الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موضِعين. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون، وَجَرِير أَصله من الْكُوفَة. وَفِيه: أَنه ذركر شَيْخه بِلَا نِسْبَة لشهرته، وَقد ذكرنَا تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ونسك نسكنا)، يُقَال: نسك ينْسك من بَاب: نصر ينصر، نسكا بِفَتْح النُّون: إِذا ذبح، والنسيكة الذَّبِيحَة، وَجَمعهَا: نسك، وَمعنى:(من نسك نسكنا) أَن من ضحى مثل ضحيتنا. وَفِي (الْمُحكم) : نسك، بِضَم السِّين عَن اللحياني، والنسك الْعِبَادَة، وَقيل لثعلب: هَل يُسمى الصَّوْم نسكا؟ فَقَالَ: كل حق لله عز وجل يُسمى نسكا، والمنسك والمنسك شرعة النّسك، وَرجل ناسك أَي: عَابِد، وتنسك: إِذا تعبد. قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي: النّسك، حَاصِل الْمَعْنى أَن من نسك قبل الصَّلَاة فَلَا اعْتِدَاد بنسكه، وَلَفظ:(وَلَا نسك لَهُ) كالتوضيح وَالْبَيَان لَهُ. قَوْله: (أَبُو بردة)، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء: واسْمه هانىء، بالنُّون ثمَّ بِالْهَمْز: ابْن عَمْرو بن عبيد البلوي الْمدنِي، وَقيل: اسْمه الْحَارِث بن عَمْرو، وَيُقَال: مَالك بن هُبَيْرَة، وَالْأول أصح، ونيار، بِكَسْر النُّون وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف رَاء. قَوْله:(أول شَاة) بِالْإِضَافَة، ويروى بِدُونِ الْإِضَافَة مَفْتُوحًا ومضموما. أما الضَّم فَلِأَنَّهُ من الظروف المقطوعة عَن الْإِضَافَة، نَحْو: قبل وَبعد، وَأما الْفَتْح فَلِأَنَّهُ من الْمُضَاف إِلَى الْجُمْلَة، فَيجوز أَن يُقَال: إِنَّه مَبْنِيّ على الْفَتْح، أَو: إِنَّه مَنْصُوب، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ هُوَ خبر الْكَوْن. قَوْله:(شَاتك شَاة لحم)، أَي: لَيست أضْحِية وَلَا ثَوَاب فِيهَا، بل هِيَ لحم لَك تنْتَفع بِهِ. قيل: هُوَ كَقَوْلِهِم: خَاتم فضَّة، كَأَن الشَّاة شَاتَان شَاة تذبح لأجل اللَّحْم، وَشاء تذبح لأجل التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى. قَوْله:(لنا جَذَعَة) ، هما صفتان للعناق، وَلَا يُقَال: عناقة، لِأَنَّهُ مَوْضُوع للْأُنْثَى من ولد الْمعز، فَلَا حَاجَة إِلَى التَّاء الفارقة بَين الْمُذكر والمؤنث. وَقَالَ ابْن سَيّده: الْجمع عنوق وأعنق، وَعَن ابْن دُرَيْد: وعنق. قَوْله: (أحب إِلَيّ من شَاتين) يَعْنِي: من جِهَة طيب لَحمهَا وسمنها وَكَثْرَة قيمتهَا. قَوْله: (أفتجرىء؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. قَوْله: (وَلنْ تجزي) قَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ بِفَتْح التَّاء، هَكَذَا الرِّوَايَة فِيهِ فِي جَمِيع الْكتب، وَمَعْنَاهُ: لن تَكْفِي كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} . (الْبَقَرَة: 48، 23) . {وَلَا يَجْزِي وَالِد عَن وَلَده} (لُقْمَان: 33) . وَفِي (التَّوْضِيح) : هُوَ من جزى يَجْزِي بِمَعْنى: قضى، وأجزى يجزى بِمَعْنى: كفى. قَوْله: (بعْدك) أَي: غَيْرك، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا بُد فِي تضحية الْمعز من الثني وَهَذَا من خَصَائِص أبي بردة، كَمَا أَن قيام شَهَادَة خُزَيْمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مقَام شهادتين من خَصَائِص خُزَيْمَة، وَمثله كثير.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن الْخطْبَة يَوْم الْعِيد بعد الصَّلَاة. وَفِيه: أَن يَوْم النَّحْر يَوْم أكل إلاّ أَنه لَا يسْتَحبّ فِيهِ الْأكل قبل الْمُضِيّ إِلَى الصَّلَاة. قَالَ ابْن بطال: وَلَا ينْهَى عَنهُ، وَأَنه صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الحَدِيث لم يحسن أكل الْبَراء وَلَا عنفه عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَجَابَهُ عَمَّا بِهِ الْحَاجة إِلَيْهِ من سنة الذّبْح، وعذره فِي الذّبْح لما قَصده من إطْعَام جِيرَانه لحاجتهم وفقرهم، وَلم ير صلى الله عليه وسلم أَن يخيب فعلته الْكَرِيمَة، فَأجَاز لَهُ أَن يُضحي بالجذعة من الْمعز، وَقد مرت بَقِيَّة الْكَلَام فِيمَا مضى عَن قريب.
6 -
(بابُ الخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى بِغَيْرِ مِنْبَر)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان خُرُوج الإِمَام إِلَى مصلى صَلَاة الْعِيد بِغَيْر مِنْبَر أَرَادَ أَن يبين أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يخرج إِلَى الْجَبانَة يَوْم عيد الْأَضْحَى وَالْفطر لأجل الصَّلَاة وَكَانَ يخْطب قَائِما بِغَيْر مِنْبَر وَذَلِكَ لأجل تواضعه صلى الله عليه وسلم.
956 -
حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ أخبرَني زيْدٌ عنْ عِيَاضِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي سَرْحٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأضْحَى إلَى المُصَلَّى فَأوَّلُ شيءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ والنَّاسُ جُلُوسٌ عَلى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظَهُمْ ويُوصِيهِمْ ويَأمُرُهُمْ فإنْ كانَ يُريدُ أنْ يَقْطَعَ بعْثا قَطَعَهُ أوْ يَأْمُرَ بِشَيءٍ أمَرَ بِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ. قَالَ أبُو سَعِيدٍ فَلَمْ يَزَلِ (النَّاسُ عَلى ذالِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَهْوَ أمِيرُ المَدِينَةِ فِي أضْحًى أوْ فِطْرٍ فلَمَّا أتَيْنَا المُصَلَّى اذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بنُ الصَّلْتِ فإذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أنْ يُصَلَّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فجَبَذَنِي فارْتَفَعَ فَخطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ
فقُلْتُ لَهُ غَيَّرْتُمْ وَالله فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ فَقُلْتُ مَا أعْلَمُ وَالله خَيْرٌ مِمَّا لَا أعْلَمُ فَقالَ إنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبلَ الصَّلَاةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن الْمَذْكُور فِيهِ خُرُوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى مصلى الْعِيد بِغَيْر مِنْبَر يحمل مَعَه وَلَا معد لَهُ هُنَاكَ قبل خُرُوجه.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا كلهم لِأَن الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد تقدم فِي: بَاب ترك الْحَائِض الصَّوْم، لِأَنَّهُ ذكر أول الحَدِيث هُنَاكَ مُخْتَصرا. وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ ابْن أبي كثير. وَرِجَاله كلهم مدنيون. وَقَوله: عَن أبي سعيد، فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق: عَن دَاوُد بن قيس عَن عِيَاض، قَالَ: سَمِعت أَبَا سعيد، وَكَذَا أخرجه أَبُو عوَانَة من طَرِيق ابْن وهب عَن دَاوُد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِلَى الْمصلى)، بِضَم الْمِيم: هُوَ مَوضِع بِالْمَدِينَةِ مَعْرُوف، بَينه وَبَين بَاب الْمَسْجِد ألف ذِرَاع، قَالَه عمر ابْن شيبَة فِي (أَخْبَار الْمَدِينَة) عَن أبي غَسَّان الكتاني صَاحب مَالك، رحمه الله. قَوْله:(فَأول شَيْء) ارْتِفَاع أول على أَنه مُبْتَدأ وَقَوله: (الصَّلَاة)، خَبره وَلَفظ: أول، وَإِن كَانَ نكرَة فقد تخصص بِالْإِضَافَة، وَالْأولَى أَن تكون: الصَّلَاة، مُبْتَدأ. وَأول، خَبره، وَقَوله:(يبْدَأ بِهِ) جملَة فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة لشَيْء. قَوْله: (ثمَّ ينْصَرف) أَي: من الصَّلَاة. قَوْله: (فَيقوم مُقَابل النَّاس) أَي: مواجها لَهُم، وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان من طَرِيق دَاوُد بن قيس:(فَيَنْصَرِف إِلَى النَّاس قَائِما فِي مُصَلَّاهُ) . وروى ابْن خُزَيْمَة فِي مُخْتَصره: (خطب يَوْم عيد على رجلَيْهِ) . قَوْله: (وَالنَّاس جُلُوس) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا، و: جُلُوس، جمع جَالس. قَوْله:(فيعظهم) من: وعظ يعظ وعظا وعظة، و:(يوصيهم) من: وصّى يُوصي توصية، وَمعنى: يَعِظهُمْ: يخوفهم بعواقب الْأُمُور، وَمعنى يوصيهم فِي حق الْغَيْر: لينصحوا لَهُم، وَمعنى:(يَأْمُرهُم) يَأْمر بالحلال وَالْحرَام. قَوْله: (فَإِن كَانَ يُرِيد) أَي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن كَانَ يُرِيد فِي ذَلِك الْوَقْت (أَن يقطع بعثا) أَي: أَن يفرد قوما من غَيرهم بَعثهمْ إِلَى الْغَزْو، والبعث، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة بِمَعْنى الْمَبْعُوث وَهُوَ: الْجَيْش. قَوْله: (قطعه) أَي: أفرده، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى الْبَعْث. قَوْله:(أَو يَأْمر بِشَيْء) بِالنّصب أَي: أَو إِن كَانَ يُرِيد أَن يَأْمر بِشَيْء مِمَّا يتَعَلَّق بِالْبَعْثِ لأمر بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا بتكرار لِأَن مَعْنَاهُ غير معنى الأول على مَا لَا يخفى. قَوْله:(ثمَّ ينْصَرف) أَي: ثمَّ هُوَ ينْصَرف إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (قَالَ أَبُو سعيد) هُوَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ الرَّاوِي واسْمه: سعد بن مَالك. قَوْله: (على ذَلِك) أَي: على الِابْتِدَاء بِالصَّلَاةِ وَالْخطْبَة بعْدهَا. قَوْله: (حَتَّى خرجت مَعَ مَرْوَان) وَهُوَ ابْن الحكم كَانَ مُعَاوِيَة اسْتَعْملهُ على الْمَدِينَة، وَقد مر ذكره فِي: بَاب البزاق فِي الْمَسْجِد، وَزَاد عبد الرَّزَّاق عَن دَاوُد ابْن قيس وَهُوَ بيني وَبَين أبي مَسْعُود، يَعْنِي: عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ، يَعْنِي: مَرْوَان بيني وَبَين أبي مَسْعُود. قَوْله: (وَهُوَ) أَي: ومروان، وَالْوَاو للْحَال. قَوْله:(أَو فطر) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (إِذا مِنْبَر) كلمة: إِذا، للمفاجأة وارتفاع: مِنْبَر، على أَنه مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله:(بناه مَرْوَان)، وَيجوز أَن يكون الْخَبَر محذوفا تَقْدِيره: إِذا مِنْبَر هُنَاكَ، وَيكون (بِنَاء كثير) ، جملَة حَالية، وَالْعَامِل فِي: إِذا، معنى المفاجأة، وَالْمعْنَى: فاجأنا الْمِنْبَر زمَان الْإِتْيَان. وَقيل: إِذا، حرف لَا يحْتَاج إِلَى عَامل. قَوْله:(كثير بن الصَّلْت) ، كثير ضد الْقَلِيل والصلت، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، وَهُوَ كثير بن الصَّلْت بن مُعَاوِيَة الْكِنْدِيّ، ولد فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقدم الْمَدِينَة هُوَ وأخوته بعده، فسكنها وحالف بني جميح، وروى ابْن سعد بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى نَافِع قَالَ: كَانَ إسم كثير بن الصَّلْت قَلِيلا، فَسَماهُ عمر كثيرا، وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة فوصله بِذكر ابْن عمر وَرَفعه بِذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَالْأول أصح. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) : كثير بن الصَّلْت بن معدي كرب الْكِنْدِيّ أَخُو زبيد، ولد فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم روى عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن كثير بن الصَّلْت كَانَ اسْمه: قَلِيلا فَسَماهُ النَّبِي كثيرا. الْأَصَح أَن الَّذِي سَمَّاهُ كثيرا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. انْتهى. وَقد صَحَّ سَماع كثير من عَمْرو من بعده. وَقَالَ الْعجلِيّ: هُوَ تَابِعِيّ مدنِي ثِقَة. وَكَانَ لَهُ شرف وَحَال جميلَة فِي نَفسه، وَله دَار كَبِيرَة بِالْمَدِينَةِ فِي الْمصلى وقبلة الْمصلى فِي الْعِيدَيْنِ إِلَيْهَا، وَكَانَ كَاتبا لعبد الْملك بن مَرْوَان على الرسائل، وَهُوَ ابْن أخي جمد، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم أَو فتحهَا: أحد مُلُوك كِنْدَة الَّذين قتلوا فِي الرِّدَّة، وَقد ذكر ابْن مَنْدَه: الصَّلْت، فِي الصَّحَابَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: والصلت أَبُو زبيد الْكِنْدِيّ مُخْتَلف فِي صحبته، وروى عَنهُ ابْنه زبيد، وَكثير. قَوْله:(أَن يرتقيه) أَي: يُرِيد أَن يصعد إِلَيْهِ، و: أَن، مَصْدَرِيَّة. قَوْله:(فجبذت بِثَوْبِهِ) الجابذ هُوَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ إِنَّمَا جبذه ليبدأ بِالصَّلَاةِ قبل
الْخطْبَة على الْعَادة. قَوْله: (فارتفع) أَي: مَرْوَان على الْمِنْبَر. قَوْله: (غيرتم) خطاب لمروان وَأَصْحَابه، أَي: غيرتم سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه فَإِنَّهُم كَانُوا يقدمُونَ الصَّلَاة على الْخطْبَة. قَوْله: (مَا أعلم) أَي: الَّذِي أعلمهُ خير لِأَنَّهُ هُوَ طَرِيق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَكيف يكون غَيره خيرا مِنْهُ؟ قَوْله: (وَالله) قسم معترض بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. قَوْله: (فجعلتها) أَي: الْخطْبَة، فالقرينة تدل على هَذَا، وَإِن لم يمض ذكر الْخطْبَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، كَانَ يخْطب فِي الْمصلى فِي الْعِيدَيْنِ وَهُوَ وَاقِف وَلم يكن على الْمِنْبَر وَلم يكن فِي الْمصلى فِي زَمَانه مِنْبَر، وَمُقْتَضى قَول أبي سعيد: إِن أول من اتخذ الْمِنْبَر فِي الْمصلى مَرْوَان، وَقد رَوَاهُ مُسلم أَيْضا من رِوَايَة عِيَاض:(عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يخرج يَوْم الْأَضْحَى. .) الحَدِيث، وَفِيه:(فَخرجت محاضرا مَرْوَان حَتَّى أَتَيْنَا الْمصلى، فَإِذا كثير بن الصَّلْت قد بنى منبرا من طين وَلبن. .) الحَدِيث. وَقد اخْتلف فِي أول من فعل ذَلِك. فَقيل: عمر بن الْخطاب، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) وَهُوَ شَاذ. وَقيل: عُثْمَان، وَلَيْسَ لَهُ أصل. وَقيل: مُعَاوِيَة، حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض. وَقيل: زِيَاد بِالْبَصْرَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة، حَكَاهُ عِيَاض أَيْضا. بل الصَّوَاب أَن أول من فعله مَرْوَان بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِنَّمَا اخْتصَّ كثير بن الصَّلْت بِبِنَاء الْمِنْبَر بالمصلى لِأَن دَاره كَانَت مجاورة بالمصلى على مَا يَجِيء فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عليه وسلم أَتَى فِي يَوْم الْعِيد إِلَى الْعلم الَّذِي عِنْد دَار كثير بن الصَّلْت. قَالَ ابْن سعيد: كَانَت دَار كثير بن الصَّلْت قبْلَة الْمصلى فِي الْعِيدَيْنِ وَهِي تطل على بطحان الْوَادي الَّذِي فِي وسط الْمَدِينَة. وَفِيه: الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَإِن كَانَ الْمُنكر عَلَيْهِ واليا، أَلا يرى أَن أَبَا سعيد كَيفَ أنكر على مَرْوَان وَهُوَ والٍ بِالْمَدِينَةِ. وَفِيه: أَن الصَّلَاة قبل الْخطْبَة، وَلِهَذَا أنكر أَبُو سعيد على مَرْوَان خطبَته قبل الصَّلَاة، وَمِمَّنْ قَالَ بِتَقْدِيم الصَّلَاة على الْخطْبَة: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي والمغيرة وَأَبُو مَسْعُود وَابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر وَإِسْحَاق وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَجُمْهُور الْعلمَاء، وَعند الْحَنَفِيَّة والمالكية: لَو خطب قبلهَا جَازَ وَخَالف السّنة وَيكرهُ، وَلَا يكره الْكَلَام عِنْدهَا. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ لمروان تَغْيِير السّنة؟ قلت: تَقْدِيم الصَّلَاة فِي الْعِيد لَيْسَ وَاجِبا فَجَاز تَركه. وَقَالَ ابْن بطال: إِنَّه لَيْسَ تغييرا للسّنة لما فعل رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فِي الْجُمُعَة، وَلِأَن الْمُجْتَهد قد يُؤَدِّي اجْتِهَاده إِلَى ترك الأولى إِذا كَانَ فِيهِ الْمصلحَة. انْتهى. قلت: حمل أَبُو سعيد فعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم على التَّعْيِين، وَحمله مَرْوَان على الْأَوْلَوِيَّة وَاعْتذر عَن ترك الأولى بِمَا ذكره من تغير حَال النَّاس، فَرَأى أَن الْمُحَافظَة على أصل السّنة وَهُوَ اسْتِمَاع الْخطْبَة أولى من الْمُحَافظَة على هَيْئَة لَيست من شَرطهَا. فَإِن قلت: وَقع عِنْد مُسلم من طَرِيق طَارق بن شهَاب، قَالَ: أول من بَدَأَ بِالْخطْبَةِ يَوْم الْعِيد قبل الصَّلَاة مَرْوَان، فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: الصَّلَاة قبل الْخطْبَة، فَقَالَ: قد ترك مَا هُنَالك. فَقَالَ أَبُو سعيد: أما هَذَا فقد قضى مَا عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهر فِي أَنه غير أبي سعيد. قلت: أُجِيب بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون هُوَ أَبَا مَسْعُود الَّذِي وَقع فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق أَنه كَانَ مَعَهُمَا، وَيحْتَمل تعدد الْقَضِيَّة. فَإِن قلت: روى الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنِي دَاوُد بن الْحصين عَن عبد الله بن يزِيد الخطمي: (أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَأَبا بكر وَعمر وَعُثْمَان كَانُوا يبدأون بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة حَتَّى قدم مُعَاوِيَة فَقدم مُعَاوِيَة الْخطْبَة) ، وَهَذَا يدل على أَن ذَلِك لم يزل إِلَى آخر زمن عُثْمَان، وَعبد الله صَحَابِيّ، وَإِنَّمَا قدم مُعَاوِيَة فِي حَال خِلَافَته. وَحَدِيث أبي سعيد هَذَا: أول من قدمهَا مَرْوَان. قلت: يُمكن الْجمع بِأَن مَرْوَان كَانَ أَمِيرا على الْمَدِينَة لمعاوية فَأمره مُعَاوِيَة بتقديمها، فنسب أَبُو سعيد التَّقْدِيم إِلَى مَرْوَان لمباشرته التَّقْدِيم، وَنسبه عبد الله إِلَى مُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَمر بِهِ. وَفِيه: بُنيان الْمِنْبَر، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا أَن يكون بِاللَّبنِ والطين لَا من الْخشب لكَونه يتْرك بالصحراء فِي غير حرز فَلَا يخَاف عَلَيْهِ من النَّقْل، بِخِلَاف مَنَابِر الْجَوَامِع. وَفِيه: إِخْرَاج الْمِنْبَر إِلَى الْمصلى فِي الأعياد، قِيَاسا على الْبناء، وَعَن بَعضهم: لَا بَأْس بِإِخْرَاج الْمِنْبَر، وَعَن بَعضهم: كره بُنْيَانه فِي الْجَبانَة، ويخطب قَائِما أَو على دَابَّته. وَعَن أَشهب: إِخْرَاج الْمِنْبَر إِلَى الْعِيدَيْنِ وَاسع، وَعَن مَالك: لَا يخرج فيهمَا، من شَأْنه أَن يخْطب إِلَى جَانِبه، وَإِنَّمَا يخْطب على الْمِنْبَر الْخُلَفَاء. وَفِيه: إِن الْمِنْبَر لم يكن قبل بِنَاء كثير بن الصَّلْت. وَفِيه: مُوَاجهَة الْخَطِيب للنَّاس، وَأَنَّهُمْ بَين يَدَيْهِ. وَفِيه: