الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على اسْتِحْبَاب ذَلِك، قَالَ مَالك: وأدركنا الْأَئِمَّة يَفْعَلُونَهُ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك، فَإِن لم يفعل فَلَا حرج عَلَيْهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: أَخذ بِهَذَا بعض أهل الْعلم فاستحبه للْإِمَام، وَبِه يَقُول الشَّافِعِي، وَذكر فِي (الْأُم) : أَنه يسْتَحبّ للْإِمَام وَالْمَأْمُوم، وَبِه قَالَ أَكثر الشَّافِعِيَّة. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: لم يتَعَرَّض فِي (الْوَجِيز) إلاّ للْإِمَام، وبالتعميم قَالَ أَكثر أهل الْعلم، وَمِنْهُم من قَالَ: إِن علم الْمَعْنى وَثبتت الْعلَّة بَقِي الحكم، وإلاّ انْتَفَى بانتفائها، فَإِن لم يعلم الْمَعْنى بَقِي الِاقْتِدَاء. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يبْقى الحكم وَلَو انْتَفَت الْعلَّة للاقتداء، كَمَا فِي الرمل وَغَيره.
تابَعَهُ يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ عنْ فُلَيْحٍ عنْ سَعِيدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ وحَدِيثُ جَابِرٍ أصَحُّ
أَي: تَابع أَبَا تُمَيْلة يُونُس بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ أَبُو مُحَمَّد الْمُؤَدب، وَقد مر فِي: بَاب الْوضُوء مرَّتَيْنِ، ومتابعته إِيَّاه فِي رِوَايَته عَن فليح عَن سعيد الْمَذْكُور عَن أبي هُرَيْرَة، هَكَذَا وَقع عِنْد جُمْهُور رَوَاهُ البُخَارِيّ من طَرِيق الْفربرِي، وَلَكِن فِيهِ إِشْكَال وَاعْتِرَاض على البُخَارِيّ، لِأَن قَوْله:(وَحَدِيث جَابر أصح) يُنَافِي قَوْله: (تَابعه) ، لِأَن الْمُتَابَعَة تَقْتَضِي الْمُسَاوَاة، فَكيف تَقْتَضِي الأصحية؟ لِأَن قَوْله: أصح، أفعل التَّفْضِيل، فَيَقْتَضِي زِيَادَة على الْمفضل عَلَيْهِ، وَيَزُول الْإِشْكَال بِأحد الْوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: بِمَا ذكره أَبُو عَليّ الجبائي: إِنَّه سقط قَوْله: وَحَدِيث جَابر أصح من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن معقل النَّسَفِيّ عَن البُخَارِيّ. وَالْآخر: بِمَا ذكره أَبُو مَسْعُود فِي كِتَابه، قَالَ قَالَ: البُخَارِيّ فِي كتاب الْعِيدَيْنِ: قَالَ مُحَمَّد بن الصَّلْت: عَن فليح عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة بِنَحْوِ حَدِيث جَابر، فَقَالَ الغساني: لم يَقع لنا فِي (الْجَامِع) حَدِيث مُحَمَّد بن الصَّلْت إلاّ من طَرِيق أبي مَسْعُود، وَلَا غنى بِالْبَابِ عَنهُ لقَوْل البُخَارِيّ: وَحَدِيث جَابر أصح. قلت: حِينَئِذٍ تظهر الأصحية، لِأَنَّهُ يكون حَدِيث أبي هُرَيْرَة صَحِيحا وَيكون حَدِيث جَابر أصح مِنْهُ، أَلا ترى أَن التِّرْمِذِيّ روى فِي (جَامعه) : حَدثنَا عبد الْأَعْلَى وَأَبُو زرْعَة، قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن الصَّلْت عَن فليح ابْن سُلَيْمَان عَن سعيد بن الْحَارِث عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ:(كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا خرج يَوْم الْعِيد فِي طَرِيق رَجَعَ من غَيره)، ثمَّ قَالَ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة غَرِيب، وَرَوَاهُ أَبُو نعيم أَيْضا فِي مستخرجه بِمَا يزِيل الْإِشْكَال بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَالَ: أخرجه البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد عَن أبي تُمَيْلة، وَقَالَ: تَابعه يُونُس بن مُحَمَّد عَن فليح، وَقَالَ مُحَمَّد بن الصَّلْت: عَن فليح عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، وَحَدِيث جَابر أصح. وَبِهَذَا أَشَارَ البرقاني أَيْضا. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَنه وَقع كَذَلِك فِي بعض النّسخ، وَقد اعْترض على البُخَارِيّ أَيْضا بِوَجْهَيْنِ آخَرين: أَحدهمَا: هُوَ الَّذِي اعْتَرَضَهُ أَبُو مَسْعُود فِي (الْأَطْرَاف) على قَوْله: (تَابعه يُونُس) فَقَالَ: إِنَّمَا رَوَاهُ يُونُس بن مُحَمَّد عَن فليح عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، إلاّ جَابر. وَالْآخر: أَن البُخَارِيّ روى حَدِيث جَابر الْمَذْكُور وَحكم بِأَنَّهُ أصح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، مَعَ كَون البُخَارِيّ قد أَدخل أَبَا تُمَيْلة فِي كِتَابه فِي الضُّعَفَاء. وَأجِيب عَن الأول: بِمَنْع الْحصْر، فَإِن الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبا نعيم أخرجَا فِي (مستخرجيهما) من طَرِيق أبي بكر بن أبي شيبَة: عَن يُونُس عَن فليح عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة. وَعَن الثَّانِي: بِأَن أَبَا حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ: تحول أَبُو تُمَيْلة فِي كِتَابه فِي الضُّعَفَاء، فَإِنَّهُ ثِقَة، وَكَذَا وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَالنَّسَائِيّ وَمُحَمّد بن سعد، وَاحْتج بِهِ مُسلم وَبَقِيَّة السِّتَّة. وَقَالَ شَيخنَا الْحَافِظ زين الدّين، مدَار هَذَا الحَدِيث مَعَ هَذَا الِاخْتِلَاف على فليح بن سُلَيْمَان، وَهُوَ، إِن احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، فقد قَالَ فِيهِ ابْن معِين: لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ فِيهِ مرّة، لَيْسَ هَذَا بِثِقَة، وَقَالَ مرّة: ضَعِيف، وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا يحْتَج بحَديثه، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَلَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ السَّاجِي: ثِقَة، وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات.
25 -
(بابٌ إذَا فاتَهُ العِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: إِذا فَاتَت الرجل صَلَاة الْعِيد مَعَ الإِمَام يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَفهم من هَذِه التَّرْجَمَة حكمان: أَحدهمَا: أَن صَلَاة الْعِيد إِذا فَاتَت الرجل مَعَ الْجَمَاعَة فَإِنَّهُ يُصليهَا، سَوَاء كَانَ الْفَوْت بِعَارِض أَو غَيره. وَالْآخر: أَنَّهَا تقضي رَكْعَتَيْنِ كَأَصْلِهَا، وَفِي كل وَاحِد من الْوَجْهَيْنِ اخْتِلَاف الْعلمَاء.
أما الْوَجْه الأول: فقد قَالَ قوم: لَا قَضَاء عَلَيْهِ أصلا وَبِه قَالَ مَالك وَأَصْحَابه، وَهُوَ قَول الْمُزنِيّ، وَعند أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة كَذَلِك: لَا يَقْضِيهَا إِذا فَاتَت عَن الصَّلَاة مَعَ الإِمَام، وَأما إِذا فَاتَت عَنهُ مَعَ الإِمَام فَإِنَّهُ يُصليهَا مَعَ الْجَمَاعَة فِي الْيَوْم الثَّانِي. وَفِي قاضيخان: إِذا تَركهَا بِغَيْر عذر لَا يَقْضِيهَا أصلا، وبعذر يَقْضِيهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي فِي وَقتهَا، وَبِه قَالَ
الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأحمد وَإِسْحَاق. قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه أَقُول: فَإِن تَركهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي بِعُذْر أَو بِغَيْر عذر لَا يُصليهَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: من فَاتَتْهُ صَلَاة الْعِيد يُصَلِّي وَحده كَمَا يُصَلِّي مَعَ الإِمَام، وَهَذَا بِنَاء على أَن الْمُنْفَرد: هَل يُصَلِّي صَلَاة الْعِيد؟ عندنَا لَا يُصَلِّي، وَعِنْده يُصَلِّي. وَقَالَ السَّرخسِيّ: وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ، الْأَصَح قَضَاؤُهَا، فَإِن أمكن جمعهم فِي يومهم صلى بهم، وإلاّ صلاهَا من الْغَد، وَهُوَ فرع قَضَاء النَّوَافِل عِنْده، وعَلى القَوْل الآخر: هِيَ كَالْجُمُعَةِ يشْتَرط لَهَا الْجَمَاعَة وَالْأَرْبَعُونَ وَدَار الْإِقَامَة، وَفعله فِي الْغَد إِن قُلْنَا أَدَاء لَا يُصليهَا فِي بَقِيَّة الْيَوْم، وإلاّ صلاهَا فِي بَقِيَّته، وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدهم، وتأخرها عَنهُ لَا يسْقط أبدا. وَقيل: إِلَى آخر الشَّهْر.
وَأما الْوَجْه الثَّانِي: فقد قَالَت طَائِفَة: إِذا فَاتَت صَلَاة الْعِيد يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر، إلاّ أَن مَالِكًا اسْتحبَّ لَهُ ذَلِك من غيرإيجاب، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَا يجْهر بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يكبر تَكْبِير الإِمَام، وَلَيْسَ بِلَازِم. وَقَالَت طَائِفَة: يُصليهَا إِن شَاءَ أَرْبعا، رُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأحمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن شَاءَ صلى وَإِن شَاءَ لم يصل، فَإِن شَاءَ صلى أَرْبعا، وَإِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ إِسْحَاق: إِن صلى فِي الْجَبانَة صلى كَصَلَاة الإِمَام، فَإِن لم يصلِ فِيهَا صلى أَرْبعا.
وكَذالِكَ النِّسَاءُ
أَي: وَكَذَلِكَ النِّسَاء اللَّاتِي لم يحضرن الْمصلى مَعَ الإِمَام يصلين صَلَاة الْعِيد، والآن يَأْتِي دَلِيله.
ومَنْ كانَ فِي البُيُوتِ والقُرَى
وَكَذَلِكَ يُصَلِّي الْعِيد من كَانَ فِي الْبيُوت من الَّذين لَا يحْضرُون الْمصلى. قَوْله: (والقرى) أَي: وَكَذَلِكَ يُصَلِّي الْعِيد من كَانَ فِي الْقرى.
لِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم هاذا عِيدُنَا أهْلَ الإسْلَامِ
هَذَا دَلِيل لما تقدم من الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة. وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَنه أضَاف إِلَى كل أمة الْإِسْلَام من غير فرق بَين من كَانَ مَعَ الإِمَام أَو لم يكن. وَقَوله: (هَذَا عيدنا) قد مضى فِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فِي قصَّة المغنيتين. وَأما قَوْله:(أهل الْإِسْلَام)، فَقَالَ بعض الشُّرَّاح: كَأَنَّهُ من البُخَارِيّ، وَقيل: لَعَلَّه مَأْخُوذ من حَدِيث عقبَة بن عَامر مَرْفُوعا: (أَيَّام منى عيدنا أهل الْإِسْلَام)، وَهُوَ فِي (السّنَن) : وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة: (وَأهل الْإِسْلَام) ، بِالنّصب على أَنه منادى مُضَاف حذف مِنْهُ حرف النداء، أَو بِتَقْدِير: أَعنِي أَو أخص.
وأمَرَ أنَسُ بنُ مالَكٍ مَوْلَاهُمُ ابنَ عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أهْلَهُ وبَنِيهِ وَصَلَّى كَصَلاةِ أهْلِ المِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ
هَذَا التَّعْلِيق ذكره ابْن أبي شيبَة فَقَالَ: حَدثنَا ابْن علية عَن يُونُس، قَالَ: حَدثنِي بعض آل أنس بن مَالك أَن أنسا كَانَ رُبمَا جمع أَهله وحشمه يَوْم الْعِيد فَيصَلي بهم عبد الله بن أبي غنية رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (السّنَن) : أخبرنَا أَبُو الْحسن الْفَقِيه وَأَبُو الْحسن بن أبي سيد الإسفرايني حَدثنَا ابْن سهل بشر بن أَحْمد حَدثنَا حَمْزَة بن مُحَمَّد الْكَاتِب حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد حَدثنَا هشيم عَن عبد الله بن أبي بكر بن أنس بن مَالك، (قَالَ: كَانَ أنس بن مَالك إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة الْعِيد مَعَ الإِمَام جمع أَهله يُصَلِّي بهم مثل صَلَاة الإِمَام فِي الْعِيد) . قَالَ: وَيذكر عَن أنس أَنه كَانَ إِذا كَانَ بمنزله بالزاوية فَلم يشْهد الْعِيد بِالْبَصْرَةِ جمع موَالِيه وَولده ثمَّ يَأْمر مَوْلَاهُ عبد الله بن أبي غنية فَيصَلي بهم كَصَلَاة أهل الْمصر رَكْعَتَيْنِ، وَيكبر بهم كتكبيرهم. وَبِه قَالَ فِيمَا ذكره ابْن أبي شيبَة وَمُجاهد وَابْن الْحَنَفِيَّة وَإِبْرَاهِيم وَابْن سِيرِين وَحَمَّاد وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي. قَوْله:(وَأمر أنس مَوْلَاهُ) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (مَوْلَاهُم) . قَوْله: (ابْن أبي غنية) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ الْأَكْثَر الْأَشْهر. قَوْله:(بالزاوية) بالزاي، مَوضِع على فرسخين من الْبَصْرَة كَانَ بهَا قصر وَأَرْض لأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ يُقيم هُنَاكَ كثيرا، وَكَانَت بالزاوية وقْعَة عَظِيمَة بَين الْحجَّاج والأشعث. قَوْله: (بعض آل أنس بن مَالك، المُرَاد: عبيد الله بن أبي بكر بن أنس.