الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: رَوَاهُ مُتَّصِلا أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان فِي كتاب (الثَّوَاب وفضائل الْأَعْمَال) من رِوَايَة مقَاتل عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: (مَا من صَلَاة أحب إِلَى الله من الْمغرب) . الحَدِيث، وَفِيه:(فَمن صلاهَا ثمَّ صلى بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يتَكَلَّم جليسه رفعت صلَاته فِي أَعلَى عليين) . قلت: يَصح هَذَا مُسْتَندا لِأَصْحَابِنَا فِي استحبابهم إِيصَال السّنَن للفرائض. وَقَالَ شَارِح التِّرْمِذِيّ: وَله وَجه فِي الْمغرب بِسَبَب ضيق وَقتهَا على القَوْل بِأَن وَقتهَا ضيق على قَول الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد، ثمَّ الْمُسْتَحبّ فِي رَكْعَتي الْمغرب أَن تَكُونَا فِي بَيته لظَاهِر الحَدِيث، وَكَذَلِكَ سَائِر النَّوَافِل التابعة للفرائض أَن تكون فِي الْبَيْت عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء، للْحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ:(أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلاّ الْمَكْتُوبَة) . وَعند الثَّوْريّ وَمَالك: نوافل النَّهَار كلهَا فِي الْمَسْجِد أفضل، وَذهب ابْن أَلِي ليلى إِلَى أَن سنة الْمغرب لَا يجزىء فعلهَا فِي الْمَسْجِد. وَأما سنة الْعشَاء، وهما الركعتان بعْدهَا، فَمن السّنَن الْمُؤَكّدَة، وَقد صَحَّ أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يدعهما. وَعَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى رَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء الْآخِرَة يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَعشْرين مرّة. {قل هُوَ الله أحد} بنى الله عز وجل لَهُ قصرا فِي الْجنَّة) . رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان.
40 -
(باُ قَوْلِ الله تعالَى فإذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان المُرَاد من ذكر قَول الله عز وجل: {فَإِذا قضيت} (الْجُمُعَة: 10) . وَأَرَادَ بِذكر هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة هُنَا الْإِشَارَة إِلَى أَن الْأَمر فِي قَوْله: {فَانْتَشرُوا} (الْجُمُعَة: 10) . وَالْأَمر فِي قَوْله: {وابتغوا} (الْجُمُعَة: 10) . للْإِبَاحَة لَا للْوُجُوب، لأَنهم منعُوا عَن الانتشار فِي الأَرْض للتكسب وَقت النداء يَوْم الْجُمُعَة، لأجل إِقَامَة صَلَاة الْجُمُعَة، فَلَمَّا صلوا وفرغوا أمروا بالانتشار فِي الأَرْض والابتغاء من فضل الله، وَهُوَ رزقه، وَإِنَّمَا قُلْنَا: هَذَا الْأَمر للْإِبَاحَة لِأَنَّهُ لمَنْفَعَة لنا، فَلَو كَانَ للْوُجُوب لعاد علينا، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَإِذا حللتم فاصطادوا} (الْمَائِدَة: 2) . فَإِنَّهُ حرم عَلَيْهِم الصَّيْد وهم محرمون، فَلَمَّا خَرجُوا عَن الْإِحْرَام أحل لَهُم الصَّيْد، كَمَا كَانَ أَولا. وَقَالَ ابْن التِّين: جمَاعَة أهل الْعلم على أَن هَذَا إِبَاحَة بعد الْحَظْر، وَقيل: هُوَ أَمر على بَابه. وَعَن الدَّاودِيّ: هُوَ إِبَاحَة لمن كَانَ لَهُ كفاف وَلَا يُطيق التكسب، وَفرض على من لَا شَيْء لَهُ، ويطيق التكسب. وَقَالَ غَيره: من تعطف عَلَيْهِ بسؤال أَو غَيره لَيْسَ طلب التكسب عَلَيْهِ بفريضة. وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ){فَإِذا قضيت الصَّلَاة} (الْجُمُعَة: 10) . فرغ مِنْهَا {فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} (الْجُمُعَة: 10) . للتِّجَارَة وَالتَّصَرُّف فِي حَوَائِجكُمْ. {وابتغوا من فضل الله} (الْجُمُعَة: 10) . أَي: الرزق، ثمَّ أطلق لَهُم مَا حظر عَلَيْهِم بعد قَضَاء الصَّلَاة من الانتشار، وابتغاء الرِّبْح مَعَ التوصية بإكثار الذّكر وَأَن لَا يلهيهم شَيْء من التِّجَارَة وَلَا غَيرهَا عَنهُ، وهما أَمر إِبَاحَة وتخيير كَمَا فِي قَوْله:{وَإِذا حللتم فاصطادوا} (الْمَائِدَة: 2) . وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي قَول الله: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله} (الْجُمُعَة: 10) . لَيْسَ لطلب دنياكم، وَلَكِن عِيَادَة مَرِيض وَحُضُور جَنَازَة وزيارة أَخ فِي الله. وَقيل: صَلَاة تطوع. وَقَالَ الْحسن وَسَعِيد بن جُبَير ومحكول: وابتغوا من فضل الله، هُوَ طلب الْعلم، وَقَالَ جَعْفَر الصَّادِق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وابتغوا من فضل الله يَوْم السبت.
938 -
حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا أبُو غسَّانَ قَالَ حدَّثني أبُو حازمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ كانَتْ فِينَا امْرأةٌ تَجْعَلُ عَلى أرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعةٍ لَها سِلْقا فَكانَتْ إذَا كانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تنْزِعُ أصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدِرٍ ثُمَّ تجْعَلُ عَليْهِ قَبْضةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا فتَكُونُ اصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ وكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلاةِ الجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَرِّبُ ذالِكَ الطَّعَامَ إلَيْنَا فنَلْعَقُهُ وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذالِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ آيَة من الْقُرْآن الْكَرِيم من حَيْثُ إِن فِي الْآيَة الانتشار بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة، وَهُوَ الِانْصِرَاف مِنْهَا، وَفِي الحَدِيث أَيْضا: كَانُوا يَنْصَرِفُونَ بعد فراغهم من صَلَاة الْجُمُعَة، وَفِي الْآيَة الابتغاء من فضل الله الَّذِي هُوَ الرزق
وَفِي الحَدِيث أَيْضا: كَانُوا بعد انصرافهم مِنْهَا يَبْتَغُونَ مَا كَانَت تِلْكَ الْمَرْأَة تهيؤه من أصُول السلق، وَهُوَ أَيْضا رزق سَاقه الله إِلَيْهِم. ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: سعيد بن أبي مَرْيَم وَهُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الجُمَحِي مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: أَبُو غَسَّان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة: هُوَ مُحَمَّد بن مطرف الْمدنِي. الثَّالِث: أَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي: هُوَ سَلمَة بن دِينَار. الرَّابِع: سُهَيْل بن سعيد بن مَالك الْأنْصَارِيّ والساعدي. .
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: راويان مذكوران بالكنية. وَفِيه: أَن رِجَاله مدنيون مَا خلا شيخ البُخَارِيّ فَإِنَّهُ مصري.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (امْرَأَة)، لم يعلم اسْمهَا. قَوْله:(تجْعَل) بِالْجِيم وَالْعين الْمُهْملَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: تحقل، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْقَاف أَي: تزرع. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الحقل الزَّرْع إِذا تشعب ورقه قبل أَن يغلظ سوقه، تَقول مِنْهُ: أحقل الزَّرْع، وَمِنْه: المحاقلة، وَهُوَ بيع الزَّرْع وَهُوَ فِي سنبله. قَوْله:(على أربعاء)، جمع: ربيع، كأنصباء جمع نصيب. وَهُوَ الجداول، وَذكر ابْن سَيّده أَن الرّبيع هُوَ الساقية الصَّغِيرَة تجْرِي إِلَى النّخل مجاريه، وَقَالَ ابْن التِّين: هِيَ الساقية. وَقيل: النَّهر الصَّغِير. وَقَالَ عبد الْملك: هُوَ حافات الأحواض ومجاري الْمِيَاه. الجداول: جمع جدول، وَهُوَ النَّهر الصَّغِير، قَالَه الْجَوْهَرِي. قَوْله:(فِي مزرعة) بِفَتْح الرَّاء، وَحكى ابْن مَالك جَوَاز تثليثها. قَوْله:(سلقا) ، بِكَسْر السِّين وَهُوَ مَعْرُوف، وانتصابه على أَنه مفعول تجْعَل أَو تحقل على الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وسلق، بِالرَّفْع مُبْتَدأ خَبره: لَهَا، أَو مفعول مَا لم يسم فَاعله على تَقْدِير أَن يَجْعَل بِلَفْظ الْمَجْهُول، وَبِالنَّصبِ إِن كَانَ بِلَفْظ الْمَعْرُوف، وَحِينَئِذٍ الأَصْل فِيهِ أَن يكْتب بِالْألف، لَكِن جَازَ على اللُّغَة الربيعية أَن يسكن بِدُونِ الْألف لأَنهم يقفون على الْمَنْصُوب الْمنون بِالسُّكُونِ، فَلَا يحْتَاج الْكَاتِب على لغتهم إِلَى الْألف، وَمثله كثير فِي هَذَا الصَّحِيح، نَحْو: سَمِعت أنس، وَرَأَيْت سَالم. انْتهى. قلت: تصرفه فِي إِعْرَاب: سلقا، تعسف مَعَ عدم مَجِيء الرِّوَايَة على الرّفْع، وَهُوَ مَنْصُوب قطعا على مَا ذكرنَا. قَوْله:(تطحنها) من الطَّحْن، وَمحله النصب على الْحَال من: شعير، قَالَه الْكرْمَانِي، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن شَرط ذِي الْحَال أَن يكون معرفَة وَالْجُمْلَة بعد النكرَة صفة، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:(تطبخها) من الطَّبْخ. قَوْله: (عرقه)، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفتح الْقَاف بعْدهَا هَاء الضَّمِير أَي: عرق الطَّعَام الَّذِي تطبخه الْمَرْأَة من أصُول السلق، وَقَالَ بَعضهم أَي: عرق الطَّعَام وَلَيْسَ بِشَيْء، لِأَنَّهُ لم يمض ذكره، وَلَفظ الطَّعَام قد ذكر فِيمَا بعده، والعرق اللَّحْم الَّذِي على الْعظم، يُقَال: عرقت الْعظم عرقا إِذا أكلت مَا عَلَيْهِ من اللَّحْم، وَالْمرَاد: أَن أصُول السلق كَانَت عوضا عَن اللَّحْم. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (غرقة)، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَبعد الْقَاف هَاء تَأْنِيث بِمَعْنى: مغروقة، يَعْنِي السلق يغرق فِي المرقة لشدَّة نضجه. قَوْله:(فنلعقه)، من: لعق يلعق من بَاب: علم يعلم، وَاخْتِيَار ثَعْلَب فِي الفصيح هَكَذَا، بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي وَفتحهَا فِي الْمُسْتَقْبل.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز السَّلَام على النسْوَة الْأَجَانِب واستحباب التَّقَرُّب بِالْخَيرِ وَلَو بالشَّيْء الحقير. وَفِيه: قناعة الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَشدَّة الْعَيْش وَعدم حرصهم على الدُّنْيَا ولذاتها. وَفِيه: الْمُبَادرَة إِلَى الطَّاعَة.
939 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبي حازِمٍ عنْ أبِيهِ عنْ سَهْلٍ بهاذا وَقَالَ مَا كُنَّا نَقِيلُ ولَا نَتَغَدَّى إلاّ بَعْدَ الجُمُعَةِ. .
عبد الله بن مسلمة، بِفَتْح الميمين: هُوَ القعْنبِي، وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز ابْن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار الْمدنِي، مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَهُوَ ساجد. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَاتَ فَجْأَة يَوْم الْجُمُعَة فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور. قَوْله: (بِهَذَا)، أَي: بِهَذَا الحَدِيث الَّذِي قبله، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن أَبَا غَسَّان وَعبد الْعَزِيز الْمَذْكُور اشْتَركَا فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن أبي حَازِم، وَزَاد عبد الْعَزِيز قَوْله: مَا كُنَّا نقِيل وَلَا نتغدى إلاّ بعد الْجُمُعَة. قَوْله: (نقِيل) بِفَتْح النُّون من: قَالَ يقيل قيلولة فَهُوَ قَائِل، والقيلولة: الاسْتِرَاحَة نصف النَّهَار، وَإِن لم يكن مَعهَا نوم، وَكَذَلِكَ: المقيل، وَأَصله أجوف يائي. قَوْله:(وَلَا نتغدى) بالغين الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة من: الْغَدَاء، وَهُوَ الطَّعَام الَّذِي يُؤْكَل أول النَّهَار، واستدلت الْحَنَابِلَة بِهَذَا الحَدِيث لِأَحْمَد على جَوَاز صَلَاة الْجُمُعَة قبل الزَّوَال، ورد عَلَيْهِم بِمَا قَالَه ابْن بطال: بِأَنَّهُ لَا دلَالَة فِيهِ على هَذَا، لِأَنَّهُ لَا يُسمى بعد الْجُمُعَة وَقت الْغَدَاء، بل فِيهِ أَنهم كَانُوا يتشاغلون عَن الْغَدَاء والقائلة بالتهيىء