: حَفْص بن عبد الله بتكبير العَبْد وَصَوَابه: عبيد الله، بِالتَّصْغِيرِ. وَحَفْص هَذَا روى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم روى عَن جده وَجَابِر بن عبد الله وَابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يثبت لَهُ السماع إلاّ من جده. وَفِي البُخَارِيّ فِي (عَلَامَات النُّبُوَّة) : عَن جَابر مُصَرحًا بِهِ. الْخَامِس: جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: رِوَايَة عَن مَجْهُول صُورَة، وَبينا وَجهه. وَفِيه: لَيْسَ لِابْنِ أنس عَن جَابر فِي البُخَارِيّ إلاّ هَذَا الحَدِيث، قَالَه الْحميدِي فِي جمعه. وَفِيه: إِطْلَاق الابْن على ابْن ابْنه مجَازًا. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ مصري والإثنان مدنيان، وَالرَّابِع بَصرِي.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جذع)، بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة. قَالَه الْجَوْهَرِي: وَاحِد جُذُوع النّخل. قَوْله: (يقوم عَلَيْهِ) ويروى: (يقوم إِلَيْهِ. قَوْله: (مثل أصوات العشار) ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا شين مُعْجمَة، قَالَه الْجَوْهَرِي: العشار جمع عشراء، بِالضَّمِّ، ثمَّ الْفَتْح، وَهِي النَّاقة الْحَامِل الَّتِي مَضَت لَهَا عشرَة أشهر وَلَا يزَال ذَلِك إسمها، إِلَى أَن تَلد. وَفِي (الْمطَالع) : العشار النوق الْحَوَامِل. قَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ الَّتِي مَعهَا أَوْلَادهَا. وَقَالَ الْخطابِيّ: هِيَ الَّتِي قاربت الْولادَة. يُقَال: نَاقَة عشراء ونوق عشار على غير قِيَاس، وَنقل ابْن التِّين: أَنه لَيْسَ فِي الْكَلَام فعلاء على فعال، غير: نفسَاء وعشراء، وَيجمع على: عشراوات ونفساوات. وَمثل: صَوت الْجذع بِأَصْوَات العشار عِنْد فِرَاق أَوْلَادهَا، وَفِيه علم عَظِيم من أَعْلَام نبوته، صلى الله عليه وسلم، وَدَلِيل على صِحَة رسَالَته، وَهُوَ حنين الجماد، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى جعل للجذع حَيَاة حن بهَا، وَهَذَا من بَاب الإفضال من الرب، جل جلاله، الَّذِي يحيي الْمَوْتَى بقوله:{كن فَيكون} . (الْبَقَرَة: 217، آل عمرَان: 47 لأ 59، الْأَنْعَام: 273، النَّحْل: 240، مَرْيَم: 35، ي س: 83، وغافر: 68) . وَفِيه: الرَّد على الْقَدَرِيَّة، لِأَن الصياح ضرب من الْكَلَام وهم لَا يجوزون الْكَلَام إِلَّا مِمَّن لَهُ فَم ولسان.
قَالَ سُلَيْمَانُ عنْ يَحْيى أخبَرَني حَفْصُ بنُ عُبَيْدِ الله بنِ أنَسٍ أنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله
هَذَا التَّعْلِيق عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد إِلَى آخِره، وَقد وَصله البُخَارِيّ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَزعم بَعضهم أَنه سُلَيْمَان بن كثير