الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ سِيبَوَيْهِ: «وَسَأَلْتُهُ (يَعْنِي الْخَلِيلَ) عَنْ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً فَقَالَ: هَذَا وَاجِبٌ (أَيِ الرَّفْعُ وَاجِبٌ) وَهُوَ تَنْبِيهٌ كَأَنَّكَ قُلْتَ: أَتَسْمَعُ: أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَكَانَ كَذَا وَكَذَا اه.
وَالْمُخْضَرَّةُ: الَّتِي صَارَ لَوْنُهَا الْخُضْرَةَ. يُقَالُ: اخْضَرَّ الشَّيْءُ، كَمَا يُقَالُ: اصْفَرَّ الثَّمَرُ وَاحْمَرَّ، وَاسْوَدَّ الْأُفُقُ: وَصِيغَةُ افْعَلَّ مِمَّا يُصَاغُ لِلِاتِّصَافِ بِالْأَلْوَانِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ فِي مَوْقِعِ التَّعْلِيلِ لِلْإِنْزَالِ، أَيْ أَنْزَلَ الْمَاءَ الْمُتَفَرِّعَ عَلَيْهِ الِاخْضِرَارُ لِأَنَّهُ لَطِيفٌ، أَيْ رَفِيقٌ بِمَخْلُوقَاتِهِ، وَلِأَنَّهُ عَلِيمٌ بِتَرْتِيبِ الْمُسَبَّبَاتِ على أَسبَابهَا.
[64]
[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 64]
لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)
الْجُمْلَةُ خَبَرٌ ثَانٍ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [الْحَج: 63] لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْخَالِقِيَّةِ وَالْمُلْكِ الْحَقِّ لِيُعْلَمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ الْمُخْتَصُّ بِالْمَعْبُودِيَّةِ فَيُرَدَّ زَعْمُ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ الْأَصْنَامَ لَهُ شُرَكَاءُ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَصَرْفُ عِبَادَتِهِمْ إِلَى أَصْنَامِهِمْ، وَالْمُنَاسَبَةُ هِيَ ذِكْرُ إِنْزَالِ
الْمَطَرِ وَإِنْبَاتِ الْعُشْبِ فَمَا ذَلِكَ إِلَّا بَعْضُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ.
وَإِنَّمَا لَمْ تُعْطَفِ الْجُمْلَةُ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا مَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْغَرَضِ لِأَنَّ هَذِهِ تَتَنَزَّلُ مِنَ الْأُولَى مَنْزِلَةَ التَّذْيِيلِ بِالْعُمُومِ الشَّامِلِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمْلَةُ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ لَا تَتَضَمَّنُ تَذْكِيرًا بِنِعْمَةٍ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْقَصْرِ. أَيْ لَهُ ذَلِكَ لَا لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْنَامِكُمْ، إِنْ جَعَلْتَ الْقَصْرَ إِضَافِيًّا، أَوْ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِغِنَى غَيْرِهِ وَمَحْمُودِيَّتِهِ إِنْ جَعَلْتَ الْقَصْرَ ادِّعَائِيًّا.
وَنُبِّهَ بِوَصْفِ الْغِنَى عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْنَى الْغِنَى فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى أَنَّهُ عَدَمُ الِافْتِقَارِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ لَا إِلَى مَحَلٍّ وَلَا إِلَى مُخَصَّصٍ بِالْوُجُودِ دُونَ الْعَدَمِ وَالْعَكْسُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ افْتِقَارَ الْأَصْنَامِ إِلَى مَنْ يَصْنَعُهَا وَمَنْ يَنْقُلُهَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ وَمَنْ يَنْفُضُ عَنْهَا الْقَتَامَ وَالْقَذَرَ دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ الْإِلَهِيَّةِ عَنْهَا.
وَأَمَّا وَصْفُ الْحَمِيدُ بِمَعْنَى الْمَحْمُودِ كَثِيرًا، فَذِكْرُهُ لِمُزَاوَجَةِ وَصْفِ الْغِنَى لِأَنَّ الْغَنِيَّ مُفِيضٌ عَلَى النَّاسِ فَهُمْ يَحْمَدُونَهُ.
وَفِي ضَمِيرِ الْفَصْلِ إِفَادَةُ أَنَّهُ الْمُخْتَصُّ بِوَصْفِ الْغِنَى دُونَ الْأَصْنَامِ وَبِأَنَّهُ الْمُخْتَصُّ بِالْمَحْمُودِيَّةِ فَإِنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَكُونُوا يُوَجِّهُونَ الْحَمْدَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَكَّدَ الْحَصْرَ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ وَبِلَامِ الِابْتِدَاءِ تَحْقِيقًا لِنِسْبَةِ الْقَصْرِ إِلَى الْمَقْصُورِ كَقَوْلِ عَمْرو بن معد يكرب: «إِنِّي أَنَا الْمَوْتُ» . وَهَذَا التَّأْكِيدُ لِتَنْزِيلِ تَحَقُّقِهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِالْغِنَى أَوِ الْمَحْمُودِيَّةِ مَنْزِلَةَ الشَّكِّ أَوِ الْإِنْكَارِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْرُوا عَلَى مُوجِبِ عِلْمِهِمْ حِينَ عَبَدُوا غَيْرَهُ وَإِنَّمَا يُعْبَدُ مَنْ وَصفه الْغنى.