الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَبهته الأَرْض وَجب أَن يرْتَفع وينتصب قَائِما ويعتدل ثمَّ يسْجد، وَإِن زَالَت بعد وضع جَبهته على الأَرْض لم يرجع إِلَى الِاعْتِدَال، بل سقط عَنهُ، فَإِن عَاد إِلَيْهِ قبل تَمام سُجُوده بطلت صلَاته إِن كَانَ عَالما بِتَحْرِيمِهِ. انْتهى. وَقَالَ السَّرخسِيّ: من ترك الِاعْتِدَال تلْزمهُ الْإِعَادَة. وَقَالَ أَبُو الْيُسْر: تلْزمهُ الْإِعَادَة وَتَكون الثَّانِيَة هِيَ الْفَرْض. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: الطُّمَأْنِينَة لَيست بِفَرْض، وَبِه قَالَ بعض أَصْحَاب مَالك، فَإِذا لم تكن فرضا فَهِيَ سنة، هَذَا فِي تَخْرِيج الْجِرْجَانِيّ، وَفِي تَخْرِيج الْكَرْخِي: وَاجِبَة وَيجب سُجُود السَّهْو بِتَرْكِهَا، وَفِي (الْجَوَاهِر) للمالكية: لَو لم يرفع رَأسه من رُكُوعه وَجَبت الْإِعَادَة، وَفِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك، وَلم تجب فِي رِوَايَة عَليّ بن زِيَاد. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: من لم يرفع من الرُّكُوع وَالسُّجُود رَأسه وَلم يعتدل يجْزِيه ويستغفر الله وَلَا يعود. وَقَالَ أَشهب: لَا يجْزِيه. قَالَ أَبُو مُحَمَّد: إِن من كَانَ إِلَى الْقيام أقرب الأولى أَن يجب، فَإِن قُلْنَا بِوُجُوب الِاعْتِدَال تجب الطُّمَأْنِينَة، وَقيل: لَا تجب. وَبِه اسْتدلَّ قوم على تَكْفِير تَارِك الصَّلَاة، لِأَن حُذَيْفَة نفى الْإِسْلَام عَمَّن أخل بِبَعْض أَرْكَانهَا، فَيكون نَفْيه عَمَّن أخل بهَا كلهَا أولى. وَأجِيب: بِأَن هَذَا من قبيل قَوْله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤمن) . نفى عَنهُ اسْم الْإِيمَان للْمُبَالَغَة فِي الزّجر، وَتَمام الْجَواب عَنهُ بِمَا ذكره الْخطابِيّ، وَقد ذَكرْنَاهُ آنِفا.
120 -
(بابُ اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِوَاء ظهر الْمُصَلِّي فِي حَالَة الرُّكُوع، يَعْنِي: من غير ميل رَأسه عَن الْبدن إِلَى جِهَة فَوق وَلَا إِلَى جِهَة أَسْفَل.
وَقَالَ أبُو حُمَيْدٍ فِي أصْحَابِهِ رَكَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ
أَبُو حميد السَّاعِدِيّ، ذكر فِي: بَاب وضع الأكف على الركب فِي الرُّكُوع. قَوْله: (فِي أَصْحَابه) أَي: فِي حضورهم. قَوْله: (ثمَّ هصر)، بِفَتْح الْهَاء وَالصَّاد الْمُهْملَة. أَي: أماله، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(ثمَّ حَنى ظَهره) ، بِالْهَاءِ الْمُهْملَة وَالنُّون الْخَفِيفَة، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد:(ثمَّ هصر ظَهره غير مقنع رَأسه وَلَا صَافح بخده) وَهَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ مطولا فِي: بَاب سنة الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
121 -
(بابُ حَد إتْمَام الرُّكُوعِ والإعْتِدَالِ فِيهِ والإطْمَأنِينَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حد إتْمَام الرُّكُوع والاعتدال فِيهِ أَي: فِي الرُّكُوع. قَوْله: (والإطمأنينة) ، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الطَّاء وَبعد الْألف نون مَكْسُورَة ثمَّ يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ نون أُخْرَى مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(والطمأنينة) ، بِضَم الطَّاء، وَهُوَ الَّذِي يسْتَعْمل، الَّذِي ذكره أهل اللُّغَة، لِأَن هَذِه اللَّفْظَة مصدران لَا غير، يُقَال: اطْمَأَن الرجل إطمينانا وطمانينةً، أَي: سكن، وَهُوَ مطمئن إِلَى كَذَا، وَكَذَلِكَ: اطبأن، بِالْبَاء الْمُوَحدَة على الْإِبْدَال، وَهُوَ من مزِيد الرباعي، وَأَصله: طمأن، على وزن: فعلل، فَنقل إِلَى بَاب: افعلل، بِالتَّشْدِيدِ فِي اللَّام الْأَخِيرَة، فَصَارَ، اطْمَأَن، وَأَصله: اطمأنن، فنقلت حَرَكَة النُّون الأولى إِلَى الْهمزَة وأدغمت النُّون فِي النُّون مثل: اقشعر، أَصله: اقشعرر، ورباعيه: قشعر. وَإِنَّمَا ذكر لفظ بَاب هُنَا عِنْد الْكشميهني، وفصله عَن الْبَاب الَّذِي قبله، وَعند البَاقِينَ لَيْسَ فِيهِ: بَاب، وَإِنَّمَا الْجَمِيع مَذْكُور فِي تَرْجَمَة وَاحِدَة.
792 -
حدَّثنا بَدَلُ بنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبرنِي الحَكَمُ عنِ ابنِ أبي لَيْلَى عنِ البَرَاءِ قَالَ كانَ رُكُوعُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَسُجُودِهِ وبيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وإذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ مَا خَلَا القِيَامَ والقُعُودَ قَريبا مِنَ السَّوَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة على تَقْدِير وجود الْبَاب هُنَا من حَيْثُ إِن فِي قَوْله: (قَرِيبا من السوَاء) إشعارا بِأَن فِي قَوْله: (كَانَ رُكُوع النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْله: (مَا خلا الْقيام) تَفَاوتا، وَيعلم أَن فِيهِ مكثا زَائِدا على أصل حَقِيقَة الرُّكُوع وَالسُّجُود وَبَين السَّجْدَتَيْنِ وَعند رفع رَأسه من الرُّكُوع، والمكث الزَّائِد هُوَ الطُّمَأْنِينَة والاعتدال فِي هَذِه الْأَشْيَاء فَافْهَم.
ذكر
رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: بدل، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالدَّال الْمُهْملَة بعْدهَا اللَّام: ابْن المحبر، بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمَفْتُوحَة وَفِي آخِره رَاء: ابْن مُنَبّه التَّمِيمِي، ثمَّ الْيَرْبُوعي أَبُو الْمُنِير الْبَصْرِيّ واسطي الأَصْل. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث: الحكم، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْكَاف: ابْن عتيبة الْكُوفِي. الرَّابِع: عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى الْأنْصَارِيّ الْكُوفِي، كَانَ أَصْحَابه يعظمونه، كَانَ أَمِيرا، أدْرك مائَة وَعشْرين صحابيا. قَالَ عبد الْملك بن عُمَيْر: رَأَيْت ابْن أبي ليلى فِي حَلقَة فِيهَا نفر من الصَّحَابَة يَسْتَمِعُون لحديثه وينصتون لَهُ، مَاتَ غرقا بنهر الْبَصْرَة سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ. الْخَامِس: الْبَراء ابْن عَازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كوفيون مَا خلا بدل بن المحبر فَإِنَّهُ بَصرِي. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ وَهُوَ: بدل، من أَفْرَاده. وَفِيه: عَن الحكم عَن ابْن أبي ليلى، وَفِي رِوَايَة مُسلم التَّصْرِيح بتحديثه لَهُ. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، فالتابعي الأول هُوَ الحكم، وَالثَّانِي هُوَ ابْن ابي ليلى. وَفِيه: رِوَايَة ابْن الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ، فَإِن أَبَا ليلى صَحَابِيّ واسْمه: يسَار بن بِلَال الْأنْصَارِيّ الأوسي، قتل بصفين مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي اسْمه اخْتِلَاف، وَكَذَا فِي اسْم أَبِيه.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي أَحْمد عَن مسعر، كِلَاهُمَا عَن الحكم عَنهُ بِهِ، وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر عَن شُعْبَة بِهِ، وَعَن حَامِد بن عمر وَأبي كَامِل، كِلَاهُمَا عَن أبي عوَانَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص ابْن عمر عَن شُعْبَة بِهِ وَعَن مُسَدّد وَأبي كَامِل، كِلَاهُمَا عَن أبي عوَانَة بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن ابْن الْمُبَارك وَعَن بنْدَار عَن غنْدر، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن علية وَعَن عبيد الله بن سعيد عَن يحيى، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة نَحوه، وَعَن أَحْمد بن سُلَيْمَان عَن عَمْرو بن عون عَن أبي عوَانَة بِمَعْنَاهُ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (رُكُوع النَّبِي صلى الله عليه وسلم اسْم: كَانَ و (سُجُوده) عطف عَلَيْهِ. قَوْله: (وَبَين السَّجْدَتَيْنِ) عطف على: رُكُوع النَّبِي صلى الله عليه وسلم، على تَقْدِير الْمُضَاف أَي: زمَان رُكُوعه وَسُجُوده وَبَين السَّجْدَتَيْنِ، وَوقت رفع رَأسه من الرُّكُوع سَوَاء، وَإِنَّمَا قَدرنَا هَكَذَا ليستقيم الْمَعْنى بِهِ، وَمعنى قَوْله:(وَبَين السَّجْدَتَيْنِ) أَي: الْجُلُوس بَينهمَا. قَوْله: (وَإِذا رفع رَأسه) كلمة: إِذا، للْوَقْت الْمُجَرّد منسلخا عَنهُ معنى الِاسْتِقْبَال. قَوْله:(مَا خلا الْقيام وَالْقعُود) ، بِالنّصب فيهمَا، لِأَن معنى: مَا خلا، بِمَعْنى إلاّ، يَعْنِي: إلاّ الْقيام الَّذِي هُوَ للْقِرَاءَة، وإلاّ الْقعُود الَّذِي هُوَ للتَّشَهُّد، فَإِنَّهُمَا كَانَا أطول من غَيرهمَا. قَوْله:(قَرِيبا من السوَاء) مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر: كَانَ، وَفِيه إِشْعَار بِأَن فِي هَذِه الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة تَفَاوتا، وَبَعضهَا كَانَ أطول من بعض.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ بَعضهم على أَن الِاعْتِدَال وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ لَا يطولان، ورد بِأَنَّهُمَا ذكرا بعينهما، فَكيف يَصح استثناؤهما بعد ذَلِك؟ وَهل يَصح أَن يُقَال: رَأَيْت زيدا وعمرا وبكرا وخالدا إلاّ زيدا وعمرا. فَإِن فِيهِ التَّنَاقُض، وَاحْتج بِهِ أَيْضا بَعضهم على اسْتِحْبَاب تَطْوِيل الِاعْتِدَال وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ، وَقَالَ ابْن بطال: هَذِه الصّفة يَعْنِي الصّفة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث أكمل صِفَات صَلَاة الْجَمَاعَة، وَأما صَلَاة الرجل وَحده فَلهُ أَن يُطِيل فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود أَضْعَاف مَا يُطِيل فِي الْقيام وَبَين السَّجْدَتَيْنِ وَبَين الرَّكْعَة والسجدة. وَفِي (التَّلْوِيح) . قَوْله:(قَرِيبا من السوَاء) ، يدل على أَن بَعْضهَا كَانَ فِيهِ طول يسير على بعض، وَذَلِكَ فِي الْقيام، وَلَعَلَّه أَيْضا فِي التَّشَهُّد. وَقَالَ: وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن الرّفْع من الرُّكُوع ركن طَوِيل، وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْفِعْل الْمُتَأَخر بعد ذَلِك التَّطْوِيل قد ورد فِي بعض الْأَحَادِيث يَعْنِي عَن جَابر بن سَمُرَة، وَكَانَت صلَاته بعد ذَلِك تَخْفِيفًا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن بعض الْأَركان أطول من بعض إلاّ أَنَّهَا غير متباعدة إلاّ فِي الْقيام فَإِنَّهُ كَانَ يطوله. وَاخْتلفُوا فِي الرّفْع من الرُّكُوع: هَل هُوَ ركن طَوِيل أَو قصير؟ وَرجح أَصْحَاب الشَّافِعِي أَنه ركن قصير، وَفَائِدَة الْخلاف فِيهِ أَن تطويله يقطع الْمُوَالَاة الْوَاجِبَة فِي الصَّلَاة، وَمن هَذَا قَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: إِنَّه إِذا طوله بطلت صلَاته وَقَالَ بَعضهم: لَا تبطل حَتَّى يَنْقُلهُ ركنا: كَقِرَاءَة الْفَاتِحَة وَالتَّشَهُّد.