الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يُعَدُّ غَافِلًا عَنْهُ، أَيْ أَنَّهُمْ لَمَّا جَاءَتْهُمْ دَعْوَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْإِيمَانِ وَإِنْذَارِهِمْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ اسْتَمَرُّوا عَلَى غَفْلَتِهِمْ عَنِ الْحِسَابِ بِسَبَبِ إِعْرَاضِهِمْ عَنْ دَلَائِلِ التَّذْكِيرِ بِهِ. فَكَانَتِ الْغَفْلَةُ عَنِ الْحِسَابِ مِنْهُمْ غَيْرَ مَقْلُوعَةٍ مِنْ نُفُوسِهِمْ بِسَبَبِ تَعْطِيلِهِمْ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَقْلَعَ الْغَفْلَةَ عَنْهُمْ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الدَّلَائِلِ الْمُثْبِتَةِ لِلْبَعْثِ.
[2، 3]
[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 2 الى 3]
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَاّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ.
جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الْأَنْبِيَاء: 1] لِبَيَانِ تَمَكُّنِ الْغَفْلَةِ مِنْهُمْ وَإِعْرَاضِهِمْ، بِأَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا فِي الْقُرْآنِ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ اشْتَغَلُوا عَنْهُ بِاللَّعِبِ
وَاللَّهْوِ فَلَمْ يَفْقَهُوا مَعَانِيَهُ وَكَانَ حَظُّهُمْ مِنْهُ سَمَاعَ أَلْفَاظِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ [الْبَقَرَةِ: 171] .
وَالذِّكْرُ: الْقُرْآنُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ لِإِفَادَةِ قُوَّةِ وَصْفِهِ بِالتَّذْكِيرِ.
وَالْمُحْدَثُ: الْجَدِيدُ. أَيِ الْجَدِيدُ نُزُولُهُ مُتَكَرِّرًا، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِالذِّكْرِ كُلَّمَا جَاءَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَزَالُونَ بِحَاجَةٍ إِلَى إِعَادَةِ التَّذْكِيرِ وَإِحْدَاثِهِ مَعَ قَطْعِ مَعْذِرَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانُوا سَمِعُوا ذِكْرًا وَاحِدًا فَلم يعبأوا بِهِ لَانْتَحَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ عُذْرًا كَانُوا سَاعَتَئِذٍ فِي غَفْلَةٍ، فَلَمَّا تَكَرَّرَ حَدَثَانُ إِتْيَانِهِ تَبَيَّنَ لِكُلِّ مُنْصِفٍ أَنَّهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْهُ صَدًّا.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فِي سُورَةِ [الشُّعَرَاءِ: 5] ، وَلَيْسَ المُرَاد بمحدث مَا قَابَلَ الْقَدِيمَ فِي اصْطِلَاحِ عِلْمِ الْكَلَامِ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ لِسِيَاقِ النَّظْمِ.
وَمَسْأَلَةُ صِفَةِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى تَقَدَّمَ الْخَوْضُ فِيهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً فِي سُورَةِ [النِّسَاءِ: 164] .
وَجُمْلَةُ اسْتَمَعُوهُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ النَّصْبِ فِي يَأْتِيهِمْ وَهَذَا الْحَالُ مُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ أَحْوَالٍ أَيْ مَا يَأْتِيهِمْ ذِكْرٌ فِي حَالٍ إِلَّا فِي حَالِ اسْتِمَاعِهِمْ.
وَجُمْلَةُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ حَالٌ لَازِمَةٌ مِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ فِي اسْتَمَعُوهُ مُقَيِّدَةٌ لِجُمْلَةِ اسْتَمَعُوهُ لِأَنَّ جُمْلَةَ اسْتَمَعُوهُ حَالٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِحَالٍ أُخْرَى هِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنَ التَّقْيِيدِ وَإِلَّا لَصَارَ الْكَلَامُ ثَنَاءً عَلَيْهِمْ. وَفَائِدَةُ هَذَا التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْحَالِيَّتَيْنِ الزِّيَادَةُ لِقَطْعِ مَعْذِرَتِهِمُ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ مُحْدَثٍ كَمَا عَلِمْتَ.
ولاهِيَةً قُلُوبُهُمْ حَالٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ فِي جُمْلَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَهِيَ احْتِرَاسٌ لِجُمْلَةِ اسْتَمَعُوهُ أَيِ اسْتِمَاعًا لَا وَعْيَ مَعَهُ.
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ.
جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ [الْأَنْبِيَاء: 1] إِلَى آخِرِهَا، لِأَنَّ كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ مَسُوقَةٌ لِذِكْرِ أَحْوَالِ تَلَقِّي الْمُشْرِكِينَ لِدَعْوَةِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم
بِالتَّكْذِيبِ وَالْبُهْتَانِ وَالتَّآمُرِ عَلَى رَفْضِهَا. فَالَّذِينَ ظَلَمُوا هُمُ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَوَاوُ الْجَمَاعَةِ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ الرَّاجِعَةُ إِلَى لِلنَّاسِ وَلَيْسَتْ جُمْلَةُ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لِأَنَّ مَضْمُونَهَا لَيْسَ فِي مَعْنَى التَّقْيِيدِ لِمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ.
وَ (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بَدَلٌ مِنْ وَاوِ الْجَمَاعَةِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ أَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنَ النَّجْوَى، وَلِمَا فِي الْمَوْصُولِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى سَبَبِ تَنَاجِيهِمْ بِمَا ذُكِرَ وَأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ كُفْرُهُمْ وَظُلْمُهُمْ أَنْفُسَهُمْ، وَلِلنِّدَاءِ عَلَى قُبْحِ مَا هُمْ مُتَّصِفُونَ بِهِ.
وَجُمْلَةُ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ بَدَلٌ مِنَ النَّجْوَى لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَا تَنَاجَوْا بِهِ، فَهُوَ بَدَلٌ مُطَابِقٌ. وَلَيْسَتْ هِيَ كَجُمْلَةِ قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ مِنْ جُمْلَةِ فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى فِي سُورَةِ [طَهَ: 62- 63] فَإِنَّ تِلْكَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ هُوَ آخِرُ مَا أَسْفَرَتْ عَلَيْهِ النَّجْوَى.
وَوَجْهُ إِسْرَارِهِمْ بِذَلِكَ الْكَلَامِ قَصْدُهُمْ أَنْ لَا يَطَّلِعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَا تَآمَرُوا بِهِ لِئَلَّا يَتَصَدَّى الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ حُجَّتَهُمْ فِي ذَلِكَ وَاهِيَةٌ يَرُومُونَ بِهَا أَنْ يُضَلِّلُوا الدَّهْمَاءَ، أَوْ أَنَّهُمْ أَسَرُّوا بِذَلِكَ لِفَرِيقٍ رَأَوْا مِنْهُمْ مَخَائِلَ التَّصْدِيقِ لِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَكَاثَرَ بِمَكَّةَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فَخَشَوْا أَنْ يَتَتَابَعَ دُخُولُ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ فَاخْتَلُوا بِقَوْمٍ مَا زَالُوا عَلَى الشِّرْكِ وَنَاجَوْهُمْ بِذَلِكَ لِيُدْخِلُوا الشَّكَّ فِي قُلُوبِهِمْ.
وَالنَّجْوَى: الْمُحَادَثَةُ الْخَفِيَّةُ. وَالْإِسْرَارُ: هُوَ الْكِتْمَانُ وَالْكَلَامُ الْخَفِيُّ جِدًّا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ فِي سُورَةِ [بَرَاءَةَ:
78] ، وَتَقَدَّمَ وَجْهُ جَعْلِ النَّجْوَى مَفْعُولًا لِ أَسَرُّوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَسَرُّوا النَّجْوَى فِي [سُورَةِ طَهَ: 62] ، أَيْ جَعَلُوا نَجْوَاهُمْ مَقْصُودَةً بِالْكِتْمَانِ وَبَالَغُوا فِي إِخْفَائِهَا لِأَنَّ شَأْنَ التَّشَاوُرِ فِي الْمُهِمِّ كِتْمَانُهُ كَيْلَا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الْمُخَالِفُ فَيُفْسِدَهُ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ إِنْكَارِيٌّ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ خَاطَبُوا مَنْ قَارَبَ أَنْ يُصَدِّقَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أَيْ فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ بِنُبُوءَتِهِ وَهُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ.