الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَوَّلَ الْإِصْحَاحَ 18. وَرُؤْيَا عُوبَدْيَا صَفْحَةَ 891 مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ) . وَرَوَى الْعِبْرِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ ذَا الْكِفْلِ لَمْ يَكُنْ نَبِيئًا. وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَةُ إِلْيَاسَ وَالْيَسَعَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ تَعْلِيلٌ لِإِدْخَالِهِمْ فِي الرَّحْمَةِ، وَتَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ يُفِيدُ أَنَّ تِلْكَ سُنَّةُ اللَّهِ مَعَ جَمِيع الصَّالِحين.
[87، 88]
[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 87 إِلَى 88]
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
عَطْفٌ عَلَى وَذَا الْكِفْلِ [الْأَنْبِيَاء: 85] . وَذِكْرُ ذِي النُّونِ فِي جُمْلَةِ مَنْ خُصُّوا بِالذِّكْرِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِأَجْلِ مَا فِي قَصَّتْهُ مِنَ الْآيَاتِ فِي الِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ وَالنَّدَمِ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنَ الْجَزَعِ وَاسْتِجَابَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ.
وَ (ذُو النُّونِ) وَصْفٌ، أَيْ صَاحِبُ الْحُوتِ. لُقِّبَ بِهِ يُونُسُ بْنُ مَتَّى- عليه السلام.
وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَتَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ مَعَ قَوْمِهِ فِي سُورَةِ يُونُسَ.
وَذَهَابُهُ مُغَاضِبًا قِيلَ خُرُوجُهُ غَضْبَانَ مِنْ قَوْمِهِ أَهْلِ (نِينَوَى) إِذْ أَبَوْا أَنْ يُؤْمِنُوا بِمَا أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِهِ وَهُمْ غَاضِبُونَ مِنْ دَعْوَتِهِ، فَالْمُغَاضَبَةُ مُفَاعَلَةٌ. وَهَذَا مُقْتَضَى الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: إِنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِهِمْ بَعْدَ مُدَّةٍ فَلَمَّا أَشْرَفَتِ الْمُدَّةُ عَلَى الِانْقِضَاءِ آمَنُوا فَخَرَجَ غَضْبَانَ مِنْ عَدَمِ تَحَقُّقِ مَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ، فَالْمُغَاضَبَةُ حِينَئِذٍ
لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْغَضَبِ لِأَنَّهُ غَضَبٌ غَرِيبٌ. وَهَذَا مُقْتَضَى الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ مُغاضِباً
حَالًا مُرَادًا بِهَا التَّشْبِيهُ، أَيْ خَرَجَ كالمغاضب. وَسَيَأْتِي تَفْصِيل هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ خَرَجَ خُرُوجًا غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ مِنَ اللَّهِ. ظَنَّ أَنَّهُ إِذَا ابْتَعَدَ عَنِ الْمَدِينَة الْمُرْسل هُوَ إِلَيْهَا يُرْسِلُ اللَّهُ غَيْرَهُ إِلَيْهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ (حَزْقِيَالَ) مَلِكَ إِسْرَائِيلَ كَانَ فِي زَمَنِهِ خَمْسَةُ أَنْبِيَاءَ مِنْهُمْ يُونُسُ، فَاخْتَارَهُ الْمَلِكُ لِيَذْهَبَ إِلَى أَهْلِ (نِينَوَى) لِدَعْوَتِهِمْ فَأَبَى وَقَالَ: هَاهُنَا أَنْبِيَاءُ غَيْرِي وَخرج مغاضبا للْملك. وَهَذَا بَعِيدٌ مِنَ الْقُرْآنِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى وَمِنْ كُتُبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَمَحَلُّ الْعِبْرَةِ مِنَ الْآيَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعْيِينِ الْقِصَّةِ.
وَمَعْنَى فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قِيلَ نَقْدِرُ مُضَارِعُ قَدَرَ عَلَيْهِ أَمْرًا بِمَعْنَى ضَيَّقَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ [الرَّعْد: 26] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ [الطَّلَاق: 7] ، أَيْ ظَنَّ أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ تَحْتِيمَ الْإِقَامَةِ مَعَ الْقَوْمِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أَوْ تَحْتِيمَ قِيَامِهِ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ سَقَطَ تَعَلُّقُ تَكْلِيفِ التَّبْلِيغِ عَنْهُ اجْتِهَادًا مِنْهُ، فَعُوتِبَ بِمَا حَلَّ بِهِ إِذْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْلِمَ رَبَّهُ عَمَّا يُرِيدُ فِعْلَهُ. وَفِي «الْكَشَّافِ» : أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: «لَقَدْ ضَرَبَتْنِي أَمْوَاجُ الْقُرْآنِ الْبَارِحَةُ فَغَرِقْتُ فَلَمْ أَجِدْ لِنَفْسِي خَلَاصًا إِلَّا بك. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقَرَأَ مُعَاوِيَةُ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ: أَوَ يَظُنُّ نَبِيءُ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مِنَ الْقَدْرِ لَا مِنَ الْقُدْرَةِ» . يَعْنِي التَّضْيِيقَ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ نَقْدِرَ هُنَا بِمَعْنَى نَحُكْمَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقُدْرَةِ، أَيْ ظَنَّ أَنْ لَنْ نُؤَاخِذَهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ دُونَ إِذْنٍ. وَنُقِلَ هَذَا عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالْكَلْبِيِّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ يُونُسُ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ.
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالتَّفْرِيعُ تَفْرِيعُ خُطُورِ هَذَا الظَّنِّ فِي نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْخُرُوجُ مِنْهُ بَادِرَةً بدافع الْغَضَب عَن غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِي لَوَازِمِهِ وَعَوَاقِبِهِ، قَالُوا: وَكَانَ فِي طَبْعِهِ ضِيقُ الصَّدْرِ.
وَقِيلَ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ. وَالتَّقْدِيرُ: أَفَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ؟
وَنُسِبَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ أَوْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ. قَالَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ فِي «تَفْسِيره» : وَقد قرىء بِهِ.
وَعِنْدِي فِيهِ تَأْوِيلَانِ آخَرَانِ وَهُمَا: أَنَّهُ ظَنَّ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحُوتِ أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُخَلِّصِهِ
فِي بَطْنِ الْحُوتِ لِأَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ مُسْتَحِيلًا عَادَةً، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّعْقِيبُ بِحَسَبِ الْوَاقِعَةِ، أَيْ ظَنَّ بَعْدَ أَنِ ابْتَلَعَهُ الْحُوتُ.
وَأَمَّا نِدَاؤُهُ رَبَّهُ فَذَلِكَ تَوْبَةٌ صَدَرَتْ مِنْهُ عَنْ تَقْصِيرِهِ أَوْ عَجَلَتِهِ أَوْ خَطَأِ اجْتِهَادِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ مُبَالَغَةً فِي اعْتِرَافِهِ بِظُلْمِ نَفْسِهِ، فَأَسْنَدَ إِلَيْهِ فِعْلَ الْكَوْنِ الدَّالَّ عَلَى رُسُوخِ الْوَصْفِ، وَجَعَلَ الْخَبَرَ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ فَرِيقِ الظَّالِمِينَ وَهُوَ أَدَلُّ عَلَى أَرْسَخِيَّةِ الْوَصْفِ، أَوْ أَنَّهُ ظَنَّ بِحَسَبِ الْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ أَنَّهُ يُهَاجِرُ مِنْ دَارِ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَظُنَّ أَنَّ اللَّهَ يَعُوقُهُ عَنْ ذَلِكَ إِذْ لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ.
وأَنِّي مُفَسِّرَةٌ لِفِعْلِ نَادَى.
وَتَقْدِيمُهُ الِاعْتِرَافَ بِالتَّوْحِيدِ مَعَ التَّسْبِيحِ كَنَّى بِهِ عَنِ انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّدْبِيرِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
وَالظُّلُمَاتُ: جَمْعُ ظُلْمَةٍ. وَالْمُرَادُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ قَعْرِ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ. وَقِيلَ: الظُّلُمَاتُ مُبَالَغَةٌ فِي شِدَّةِ الظُّلْمَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [الْبَقَرَة: 257] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّا نَظُنُّ أَنَّ «الظَّلَمَةَ» لَمْ تَرِدْ مُفْرَدَةً فِي الْقُرْآنِ.
وَالِاسْتِجَابَةُ: مُبَالَغَةٌ فِي الْإِجَابَةِ. وَهِيَ إِجَابَةُ تَوْبَتِهِ مِمَّا فَرَّطَ مِنْهُ. وَالْإِنْجَاءُ وَقَعَ حِينَ الِاسْتِجَابَةِ إِذِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَا بَقِيَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ إِلَّا سَاعَةً قَلِيلَةً، وَعَطَفَ بِالْوَاوِ هُنَا بِخِلَافِ عَطْفِ فَكَشَفْنا عَلَى فَاسْتَجَبْنا وَإِنْجَاؤُهُ هُوَ بِتَقْدِيرٍ وَتَكْوِينٍ فِي مِزَاجِ الْحُوتِ حَتَّى خَرَجَ الْحُوتُ إِلَى قرب الشاطئ فتقاياه فَخَرَجَ يَسْبَحُ إِلَى الشَّاطِئِ.
وَهَذَا الْحُوتُ هُوَ مِنْ صِنْفِ الْحُوتِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَبْتَلِعُ الْأَشْيَاءَ الضَّخْمَةَ وَلَا يَقْضِمُهَا بِأَسْنَانِهِ. وَشَاعَ بَيْنَ النَّاسِ تَسْمِيَةُ صِنْفٍ مِنَ الْحُوتِ بِحُوتِ يُونُسَ رَجْمًا بِالْغَيْبِ.
وَجُمْلَةُ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ تَذْيِيلٌ. وَالْإِشَارَةُ بِ كَذلِكَ إِلَى الْإِنْجَاءِ الَّذِي أَنْجَى بِهِ يُونُسَ، أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الْإِنْجَاءِ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ من غموم بِحَسب مِنْ يَقَعُ فِيهَا أَنَّ نَجَاتَهُ عَسِيرَةٌ. وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ بِأَنَّ اللَّهَ مُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْغَمِّ وَالنَّكَدِ الَّذِي يُلَاقُونَهُ مِنْ سُوءِ مُعَامَلَةِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ فِي بِلَادِهِمْ.
وَاعْلَمْ أَن كلمة فَنُجِّيَ كُتِبَتْ فِي الْمَصَاحِفِ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ كَمَا كُتِبَتْ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ
فِي قَوْلِهِ فِي [سُورَة يُوسُف: 110] فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ. وَوَجَّهَ أَبُو عَلِيٍّ هَذَا الرَّسْمَ بِأَنَّ النُّونَ الثَّانِيَةَ لَمَّا كَانَتْ سَاكِنَةً وَكَانَ وُقُوعُ الْجِيمِ بَعْدَهَا يَقْتَضِي إِخْفَاءَهَا لِأَنَّ النُّونَ السَّاكِنَةَ تُخْفَى مَعَ الْأَحْرُفِ الشَّجَرِيَّةِ وَهِيَ- الْجِيمُ وَالشِّينُ وَالضَّادُ- فَلَمَّا أُخْفِيَتْ حُذِفَتْ فِي النُّطْقِ فَشَابَهَ إِخْفَاؤُهَا حَالَةَ الْإِدْغَامِ فَحَذَفَهَا كَاتِبُ الْمُصْحَفِ فِي الْخَطِّ لِخَفَاءِ
النُّطْقِ بِهَا فِي اللَّفْظِ، أَيْ كَمَا حَذَفُوا نُونَ (إِنْ) مَعَ (لَا) فِي نَحْو «إِلَّا فَعَلُوهُ» مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تُدْغَمُ فِي اللَّامِ.
وَقَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ بِإِثْبَاتِ النُّونَيْنِ فِي النُّطْقِ فَيَكُونُ حَذْفُ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْخَطِّ مُجَرَّدَ تَنْبِيهٍ عَلَى اعْتِبَارٍ مِنِ اعْتِبَارَاتِ الْأَدَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ- بِنُونٍ وَاحِدَةٍ وَبِتَشْدِيدِ الْجِيمِ- عَلَى اعْتِبَارِ إِدْغَامِ النُّونِ فِي الْجِيمِ كَمَا تُدْغَمُ فِي اللَّامِ وَالرَّاءِ.
وَأنكر ذَلِك عَلَيْهِمَا أَبُو حَاتِمٍ وَالزَّجَّاجُ وَقَالَا: هُوَ لَحْنٌ. وَوَجَّهَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْفراء وثعلب قراءتهما بِأَن نُنْجِي سُكِّنَتْ يَاؤُهُ وَلَمْ تُحَرَّكْ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ بَقِي وَرَضِي فَيُسَكِّنُ الْيَاءَ كَمَا فِي قِرَاءَةِ الْحَسَنِ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا [الْبَقَرَة: 278] بِتَسْكِينِ يَاءِ بَقِيَ. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْقُتَبِيِّ أَنَّ النُّونَ الثَّانِيَةَ أُدْغِمَتْ فِي الْجِيمِ.
وَوَجَّهَ ابْنُ جِنِّي مُتَابِعًا لِلْأَخْفَشِ الصَّغِيرِ بِأَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: نُنَجِّي- بِفَتْحِ النُّونِ الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ- فَحُذِفَتِ النُّونُ الثَّانِيَةُ لِتَوَالِي الْمِثْلَيْنِ فَصَارَ نُجِّيَ. وَعَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِأَنَّ نُجِّيَ فِعْلُ مُضِيٍّ مَبْنِيٌّ لِلنَّائِبِ وَأَنَّ نَائِبَ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى النِّجَاءِ الْمَأْخُوذِ مِنَ الْفِعْلِ، أَوِ الْمَأْخُوذِ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ وَكَذلِكَ.
وَانْتَصَبَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجَوِّزُ إِنَابَةَ الْمَصْدَرِ مَعَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ بِهِ. كَمَا فِي قِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَرٍ لِيَجْزِيَ- بِفَتْحِ الزَّايِ- قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [الجاثية: 14] بِتَقْدِيرِ لِيُجْزَى الْجَزَاءَ قَوْمًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «الْكَشَّافِ» : إِنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ بَارِدُ التَّعَسُّفِ