الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلاهَا عشر مَرَّات، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: صلاهَا أَرْبعا وَعشْرين مرّة وبيّن القَاضِي عِيَاض تِلْكَ المواطن، فَقَالَ: وَفِي حَدِيث ابْن أبي حثْمَة وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر أَنه صلاهَا فِي يَوْم ذَات الرّقاع سنة خمس من الْهِجْرَة، وَفِي حَدِيث أبي عَيَّاش الزرقي أَنه صلاهَا بعسفان وَيَوْم بني سليم، وَفِي حَدِيث جَابر فِي غزَاة جُهَيْنَة وَفِي غزَاة بني محَارب بِنَخْل، وروى أَنه صلاهَا فِي غَزْوَة نجد يَوْم ذَات الرّقاع، وَهِي غَزْوَة نجد وغزوة غطفان. وَقَالَ الْحَاكِم فِي (الإكليل) حِين ذكر غَزْوَة ذَات الرّقاع: وَقد تسمى هَذِه الْغَزْوَة غَزْوَة محَارب، وَيُقَال: غَزْوَة خصفة، وَيُقَال: غَزْوَة ثَعْلَبَة، وَيُقَال: غطفان، وَالَّذِي صَحَّ أَنه صلى بهَا صَلَاة الْخَوْف من الْغَزَوَات: ذَات الرّقاع وَذُو قرد وَعُسْفَان وغزوة الطَّائِف، وَلَيْسَ بعد غَزْوَة الطَّائِف إلاّ تَبُوك وَلَيْسَ فِيهَا لِقَاء الْعَدو، وَالظَّاهِر أَن غَزْوَة نجد مَرَّتَانِ، وَالَّذِي شَهِدَهَا أَبُو مُوسَى وَأَبُو هُرَيْرَة هِيَ غَزْوَة نجد الثَّانِيَة لصِحَّة حديثيهما فِي شهودها.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من حَدِيث الْبَاب من قَوْله: (طَائِفَة) أَنه لَا فرق بَين أَن تكون إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَكثر من الْأُخْرَى عددا أَو تساوى عددهما، لِأَن الطَّائِفَة تطلق على الْقَلِيل وَالْكثير حَتَّى على الْوَاحِد، فَلَو كَانُوا ثَلَاثَة وَوَقع عَلَيْهِم الْخَوْف جَازَ لأَحَدهم أَن يُصَلِّي بِوَاحِد ويحرس وَاحِد، ثمَّ يُصَلِّي الآخر، وَهُوَ أقل مَا يتَصَوَّر فِي صَلَاة الْخَوْف جمَاعَة، على القَوْل: بِأَن أقل الْجَمَاعَة ثَلَاثَة، لَكِن الشَّافِعِي قَالَ: أكره أَن تكون كل طَائِفَة أقل من ثَلَاثَة، لِأَنَّهُ أعَاد عَلَيْهِم ضمير الْجمع بقوله:(أسلحتهم) ، ذكره النَّوَوِيّ.
وَمن ذَلِك أَنهم كَانُوا مسافرين، فَلَو كَانُوا مقيمين فحكمهم حكم الْمُسَافِرين عِنْد الْخَوْف، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ، وَعنهُ: لَا تجوز صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر. وَقَالَ أَصْحَابه: تجوز خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تجوز، وَنقل النَّوَوِيّ عَن مَالك عدم الْجَوَاز فِي الْحَضَر على الْإِطْلَاق غير صَحِيح، لِأَن الْمَشْهُور عَنهُ الْجَوَاز.
2 -
(بابُ صَلَاةِ الخَوْفِ رِجَالاً ورُكْبَانا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صَلَاة الْخَوْف حَال كَون الْمُصَلِّين رجَالًا وركبانا، فالرجال جمع: راجل، والركبان جمع: رَاكب، وَذَلِكَ عِنْد الِاخْتِلَاط وَشدَّة الْخَوْف، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الصَّلَاة لَا تسْقط عِنْد الْعَجز عَن النُّزُول عَن الدَّابَّة فَإِنَّهُم يصلونَ ركبانا فُرَادَى يومئون بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود إِلَى أَي جِهَة شاؤا. وَفِي (الذَّخِيرَة) : إِذا اشْتَدَّ الْخَوْف صلوا رجَالًا قيَاما على أَقْدَامهم أَو ركبانا مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي (الْإِكْمَال) : لَا يجوز ترك اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِيهَا عِنْد أبي حنيفَة وَهَذَا غير صَحِيح، وَلَا تجوز بِجَمَاعَة عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَابْن أبي لَيْلَة، وَعَن مُحَمَّد: تجوز، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَإِذا لم يقدروا على الصَّلَاة على مَا وَصفنَا أخروها وَلَا يصلونَ صَلَاة غير مَشْرُوعَة، وَعَن مُجَاهِد وطاووس وَالْحسن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك: يصلونَ رَكْعَة وَاحِدَة لَا بإيماء، وَعَن الضَّحَّاك: فَإِن لم يقدروا يكبرُونَ تكبيرتين حَيْثُ كَانَت وُجُوههم، وَقَالَ إِسْحَاق: إِن لم يقدروا على الرَّكْعَة فسجدة وَاحِدَة، وإلاّ فتكبيرة وَاحِدَة.
رَاجِلٌ قائِمٌ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن رجَالًا فِي التَّرْجَمَة جمع: راجل، لَا جمع: رجل. وَالثَّانِي: أَن الراجل بِمَعْنى الْمَاشِي، كَمَا فِي سُورَة الْحَج {يأتوك رجَالًا} (الْحَج: 27) .
943 -
حدَّثنا سَعِيدُ بنُ يَحْيى بنِ سعِيدٍ القُرَشِيُّ قَالَ حدَّثني أبي قَالَ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ مُوسى بنِ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ نَحْوا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ إذَا اخْتَلَطُوا قِياما. وزَادَ ابنُ عُمَرَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وإنْ كانُوا أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ فَلْيُصلُّوا قِياما ورُكْبَانا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن الْعَاصِ الْقرشِي، يكنى أَبَا عُثْمَان الْبَغْدَادِيّ، مَاتَ فِي النّصْف من ذِي الْقعدَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: أَبوهُ يحيى بن سعيد الْمَذْكُور، قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنِي سعيد بن يحيى أَنه قَالَ: مَاتَ أبي فِي النّصْف من شعْبَان سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة. الثَّالِث: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج. الرَّابِع: مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش، مولى الزبير بن الْعَوام، مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة. الْخَامِس: نَافِع مولى ابْن عمر. السَّادِس: عبد بن عمر السابعمجاهد بن جُبَير.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَهِي قَوْله: حَدثنِي أبي، ويروى بِصِيغَة الْجمع أَيْضا. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه بغدادي وَأَبوهُ كُوفِي وَابْن جريج وَمُجاهد مكيان ومُوسَى وَنَافِع مدنيان. وَفِيه: أَن أحد الروَاة مَنْسُوب إِلَى جده.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الْأَعْلَى بن وَاصل، كِلَاهُمَا عَن يحيى بن آدم عَن سُفْيَان عَن مُوسَى بن عقبَة، فَذكر صَلَاة الْخَوْف نَحْو سِيَاق الزُّهْرِيّ عَن سَالم، وَقَالَ فِي آخِره: قَالَ ابْن عمر، فَإِذا كَانَ الْخَوْف أَكثر من ذَلِك فَليصل رَاكِبًا أَو قَائِما يومىء إِيمَاء، وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر من طَرِيق دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن عَن مُوسَى بن عقبَة مَوْقُوفا، كُله، لَكِن قَالَ فِي آخِره: وَأخْبرنَا نَافِع أَن عبد الله بن عمر كَانَ يخبر بِهَذَا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَاقْتضى ذَلِك رَفعه كُله، وَرَوَاهُ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن نَافِع كَذَلِك، لَكِن قَالَ فِي آخِره: قَالَ نَافِع: لَا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذَلِك إلاّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَزَاد فِي آخِره: مستقبلي الْقبْلَة أَو غير مستقبليها.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن نَافِع عَن ابْن عمر نَحوا من قَول مُجَاهِد) أَي: روى نَافِع عَن ابْن عمر مثل قَول مُجَاهِد، وَقَول مُجَاهِد هُوَ قَوْله: إِذا اختلطوا، بيّن ذَلِك الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة حجاج بن مُحَمَّد عَن ابْن مُحَمَّد عَن ابْن جريج عَن عبد الله بن كثير عَن مُجَاهِد: إِذا اختلطوا فَإِنَّمَا الأشارة بِالرَّأْسِ هُوَ الذّكر، وَإِشَارَة الرَّأْس، وكل وَاحِد من قَول ابْن عمر وَقَول مُجَاهِد مَوْقُوف، أما رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر فَإِنَّهَا مَوْقُوفَة على ابْن عمر، وَأما قَول مُجَاهِد فَإِنَّهُ مَوْقُوف على نَفسه، لِأَنَّهُ لم يروه عَن ابْن عمر، وَلَا عَن غَيره، وَقَالَ ابْن بطال: أما صَلَاة الْخَوْف رجَالًا وركبانا فَلَا تكون إلاّ إِذا اشْتَدَّ الْخَوْف واختلطوا فِي الْقِتَال، وَهَذِه الصَّلَاة تسمى: بِصَلَاة المسايفة، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك ابْن عمر، وَإِن كَانَ خوفًا شَدِيدا صلوا قيَاما على أَقْدَامهم أَو ركبانا مستقبلي الْقبْلَة أَو غير مستقبليها، وَهُوَ قَول مُجَاهِد: روى ابْن جريج عَن مُجَاهِد قَالَ: إِذا اختلطوا فَإِنَّمَا هُوَ الذّكر وَالْإِشَارَة بِالرَّأْسِ، فمذهب مُجَاهِد أَنه يجْزِيه الأيماء عِنْد شدَّة الْقِتَال كمذهب ابْن عمر، وَقَول البُخَارِيّ: وَزَاد ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (وَإِن كَانُوا أَكثر من ذَلِك فليصلوا قيَاما وركبانا) أَرَادَ بِهِ أَن ابْن عمر رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ من رَأْيه، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْند، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام، وَلَيْسَ أحد من الشُّرَّاح غير ابْن بطال أعْطى لهَذَا الحَدِيث حَقه. قَوْله:(إِذا اختلطوا قيَاما) أَي: قَائِمين، وانتصابه على الْحَال، وَذُو الْحَال مَحْذُوف تَقْدِيره: يصلونَ قيَاما، وَالْمرَاد من الِاخْتِلَاط: اخْتِلَاط الْمُسلمين بالعدو. قَوْله: (وَإِن كَانُوا أَكثر من ذَلِك) أَي: وَإِن كَانَ الْعَدو أَكثر عِنْد اشتداد الْخَوْف. وَقَوله: (من ذَلِك) أَي: من الْخَوْف الَّذِي لَا يُمكن مَعَه الْقيام فِي مَوضِع وَلَا إِقَامَة صف فليصلوا حِينَئِذٍ قيَاما وركبانا. وانتصابهما على الْحَال، وَمعنى: ركبانا أَي: على رواحلهم، لِأَن فرض النُّزُول سقط. وَقَالَ الطخاوي: ذهب قوم إِلَى أَن الرَّاكِب لَا يُصَلِّي الْفَرِيضَة على دَابَّته وَإِن كَانَ فِي حَال لَا يُمكنهُ فِيهَا النُّزُول، لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يصل يَوْم الخَنْدَق رَاكِبًا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن حُذَيْفَة قَالَ:(سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول يَوْم الخَنْدَق: شغلونا عَن صَلَاة الْعَصْر، قَالَ: وَلم يصلها يَوْمئِذٍ حَتَّى غربت الشَّمْس، مَلأ الله قُبُورهم نَارا وَقُلُوبهمْ نَارا وَبُيُوتهمْ نَارا) . هَذَا لفظ الطَّحَاوِيّ. قلت: وَأَرَادَ الطَّحَاوِيّ بالقوم: ابْن أبي ليلى وَالْحكم بن عتيبة وَالْحسن بن حَيّ، وَقَالَ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، وَأَرَادَ بهم: الثَّوْريّ وَأَبا حنيفَة وَأَبا يُوسُف ومحمدا وَزفر ومالكا وَأحمد، فَإِنَّهُم قَالُوا: إِن كَانَ الرَّاكِب فِي الْحَرْب يُقَاتل لَا يُصَلِّي وَإِن كَانَ رَاكِبًا لَا يُقَاتل وَلَا يُمكنهُ النُّزُول يُصَلِّي، وَعند الشَّافِعِي: يجوز لَهُ أَن يُقَاتل وَهُوَ يُصَلِّي من غير تتَابع الضربات والطعنات، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَقد يجوز أَن يكون النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يصل يَوْمئِذٍ لِأَنَّهُ لم يكن أَمر حِينَئِذٍ أَن يُصَلِّي رَاكِبًا، دلّ على ذَلِك حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه قَالَ: حبسنا يَوْم الخَنْدَق حَتَّى كَانَ بعد الْمغرب بهوي من اللَّيْل حَتَّى كفينا، وَذَلِكَ قَول الله عز وجل:{وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَكَانَ الله قَوِيا عَزِيزًا} (الْأَحْزَاب: 25) . قَالَ: فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِلَالًا فَأَقَامَ الظّهْر فَأحْسن صلَاتهَا كَمَا كَانَ يُصليهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعَصْر فَصلاهَا كَذَلِك، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْمغرب فَصلاهَا كَذَلِك، وَذَلِكَ قبل أَن ينزل الله عز وجل فِي صَلَاة الْخَوْف:{فرجالاً أَو ركبانا} (الْبَقَرَة: 239) . فَأخْبر أَبُو سعيد أَن تَركهم للصَّلَاة يَوْمئِذٍ ركبانا إِنَّمَا كَانَ قبل أَن يُبَاح لَهُم ذَلِك، ثمَّ أُبِيح لَهُم بِهَذِهِ الْآيَة.