الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَسْجِد حَتَّى أَن من هُوَ فِي الصَّفّ الأول وَالثَّانِي وَإِن طَالَتْ الصُّفُوف ينحرفون بأبدانهم أَو بِوُجُوهِهِمْ لسَمَاع الْخطْبَة؟ قلت: الظَّاهِر أَن المُرَاد بذلك من يسمع الْخطْبَة دون من بعد فَلم يسمع فاستقبال الْقبْلَة أولى بِهِ من توجهه لجِهَة الْخَطِيب، ثمَّ إِن الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ جزما باستحباب ذَلِك، وَصرح القَاضِي أَبُو الطّيب بِوُجُوب ذَلِك، ثمَّ بَقِي هُنَا اسْتِقْبَال الْخَطِيب للنَّاس فَذكر الرَّافِعِيّ: أَنه من سنَن الْخطْبَة، وَلَو خطب مستدبرا للنَّاس جَازَ، وَإِن خَالف السّنة. وَحكى فِي (الْبَيَان) وَغَيره وَجه: أَنه لَا يجْزِيه، كَمَا ذكرنَا عَن قريب عَن الشَّاشِي. فَإِن قلت: حول النَّبِي صلى الله عليه وسلم ظَهره إِلَى النَّاس فِي خطْبَة الاسْتِسْقَاء؟ قلت: كَانَ ذَلِك تفاؤلاً بِتَغَيُّر الْحَال، كَمَا قلب رِدَاءَهُ فِيهَا تفاؤلاً بذلك، فَأَما فِي الْجُمُعَة فَلم ينْقل ذَلِك مَعَ كَونه قد استسقى فِي خطْبَة الْجُمُعَة وَلم يحول وَجهه فِي الدُّعَاء للْقبْلَة، وكل مِنْهُمَا أصل بِنَفسِهِ لَا يُقَاس عَلَيْهِ غَيره، واستنبط الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره من الحَدِيث الْمَذْكُور أَن الْخَطِيب لَا يلْتَفت يَمِينا وَلَا شمالاً حَالَة الْخطْبَة. وَفِي (شرح الْمُهَذّب) : اتّفق الْعلمَاء على كَرَاهَة ذَلِك، وَهُوَ مَعْدُود فِي الْبدع الْمُنكرَة، خلافًا لأبي حنيفَة، فَإِنَّهُ قَالَ: يلْتَفت يمنة ويسرة كالأذان، نَقله الشَّيْخ أَبُو حَامِد. قلت: فِي هَذَا النَّقْل عَن أبي حنيفَة نظر، وَلَا يَصح ذَلِك عَنهُ، وَمن السّنة عندنَا أَن يتْرك الْخَطِيب السَّلَام من وَقت خُرُوجه إِلَى دُخُوله فِي الصَّلَاة، وَالْكَلَام أَيْضا، وَبِه قَالَ مَالك. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: السّنة إِذا صعد الْمِنْبَر أَن يسلم على الْقَوْم إِذا أقبلهم بِوَجْهِهِ، كَذَا رُوِيَ عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قلت: هَذَا الحَدِيث أوردهُ ابْن عدي من حَدِيث ابْن عمر فِي تَرْجَمَة عِيسَى بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَضَعفه، وَكَذَا ضعفه ابْن حبَان. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن مجَالد: (عَن الشّعبِيّ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صعد الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة اسْتقْبل النَّاس فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم. .) قلت: هَذَا مُرْسل فَلَا يحْتَج بِهِ عِنْدهم، وَقَالَ عبد الْحق فِي (الْأَحْكَام الْكُبْرَى) : هُوَ مُرْسل، وَإِن أسْندهُ أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن لَهِيعَة فَهُوَ مَعْرُوف فِي الضُّعَفَاء، فَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: الحَدِيث لَيْسَ بِقَوي.
29 -
(بابُ مَنْ قالَ فِي الخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ أمَّا بَعْدُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول من قَالَ فِي الْخطْبَة بعد الثَّنَاء عَن الله عز وجل كلمة: أما بعد، وَكَانَ البُخَارِيّ، رحمه الله، لم يجد فِي صفة خطْبَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم الْجُمُعَة حَدِيثا على شَرطه، فاقتصر على ذكر الثَّنَاء وَاللَّفْظ وضع للفصل بَينه وَبَين مَا بعده من موعظة وَنَحْوهَا، وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس عَن سِيبَوَيْهٍ: معنى أما بعد، مهما يكن من شَيْء، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: إِذا كَانَ رجل فِي حَدِيث وَأَرَادَ أَن يَأْتِي بِغَيْرِهِ قَالَ: أما بعد، وَأَجَازَ الْفراء: أما بعدا، بِالنّصب والتنوين، و: أما بعد، بِالرَّفْع والتنوين، وَأجَاب هِشَام: أما بعد، بِفَتْح الدَّال. وَاعْلَم أَن: بعد وَقبل، من الظروف الَّتِي قطعت عَن الْإِضَافَة، فَإِذا أُرِيد مِنْهُمَا الْمُضَاف إِلَيْهِ الْمُتَعَيّن بعد الْقطع يبْنى وَلَا يعرب، وَيكون بناؤهما على الضَّم لِأَن بناءهما عَارض يَزُول بِالْإِضَافَة، فَكَانَت الْحَرَكَة ضمة لِأَنَّهَا لَا توهم إعرابا، لِأَن الضَّم لَا يدخلهما مضافين. وَفِي (الْمُحكم) : مَعْنَاهُ أما بعد دعائي لَك. وَفِي (الْجَامِع) : يَعْنِي بعد الْكَلَام الْمُتَقَدّم، أَو بعد مَا بَلغنِي من الْخَبَر.
وَاخْتلف فِي أول من قَالَهَا. فَقيل: دَاوُد، عليه الصلاة والسلام، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَفِي اسناده ضعف، وَقيل: قس بن سَاعِدَة. وَقيل: يعرب بن قحطان. وَقيل: كَعْب بن لؤَي جد النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَقيل: سحبان بن وَائِل. وَفِي (غرائب مَالك) للدارقطني بِسَنَد ضَعِيف: (لما جَاءَ ملك الْمَوْت إِلَى يَعْقُوب، عليه الصلاة والسلام، قَالَ يَعْقُوب فِي جملَة كَلَامه: أما بعد، فَإنَّا أهل بَيت مُوكل بِنَا الْبلَاء) ، وَذكر الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن عبد الله الرهاوي أَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، رووا هَذِه اللَّفْظَة عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، مِنْهُم: سعد بن أبي وَقاص وَابْن مَسْعُود وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَمْرو وَعبد الله وَالْفضل ابْنا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَجَابِر بن عبد الله وَأَبُو هُرَيْرَة وَسمرَة بن جُنْدُب وعدي بن حَاتِم وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ وَعقبَة بن عَامر والطفيل بن سَخْبَرَة وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَزيد بن أَرقم وَأَبُو بكرَة وَأنس بن مَالك وَزيد بن خَالِد وقرة بن دعموص والمسور بن مخرمَة وَجَابِر بن سَمُرَة وَعَمْرو بن ثَعْلَبَة ورزين بن أنس السّلمِيّ وَالْأسود بن سريع وَأَبُو شُرَيْح بن عَمْرو وَعَمْرو بن حزم وَعبد الله ابْن عليم وَعقبَة بن مَالك وَأَسْمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ.
رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
أَي: روى القَوْل بِكَلِمَة: أما بعد، فِي الْخطْبَة عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي آخر هَذَا الْبَاب: عَن إِسْمَاعِيل بن أبان عَن ابْن الغسيل عَن عِكْرِمَة: (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: صعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَر) الحَدِيث.
45 -
(وَقَالَ مَحْمُود حَدثنَا أَبُو أُسَامَة قَالَ حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة قَالَ أَخْبَرتنِي فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت دخلت على عَائِشَة رضي الله عنها وَالنَّاس يصلونَ قلت مَا شَأْن النَّاس فَأَشَارَتْ برأسها إِلَى السَّمَاء فَقلت آيَة فَأَشَارَتْ برأسها أَي نعم قَالَت فَأطَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - جدا حَتَّى تجلاني الغشي وَإِلَى جَنْبي قربَة فِيهَا مَاء ففتحتها فَجعلت أصب مِنْهَا على رَأْسِي فَانْصَرف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - وَقد تجلت الشَّمْس فَخَطب النَّاس وَحمد الله بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ أما بعد قَالَت ولغط نسْوَة من الْأَنْصَار فَانْكَفَأت إلَيْهِنَّ لأسكتهن فَقلت لعَائِشَة مَا قَالَ قَالَت قَالَ من شَيْء لم أكن أريته إِلَّا قد رَأَيْته فِي مقَامي هَذَا حَتَّى الْجنَّة وَالنَّار وَإنَّهُ قد أُوحِي إِلَيّ أَنكُمْ تفتنون فِي الْقُبُور مثل أَو قَرِيبا من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال يُؤْتى أحدكُم فَيُقَال لَهُ مَا علمك بِهَذَا الرجل فَأَما الْمُؤمن أَو قَالَ الموقن شكّ هِشَام فَيَقُول هُوَ رَسُول الله هُوَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم َ - جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهدى فَآمَنا وأجبنا وَاتَّبَعنَا وصدقنا فَيُقَال لَهُ نم صَالحا قد كُنَّا نعلم أَن كنت لتؤمن بِهِ وَأما الْمُنَافِق أَو قَالَ المرتاب شكّ هَاشم فَيُقَال لَهُ مَا علمك بِهَذَا الرجل فَيَقُول لَا أَدْرِي سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فَقلت قَالَ هِشَام فَلَقَد قَالَت لي فَاطِمَة فأوعيته غير أَنَّهَا ذكرت مَا يغلط عَلَيْهِ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِي قَوْله " ثمَّ قَالَ أما بعد ". (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول مَحْمُود بن غيلَان أحد مشايخه مر فِي بَاب النّوم قبل الْعشَاء. الثَّانِي أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ وَقد تكَرر ذكره. الثَّالِث هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام وَقد تكَرر ذكره. الرَّابِع فَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير بن الْعَوام امْرَأَة هِشَام بن عُرْوَة. الْخَامِس أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق أم عبد الله بن الزبير وَعُرْوَة أُخْت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه قَالَ مَحْمُود وَلم يقل حَدثنَا مَحْمُود أَو أخبرنَا لِأَن الظَّاهِر أَنه ذكره لَهُ محاورة ومذاكرة لَا نقلا وتحميلا لَكِن كَلَام أبي نعيم فِي الْمُسْتَخْرج يشْعر بِأَنَّهُ قَالَ حَدثنَا مَحْمُود وَفِيه رِوَايَة الرجل عَن بنت عَمه وَزَوجته وَفِيه رِوَايَة التابعية عَن الصحابية وَفِيه رِوَايَة الصحابية عَن الصحابية وَفِيه شيخ البُخَارِيّ مروزي وَشَيْخه كُوفِي والبقية مَدَنِيَّة (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع قد بَيناهُ فِي بَاب من أجَاب الْفتيا بِإِشَارَة الْيَد وَالرَّأْس فِي كتاب الْعلم وَقد ذكرنَا أَيْضا من أخرجه غير البُخَارِيّ وَذكرنَا جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ هُنَاكَ وَنَذْكُر هَهُنَا مُخْتَصرا عَمَّا قد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ وَمَا لم نذكرهُ قَوْله " وَالنَّاس يصلونَ " جملَة حَالية قَوْله " مَا شَأْن النَّاس " أَي قَائِمين فزعين قَوْله " فَأَشَارَتْ " أَي عَائِشَة قَوْله " فَقلت آيَة " أَصله بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام أَي آيَة وارتفاعها على أَنَّهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي أَهِي آيَة أَي
عَلامَة لعذاب النَّاس كَأَنَّهَا مُقَدّمَة لَهُ قَوْله " حَتَّى تجلاني " بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْجِيم وَتَشْديد اللَّام وَأَصله تجللني أَي علاني وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة هُنَاكَ قَوْله " الغشي " بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره يَاء آخر الْحُرُوف مُخَفّفَة من غشي عَلَيْهِ غشية وغشيا وغشيانا فَهُوَ مغشي عَلَيْهِ واستغشى بِثَوْبِهِ وتغشى أَي تغطى بِهِ قَوْله " وَقد تجلت الشَّمْس " جملَة حَالية أَي انكشفت قَوْله " ثمَّ قَالَ أما بعد " هَذَا لم يذكر هُنَاكَ قَالَ الْكرْمَانِي كلمة أما لَا بُد لَهَا من أُخْت فَمَا هِيَ إِذا وَقعت بعد الثَّنَاء على الله كَمَا هُوَ الْعَادة فِي ديباجة الرسائل والكتب بِأَن يُقَال الْحَمد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُول الله أما بعد وَأجَاب بِأَن الثَّنَاء أَو الْحَمد مقدم عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ أما الثَّنَاء على الله فَكَذَا وَأما بعد فَكَذَا وَلَا يلْزم فِي قسيمه أَن يُصَرح بِلَفْظِهِ بل يَكْتَفِي مَا يقوم مقَامه قيل هِيَ من أفْصح الْكَلَام وَهُوَ فصل بَين الثَّنَاء على الله وَبَين الْخَبَر الَّذِي يُرِيد الْخَطِيب إِعْلَام النَّاس بِهِ وَمثل هَذِه الْكَلِمَة تسمى بفصل الْخطاب الَّذِي أُوتِيَ دَاوُد عليه الصلاة والسلام لِأَنَّهُ فصل مَا تقدم وَقَالَ الْحسن هِيَ فصل الْقَضَاء وَهِي " الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر " قَوْله " لغط نسْوَة من الْأَنْصَار " اللَّغط بِالتَّحْرِيكِ الْأَصْوَات الْمُخْتَلفَة الَّتِي لَا تفهم قَالَ ابْن التِّين ضَبطه بَعضهم بِفَتْح الْغَيْن وَبَعْضهمْ بِكَسْرِهَا وَهُوَ عِنْد أهل اللُّغَة بِالْفَتْح قَوْله " فَانْكَفَأت " أَي ملت بوجهي وَرجعت إلَيْهِنَّ لأسكتهن وَأَصله من كفأت الْإِنَاء إِذا أملته وكببته قَوْله " مَا من شَيْء " كلمة مَا للنَّفْي وَكلمَة من زَائِدَة لتأكيد النَّفْي وَشَيْء اسْم مَا وَقَوله " لم أكن أريته " جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا صفة لشَيْء وَهُوَ مَرْفُوع فِي الأَصْل وَإِن كَانَ جر بِمن الزَّائِدَة وَاسم أكن مستتر فِيهِ وأريته بِضَم الْهمزَة جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا خبر لم أكن قَوْله " إِلَّا وَقد رَأَيْته " اسْتثِْنَاء مفرغ وَتَحْقِيق الْكَلَام قد ذَكرْنَاهُ قَوْله " حَتَّى الْجنَّة وَالنَّار " يجوز فيهمَا الرّفْع على أَن تكون حَتَّى ابتدائية وَرفع الْجنَّة على الِابْتِدَاء مَحْذُوف الْخَبَر تَقْدِيره حَتَّى الْجنَّة مرئية وَالنَّار عطف عَلَيْهَا وَيجوز فيهمَا النصب على أَن تكون حَتَّى عاطفة على الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي رَأَيْته وَيجوز الْجَرّ أَيْضا على أَن تكون حَتَّى جَارة قَوْله " أُوحِي إِلَيّ " على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " أَنكُمْ " بِفَتْح الْهمزَة قَوْله " مثل أَو قَرِيبا " أَصله مثل فتْنَة الدَّجَّال أَو قَرِيبا من فتْنَة الدَّجَّال وتحقيقه قد مر قَوْله " يُؤْتى " على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " الموقن " أَي الْمُصدق بنبوة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم َ - أَو الموقن بنبوته قَوْله " صَالحا " أَي مُنْتَفعا بأعمالك قَوْله " أَن كنت " أَن هَذِه مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة أَي أَن الشَّأْن كنت وَهِي مكسوة وَدخلت اللَّام فِي قَوْله " لموقنا " لتفرق بَين أَن هَذِه وَبَين أَن النافية قَوْله " الْمُنَافِق " هُوَ الْمظهر خلاف مَا يبطن والمرتاب الشاك وَهُوَ فِي مُقَابلَة الموقن وَهَذَا اللَّفْظ مُشْتَرك فِيهِ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَالْفرق تقديري قَوْله " فأوعيته " الأَصْل فِي مثل هَذَا أَن يُقَال وعيته يُقَال وعيت الْعلم وأوعيت الْمَتَاع وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي حَدِيث الْإِسْرَاء ذكر فِي كل سَمَاء أَنْبيَاء قد سماهم فأوعيت مِنْهُم إِدْرِيس فِي الثَّانِيَة هَكَذَا رُوِيَ فَإِن صَحَّ فَيكون مَعْنَاهُ أدخلته فِي وعَاء قلبِي يُقَال أوعيت الشَّيْء فِي الْوِعَاء إِذا أدخلته فِيهِ وَلَو روى وعيت بِمَعْنى حفظت لَكَانَ أبين وَأظْهر يُقَال وعيت الحَدِيث أعيه وعيا فَأَنا واع إِذا حفظته وفهمته وَفُلَان أوعى من فلَان أَي أحفظ وَأفهم وَهَهُنَا كَذَلِك إِن صحت الرِّوَايَة فَيكون مَعْنَاهُ أدخلته فِي وعَاء قلبِي وَإِلَّا فَالْقِيَاس وعيته بِدُونِ الْهمزَة فَافْهَم وَفِي بعض النّسخ فوعيته على الأَصْل قَوْله " مَا يغلظ عَلَيْهِ " ويروى " مَا يغلظ فِيهِ "(وَمَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) الافتتان فِي الْقَبْر وَهُوَ الاختبار وَلَا فتْنَة أعظم من هَذِه الْفِتْنَة وَقد وَردت فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة. مِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " إِذا قبر الْمَيِّت أَو قَالَ أحدكُم أَتَاهُ ملكان أسودان أزرقان يُقَال لأَحَدهمَا الْمُنكر وَللْآخر النكير فَيَقُولَانِ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول مَا كَانَ يَقُول هُوَ عبد الله وَرَسُوله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَيَقُولَانِ قد كُنَّا نعلم أَنَّك تَقول هَذَا ثمَّ يفسح لَهُ فِي قَبره سَبْعُونَ ذِرَاعا فِي سبعين ثمَّ ينور لَهُ فِيهِ ثمَّ يُقَال لَهُ نم فَيَقُول أرجع إِلَى أَهلِي فَأخْبرهُم فَيَقُولَانِ نم كنومة الْعَرُوس الَّذِي لَا يوقظه إِلَّا أحب أَهله إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثهُ الله من مضجعه ذَلِك فَإِن كَانَ منافقا قَالَ سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ فَقلت مثله لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ قد كُنَّا نعلم أَنَّك تَقول ذَلِك فَيُقَال للْأَرْض التئمي عَلَيْهِ فتلتئم عَلَيْهِ فتختلف أضلاعه فَلَا يزَال فِيهَا معذبا حَتَّى يَبْعَثهُ الله من مضجعه ذَلِك " انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ التِّرْمِذِيّ من هَذَا الْوَجْه وَله طَرِيق آخر من رِوَايَة
سعيد بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة أخرجه ابْن مَاجَه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ " إِن الْمَيِّت يصير إِلَى الْقَبْر فيجلس الرجل الصَّالح فِي قَبره غير فزع وَلَا مشغوب ثمَّ يُقَال لَهُ فيمَ كنت فَيَقُول كنت فِي الْإِسْلَام فَيُقَال لَهُ مَا هَذَا الرجل فَيَقُول مُحَمَّد رَسُول الله جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ من عِنْد الله فَصَدَّقْنَاهُ فَيُقَال لَهُ هَل رَأَيْت الله فَيَقُول مَا يَنْبَغِي لأحد أَن يرى الله فتفرج لَهُ فُرْجَة قبل النَّار فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَا وقاك الله ثمَّ يفرج لَهُ فُرْجَة قبل الْجنَّة فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا فَيُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك وَيُقَال لَهُ على الْيَقِين كنت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله وَيجْلس الرجل السوء فِي قَبره فَزعًا مشغوبا فَيُقَال لَهُ فيمَ كنت فَيَقُول لَا أَدْرِي فَيُقَال لَهُ مَا هَذَا الرجل فَيَقُول سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ قولا فقلته فيفرج لَهُ قبل الْجنَّة فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَا صرف الله عَنْك ثمَّ يفرج لَهُ فُرْجَة إِلَى النَّار فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا فَيُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك على الشَّك كنت عَلَيْهِ ومت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله " وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي سنَنه الْكُبْرَى فِي التَّفْسِير وَفِي الْمَلَائِكَة من هَذَا الْوَجْه وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث أنس وَفِيه قَالَ " إِن الْمُؤمن إِذا وضع فِي قَبره أَتَاهُ ملك فَيَقُول لَهُ مَا كنت تعبد فَإِن الله إِذا هداه قَالَ كنت أعبد الله فَيُقَال لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول هُوَ عبد الله وَرَسُوله وَمَا يسْأَل عَن شَيْء غَيرهَا فَينْطَلق بِهِ إِلَى بَيت كَانَ لَهُ فِي النَّار فَيُقَال لَهُ هَذَا بَيْتك كَانَ فِي النَّار وَلَكِن الله عصمك ورحمك فأبدلك بِهِ بَيْتا فِي الْجنَّة فَيَقُول دَعونِي حَتَّى أذهب فأبشر أَهلِي فَيُقَال لَهُ اسكن وَإِن الْكَافِر إِذا وضع فِي قَبره أَتَاهُ ملك فيهزه فَيَقُول لَهُ مَا كنت تعبد فَيَقُول لَا أَدْرِي فَيَقُول لَهُ لَا دَريت وَلَا تليت فَيُقَال لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول كنت أَقُول مَا يَقُول النَّاس فيضربه بمطراق من حَدِيد بَين أُذُنَيْهِ فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا الْخلق غير الثقلَيْن " وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث الْبَراء على اخْتِلَاف طرقه وَفِيه " ثمَّ يقيض لَهُ أعمى أبكم مَعَه مرزبة من حَدِيد لَو ضرب بهَا جبل لصار تُرَابا قَالَ فَيضْرب ضَرْبَة يسْمعهَا من بَين الْمشرق وَالْمغْرب إِلَّا الثقلَيْن فَيصير تُرَابا ثمَّ يُعَاد فِيهِ الرّوح ". وَأخرج أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدِيث الْبَراء بن عَازِب " يَقُول العَبْد هُوَ رَسُول الله " الحَدِيث " وَفِيه يمثل لَهُ عمله فِي هَيْئَة رجل حسن الْوَجْه طيب الرّيح حسن الثِّيَاب فَيَقُول أبشر بِمَا أعد الله لَك أبشر برضوان الله تَعَالَى وجنات فِي نعيم مُقيم فَيَقُول بشرك الله بِخَير من أَنْت فوجهك الَّذِي جَاءَ بِالْخَيرِ فَيَقُول هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد أَنا عَمَلك الصَّالح ". وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا " فيأتيه الْملكَانِ أعينهما مثل قدور النّحاس " وَفِي رِوَايَة معمر " أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف مَعَهُمَا مرزبة من حَدِيد لَو اجْتمع عَلَيْهَا أهل الأَرْض لم يقلوها ". وَعند الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ " خلقهما لَا يشبه خلق الْآدَمِيّين وَلَا خلق الْمَلَائِكَة وَلَا خلق الطير وَلَا خلق الْبَهَائِم وَلَا خلق الْهَوَام بل هما خلق بديع " الحَدِيث وروى أَبُو نعيم من حَدِيث جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - يَقُول " إِن ابْن آدم لفي غَفلَة عَمَّا خلقه الله عز وجل " الحَدِيث وَفِيه " فَإِذا أَدخل حفرته رد الرّوح فِي جسده ثمَّ يرْتَفع ملك الْمَوْت ثمَّ جَاءَهُ ملكا الْقَبْر فامتحناه " وَذكر بَقِيَّة الحَدِيث. وَقد رُوِيَ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وهم أَبُو هُرَيْرَة عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالْبُخَارِيّ وَزيد بن ثَابت عِنْد مُسلم وَابْن عَبَّاس عِنْد السِّتَّة وَأَبُو أَيُّوب عِنْد الشَّيْخَيْنِ وَالنَّسَائِيّ وَأنس عِنْد الشَّيْخَيْنِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَجَابِر عِنْد ابْن مَاجَه وَعَائِشَة عِنْد الشَّيْخَيْنِ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو سعيد عِنْد ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره وَابْن عمر عِنْد النَّسَائِيّ وَعمر بن الْخطاب عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَسعد عِنْد البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَسْعُود عِنْد الطَّحَاوِيّ وَزيد بن أَرقم عِنْد مُسلم وَأَبُو بكرَة عِنْد النَّسَائِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن حَسَنَة عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَعبد الله بن عَمْرو عِنْد النَّسَائِيّ وَأَسْمَاء بنت أبي بكر عِنْد البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَسْمَاء بنت يزِيد عِنْد النَّسَائِيّ وَأم مُبشر عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأم خَالِد عِنْد البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ
46 -
(حَدثنَا مُحَمَّد بن معمر قَالَ حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن جرير بن حَازِم قَالَ سَمِعت الْحسن يَقُول حَدثنَا عَمْرو بن تغلب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - أُتِي بِمَال أَو سبي فَقَسمهُ فَأعْطى رجَالًا
وَترك رجَالًا فَبَلغهُ أَن الَّذين ترك عتبوا فَحَمدَ الله ثمَّ أثنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فوَاللَّه إِنِّي لأعطي الرجل وأدع الرجل وَالَّذِي أدع أحب إِلَيّ من الَّذِي أعطي وَلَكِن أعطي أَقْوَامًا لما أرى فِي قُلُوبهم من الْجزع والهلع وَأكل أَقْوَامًا إِلَى مَا جعل الله فِي قُلُوبهم من الْغنى وَالْخَيْر فيهم عَمْرو بن تغلب فوَاللَّه مَا أحب أَن لي بِكَلِمَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - حمر النعم " مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " ثمَّ قَالَ أما بعد ". (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول مُحَمَّد بن معمر بِفَتْح الميمين أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ الْعَبْسِي الْمَعْرُوف بالبحراني ضد البراني. الثَّانِي أَبُو عَاصِم النَّبِيل واسْمه الضَّحَّاك بن مخلد. الثَّالِث جرير بِفَتْح الْجِيم وتكرار الراءين ابْن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي. الرَّابِع الْحسن الْبَصْرِيّ. الْخَامِس عَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن تغلب بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة الْعَبْدي التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ رُوِيَ لَهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - حديثان رَوَاهُمَا البُخَارِيّ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين فِي الروَاة وَفِي مَوضِع آخر عَن الصَّحَابِيّ وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه السماع وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته كلهم بصريون وَفِيه أَن هَذَا الحَدِيث من إِفْرَاد البُخَارِيّ. وَأخرجه أَيْضا فِي الْخمس عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي التَّوْحِيد عَن أبي النُّعْمَان وَقَالَ عبد الْغَنِيّ لم يرو عَن عَمْرو بن تغلب غير الْحسن الْبَصْرِيّ فِيمَا قَالَه غير وَاحِد (قلت) لَعَلَّ مُرَاده فِي الصَّحِيح وَإِلَّا فقد قَالَ ابْن عبد الْبر أَن الحكم بن الْأَعْرَج روى عَنهُ أَيْضا كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمزي رحمه الله (فَإِن قلت) قَالَ الحكم وَعَلِيهِ الْجُمْهُور أَن شَرط البُخَارِيّ فِي صَحِيحه أَن لَا يذكر إِلَّا حَدِيثا رَوَاهُ صَحَابِيّ مَشْهُور عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - وَله راويان ثقتان فَأكْثر ثمَّ يرويهِ عَنهُ تَابِعِيّ مَشْهُور وَله أَيْضا راويان ثقتان فَأكْثر ثمَّ كَذَلِك فِي كل دَرَجَة وَهَذَا الحَدِيث لم يروه عَن عَمْرو بن تغلب إِلَّا راو وَاحِد وَهُوَ الْحسن (قلت) قد ذكرت لَك أَن الحكم بن الْأَعْرَج روى عَنهُ أَيْضا (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَتَى بِالْمَالِ أَو بِشَيْء " بالشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا همزَة ويروى بسبي بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف ويروى " أَو سبي " بِدُونِ حرف الْبَاء وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " أَتَى بِمَال من الْبَحْرين " قَوْله " فَبَلغهُ أَن الَّذين ترك " كَذَا بِخَط الْحَافِظ الدمياطي وَقَالَ الْحَافِظ قطب الدّين الَّذِي فِي أصل روايتنا " أَن الَّذِي ترك " (قلت) الضَّمِير الَّذِي فِي ترك يرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - ومفعوله مَحْذُوف تَقْدِيره أَن الَّذين تَركهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - عتبوا حَيْثُ حرمُوا عَن الْعَطاء وَأما وَجه أَن الَّذِي بإفراد الْمَوْصُول فعل تَقْدِير أَن الصِّنْف الَّذِي تَركه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قَوْله " أما بعد " أَي أما بعد الْحَمد لله تَعَالَى وَالثنَاء عَلَيْهِ قَوْله " وَإِنِّي أعطي الرجل " أعطي بِلَفْظ الْمُتَكَلّم لَا بِلَفْظ الْمَجْهُول من الْمَاضِي قَوْله " وأدع الرجل " أَي الرجل الآخر وأدع بِلَفْظ الْمُتَكَلّم أَيْضا أَي أترك قَوْله " من الَّذِي أعطي " على لفظ الْمُتَكَلّم أَيْضا ومفعول أعطي الَّذِي هُوَ صلَة الْمَوْصُول مَحْذُوف قَوْله " لما أرى " من نظر الْقلب لَا من نظر الْعين قَوْله " من الْجزع " بِالتَّحْرِيكِ ضد الصَّبْر يُقَال جزع جزعا وجزوعا فَهُوَ جزع وجازع وَقَالَ يَعْقُوب الْجزع الْفَزع وَقَالَ ابْن سَيّده وجزع وجزاع قَوْله " والهلع " بِالتَّحْرِيكِ أَيْضا وَهُوَ أفحش الْفَزع وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر لِأَحْمَد بن يحيى مَا الهلوع فَقَالَ قد فسره الله تَعَالَى حَيْثُ قَالَ {إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا} بقوله {إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعا وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعا} وَيُقَال الْهَلَع والهلاع والهلعان الْجُبْن عِنْد اللِّقَاء وَفِي أمالي ثَعْلَب الهلواعة الرجل الجبان وَفِي تَهْذِيب أبي مَنْصُور قَالَ الْحسن بن أبي الْحسن الهلوع الشره وَعَن الْفراء الضجور وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الهلوع الَّذِي يفزع ويجزع من الشَّرّ وَقَالَ الْقَزاز الْهَلَع سوء الْجزع وَرجل هلعته مِثَال همزَة إِذا كَانَ يجزع سَرِيعا قَوْله " من الْغنى وَالْخَيْر " أَي أتركهم مَعَ مَا وهب الله تَعَالَى لَهُم من غنى النَّفس فصبروا وتعففوا عَن الْمَسْأَلَة والشره قَوْله " بِكَلِمَة رَسُول الله " مثل هَذِه الْبَاء تسمى بِالْبَاء الْبَدَلِيَّة وباء الْمُقَابلَة نَحْو اعتضت بِهَذَا الثَّوْب خير مِنْهُ أَي مَا أحب أَن حمر النعم لي بدل
كلمة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - أَي يقابلها أَي هَذِه الْكَلِمَة كَانَت أحب إِلَيّ مِنْهَا وَكَيف لَا وَالْآخِرَة خير وَأبقى والحمر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم (تَابعه يُونُس) لم يُوجد هَذَا فِي كثير من النّسخ وَيُونُس هُوَ ابْن عبيد الله بن دِينَار الْعَبْدي الْمصْرِيّ وَوَصله أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ عَنهُ عَن الْحسن عَن عَمْرو بن ثَعْلَب -
924 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فصلى فِي المَسْجِدِ فصَلَّى رِجَال بِصَلاتِهِ فأصْبَحَ النَّاسُ فتَحَدَّثُوا فاجْتَمَعَ أكْثَرُ مِنْهُم فصَلُّوا معَهُ فأصْبَحَ النَّاسُ فتَحدَّثُوا فكثُرَ أهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَخَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلُّوا بِصَلاتِهِ فلَمَّا كانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عجَزَ المَسْجدُ عَنْ أهْلِهِ حتَّى خَرَجَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ فلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسَ فتشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّهُ لَمْ يَخْفَ علَيَّ مَكانَكُمْ لَكِنِّي خَشيتُ أنْ تُفْرَضَ علَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَتشهد ثمَّ قَالَ: أما بعد)، فَإِن قلت: التَّرْجَمَة هُوَ القَوْل فِي الْخطْبَة بِكَلِمَة: أما بعد، وَلَا ذكر للخطبة هَهُنَا؟ قلت: معنى قَوْله: (فَتشهد) ، هُوَ التَّشَهُّد فِي صدر الْخطْبَة، وَنَظِير هَذَا الحَدِيث قد مر فِي: بَاب إِذا كَانَ بَين الإِمَام وَالْقَوْم حَائِط أَو ستْرَة. أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد عَن عَبدة عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة (عَن عَائِشَة، قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي من اللَّيْل فِي حجرته. .) الحَدِيث. وَأخرجه فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب فضل من قَامَ رَمَضَان بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه: عَن يحيى ابْن بكير عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل بن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة إِلَى آخِره. . نَحوه، وَفِي آخِره:(فَتوفي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالْأَمر على ذَلِك) ، وَقد مضى بعض الْكَلَام هُنَاكَ، وَسَتَأْتِي الْبَقِيَّة فِي الصَّوْم، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
تابَعَهُ يُونُسُ
يُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَقد وَصله مُسلم من طَرِيقه عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب عَنهُ. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن زَكَرِيَّا بن يحيى عَن إِسْحَاق عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن يُونُس، وَقَالَ خلف: قَوْله: (تَابعه يُونُس) أَي: فِي قَوْله: (أما بعد) وَتَبعهُ الْمزي على ذَلِك. وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: إِنَّه روى جَمِيع الحَدِيث فَلَا يخْتَص: بأما بعد، فَقَط.
925 -
حدَّثنا أبُو اليَمَان قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُرَوة عنْ أبي حُمَيْدٍ هُو السَّاعِدِيُّ أنَّهُ أخبرهُ أنَّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قامَ عَشِيَّةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فتَشَهَّدَ وأثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أمَّا بَعْدُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان: هُوَ الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَأَبُو حميد اسْمه: عبد الرَّحْمَن وَقيل: غير ذَلِك، وَقد مر غير مرّة، وَهَذَا بعض حَدِيث ذكره فِي الزَّكَاة وَترك الْحِيَل وَالِاعْتِكَاف وَالنُّذُور (اسْتعْمل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يُقَال لَهُ: ابْن اللتيبة على الصَّدَقَة، فَلَمَّا قدم قَالَ: هَذَا لكم وَهَذَا أهْدى لي، فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على الْمِنْبَر، فَقَالَ: أما بعد، فَإِنِّي اسْتعْمل الرجل مِنْكُم) . وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو بن مُحَمَّد الناقذ وَابْن أبي عمر، وَأخرجه أَيْضا من وُجُوه كَثِيرَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجراح عَن أبي الطَّاهِر بن سرح وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أبي خلف، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ
تابَعَهُ أبُو مُعَاوِيَة وأبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي حُمَيْدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أمَّا بَعْدُ
أما مُتَابعَة أبي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن حَازِم الضَّرِير الْكُوفِي فأخرجها مُسلم فِي المغاوي عَن أبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي مُعَاوِيَة بِهِ، وَأما مُتَابعَة أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة فأخرجها البُخَارِيّ فِي الزَّكَاة.
وتابَعَهُ العَدَنِيُّ عنْ سُفْيَانَ فِي أمَّا بَعْدُ
الْعَدنِي هُوَ: مُحَمَّد بن يحيى، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأخرج مُسلم مُتَابعَة الْعَدنِي عَنهُ عَن هِشَام، قيل: يحْتَمل أَن يكون الْعَدنِي هُوَ: عبد الله بن الْوَلِيد، وسُفْيَان هُوَ: الثَّوْريّ، وَمن هَذَا الْوَجْه وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَفِيه: قَوْله: أما بعد. قلت: الَّذِي ذكره مُسلم هُوَ الْأَقْرَب إِلَى الصَّوَاب. قَوْله: (فِي: أما بعد) أَي: تَابعه فِي مُجَرّد كلمة: أما بعد، لَا فِي تَمام هَذَا الحَدِيث.
927 -
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبانَ قَالَ حدَّثنا ابنُ الغَسِيلِ قَالَ حدَّثنا عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ صَعِدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المِنْبَرَ وكانَ آخِرُ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفا مِلْحَفَةً عَلَى مَنْكِبَهِ قَدْ عَصَبَ رَاسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أيُّهَا النَّاسُ إلَيَّ فَثَابُوا إلَيْهِ ثُمَّ قالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّ هاذا الحَيَّ مِنَ الأنْصَارِ يَقِلُّونَ ويَكْثُرُ النَّاسُ فَمَنْ وُلِيَ شَيْئا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فاسْتَطَاعَ أنْ يُضِرَّ فِيهِ أحدا أوْ يَنْفَعَ فِيهِ أحدا فلْيَقُلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ ويتَجاوَزْ عنْ مُسِيئِهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: إِسْمَاعِيل بن أبان، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف نون: أَبُو إِسْحَاق الْوراق الْأَزْدِيّ الْكُوفِي. الثَّانِي: عبد الرَّحْمَن بن الغسيل، هُوَ: عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر الراهب الْمَعْرُوف بِابْن الغسيل الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، مَاتَ سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة، وحَنْظَلَة هُوَ غسيل الْمَلَائِكَة، اسْتشْهد بِأحد وغسلته الْمَلَائِكَة، فسألوا امْرَأَته فَقَالَت: سمع الهيعة وَهُوَ جنب فَلم يتَأَخَّر للاغتسال. الثَّالِث: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس. الرَّابِع: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن شَيْخه كُوفِي والبقية مدنيون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أبي نعيم، وَفِي فَضَائِل الْأَنْصَار عَن أَحْمد بن يَعْقُوب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل: عَن يُوسُف بن عِيسَى عَن وَكِيع عَنهُ مُخْتَصرا.