الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُنْفَرد خلف الصَّفّ، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَعبد الله بن الْمُبَارك وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، وَلَكِن بأثم، إِمَّا الْجَوَاز فَلِأَنَّهُ يتَعَلَّق بالأركان، وَقد وجدت. وَإِمَّا الْإِسَاءَة فلوجود النَّهْي عَن ذَلِك وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:(لَا صَلَاة لفرد خلف الصَّفّ)، وَمَعْنَاهُ: لَا صَلَاة كَامِلَة، كَمَا فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم:(لَا وضوء لمن لم يسم الله)، وَقَوله صلى الله عليه وسلم:(لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إلاّ فِي الْمَسْجِد)، وَقَالَ حَمَّاد ابْن أبي سُلَيْمَان وإبرهيم النَّخعِيّ وَابْن أبي ليلى ووكيع وَالْحكم وَالْحسن بن صَالح وَأحمد وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر: من صلى خلف صف مُنْفَردا فَصلَاته بَاطِلَة. وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، وَقد أجبنا عَنهُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث وابصة بن معبد الْأَشْجَعِيّ:(أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، رأى رجلا يُصَلِّي خلف الصَّفّ وَحده، فَأمره أَن يُعِيد. قَالَ سُلَيْمَان: الصَّلَاة) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره، وَصَححهُ أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة. وَالْجَوَاب عَنهُ أَن فِي سَنَده اخْتِلَافا، بَيَانه أَن الَّذِي يرويهِ هِلَال بن يسَاف عَن عَمْرو بن رَاشد عَن وابصة، وَمِنْهُم من قَالَ: هِلَال عَن وابصة، وَعَن هَذَا قَالَ الشَّافِعِي: لَو ثَبت الحَدِيث لَقلت بِهِ. وَقَالَ الْحَاكِم: إِنَّمَا لم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ لفساد الطَّرِيق إِلَيْهِ. وَقَالَ الْبَزَّار عَن عَمْرو بن رَاشد: لَيْسَ مَعْرُوفا بِالْعَدَالَةِ فَلَا يحْتَج بحَديثه، وهلال لم يسمع من وابصة، فأمسكنا عَن ذكره لإرساله. وَقَالَ أَبُو عمر: فِيهِ اضْطِرَاب وَلَا تثبته جمَاعَة. فَإِن قلت: أخرج ابْن مَاجَه فِي (سنَنه) : حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا ملازم بن عَمْرو عَن عبد الله بن بدر وحَدثني عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن شَيبَان عَن أَبِيه عَليّ بن شَيبَان، وَكَانَ من الْوَفْد، قَالَ:(خرجنَا حَتَّى قدمنَا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ وصلينا خَلفه، قَالَ: ثمَّ صلينَا وَرَاءه صَلَاة أُخْرَى فَقضى الصَّلَاة، فَرَأى رجلا فَردا يُصَلِّي خلف الصَّفّ قَالَ: فَوقف عَلَيْهِ نَبِي الله، صلى الله عليه وسلم، حَتَّى انْصَرف قَالَ: اسْتقْبل صَلَاتك، لَا صَلَاة للَّذي خلف الصَّفّ) . وَأخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) قلت: أخرجه الْبَزَّار فِي (مُسْنده) وَقَالَ: عبد الله بن بدر، لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، إِنَّمَا حدث عَنهُ ملازم بن عَمْرو وَمُحَمّد بن جَابر، فَأَما ملازم فقد احْتمل حَدِيثه وَإِن لم يحْتَج بِهِ، وَأما مُحَمَّد بن جَابر فقد سكت النَّاس عَن حَدِيثه، وَعلي بن شَيبَان لم يحدث عَنهُ إلاّ ابنع، وَابْنه هَذَا غير مَعْرُوف، وَإِنَّمَا ترْتَفع جَهَالَة الْمَجْهُول إِذا روى عَنهُ ثقتان مشهوران، فَأَما إِذا روى عَنهُ من لَا يحْتَج بحَديثه لم يكن ذَلِك الحَدِيث حجَّة،. وَلَا ارْتَفَعت الْجَهَالَة. وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَنهُ: أَن معنى قَوْله: (لَا صَلَاة للَّذي خلف الصَّفّ) ، لَا صَلَاة كَامِلَة، لِأَن من سنة الصَّلَاة مَعَ الإِمَام اتِّصَال الصُّفُوف وسد الْفرج، فَإِن قصر عَن ذَلِك فقد أَسَاءَ وَصلَاته مجزية وَلكنهَا لَيْسَ بِالصَّلَاةِ المتكاملة، فَقيل لذَلِك: لَا صَلَاة لَهُ، أَي: لَا صَلَاة متكاملة. كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْمِسْكِين الَّذِي ترده التمرة وَالتَّمْرَتَانِ) الحَدِيث، مَعْنَاهُ: لَيْسَ هُوَ الْمِسْكِين المتكامل فِي المسكنة، إِذْ هُوَ يسْأَل فَيعْطى مَا يقوته ويواري عَوْرَته، وَلَكِن الْمِسْكِين الَّذِي لَا يسْأَل النَّاس وَلَا يعرفونه فيتصدقون عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْخطابِيّ وَفِيه: دَلِيل على أَن قيام الْمَأْمُوم من وَرَاء الإِمَام وَحده لَا يفْسد صلَاته، وَذَلِكَ أَن الرُّكُوع جُزْء من الصَّلَاة، فَإِذا أَجزَأَهُ مُنْفَردا عَن الْقَوْم أَجزَأَهُ سَائِر أَجْزَائِهَا، كَذَلِك، إلاّ أَنه مَكْرُوه لقَوْله:(فَلَا تعد) ، وَنَهْيه إِيَّاه عَن الْعود إرشاد لَهُ فِي الْمُسْتَقْبل إِلَى مَا هُوَ أفضل، وَلَو كَانَ نهي تَحْرِيم لأَمره بِالْإِعَادَةِ.
وَفِيه: أَن من أدْرك الإِمَام على حَال يجب أَن يصنع كَمَا يصنع الإِمَام، وَقد ورد الْأَمر بذلك صَرِيحًا فِي (سنَن سعيد بن مَنْصُور) من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن أنَاس من أهل الْمَدِينَة:(أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: قَالَ: من وجدني قَائِما أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا فَلْيَكُن معي على الْحَالة الَّتِي أَنا عَلَيْهَا) . وَفِي التِّرْمِذِيّ نَحوه عَن عَليّ ومعاذ بن جبل مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده ضعف، وَلكنه يعتضد بِمَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور الْمَذْكُور آنِفا. وَالله أعلم.
115 -
(بابُ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ)
أَي: هَذَا بَاب ي بَيَان إتْمَام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع. قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت: التَّرْجَمَة تَامَّة بِدُونِ لفظ: الْإِتْمَام، بِأَن يَقُول: بَاب التَّكْبِير فِي الرُّكُوع، فَلَا فَائِدَة فِيهِ، بل هُوَ مخل لِأَن حَقِيقَة التَّكْبِير لَا تزيد وَلَا تنقص. قلت: المُرَاد مِنْهُ أَن يمد التَّكْبِير الَّذِي هُوَ للانتقال من الْقيام إِلَى الرُّكُوع بِحَيْثُ يتمه فِي الرُّكُوع بِأَن تقع وَرَاء الله أكبر فِيهِ، وإتمام الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوع، أَو إتْمَام عدد تَكْبِيرَات الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوع. قلت: يجوز أَن يكون المُرَاد من: إتْمَام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع، هُوَ تَبْيِين حُرُوفه من غير
هذّ فِيهِ، والإتمام يرجع إِلَى صفته لَا إِلَى حَقِيقَته. فَإِن قلت: هَذَا لَا بُد مِنْهُ فِي سَائِر تَكْبِيرَات الصَّلَاة، فَمَا معنى تَخْصِيصه بِالرُّكُوعِ هُنَا؟ ثمَّ بِالسُّجُود فِي الْبَاب الَّذِي بعده؟ قلت: لما كَانَ الرُّكُوع وَالسُّجُود من أعظم أَرْكَان الصَّلَاة خصهما بِالذكر، وَإِن كَانَ الحكم فِي تَكْبِيرَات غَيرهمَا مثله فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي، قَالَ:(صليت خلف النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم يتم التَّكْبِير)، فَهَذَا يُخَالف التَّرْجَمَة؟ قلت: روى البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ) عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ أَنه قَالَ: هَذَا عندنَا حَدِيث بَاطِل، وَقَالَ الطَّبَرِيّ وَالْبَزَّار: تفرد بِهِ الْحسن بن عمرَان، وَهُوَ مَجْهُول.
قالَ ابنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
أَي: قَالَ بإتمام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع عبد الله بن عَبَّاس، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن ابْن عَبَّاس قَالَ ذَلِك بِالْمَعْنَى فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ، وَفِي الْبَاب الَّذِي بعده، أما الأول: فَهُوَ قَوْله: حَدثنَا عَمْرو بن عون، قَالَ: حَدثنَا هشيم عَن أبي بشر عَن عِكْرِمَة، قَالَ:(رَأَيْت رجلا عِنْد الْمقَام يكبر فِي كل خفض وَرفع) الحَدِيث. وَأما الثَّانِي: فَهُوَ قَوْله: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: أخبرنَا همام عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة، قَالَ:(صليت خلف شيخ بِمَكَّة فَكبر اثْنَتَيْنِ وَعشْرين تَكْبِيرَة) الحَدِيث.
وفِيِه مالِكُ بنُ الحُوَيْرِثِ
أَي: فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث، وَسَيَأْتِي حَدِيثه فِي: بَاب الْمكْث بَين السَّجْدَتَيْنِ، وَفِيه:(فَقَامَ ثمَّ ركع فَكبر) .
784 -
حدَّثنا أسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ عنِ الجُرَيْرِيِّ عنْ أبي العَلاءِ عنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قَالَ صَلى معَ عَلِيٍّ رضي الله عنه فقالَ ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلَاةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أنَّهُ كانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وكُلَّمَا وضعَ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ يكبر كلما رفع)، فَإِنَّهُ عبارَة عَن تَكْبِير الرُّكُوع فَإِن قلت: الحَدِيث يدل على مُجَرّد التَّكْبِير، والترجمة على إتْمَام التَّكْبِير. قلت: لَا شكّ أَن تَكْبِير النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ بإتمامه إِيَّاه فِي الْمَعْنى، فالترجمة تَشْمَل الْوَجْهَيْنِ.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: إِسْحَاق بن شاهين أَبُو بشر الوَاسِطِيّ. الثَّانِي: خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان. الثَّالِث: سعيد بن إِيَاس الْجريرِي، بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء الأولى. الرَّابِع: أَبُو الْعَلَاء يزِيد بن عبد الله بن الشخير، بِكَسْر الشين وَتَشْديد الْخَاء الْمُعْجَمَة. الْخَامِس: مطرف، بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وَفِي آخِره فَاء: هُوَ أَخُو يزِيد بن عبد الله الْمَذْكُور. السَّادِس: عمرَان بن الْحصين، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن الْأَوَّلين من الروَاة واسطيان والبقية بصريون. وَفِيه: رِوَايَة الْأَخ عَن الْأَخ، وَهِي رِوَايَة أبي الْعَلَاء عَن أَخِيه مطرف. وَقَالَ الْبَزَّار فِي (سنَنه) : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ غير وَاحِد عَن مطرف عَن عمرَان، وَعَن الْحسن عَن عمرَان.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (صلى) أَي: عمرَان. قَوْله: (مَعَ عَليّ) أَي: ابْن أبي طَالب. قَوْله: (بِالْبَصْرَةِ) ، بِتَثْلِيث الْبَاء ثَلَاث لُغَات، ذكرهَا الْأَزْهَرِي، وَالْمَشْهُور الْفَتْح، وَحكى الْخَلِيل فِيهَا ثَلَاث لُغَات أُخْرَى: البصْرة والبصَرة والبصِرة، الأولى بِسُكُون الصَّاد، وَالثَّانيَِة بِفَتْحِهَا، وَالثَّالِثَة بِكَسْرِهَا. وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: يُقَال لَهَا: قبَّة الْإِسْلَام وخزانة الْعَرَب بناها عتبَة بن غَزوَان فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلم يعبد الصَّنَم قطّ على أرْضهَا، وَكَانَ بناؤها فِي سنة سبع عشرَة، وطولها فرسخان فِي فَرسَخ. وَقَالَ الرشاطي: الْبَصْرَة فِي الْعرَاق، وَالْبَصْرَة أَيْضا مَدِينَة فِي الْمغرب بِقرب طنجة، وَهِي الْآن خراب، وَالْبَصْرَة هِيَ الْحِجَارَة الرخوة تضرب إِلَى الْبيَاض، وَسميت الْبَصْرَة بِهَذَا لِأَن أرْضهَا الَّتِي بَين العقيق وَأَعْلَى المربد حِجَارَة، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: بَصرِي وبصري بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا، وَكَانَت صَلَاة عمرَان مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، بِالْبَصْرَةِ بعد وقْعَة الْجمل. قَوْله:(ذكرنَا) ، بتَشْديد الْكَاف وَفتح الرَّاء، وَهِي جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول، وَالْفَاعِل، هُوَ قَوْله:(هَذَا الرجل)، وَأَرَادَ عَليّ بن أبي طَالب. وَقَوله:(ذكرنَا) يدل على أَن التَّكْبِير قد ترك، وَقد روى أَحْمد والطَّحَاوِي بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: (ذكرنَا عَليّ صَلَاة كُنَّا نصليها
مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِمَّا نسيناها وَإِمَّا تركناها عمدا) . قَوْله: (صَلَاة) بِالنّصب مفعول: ذكر، قَوْله:(كُنَّا نصليها)، جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا صفة لقَوْله:(صَلَاة) . قَوْله: (كلما رفع وَكلما وضع) يَعْنِي: فِي جَمِيع الِانْتِقَالَات، وَلَكِن خص مِنْهُ الرّفْع من الرُّكُوع بِالْإِجْمَاع، فَإِنَّهُ شرع فِيهِ التَّحْمِيد.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن التَّكْبِير فِي كل خفض وَرفع، وَإِلَيْهِ ذهب عَطاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأصحابهم، ويحكى ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَقيس بن عبَادَة وَآخَرين، وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَمُحَمّد بن سِيرِين وَالقَاسِم وَسَالم بن عبد الله وَسَعِيد بن جُبَير وَقَتَادَة لَا يكبرُونَ فِي الصَّلَاة إِذا خفضوا. وَقَالَ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا أَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة عَن الْحسن بن عمرَان أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كَانَ لَا يتم التَّكْبِير. حَدثنَا يحيى بن سعيد (عَن عبيد الله بن عمر، قَالَ: صليت خلف الْقَاسِم وَسَالم فَكَانَا لَا يتمان التَّكْبِير) . حَدثنَا غنْدر عَن شُعْبَة عَن عمر بن مرّة، قَالَ:(صليت مَعَ سعيد بن جُبَير فَكَانَ لَا يتم التَّكْبِير) . حَدثنَا عَبدة بن سُلَيْمَان عَن مسعر عَن يزِيد الْفَقِير، قَالَ: كَانَ ابْن عمر ينقص التَّكْبِير فِي الصَّلَاة. وَقَالَ مسعر: إِذا انحط بعد الرُّكُوع للسُّجُود لم يكبر فَإِذا أَرَادَ أَن يسْجد الثَّانِيَة لم يكبر، ويحكى عَن عمر بن الْخطاب أَيْضا. وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن أبي الْوَلِيد قَالَ: أَخْبرنِي شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن رجل عَن ابْن ابزى عَن أَبِيه أَن عمر بن الْخطاب أمّهم فَلم يكبر هَذَا التَّكْبِير، ويحكى عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا. وَأخرج عبد الرَّزَّاق بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن يزِيد، قَالَ: صليت مَعَ ابْن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ فَلم يكبر هَذَا التَّكْبِير بِالرَّفْع والخفض. قلت: الْمَشْهُور عَن هَؤُلَاءِ التَّكْبِير فِي الْخَفْض وَالرَّفْع، وَرِوَايَات هَؤُلَاءِ مَحْمُولَة على أَنهم تَرَكُوهُ أَحْيَانًا بَيَانا للْجُوَاز، أَو الرَّاوِي لم يسمع ذَلِك مِنْهُم لخفا الصَّوْت، وَكَانَت بَنو أُميَّة يتركون التَّكْبِير فِي الْخَفْض وهم مثل مُعَاوِيَة وَزِيَاد وَعمر بن عبد الْعَزِيز. قَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا جرير عَن مَنْصُور عَن أبراهيم قَالَ: أول من نقص التَّكْبِير زِيَاد، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: إِن أَبَا هُرَيْرَة سُئِلَ: مَن أول من ترك التَّكْبِير إِذا رفع رَأسه وَإِذا وَضعه؟ قَالَ: مُعَاوِيَة. وَقَالَ أَبُو عبد الله الْعَدنِي فِي (مُسْنده) : حَدثنَا بشر بن الْحَارِث حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن ثُوَيْر عَن أَبِيه عَن عبد الله قَالَ: أول من نقص التَّكْبِير الْوَلِيد بن عقبَة، فَقَالَ عبد الله: نقصوها نقصهم الله، فقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يكبر كلما ركع وَكلما سجد وَكلما رفع رَأسه، وَعَن بعض السّلف: انه كَانَ لَا يكبر سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، وَفرق بَعضهم بَين الْمُنْفَرد وَغَيره. . فَإِن قلت: مَا تَقول فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي الْخُزَاعِيّ: (أَنه صلى مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ لَا يتم التَّكْبِير) ؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والطَّحَاوِي؟ قلت: قَالُوا: إِنَّه ضَعِيف ومعلول بالْحسنِ بن عمرَان أحد رُوَاته. قَالَ الطَّبَرِيّ: هُوَ مَجْهُول لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه)، عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: إِنَّه حَدِيث بَاطِل، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب فَإِن قلت: شَكَوْت أبي دَاوُد والطَّحَاوِي يدل على الصِّحَّة عِنْدهمَا؟ قلت: وَلَئِن سلمنَا صِحَّته فَالْجَوَاب مَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وتأوله الْكَرْخِي على حذفه، وَذَلِكَ نُقْصَان صفة عدد، وَأجَاب الطَّحَاوِيّ: أَن الْآثَار المتواترة على خِلَافه، وَأَن الْعَمَل على غَيره. فَإِن قلت: تَكْبِيرَة الِانْتِقَالَات سنة أم وَاجِبَة؟ قلت: اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ قوم: هِيَ سنة، قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه قَالَ أَبُو بكر الصّديق وَعمر وَجَابِر وَقيس بن عبَادَة وَالشعْبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة، وَنَقله ابْن بطال أَيْضا عَن عُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة وَابْن الزبير وَمَكْحُول وَالنَّخَعِيّ وَأبي ثَوْر، وَقَالَت الظَّاهِرِيَّة وَأحمد فِي رِوَايَة: كلهَا وَاجِبَة. وَقَالَ أَبُو عمر: قد قَالَ قوم من أهل الْعلم: إِن التَّكْبِير أَنما هُوَ أذن بحركات الإِمَام وشعار الصَّلَاة وَلَيْسَ بِسنة إلاّ فِي الْجَمَاعَة، فَأَما من صلى وَحده فَلَا بَأْس عَلَيْهِ أَن يكبر. وَقَالَ سعيد بن جُبَير: إِنَّمَا هُوَ شَيْء يزين بِهِ الرجل صلَاته، وَقَالَ ابْن حزم فِي (الْمحلى) : وَالتَّكْبِير للرُّكُوع فرض، وَقَول: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم فِي الرُّكُوع فرض، وَالْقِيَام إِثْر الرُّكُوع فرض لمن قدر عَلَيْهِ حَتَّى يعتدل قَائِما، وَقَول: سمع الله لمن حَمده، عِنْد الْقيام من الرُّكُوع فرض، فَإِن كَانَ مَأْمُوما فَفرض عَلَيْهِ أَن يَقُول بعد ذَلِك، رَبنَا لَك الْحَمد، أَو: وَلَك الْحَمد، وَلَيْسَ هَذَا فرضا على إِمَام وَلَا فذ، فَإِن قَالَاه كَانَ حسنا وَسنة، وَالتَّكْبِير لكل سَجْدَة مِنْهَا فرض، وَقَول: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، فِي كل سَجْدَة فرض، وَوضع الْجَبْهَة وَالْيَدَيْنِ وَالْأنف والركبتين وصدور الْقَدَمَيْنِ على مَا هُوَ قَائِم عَلَيْهِ مِمَّا أُبِيح لَهُ التَّصَرُّف عَلَيْهِ فرض، كل ذَلِك، وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ فرض، والطمأنينة فِيهِ فرض، وَالتَّكْبِير